هل ذقت حلاوة الأنس بالله ؟
يقول الإمام ابن القيم: ‘إذ استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله، وإذا فرح الناس بالدنيا فافرح أنت بالله، وإذا أنس الناس بأحبائهم فأنس أنت بالله، وإذا ذهب الناس إلى ملوكهم وكبرائهم يسألونهم الرزق ويتوددون إليهم فتودد أنت إلى الله
الأنس ضد الوحشة أي الألفة بالشيءوهو روح القرب من الله
قال تعالى: ( َوإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) البقرة 186
فاستحضار القلب هذا البر والإحسان واللطف : يوجب قربه من الرب سبحانه وتعالى، وقربه منه يوجب له الأنس، و الأنس ثمرة الطاعة والمحبة؛ فكل مطيع مستأنس وكل عاص مستوحش كما قيل :
فإن كنت قد أوحشتك الذنوب * فدعها إذا شئت واستأنس
المحبة هي الطريق الموصلة للأنس
إن كثيرا منا علاقته بالله روتينية فهو يتعبد لله وفقط لأنه اعتاد ذلك من الصغر إننا نريد أن تكون العلاقة بيننا وبين الله علاقة حب
قال تعالى (يحبهم ويحبونه )ولاحظ أن الله ابتدأ بقوله (يحبهم )فالعلاقة بينك وبين الله علاقة حب وأساسها الحب (فليس العجب من عبد يتودد إلى سيده لكن العجب كل العجب من ملك يتودد إلى عبيده )ومن يكن قلبه مشغولاً بحب الله . . عامراً بالإيمان به سبحانه . . يجد في نفسه الأمان والسلام والاطمئنان . . . ويشعر بالأنس بالله في كل لحظة في حياته . . مستأنساً بذكره له سبحانه وتعالى ، بعبادته له بتلاوته للقرآن الكريم.
والأنس بالله شعور يمتزج بالهيبة والخشوع، يغمر كيان الإنسان كله مما يجعله يجد سعادته في خلوته، وهناءه في وحدته، يناجي ربه . . يشكو همه إليه . . يشكره على نعمته . . يتغنى بالدعاء له والثناء عليه والتسبيح والتقديس له عز وجل، ويشعر بأن كل ما في الكون من مخلوقات نغمات مميزة تشترك معه في التسبيح لله عز وجل فيحس بأن هناك ألفة ومودة بينه وبين الطبيعة وجميع المخلوقات الأخرى . . هناك صداقة بينه وبين الكون . . إنه يفهم لغة الكون . . والكون يفهم لغته، وهذه اللغة المشتركة بينهما هي التسبيح والشكر لله والإحساس بآثار حب الله في الوجود كله.
والأنس إحدى آثار المحبة
وهو حال يصل إليه السالك معتمداً على الله، ساكناً إليه ، مستعيناً به، وفى الأنس تبقى الهيبة مع الله ، وبذلك يكون الأنس طمأنينة ورضا بالله. ولا يشعر الإنسان المؤمن المحب لله بالأنس في أوقات العبادة فقط.. فإن فضل الله عليه عظيم حيث يفيض الله عليه بالأنس في أوقات الانشغال والاهتمام بأمور الحياة اليومية لأن الله يغمره ويملأ قلبه وكيانه كله، فأصبح الأنس بالله يحيط به سواء في وقت الانشغال أو في وقت العبادة.
بعض الناس يعتقدون أن الوحدة تعنـي أن يعيش الإنسان وحيداً أي وحدة الوجود الإنساني، في حين أن الإنسان المستأنس بالله في كل لحظة أيقن وعرف أن هذا ليس هو مفهوم الوحدة أو الغربة ، فإن الشعور بالوحدة هو فراغ القلب من حب الله . . . . . والشعور بالغربة هو فراغ القلب من الأنس بالله،فإذا كان نعيم الجنة كله لا يساوي شيئا بالنسبة إلى لذة النظر إلى وجه الله الكريم فكذلك نعيم الدنيا لايساوي شيئا مقارنة بنعيم الأنس بالله
يقول بعض السلف: (مساكين أهل الدنياخرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها …حلاوة الأنس بالله )
فإن الأنس الحقيقي هو أنس الله وليس أنس الإنسان، وأن الفراغ الحقيقي هو فراغ القلب من حب الله وليس فراغ الوجود الإنساني. ,وإذا كان البعض يؤدب بالحبس الانفرادي فإن المسلم في خلوته يستشعر حلاوة الأنس بالله، فمن الممكن أن يكون الإنسان حوله حشد من الناس ومع ذلك يشعر بالوحدة والفراغ القلبـي، ومن الممكن أن يعيش وحيداً ولكنه يحس بالأنس وكأن المخلوقات والكائنات جميعها اجتمعت وحضرت لتؤنس وحدته مع أنه في الحقيقة يعيش وحيداً بمفرده.
