يعتقد الكثير أن من صور تقدم الشعوب الاهتمام بتحقيق بطولات كرة القدم ! ، والناظر إلى الشعوب المتحضرة لا يجد من ضمن مشاريعهم الكبيرة والأساسية كرة القدم ، فعلى سبيل المثال البرازيل تعد ربما الدولة الأولى في كرة القدم ولكن ما حظها في التقدم العلمي والتكنولجي مقارنة بغيرها من الدول ؟
مبارة كرة القدم بين مصر والجزائر وما صاحبها من أحداث ودماء وأحقاد ومراشقة صورة مزرية تخبرك عن مدى التخلف والهوس الذي وصلت إليه الشعوب لأجل لعب بكرة مدة 90 دقيقة وفي النهاية الوصول إلى كأس العالم !
ما حدث في تلك المبارة وجدتها الصحف الإسرائيلية فرصة رائعة للسخرية من المسلمين .
خيبة الله عليكم
فراج إسماعيل
عندما كتبت عن الأجواء المشحونة قبل مباراة السبت الماضي بين مصر والجزائر وشبهتها بأجواء الحرب، لم أتخيل أن تتأزم الأمور لهذا الحد، ويصل العداء إلى استبعاد اسرائيل من خانة العدو الأول أو الأشرار واستبدالها في كل من مصر والجزائر بالبلد الآخر!
أظهر الاعلام الاسرائيلي أمس شماتة كبيرة في العرب وسخر منهم وأنزلهم منزلة المغفلين والخائبين الذين يحق لاسرائيل أن تستجير من مجاورتهم وتحمي نفسها من غبائهم!
أرادوا أن يقولوا للعالم كيف تريدوننا أن نأمنهم على أنفسنا ونبرم سلاما معهم، وهم الذين يتقاتلون بسبب مباراة من تسعين دقيقة عرفها العالم كله ما عداهم على أنها خاسر ومهزوم، تنتهي بالمصافحة بينهم وبتمني حظ أوفر في المواجهات القادمة.
ظهر الدم ينسال من واجهة أحد الجزائريين على صدر صحيفة "يديعوت أحرونوت" وفي التعليقات تمنى قراء اسرائيليون مباراة كرة قدم بين فتح وحماس حتى يخلص كل منهما على الآخر على طريقة شقيقتيهما الكبيرتين مصر والجزائر!
ومما نقلته الصحيفة مع زميلتها "هآرتس" والقناتين الثانية والعاشرة تهديدات الصحف الجزائرية وأبرزها الشروق وموقع الكتروني باسم "لسان العرب" وصف للقاهرة بعاصمة "الحقرة".
هذا الوصف أعجبهم جدا فكرره قراؤهم في التعليقات على مواقعهم بالانترنت، لكن الذي أعجبهم أكثر هو معايرة الجزائريين للمصريين بحرب الأيام الستة، أي هزيمة مصر السريعة في حرب 1967 وقولهم بأنها لم تتحمل "غلوة ماء"!.. ورد المصريين على الجزائريين بأنهم عبيد فرنسا!
تقدمت أخبار المباراة الماضية وتوابعها والقادمة وتوابعها المتوقعة نشرات الأخبار في القناتين الثانية والعاشرة، وابداء الرغبة في نقل مباراة أم درمان على الهواء مباشرة لكي يشاهد الاسرائيليون الحرب ويتمتعوا بها، فهم يتوقعون مجزرة في الاستاد وخارجه لا تقل بشاعة عن صواريخهم على غزة!
سننتظر طويلا جدا لاصلاح ما أفسدته مباراة كرة في علاقة شعبين عربيين بينهما تاريخ ومصير مشترك وساحات حرب ضد فرنسا واسرائيل، واختلطت دماؤهما في معركة ثغرة الدفرسوار عام 1973.
وصلنا لهذا الحال تحت سيطرة الغباء الاعلامي والحكومي. إعلام يتاجر بالكذب وبكتابة تقارير من المكاتب المغلقة وعلى روائح القهوة والمشروبات الساخنة والباردة كما تفعل جريدة "الشروق" الجزائرية التي تكتب منذ نهاية المباراة عن جثث ونعوش جزائرية تصل تباعا لمطار هواري بومدين.
في المقابل فشل خالد الغندور رغم أيمانات المسلمين التي حلفها في برنامج معتز الدمرداش في اقناع أحد بأنه وغيره من هواة الاعلام الجديد الذي ملأ سماء مصر، لم يمس مشاعر انس أو جن من الجزائر، فمنذ شهر يتوعدون ويكيلون السباب، ويدفنون صلة الدم والرحم والدين، غير مقدرين العواقب، ضاربين عرط الحائط بعائلات مختلطة من البلدين تعيش هنا وهناك.
