هل جربت الرقود على فراش الموت؟؟

السلام عليكم،

يقول ربنا تبارك وتعالى في محكم التنزيل "حتى إذا جاء أحدهم الموتُ قال رب ارجعون، لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هي قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون" ( سورة النور، الآيات 99 - 100 ).

لو كنتَ الآن على فراش الموت، وتعلم يقيناً أنّك بعد لحظات قلائل فقط، سوف تلفظ أنفاسك الأخيرة، فماذا كنتَ تتمنى أنك صعنتَ في حياتك؟

قال الله تبارك وتعالى في سورة الحشر "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ماقدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون".

التفكّر في لحظات الموت ومفارقة الأهل والأحبة هو أسلوب تربويّ إسلاميّ عظيم، جاء به القرآن الكريم قبل ألف وأربعمائة سنة.

__________________________________________________ ____

جِدْ مكاناً هادئاً، بعيداً عن الإزعاج والضجيج.

استرخ على مقعدٍ وثير، أو على فراش نومك.

خُذ أنفاساً عميقة وهادئة وبطيئة.

أفرغ ما بذهنك من الأفكار والمشاغل.

الآن تخيّل نفسك وأنت على فراش الموت، تزفر آخر أنفاسك!

من حولك يقف بضعة أشخاص، هم من أقربائك وأحبائك.

لا تستطيع أن تعيَ مَن حولك جيداً، فبصرك يغشاه لون رماديّ داكن لا تستبين معه ملامح هؤلاء.

تسمعُ أحدهم يحوقل ويسترجع، ويلقّنك الشهادة، ويسأل الله لك الثبات والرحمة والجنّة.

هناك شخصٌ آخر يقرأ القرآن بصوت شجيٍ باكٍ خفيض.

وآخرون تسمعهم يهمهمون بكلام غير مفهوم، الحزن يَغشى وجوههم.

استحضر هذا الموقف العظيم، عِشْ لحظاتِه بكل تفاصيلها. ميّز الألوان وافرزْها. كبر الصورة حتى تأخذ مساحة كاملةً أمامك تملأ مدى رؤيتك، من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال. إصغ جيداً للأصوات من حولك. ميز صوتَ زوجتك عن صوت أبيك عن صوت أبنائك الباكين من حولك. إشتم رائحة المشفى والمُخدّر والمطهرات.

ربما كان تخيل هذا الموقف مرعبٌ، وهو كذلك ولاشكّ. لا تتمادى كثيراً في الخيال، وقف عنده هذه النقطة.

الآن وأنتَ في لحظاتك الأخيرة، تودع الحياة، ماذا كنتَ تتمنى أنك صنعتَ في حياتك سالفاً؟

ضعْ قائمة بأمور تمنيتَ لو أنّك فعلتها في حياتك قبل أن يباغتك الموت، ولكنك لم تفعلها لإنك لم تفكر فيها، لم تلفت إليها، أو سوفت وماطلت حتى حان أجلك.

لا تبالغ في وضع قائمة من مائة نقطة! ولتكنْ قائمتك مركزة وصغيرة وموجزة، ليست أكثر من عشرة أمور تعتبرها الأهمّ في حياتك.

سجّل هذه النقاط في ورقة كبيرة بيضاء، واحتفظ بها حتى ترجع إليها متى احتجت إلى ذلك.

__________________________________________________ ____

أنّ التفكر في آخر يومٍ في الحياة والتأمل في لحظات الموت هو منهج تربوي إسلامي عظيم. وهو وإن كان يحمل بين ثناياه وفي جُنُباته رائحة الموت الكريهة - ذلك المجهول الذي نخشاه كل يوم وساعة ولحظة - إلا أنّ هذه الطريقة هي وسيلة خطيرة للغاية في تبييض أهداف الحياة وصقلها وإظهار ملامحها بارزةً ملموسةً محسوسة ملونة. ونحن هنا نتحدث عن الأهداف المصيرية، أو الأهداف النهائية.

وهذا ما تنبّه إليه بعض عُقلاء الغرب، والمتخصصون منهم في علوم النفس وتطوير المهارات البشرية، وقد وقفتُ بنفسي مرتين على هذه الطريقة في بعض الكتب والمحاضرات.

في كتابه "مائة طريقة لتحفيز ذاتك" للكاتب ستيف تشانلدر، كان "فراش الموت" هو المحفز رقم واحد! ويحكي فيه الكاتب عن تجربته مع معالجة نفسية طلبت إليه أن يتخيل أنه يستلقي على سرير الموت متحيناً اللحظات الأخيرة في حياته، مستحضراً الأحاسيس والمشاعر المتصلة بهذا الموقف المخيف. وأن يفكر بمن يحبّ، وماذا فات عليه في حياته كان يودّ لو أنه صنعه. وقد حكى الكاتب تجربته المريرة على سرير الموت، والفوضى العاطفية والبكاء المرير اللذين مر بهما أثناء هذه التجربة. لكن شيئاً ما أضاء في أفقه! لقد اتّضحت له أمور لم يتنبّه لها من قبل.

يقول الجنرال جورج باتون "قد يكون الموتُ أكثر إثارةً من الحياة".

أما الموقف الثاني الذي سمعت فيه عن تجربة التفكّر في الموت فكان محاضرة صوتية للدكتور ستيفن كوفي بعنوان "الأشياء الأوْلَى أولاً"، وهي تحمل عنوان كتاب لنفس الرجل. وستيفن كوفي غني عن التعريف خصوصاً لدى المهتمين بتطوير الذات والمهارات الإنسانية.

يؤكد كوفي كثيراً على تحديد الأهداف الإستراتيجية في الحياة عبر المرور بتجربة آخر يوم في الحياة. يقول كوفي بما معناه أنّ الأهداف التي تخرج بها من بعد هذه التجربة هي أهدافك القيادية Leadership Goals . وهي ببساطة تعني "ماهي الأشياء الصحيحة التي تريد أن تصنعها في حياتك". هذه الأشياء - أو الأهداف - هي ما ينبغي أن تعطيها أكثر وقتك وجُلّ جهدك كي تحققها. وما سواها ليس إلا أموراً طارئة لا ينبغي أن تشغل حيزاً كبيراً في حياتك.


هل جربت الرقود على فراش الموت؟

موضوع أعجبني... احببت نقله لكم يا أخواتي في الله ...