ورحم الله ابن تيمية حينما قال ( إن سجني خلوة وقتلي شهادة ونفيي سياحة )
وقيل(أن أحد الإخوة كان محبوسا انفراديا في زنزانة مغلقة ليل نهار لا يتصل بأحد ولا يتحدث مع أحد ،فقط يخرج في حراسة السجان لقضاء حاجته مرة صباحا وأخرى مساء ،لو تصورنا هذه الحالة بالمقاييس المادية لتوقعنا أن تكون حالة هذا الأخ النفسية شديدة وحرجة ،ولكن أخانا كان في خلوة مع الله وكان كتاب الله خير جليس له يتلوه ويتدبره وينهل من نوره ….وكان الأخ يدخل في صلاة خاشعة وركوع وسجود طويلين يشعر خلالهما بقربه من الله فيدعو ويلح في الدعاء،كان يقوم في وقت السحر يناجي ربه في هدأة الليل ويطرق باب الكريم بركعات وسجدات ودمعات من خشيته سبحانه وهكذا يعيش جوا من السعادة الروحية ، والأنس بمعية الله وكأنه في الكون الفسيح وليس بين جدران أربعة وباب مغلق ، ويحكي أن السجان كان يرق له فكان ينتهز الفرصة فيفتح له الباب نصف فتحة يقول أن أنسه كان يقل ، ويشعر بوحشة عما كان الباب مغلقا
،هكذا نرى كيف أن الربانية بمعانيها تجعل الهم فرجا والكرب سعادة والوحشة أنسا)
إذن فليس معنى الوحدة هو انعزال الوجود الإنساني، وإنما هو فراغ القلب من حب الله ومن الأنس بالله.
ويقودنا الإنسان المحب لله الذي يملأ حياته الأنس بالله إلى حقيقة هامة لابد أن نقف عندها في لحظات من التأمل العميق :
إن الأنس هو أنس الله وأن الحب هو حب الله ومن يستأنس بالله فإن الله يؤنسه ومن يحب الله فإن الله يحبه، ويمن عليه من فيوضاته وعطائه ما يشغله ، ويؤنس وحدته، حتى ولو عاش وحيداً في هذا الوجود.
أما من كان قلبه فارغاً من حب الله والأنس بالله ، فإنه سيشعر بالوحدة والغربة والعزلة حتى ولو كان حوله الناس جميعاً ، وهنا سيغلق القلب أبوابه وستفتح النفس أبوابها التـي تقود الإنسان إلى سبيل الشهوات والنزوات والهوى، فيضل السبيل ويسلك طريق الضياع، والحيرة ، والتخبط، والهلاك الذي يودي به حتماً إلى الشقاء. فالقلب دائماً يفتح أبواب طريق النور. أما النفس فتفتح أبواب طريق الهوى.
وانشغال القلب دائماً بالله وحب الله يفتح لنا أبواب طريق النور بأمر الله حيث الأنس بالله، ، فترتقي النفس إلى حيث يجب أن تكون من الصفاء . . . والنقاء . . . والنورانية
(أستغفرك من كل لذة بغير ذكرك، ومن كل راحة بغير أنسك، ومن كل سرور بغير قربك، ومن كل شغل بغير طاعتك…).
ومن وجد الله فماذا فقد ، ومن فقد الله فماذا وجد ؟
.
وأمامك ثلاث أدوات رئيسية لتحقيق الأنس بالله:
1ـ القلب:
سئل أبو سليمان الداراني - رحمه الله - : ما أقرب ما يُتقرب به إلى الله عز وجل ، فبكى ، ثم قال : مثلي يسأل عن هذا ؟ أقرب ما يتقرب به إليه أن يطلع على قلبك وأنت لاتريد من الدنيا والآخرة غيره جل وعلا .
يقول ابن القيم: في القلب شعت لا يلمه إلا الإقبال على الله وفي القلب وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله، وفي القلب خوف وقلق لا يذهب إلا بالفرار إلى الله، وفي القلب حسرة لا يطفئها إلا الرضا بالله’.
وقد جعل الله سبحانه القلب محلاً لعبوديته وإنك لتجد أمامك الكثير من أعمال القلوب تتصل بها من خوف ورجاء ومحبة وتوبة وصبر وأنس ورضا وطمأنينة، على أنه أقرب وسيلة للاتصال بالله تعالى هو تذلل القلوب لعلام الغيوب،
وفي هذا يقول ابن القيم: ‘دخلت على الله من أبواب الطاعات كلها فما دخلت من باب إلا رأيت عليه الزحام فلم أتمكن من الدخول حتى جئت باب الذل والافتقار فإذا هو أقرب باب إليه، وأوسعه ولا مزاحم فيه ولا معوق فما أن وضعت قدمي على عتبته فإذا هو سبحانه أخذ بيدي وأدخلني عليه’.