للأسف الشديد لا يكفي ماء نهر النيل من السودان إلى مصر لاطفاء النار التي اشتعلت والكراهية التي سكنت القلوب. وفي الواقع لم يحاول أحد أن يحمل حتى جردل ماء. فالصحف الرئيسة هنا وهناك تحمل مانشيتات الحرب والتجييش. الأهرام والجمهورية والأخبار تبدأ بتعليمات الرئيس مبارك بحشد كل الامكانيات خلف اللاعبين الذين يدافعون عن شرف الوطن بركل الكرة، والشروق الجزائرية مع شقيقاتها البلاد والخبر والهداف تحمل مانشيتات التحميس الصادرة من بوتفليقة ووضع كل امكانيات بلد المليون شهيد في يد جنرالات الملعب رابح سعدان وصايفي.
بوتفليقة الذي كان وزير خارجية في عهد هواري بومدين، ومن أفضل وزراء الخارجية العرب في التاريخ، جلس يوما على مائدة واحدة مع بومدين والزعيم السوفييتي برجنيف، مستميتا لارسال شحنات من الدبابات والطائرات على وجه السرعة لمصر بعد هزيمة 67!
من حق الاعلام الاسرائيلي إذاً أن يشمت ويسخر.. فألد أعدائها يأكلون الآن لحوم بعضهم ويطلبون المزيد على شرف الكرة!
ماذا يكون شعورك عندما تسمع استغاثات مصريين يعملون في الجزائر منقولة على الهواء في قناتي المحور والحياة كأنهم أسرى 67 .. وما هو رد فعل الملايين في مصر عندما يسمعون متصلين من وهران والجزائر بأنهم محاصرون في بيوتهم والنيران تشتعل فيها من الخارج والرصاص يطلق عليهم وعلى زوجاتهم وبناتهم وأبنائهم.
وماذا يكون شعور الجزائريين ورد فعل ملايينهم وهم يقرأون في "الشروق" عن الشاب المقتول بعد المباراة الذي تم تلقينه الشهادة في الفندق قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.. وعن فتاة اغتصبت خارج استاد القاهرة، وعن خلع الأمن لنقاب وخمار الأنصاريات، أي مشجعات الأخضر قبل السماح لهم بالدخول!
طبعا كله تلفيق في تلفيق..
تصور الربط هنا بين الحرب والشهادة.. بين الكرة والجهاد في سبيل الله.. ونتيجته تأسيس جماعات جهادية جديدة في الجزائر للانتقام من الأشرار المصريين!
لا أعرف مدى صحة البيان الرسمي الذي نشرته جريدة الهداف الجزائرية أمس منسوبا لوزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي طيب لوح بالغاء رخص عمل كل شخص يحمل الجنسية المصرية ورفض اصدار تراخيص جديدة واعتبار القرار نهائيا لا رجعة فيه.
لو كان صحيحا فلا أظنه عقابا وإنما نزع فتيل خطر محدق بهم، فالجماعات الجهادية الجديدة لن ترحمهم في ظل مشاعر الرغبة في الانتقام. يكفي أن تقرأ أول رد فعل طبيعي لجزائريين بأنهم سيرضعون أطفالهم كراهية مصر، ورد مصريين بأنهم سينتقمون لأبنائهم في الجزائر بارسال الجالية الجزائرية في نعوش!

