كاندريل @kandryl
عضوة مميزة
هل ذبح الاضاحي أفسد البيئة ؟! ( مقال رائع ) ,
مقال أعجبني وحبيت اهديه لكم
ياليت تقفون معه بعمق ...
الكاتب خليل الحدري جامعة ام القرى بمكة
هل ذبح الأضاحي أفسد البيئة بروائح الأغنام ودمائها ؟
منطقة الرياض عاشت عيدها الأضحى كئيبة حسيرة كسيرة مزكومة الأنف بين سيول الدماء ، وروائح الأغنام ، هكذا قال أحد كتاب صحيفة الرياض في عددها الصادر يوم الحادي عشر من شهر ذي الحجة عام 1429هـ ، ثاني أيام العيد ، وأول أيام التشريق ، في طرح تقرأ في سطوره الاستهزاء بشعيرة من شعائر الله تعالى ، شعيرة ( ذبح الأضاحي ) تقربا لله تعالى في يوم عيد الأضحى ، وما يستتبع ذلك من مغفرة الذنب لصاحبها مع أول قطرة دم يهريقها المضحي في سبيل الله .
وعلى الشق الآخر من مقال الكاتب ، وإذن الصحيفة بذلك ، تبرز لنا منطقة أخرى من مناطق المملكة وهي المنطقة الغربية التي عاشت عيدها الأضحى - كما يصورها الكاتب – مستمتعة بمشاهدة الأفلام السينمائية ، فغيَّب العمل السينمائي – على حد تصوره - روائح الأغنام في جدة والطائف ، وهو اختراع جديد تسجل براءته لهذا الكاتب العظيم ، الذي صور مدينتي جدة والطائف وقد استبدلتا تلك ( الأضاحي ) بـ ( الضحايا ) من هواة السينما في تلكم المدينتين ، ولتعذروني ، فإن الذي يشتغل بالأفلام السينمائية يوم عيد الأضحى عن هذه الأعمال الجليلة ، وهو من أهلها القادرين عليها ، يعتبر ضحية بلا شك .
يقول الكاتب : " للرياض طعم مختلف في فترة الأعياد، ففي عيد الفطر تجد الشوارع مزدحمة والمسرحيات تقام في كل مكان والألعاب النارية تملأ السماء. وفي عيد الأضحى لا تجد شيئاً من هذا القبيل، لا شيء عدا روائح الأغنام وسيول من الدماء. ولا أعلم ما السبب في كل تلك الكآبة التي تخيم على الرياض والتي لا تتناسب مع طبيعة الأعياد المفرحة والمبهجة؟! "
بل تأملوا وصفه لشباب الرياض وهم يعبدون الله بالذبح كجانب تعبدي محض ، ثم يعبدونه برحلاتهم اليومية وهم يوزعون الأضاحي على الأقارب والجيران والفقراء في عمل تكافلي اجتماعي ، ومسلك إسلامي يدعم العلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع ، حيث يقول :" الأمر الأكثر حزناً وإيلاماً في عيدنا الحالي، أن شباب الرياض وبينما هم وسط رحلتهم اليومية لتوزيع لحوم الأضاحي في الأكياس الشفافة على الأقارب والجيران، يصطف شباب جدة والطائف لحجز مقاعدهم لمشاهدة أفلام سعودية لنجوم الصف الأول في الكوميديا السعودية "
