نرجس

نرجس @nrgs

عضوة شرف في عالم حواء

هل نحن مُنصفون مع عاملات المنازل؟

الملتقى العام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مقال أعجبني ،،جدير بالنقاش



عثمان الخويطر
موضوع مُعاملة عُمال وعاملات المنازل في أغلب البلدان، ودول الخليج بوجه خاص، لا أحد يود مُناقشته ولا الحديث عنه لشدة حساسيته، على الرغم من أنه يتعلق بأخلاقياتنا وسلوكنا ومسؤوليتنا الكاملة عما يطولهم منا من خير أو أذى.


نحن اليوم نستقدم أعداداً كبيرة منهم من بلدان ومن مشارب مُختلفة، بعد أن منَّ الله علينا بهذه الثروة, التي إلى عهد مضى قريب، لم نكن نحلم ولا بالجزء اليسير منها، فلله الحمد والمنة والشكر على ما أنعم به علينا. ونرجو من الله العلي القدير أن يجعلنا أهلاً لشكر النعم, وأن يُبعد عنا ويكفينا شر البطر، الذي هو بحق إحدى آفات حياتنا العصرية. فقد غيرت ثرواتنا المُؤقتة طرق معيشتنا وصار معظمنا لا يعيش من دون عاملة منزلية أو أكثر، وسائق مُرابط عند باب الدار على مدار الساعة، ولا حتى نتخيل أننا نستطيع الاستغناء عنهم.


فبمجرد أن يذهب أحدهم في إجازة تجد أهل البيت يتخبطون هنا وهناك بحثاً عن بديل مؤقت، وتتعطل أغلب أمورهم حتى يعود الغائب. وتكون الأمور أكثر صعوبة إن اختار العامل أو العاملة، ومن دون سابق إنذار كما هي العادة مع معظمهم، عدم العودة إلى عمله. وعلى الأسرة في هذه الحالة أن ينتظروا مدة أطول حتى تنتهي إجراءات الاستقدام الطويلة ويحضر إنسان جديد يحتاج إلى وقت طويل من أجل إنهاء معاملات الإقامة والتدريب الذي قد يستغرق عدة أشهر.





وفي الغالب أن عقود العمل مع العمالة المنزلية الوافدة غير مُكتملة ولا تُحدد بدقة ووضوح مسؤولية كل طرف تجاه الطرف الآخر، فماذا يا ترى تكون النتيجة؟ بطبيعة الحال الطرف الأقوى هو الذي يتصرف حسب هواه ويُقرر ما هو مطلوب من الطرف الآخر.


وما نشاهده اليوم، وهو عام في أغلب البيوت، أن العاملة المنزلية تبدأ عملها في الصباح الباكر ابتداء من الساعة السادسة لتقوم بتجهيز ما يحتاج إليه البنون والبنات من ملابس وطعام استعداداً للذهاب إلى المدرسة. وتُواصل العمل على مدى ساعات النهار حتى الساعة العاشرة مساء، أي ما لا يقل عن 15 ساعة مُتواصلة في اليوم الواحد. وغالباً ما تعمل عدد الساعات نفسها خلال يومي الخميس والجمعة. فيكون مجموع ساعات عملها في الأسبوع يزيد على 100 ساعة. ونحن عندما نعمل في أي مؤسسة، يكون وقت عملنا محدوداً بما لا يزيد على ثماني ساعات في اليوم، ولمدة خمسة أيام، أو مجموع 40 ساعة في الأسبوع، مقارنة بـ 100 ساعة بالنسبة للعاملة المنزلية. ولو تَطلَّب منا عملنا الوظيفي أداء ساعات عمل إضافية لطالبنا بدورنا بمُكافآت إضافية.