معيار نجاح الدول ونظم الحكم
تطور الأمم والشعوب ، ليس ضربة حظ ، تتوقف على توفيق لاعب في توجيه كرة برأسه أو فشله في ذلك أو خطأ حارس مرمى أو نجاحه في الزود عن شباكه ، هذه مهيصة لا تليق بمثقف جاد ، وبالتالي من العبث أن تقاس نهضة مجتمع بنجاح فريق للكرة أو بروز لاعبين للتنس على المستوى العالمي ، التفوق الرياضي في مجال بعينه يعود إلى توجه عفوي للشعوب يميل هواها تجاه لعبة من الألعاب فتبرز فيها ، ومحاولة ربط تطور الأمم بنجاح فرقها الرياضية في المسابقات الدولية هو تزييف وتضليل وتلاعب بالعقول ، وإلا اعتبرنا أن البرازيل أكثر تطورا ماديا وحضاريا من اليابان ، لأن تصنيف البرازيل الأول أو الثاني على العالم في كرة القدم بينما اليابان في المراتب بعد العشرين ، ورغم أن قدرات اليابان الاقتصادية وتفوقها الإداري والتنظيمي وبنيتها التحتية والرفاه الواسع الذي ينعم فيه شعبها لا يقارن بمكان آخر ، إلا أنها في التصنيف الدولي أقل من بعض دول العالم الثالث ، فهل يمكن تحليل مثل هذه المقارنة وفق النظريات الهابطة للدكتور عبد المنعم سعيد ، وإذا نظرنا إلى الميداليات الذهبية التي حصلت عليها الدول في المسابقات الدولية سنجد أن كينيا واثيوبيا حصلت على ميداليات ذهبية أكثر بكثير مما حصلت عليه مصر ، وإذا قسنا الأمور بعدد المحترفين من اللاعبين في الملاعب العالمية فإن دولا مثل مالي والكاميرون ستكون أسبق من مصر في عدد محترفيها وتميزهم الكبير على الساحة الدولية وبالتالي يفترض أن هذه الدول أكثر تطورا وتحضرا من مصر مثلا ، هؤلاء الذين يحاولون ربط التطور الحضاري والمدني للدول بنجاح بعض أبنائها في مضمار الرياضة هم خطر على آمال التطور الحقيقي عند الأمم ، لأنهم يضعون العقل والوعي والإرادة على الطريق الخطأ ، كما يتسترون على الفساد والفشل الإداري والسياسي لنظم الحكم في بلادهم بمثل هذا الكلام الفارغ ، والحقيقة والواقع العملي أن مصر تعيش في بؤس حقيقي وفساد غير مسبوق واهتراء في بنيتها الأساسية إلا ما كان منها متصلا بشكل النظام وضيوفه وسياحه في العاصمة بشكل خاص أو في المدن المستحدثة التي يستمتعون فيها بعيدا عن ملايين التعساء والمرضى والمسحوقين من أبناء الشعب أو المناطق السياحية والطرق المتصلة بها فقط ، لقد كتب عبد المنعم سعيد كلاما يستحيل تصور صدوره من مثقف أو حتى إنسان عادي يعيش في مصر التي نعيش فيها ، يقول : (والحقيقة الأولي هي أنه حدث بالفعل أن مصر أصبحت تمتلك بنية تحتية رياضية متميزة في مجال كرة القدم, من صرف صحي وكهرباء ومياه وشبكات للنقل وإعادة زرع' نجيلة' الملاعب وساحات التدريب وإعادة تطوير المقصورات الرئيسية ومدرجات الجماهير وزيادة غرف خلع الملابس وتطوير أجهزة الإضاءة وكاميرات المراقبة الثابتة والمتحركة وتغيير أنظمة الصوت والإذاعة الداخلية وتركيب شاشة عرض إلكترونية) ثم استشهد بأن الدولة أنفقت 170 مليون جنيه لتطوير الملاعب قبل استضافة مونديال الشباب ، وهو رقم ينفق على أي كوبري صغير فوق طريق للسكة الحديد ولا يصل إلى خمسة في المائة مما هبره فاسد واحد من أموال بنوك مصر وهرب بها ، كما أن ما ذكره من *****ات هو جزء من بيزنس كبير يتصل بالوجاهة والتنافس على الحضور في أعلى السلم الاجتماعي والسياسي والمالي عن طريق البوابة الرياضية ، وهي بالكامل بنية لا يستفيد منها إلا عشرات الآلاف من المصريين ، بينما عشرات الملايين من المصريين لا يجدون بقعة خضراء صغيرة يمارسون عليها رياضة ، وملايين المصريين لا يجدون مياها نقية للشرب أو صرف صحي آدمي مع اعتراف عادي من المسؤولين بذلك وملايين المصريين لا يجدون ـ ليس ناديا ـ بل لا يجدون مسكنا آدميا يأويهم ، وإذا خرج عبد المنعم سعيد من خط سيره المعتاد إلى مبنى الأهرام الفخيم أو منتجعات النخبة في الشمال أو الشرق أو طرق السياح ، وتجول في ربوع مصر حتى القريبة من القاهرة فسوف يرى شعبا يعيش مأساة حقيقية ، لا طرق ولا نظافة ولا نظام ولا صحة ولا كرامة ، والفقر والمرض والكآبة والبؤس هو سيد المشهد ، هذا هو المضمار الحقيقي لاكتشاف تطور الدول أو نجاح نظم الحكم في رفعة أوطانها ، وليس ركل الكرة أو حسن إمساك مضرب الاسكواش .
http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=20964
منقول من الكاتب / عبدالله زقيل .