وقبل أن أبدأ في التعليق على المقال أقدم التهنئة العاطرة لشباب الرياض على هذا العمل التعبدي ، والجهد التربوي ، والتكافل الاجتماعي ، والعلاقات الإنسانية النبيلة في متابعة النفس والقريب والجار والفقير بالصدقة والهدية ، وأقدم التعزية للكاتب في وفاة عدله ، ورحيل فهمه ، وانهيار تصوره ، وأسر شيطانه ، حين مارس التضليل ، وقلب الحقائق الشرعية ، فجعل ذبح الأضحية وتقسيمها على أهل البيت والجيران والفقراء كآبة خيمت على سماء الرياض وزكمت أنوف أهلها بالدماء وروائح الأغنام ، ووصف أعمال العبادة في هذا اليوم العظيم بأنها تورث الحزن والألم !!! ولا مانع أن أقدم التعزية الثانية لشباب جدة والطائف الذين أعرضوا عن هذه الأعمال العظيمة ( حسب وصف الكاتب ) تاركين الوقت والجهد والمال للاصطفاف في طوابير طويلة يحجزون مقاعدهم للاستمتاع بالأفلام السينمائية يوم عيد الأضحى المبارك !!! مع يقيني أن هذا الكاتب قد أعظم الفرية بهذا التعميم الصحفي الهابط على شباب المدينتين ، ولتعذروني يا إخوتي شباب جدة والطائف ، فقد جعلت نفسي مكان أحد قراء صحيفة الرياض خارج المملكة بدأ بدول الخليج ، ثم دول العالم العربي ، ثم الإسلامي ، وتخيلتكم يا أحفاد الصحابة ، ومكة المكرمة بعبقها وروحانيتها ونورها تسكن بين مدينتيكم ، تخيلتكم أمام العالم بهذه الصورة ، وقلت في نفسي ؟ لمن لا يعرف المملكة في يوم عيد الأضحى ، كيف سيتصور شبابها بعد هذا المقال ؟ أما تصوري أنا ، فأشهد ويشهد معي الكثير أن الخير فيكم وفي جميع شباب بلادنا ، مهما كان التقصير - وأن كان لكل قاعدة شواذ - وأن وصف الكاتب لكم بهذه الأوصاف في مقابل أوصاف شباب الرياض يوم عيد الأضحى ، إنما هي ظلم وجور وعدوان وافتراءً وتضليل وتشويه للسمعة مع سبق الإصرار والترصد .
معاشر القراء : لست هنا أتحدث عن حكم السينما فالقول فيها للمنطق العلمي والعقلي من أهل العمق في تحليل القضايا ، ودراسة أبعادها المختلفة ، ورؤية آثارها القريبة والبعيدة على الفرد والمجتمع ، ثم معالجتها معالجة واعية ، من خلال عمل منهجي ، في ضوء دين يحكم مسيرة بلدنا في أموره كلها .
إنما أنا في هذا المقام أمام انحراف فكري صحفي نزق ، يجعل ذبح الأضحية في مدينة الرياض في كفة ، ويجعل سينما " جدة والطائف " في كفة أخرى ، مقسما شباب وطني أمام العالم – في تعميم ممجوج - إلى فريقين متناقضين : عاملين وعاطلين ، عابدين وجاحدين ، محبين للعبادة وهاربين منها ، معظمين للشعائر ومستخفين بها ، مستمتعين مع سينما ( مناحي ) وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ، محرومين يتتبعون الجيران والفقراء في عدد من ( المناحي ) وكأنه يقول كثمرة من ثمرات هذه المقارنة : فأي الفريقين أحق بالسعادة إن كنتم تعلمون ، ألذين أشغلتهم الرحلات اليومية مع الروائح الكريهة والدماء المراقة ، أم رواد سينما العم ( مناحي ) و ( صباح الليل ) .