ليس القصد من هذا العرض وهذه المقارنة إدانة المُستقدِمين لهذه الفئة من العمالة، ولكن ذلك من أجل تذكيرهم بأنهم يُحمِّلون العاملة من العمل الطويل والمشقة أكثر بكثير مما يتناسب مع الأجرة المُتفق عليها. ونحن أيضا لا نقترح هنا أن تُحدِّد ربة البيت العمل بثماني ساعات في اليوم، كما هو المُتبع دولياًّ ولا دفع مُكافآت إضافية إلا لمن أراد أن يفعل خيراً أو يُبرئ ذمته، لأن في ذلك بعض الصعوبات التنظيمية بسبب طبيعة الأعمال المنزلية. ولكن أليس من المنطق ومن حسن الخُلق أنْ نعترف بوجود هذه الظاهرة في بيوتنا فنحاول أن نُعوِّض هذا الإنسان أو الإنسانة بشيء من الاحترام الشخصي والتقدير والتغاضي عن بعض الهفوات التي غالباً ما تكون غير مقصودة؟ وما ذا لو سمحنا للعاملة المنزلية بأن يكون آخر يوم الجمعة راحة لها تقضيها داخل البيت ولكن بعيداً عن المطبخ؟



ولعل ما يُشاهدونه بأم أعينهم من وفرة الخير لدينا والصرف المسرف الذي نمارسه في حياتنا وعلى أولادنا من أنواع المركبات الفخمة والملابس الثمينة وأنواع المأكل والمشرب، قد يُثير لديهم شعوراً سلبياًّ تجاهنا، وهم مُحقون في ذلك، لأنهم أتوا من بلدان فقيرة أو مُعدمة ويذكرون أولادهم وأهلهم المحرومين من مثل ما نحن عليه. فيجب علينا أن نرفق بهم وأن نحترم شعورهم ونتصدق عليهم، وفي ذلك - إن شاء الله - أجر عظيم.



وهناك الكثيرون منا ولله الحمد منْ يخافون الله فيهم ويُعاملونهم كأي فرد من أفراد الأسرة. فقد شاهدت بنفسي إحدى الأسر بكاملها تستقبل عاملتهم المنزلية عند قدومها عائدة من الإجازة. فما أن ظهرت عليهم حتى تقدم إليها الأطفال مسرعين ليحيوها، وما ذلك إلا دليل على أن تلك الأسرة الكريمة تُعامل تلك السيدة باحترام وتقدير. وعاملة أخرى عادت من إجازتها قبل انقضائها بمدة طويلة عند ما علمت أن أحد أفراد الأسرة ستجرى له عملية جراحية، فما هان عليها أن تكون بعيدة عنهم في ذلك الظرف الحرج، وهو دليل آخر على حسن المعاملة. وحادثة ثالثة حصلت في بيتي من صديق انتقــل أخــيرا إلى - رحمة الله - فقد دعوت ذلك الصديق العزيز مع آخرين إلى تناول وجبة الغداء في بيتي. وكان الوقت صيفاً والجو حاراً والرطوبة عالية. فلما دخل إلى المجلس، قال لي إنه لا يود أن يجلس في هذا المكان البارد المريح وسائقه يظل في الخارج، وطلب السماح له بالدخول والجلوس معنا. فوالله إنني أكبرت فيه تلك المروءة وشكرته ودعينا سائقه. وكنت أتمنى لو أن كل واحد منا يفعل الشيء نفسه بدلاً من ازدراء وتحقير أخينا الإنسان، حتى يُديم ربنا النعم التي منَّ بها علينا.





أما الحل الأمثل لوضعنا الاجتماعي والأسري فهو محاولة تغيير نمط حياتنا والاستغناء عن استقدام العمالة المنزلية إلا في أضيق الحالات التي يكون فيها بعض أفراد الأسرة عاجزين بدنياًّ عن خدمة أنفسهم. نحن الوحيدون من بين دول العالم الذين لا يكاد يخلو بيت من بيوتنا من وجود عاملة منزلية، وهو أمر لا يمكن أن يكون طبيعياًّ. ولذلك تجد نسبة كبيرة من أبنائنا وبناتنا من أكثر أهل الأرض كسلاً واتكالية لأنهم يتربون منذ صغرهم على الاعتماد على الخدم في جميع شؤونهم داخل المنزل. ولا يدور بخلدنا أن الثروة التي نملكها ونباهي بها اليوم، وهي التي فتحت لنا أبواب استقدام العمالة الأجنبية، ليست من نتاج عملنا ومجهودنا، وأنها في أحسن الأحوال لها زمن محدود قد لا يدوم طويلاً.
1
528

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

نرجس
نرجس
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم