قد يقول قائل .. وما ذنبنا لكي تشغلنا بهمومك رقمية كانت أم تقليدية .. فقد أثخنتنا الأيام هموماً .. ولكن عزائي الوحيد أننا جميعاً أحفاد عدنان .. شركاء في الهم .. وإن تفاوت حجم الإحساس به ! .. ورحم الله عمر أبو ريشة إذ قال :
لمّت الآلامُ منا شملنا …… ونمت ما بيننا من نسبِ
فإذا مصرُ أغاني جلق …… وإذا بغدادُ نجوى يثربِ
<center>1 ـ عالم بلا كمبيوتر </center>
ماذا لو رمينا فنجان قهوة الإكسبريسو من يدنا .. ونحن نقرأ جريدة الصباح .. وأعرضنا عن وجبات الطعام السريعة بكافة أشكالها .. وقاطعنا الهواتف النقالة وأجهزة النداء الآلي .. وكافة التقنيات المعاصرة .. وعلى رأسها الحاسوب .. ثم ماذا ؟؟
ثم عدنا إلى قهوة المهباج .. وخبز التنور .. والخيل والقصائد .. وغزليات ليلى ومجنونها .. وحماسيات البحتري .. أتعود معها يا ترى آفاقنا الواسعة التي ضاعت منا نحن معاشرَ العرب .. حتى بتنا لا نرى أبعد من محاجر أعيننا لا أكثر !
عندما كانت أرقى وسائل الاتصال لدينا .. فرس مطهم يخدم في دواوين البريد .. كنا سادة الأرض من برها إلى شطها .. والآن ونحن بين أيدينا تقنيات الأقمار الصناعية .. والحواسيب فائقة السرعة والسيارات الفارهة .. نشعر بالغربة عن كل حضارة تمسنا .. ونشم منها رائحة لم نتعودها من قبل .. رائحة التبعية والانسياق والتقليد الأعمى …
خذوا عني كل وسائل الترفيه والتكنولوجيا من حولي .. وأعطوني سيفاً كسيف خالد .. دعوني أمزق كل صحفي ومجلاتي .. وكل ما يخدش عيني ألف مرة في اليوم ..
ودعوني أسترد ولو للحظة حلمٍ .. أشعار المتنبي ومطارات جرير أو لزوميات المعري ..
دعوني أقولها بالصمت ! .. اشتقت لجبهة أمجادي تطاول إشراقة الشمس .
رويدك يا نفسي لعل قلمي شطَّ بي .. فما الحضارة أو التقنية بذنب .. إنما هو الانسياق الكامل وراءها .. والسطحية في استخدامها .
متى أرى بصماتنا نحن العرب .. تفرض نفسها على عوالم الحضارة ؟ .. فتطبعها بطابعها .. وتميزها بسماتها .. متى أشعر بالحاسوب يخاطبني بلغتي ؟ وبلسانٍ عربي فصيح .. لا بلكنة عجماءَ يشتكي منها الخرَس ! متى .. ومتى .. ومتى ..
ولن تكون إلا عندما نروض عوالم التقنية كلها ونمتطيها بنفس السروج التي امتطاها من قبل ابن الهيثم والإدريسي وصلاح الدين ! ّ .. فإلى ذلك الأوان طال اشتياقي .. وبت أنا وحاسوبي متلهفان بانتظار .
<center>2 ـ قبل وبعد البيع </center>
استقبلني وأنا أدخل المحل هاشاً باشا .. ووصل كوب الشاي إلى يدي قبل أن أبلع مجلسي .. وبدأ يحدثني عن قدرات الجهاز الذي يعرضه علي .. وكأنه يستعرض مزايا جواد مطهم .. أصيل سليل .. ولشدة حلاوة لسانه شعرت أني أحببت هذا الجهاز وأكاد أطير فرحاً لو استقر مطمئناً على سطح مكتبي أباهي به أقراني ..
ولم يزل صاحبي يتغزل بمواصفات هذا العتيد العنيد .. من سرعة معالج .. وجمال هيكل .. وأداء القرص الصلب .. حتى كاد يوهمني أنه صُنع خصيصاً ليوافق أحلامي كما رسمتها ..
وبكل رحابة صدر خيرني في طريقة السداد .. نقداً أم ببطاقة الائتمان .. وسيوصله مشكوراً خلال أقل من ساعة إلى منزلي معززاً مكرماً .. كالعروس تزف يوم قرانها .. :D
وصدق الرجل وعده .. ورأيت الجهاز متربعاً على مكتبي .. وأنساني وأنا أفتح صندوقه غصة المبلغ الذي اقتطعه من بطاقتي ثمناً له .. وعملت عليه أقل من أسبوع ..
وإذا بالأصيل يتنكر .. وبالحسناء تبدو عيوبها .. وانتحر فجأة بلا سابق إنذار .. ولأن الشركة وضعت لصاقة الضمان .. وحذرني صاحبنا من العبث بها .. فحملته على كتفي كما يحمل الجريح في معركة خاسرة .. وتوجهت صوب المحل ..
ويا حسرتي كيف قابلني .. وكاد يرمي الجهاز في وجهي .. وأخذ يحاول إقناعي بأنني من أسوأ خلق الله في التعامل مع الأجهزة الإلكترونية .. وأنهم ليسو على استعداد لإضاعة الوقت مع زبائن من نوعيتي . :D
كظمت غيظي .. وأخذت الجهاز بعد أن استبدلوا منه بطاقة الرسوميات .. وعاهدت نفسي على أن لا أشتري جهازاً بعد اليوم .. إلا ممن يقدم لي كوب الشاي بعد أن أشتكي له من خلل في الجهاز .
<center>عمار عقيلي </center>
<center>محرر في احدى المجلات </center>
زهـرة الخليج @zhr_alkhlyg_1
محررة فضية
هذا الموضوع مغلق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️