وإذا عدت إلى القضية الأساس التي أقضت مضجع الكاتب ، تعجبت كيف أشغل المسلمين في هذا الموسم العظيم عن نفحات ربهم ، وصرف تفكيرهم عن موسم الحج الأكبر - الذي لا يتكرر في السنة إلا مرة واحدة - بالجعجعة على ( السينما ) كجزئية تافهة الاهتمام على هامش حياتنا ، على أقل تقدير في فترة يقف الوطن كله ، بدأً من قمة هرمه خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله - إلى أصغر محب له ، حيث يقف الجميع على قدم همة واحدة ، وأمنية واحدة ، يتابعون نجاح أكبر مؤتمر بشري عالمي سنوي ، يعقد في مكة المكرمة لحجاج بيت الله الحرام على صعيد مشاعرها العظام : المسجد الحرام ، والكعبة المشرفة ، ومنىً ، وعرفات ، ومزدلفة ، يقفون ، ويبيتون ، ويرجمون ، ويحلقون ( ويذبحون ) ويطوفون ، ويسعون ، ويترقب المسلمون الشرفاء الذين يعايشون هموم أمتهم ومناسباتها العظام في مشارق الأرض ومغاربها انتهاء هذا الموسم العظيم ، ليكون نجاحه نجاح أمة كاملة ، ترى في الحج دعاية لدينها ، وأملا في اجتماعها ، وفألاً حسنا لتآلفها ووحدة صفها ، وشامة هذا كله شرف وطننا الحر الأبي الكريم ( المملكة العربية السعودية ) بخدمة هؤلاء المسلمين من ضيوف الرحمن ، في غير منٍّ ولا أذىً ، ليجيَّر نجاحه - بعد فضل الله تعالى - لأهل هذا البلد الكريم حكومة وشعبا .
غير أن الذهول يصيبنا حين نتفاجأ في غمرة هذا الحدث العظيم ( حج بيت الله الحرام ويوم عرفه ) الذي لا يوازيه في هزيمة الشيطان إلا يوم بدر ، لما يتنزل فيه على الحجيج من الرحمات الربانية ، والنفحات الإلهية ، وهو اليوم الذي يكفر الله لصائميه من غير الحجاج - في الرياض وجدة ومدغشقر ونيامي ومتشجن - ذنوب سنتين ماضية ولاحقة .
أقول : في هذا الموسم العظيم للحجاج وغيرهم نفاجأ بصرخات ( نشاز ) من بعض كتاب صحافتنا ، تخرق لحمة اجتماع المشاعر ، وتبعثر وحدة صف المجتمع ، وتعبث بالهمم التي ترى في الحج مناسبة شرعية عظيمة ، ومسؤولية وطنية كبيرة ، وتلهي القراء عن هذا الشعور العظيم ، ليكون همها الوحيد ، عروض السينما في العيد ، باعتبارها – عند هؤلاء الكتاب - مبيدا اجتماعيا لروائح الأضاحي ودمائها القانية .
الأمر الذي جعلني عبر هذا المقال ألفت النظر إلى أننا – بهذه الطروحات المقارِنة - أمام عمل صحفي منهجي يتربص بنا الدوائر ، له آثاره الخطيرة على أفكار أطفالنا ونسائنا وناشئتنا من الجنسين ، وله عواقبه الوخيمة على مستقبل هويتنا الإسلامية ، وانتماءاتنا الوطنية ، النابعة من تعظيمنا لشعائر ديننا ، الزمانية والمكانية ، وحبنا العميق لمملكتنا العربية السعودية ، مملكة الحرمين الشريفين .
لقد جاءت هذه المقارنة التائهة بين ذبح الأضحية - وبين مشاهدة فيلم سينمائي ، يبدأ بـ ( صباح الليل ) وينتهي بـ ( مساء الصباح ) في تغيير للفطرة اللفظية والخِلقية ، أو قل للساعة ( البيولوجية ) التي جعل الله ليلها لباسا ونهارها معاشا ، وجعل اطمئنانها وسعادتها في ذكر ربها ، والفرح بفضله ورحمته .
يا سادة يا كرام : سيبقى العمل السينمائي - حين تكتنفه المخالفات الشرعية بعلاته وعواقبه وخطواته الشيطانية كلها - شيئا ، ويبقى التحريض عليه وتصويره للناس بأنه أكثر متعة للنفس من ذبح الأضاحي وتوزيعها في يوم العيد - شيئا آخر ، هو في نظري أكثر خطورة من مجرد الفعل نفسه.
إن تصوير مدينة الرياض بأنها عاشت الكآبة والحزن حين اختنقت بروائح الأغنام وغرقت في سيول الدماء ، وغابت في ميادينها العامة شاشات السينما الضخمة ، مهزلة صحفية تتجاوز العمل الفردي للكاتب إلى المنظومة الإعلامية في دائرتها الصغيرة " الصحيفة " إلى دوائر أوسع ، لربما أصابت العقيدة والوطن في الصميم ، وكانت زادا مثيرا للحاقدين والمتربصين .