2ـ اللسان:
اللسان وسيلة اتصال قوية وفعالة مع ربك قال تعالى في كتابه الكريم: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} وفي حديث الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله (ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ) وفي الحديث القدسي يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه: ‘أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه’.
ولك أن تتصور هذا الاتصال الراقي في حال ذكر الله فكلما ذكرت الله ذكرك الله وكان معك.
قال الإمام الجنيد لتلاميذه تعالوا بنا نذكر الصالحين فبذكرهم تحل البركة
فقال بعض طلبته يا شيخنا إذا ذكرنا الصالحين تحل البركة فماذا إذا ذكرنا الله ؟
فاطرق الشيخ قليلا ….ثم رفع رأسه فقال إذا ذكرنا الله حلت الطمأنينة في القلوب (ألا بذكر الله تطمئن القلوب )
3ـ الجوارح:
والجوارح أمامها خيارات كثيرة جدًا للاتصال بالله من صلاة وصيام وصدقة وحج وإماطة الأذى عن الطريق ومساعدة الآخرين وزيارة المريض وغير ذلك وهكذا تظل بقلبك ولسانك وجوارحك في تقرب إلى الله واتصال بالله إلى أن تفوز بما جاء فيالحديث القدسي: (’وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه )
‘ قال بعض العلماء : العارف بالله أنس بالله فاستوحش من غيره ، وافتقر إلى الله فأغناه عن خلقه ، وذلّ لله فأعزه في خلقه .
استيقظ أحد الصالحين يوما .. فى ساعة متأخرة من الليل قبل الفجر …. فوجد امرأته تتهجد .. وتصلى وتدعو دامعة العينين مخلصة الدعاء لله..
فتعجب من صلاحها وكيف أنه الرجل ينام بينما تبقى هى زاهدة عابدة..
فقال لها : ألا تنامين .. ما الذى أبقاك إلى الآن؟
فردت الزوجة الصالحة بخشوع
وكيف ينام .. من علم أن حبيبه لا ينام؟ !!!!
مجالات الأنس بالله
1-الخشوع في الصلاة
2- التفكر في الكون
3- ذكر الله في الخلوة
4- قيام الليل
5-الدعاء وبث الهم والشكوى لله
توصيات عملية :
1-أكثر من ذكر الله وخاصة في الخلوة فإن من أحب شيئا أكثر من ذكره
2-احرص علىصلاة ركعتين في وقت السحر واقرأ فيهما مما تحفظ وتدبر كل آية تتلوها
يقول عثمان بن عفان (والله لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام الله )
3- احرص دائما على بث همومك وشكواك إلى الله فإن من أفضل أبواب العبودية المناجاة وكثرة السؤال والالحاح في الطلب ،يقول الشاعر :
الله يغضب إن تركت سؤاله
وبني آدم إن تسأله يغضب
فلا تسألن بني آدم حاجة
وسل الذي أبوابه لا تحجب
4- اعلم أن كل طاعة تقربك من الله وكل معصية تبعدك عن الله ، يقول بعض السلف (استح من الله على قدر قربه منك ،وخف من الله على قدر قدرته عليك )وسئل بعض السلف ما علامة الإيمان وما علامة النفاق ؟
قال : يابني إن سرتك الطاعة وساءتك المعصية فأنت مؤمن ،وإن سرتك المعصية وساءتك الطاعة فأنت منافقتذكر
طاعة /قرب /محبة /أنس بالله
معصية/بعد /كره /وحشة
منقول
محبه الكعبه @mhbh_alkaabh
عضوة فعالة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
صنتا و صيته
•
اللهم اني اسالك الانس بقربك
اللهم إنا نسألك الانس بقربك
جزاك الله خيرا وأثابك الفردوس الاعلي علي مانقلتي ...
بوركتي..
جزاك الله خيرا وأثابك الفردوس الاعلي علي مانقلتي ...
بوركتي..
جزاك الله خير
غفر الله العظيم التواب الرحيم لذنبي ولذنبك وللمسلمين وللمسلمات وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء منهم والاموات الى يوم الدين
غفر الله العظيم التواب الرحيم لذنبي ولذنبك وللمسلمين وللمسلمات وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء منهم والاموات الى يوم الدين
الصفحة الأخيرة