لقد أسمعت لو ناديت حياً
ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نار نفخت بها أضاءت
ولكن أنت تنفخ في رمادِ
....
هذا البيت اشتهر به عمر بن معدي الزبيدي،
وهو شاعر عاش بين عامي 525 و642 ميلادية،
....
و تعد هذه من الأبيات الشهيرة المتداولة بين العرب ،
في حياتهم اليومية كتعبير عن اليأس من إنسان..
لم يستجب للنصح ، واستخف به ، ولم يكترث إلى عاقبة أعماله
وهنالك قصة تروى وسطور تحكى في ذلك :
....
في مدينة ما ،كان هناك رجل بلغ من الثراءمبلغاً كبيراً ،
و قد رزق بولد ماتت أمه مذ كان صغيراً
ولأنه وحيده فقد ساقته العاطفة في تربيته ..
فأسرف عليه المال ، ولم يرد له طلبا
ولم يتعهده بالتقويم ، فضل طريق الصواب
وعاش مبذراً أنانياً واجتمع حوله أصحاب اللهو
...
أما الأب فقد كان كريماً على الفقراء
ولم يبخل بالمال على المحتاجين..
وحاول أن يغرس في ولده حب الإنفاق على الفقير ،
ومساعدة الغير ، ولكن لم يعد ينفع النصح .
....
ومرت الأيام وابتلي الرجل بمرضٍ شديدٍ
وخشي - بعد فوات الأوان - أن يبدد ابنه ثروته
فنصحه وبين له عاقبة إسرافه الفاسد ولكن بدون فائدة.
حيث أن أصحاب السوء كانوا يتحلقون حوله
و يزينون له السوء ،
ويصرفونه عن الاستماع لنصح أبيه
....
وعندما أحس الرجل الطيب بقرب أجله
استدعي خادمه المخلص وطلب منه أن يبني له سقفاً جيداً للقصر
فوق السقف القديم في مجلس القصر،
حيث يكون بين السقفين فراغ،
وأمره أن يضع هناك كمية كبيرة من الذهب،
وصنعت في السقف الجديد بوابةووضعت عليها سلسلة من الحديد
إذا تم سحبها للأسفل تنفتح ناحية الأرض!
....
واستدعى الرجل ولده وتوسل اليه
بآخر نصيحة وطلب قائلاً:
يا بني إذا مت، وضاعت كل الأموال وأغلقت أبواب الحياة في وجهك
وضاقت ظروفك فعدني ألا تبيع قصرنا هذا مهما بلغ الأمر ،
وإن يئست في يوم وتعجلت لتنهي حياتك
ففي المجلس الكبير بالقصر
سقف به سلسلة معلقة قم بشنق نفسك فيها حتى تموت ميته مستورة وسهلة!!
تعجب ولده وتساءل :
كيف ينصحني والدي بإنهاء حياتي بهذه الطريقة
وهو يحبني أشد الحب ؟!!
....
وبعد وفاة الرجل ضاقت الحياة بولده
بعد أن بدد ثروة أبيه
وأغلقت كل الأبواب في وجهه ،
وانفض عنه من كان يعدهم أصحاباً..
وضاقت به السبل ، وتمنى الموت ..
وتذكر قول أبيه عن السلسلة التي في مجلس القصر ..
فقرر الانتحار بربط السلسلة حول عنقه
وحين دفع الباب وهو معلق
سقط على السقف الآخر
ووجد نفسه محاطاً بكمية كبيرة من الذهب
فوجيء وانتابه فرح شديد فسجد شاكراً لله ،
وفهم مغزى كلام والده فترحم عليه.
.وقرر أن يصلح مسيرة حياته
و أن يعمل على استعادة أموال أبيه وأعماله وتجارته، ويقتفي سيرته
......
سمع أصدقاء السوء أن حاله تبدل مرة أخرى
فأسرعوا إليه مظهرين مودتهم طامعين في معاودة التواصل معه
ولكن الرجل فطن إلى نواياهم
وأدرك حقيقتهم ،
وأراد أن يبين لهم ذلك ..
.....
وجاءته الفرصة حين اجتمعوا وقرروا دعوته إلى وليمة على شرفه
فلبى دعوتهم..!
حضر ونظر أمامه فإذا هي مائدة حافلة بكل مالذ وطاب ..
وأصحابه كما كان يدعوهم واقفين له ..
مرحبين به منتظرين جلوسه .
....
ولكن ماذا فعل هذا الرجل ياترى ؟!
لم يجلس ، ولم يهش لهم ويشكر دعوتهم ..
بل قام بتصرف غريب !!
حيث أمسك بكم ثوبه الثمين
وبدأ يغمسه في كل صنف من الطعام ..
حتى انتهى ..!
ثم همّ بالانصراف دون أن يهتم لأمرهم
فاستغربوا من تصرفه وقال أحدهم :
لقد اعددنا على شرفك هذه الوليمة وأنت تتصرف بهذه الغرابة ؟
فقال لهم:
أنتم لم تدعوني أنا
بل دعوتم أموالي وثيابي ..
وها هو ثوبي قد لبى دعوتكم ،..
ثم قام بالانصراف!!!
....
خلاصة ~
من دروس الحياة القاسية نتعلم
وكم من ضالٍ أعيا الناصح نصحه،
فبقي على استخفافه وطيشه وغروره
حتى عضه ناب الأيام فأوجعه ..
فمنهم من فهم الدرس ،
واستفاد من المحنة
وفتحت له الحياة فرصة أخرى لإصلاح نفسه
فأصلحها .. كهذا الفتى!
ومنهم من لم يستفد من الدرس ..
فعاد لاعوجاجه حين استقامت له الدنيا .
..قرأتها وكتب قلمي حروفها.
على القصة المعبرة
بما فيها من عظة بالغة
لعلها تدخل قلوبنا جميعا !
وجزاك الله خيرا ❤️