إنني على يقين بأن هذه المقارنة بين الأضاحي والسينما ، في طرحها وتوقيتها وجرأتها إنما هي نزق صحفي مراهق ، يهوى الخروج عن المألوف في صورته السلبية ، ولو كان ذلك على حساب الدين والوطن والشرف والمروءة .
وإذا تسرب اليأس إلى قلوبنا من مثل هذه النماذج ، وهذه الوسائل – وهو ما يجب ألا يكون – فلنجعل لعقولنا نحن القراء على أقل تقدير عند قراءة مثل هذه ( الهرطقات ) الصحفية مساحة من النقد والتمحيص ، ولنتعاطى التحليل في مساحته الواسعة التي ترى القضية المطروحة من خلال زواياها ( الست ) وتتابع فكرتها من خلال تعلقاتها المختلفة ، بآلة عقلية مترابطة بين أول الكلام وآخره ، وسابقه ولاحقه ، وظاهره وباطنه ، وعامه وخاصه ، ومحكمه ومتشابهه ، ومطلقه ومقيده ، وناسخه ومنسوخه ، لنعرف ماذا يراد بنا من جهة ، وليكون لنا من أنفسنا موجها ومعلما من جهة أخرى ، ولنطالب وزارة الثقافة والإعلام أن توقف - على الفور - مثل هذا التجاوز خوفا على مستقبل أجيالنا من حملة الفكر التائه في بُعديه المذمومين ، بُعد الغلو والتنطع ، وبُعد الجفاء والتميُّع .
لقد وقف مجتمعنا الصامد بولاته وعلمائه وشيبه وشبابه ورجاله ونسائه وكباره وصغاره ومتعلميه وعوامه وكل مؤسساته وقفة رجل واحد ضد قضايا الإرهاب والإفساد في الأرض ، وحقق في ذلك نجاحات كبيرة ، تذكر له فتشكر ، وبقي عليه أن يتحول إلى الطرف الآخر ، ليكرر تلك الوقفة مرة ثانية أمام فكر منحرف متطرف موازٍ للفكر الأول ، يصف بعض أهل العلم سدنته بأنهم ( نفاة الثوابت ) وهم الذين جعلوا شعائر الدين ومحكمات الشريعة غرضا لهم ، وفتحوا على الناس الشكوك في دينهم ، وجرؤوهم على مناقشة مسلمات شريعة ربهم ، وحببوا لهم الفساد والمفسدين ، وتركوا دعوة الناس إلى الحق الصريح ، وأشغلوهم بالشذوذات من الأفكار ، والمتشابهات من القضايا ، وصرفوهم عن التوسط والاعتدال في معالجة القضايا ، إلى رؤيتهم الأحادية المتطرفة ، ونظرتهم الإقصائية المغالية ، وقد صدق فيهم قول الله تعالى :" والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما " فكرس هؤلاء الأتباع من الكتاب عبر طروحاتهم الصحفية التسطيح العقلي والفكري والمنهجي ، بصورة مروعة .
معاشر القراء : إن هذه فترة زمنية من عمر وطننا وأمتنا نحن أحوج ما نكون فيها إلى الاجتماع على المحكمات من ديننا ، والتواصي عليها بالحق والصبر والمرحمة ، عبر معالجات واعية تحترم فكر المشاهد وعقله ، وقبل هذا وذاك ، تسعى إلى المحافظة على هويته من الاستلاب ، وهي الوقفة التي يجب أن يتنادى لها مجتمعنا عبر مؤسساته كلها كما تنادى - مشكورا - إلى مقاومة الإرهاب من قبل ، ذلك أن الفريقين - المتشددين والمنسلخين - وجهان لعملة واحدة ، ونحن في أمس الحاجة إلى الثبات على منهج وسطي معتدل ، يخرج من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين
2
468
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
طيف الأحبة
•
للرفع رفع الله قدر كاتبته
الصفحة الأخيرة