شخصيات في مسيرة
الحركة النسائية العربية
الغالبية من صاحبات الفكر العلماني والإسلاميات لم يأخذن حقهن من الشهرة
تحتاج أي قراءة تاريخية للحركات النسائية في العالم العربي إلى الوقوف عند أسماء لبعض الرموز النسائية التي لا يمكن تجاهل دورها أو تأثيرها البالغ في مسيرة المرأة العربية طوال أكثر من قرن من الزمان ، وسواء اتفقنا أو اختلفنا في تقييمنا لأفكارهن والآراء التي دعون إليها ، لا يمكن أن نتجاهل ذكرهن كشخصيات للمعركة النسائية العربية .. والقاسم المشتركة لهؤلاء النسوة - بصرف النظر عن اختلاف توجهاتهن الفكرية بل والعقائدية - أنهن قصرن حياتهن على خدمة قضايا المرأة في كافة جوانبها المختلفة كل من المنظور والرؤية التي تتبناها .
والتسلسل التاريخي يبدأ باثنتين من أهم الرموز النسائية في التاريخ الحديث ، الأولى هي زينب فواز (1860 - 1914) وهي لبنانية الأصل لكنها عاشت في مصر والثانية هي ملك حفني ناصف المعروفة بباحثة البادية (1886 - 1912) ورغم أن زينت فواز لم تنل الشهرة التي نالتها باحثة البادية إلا أنها كانت صاحبة تأثير بالغ في إثارة قضايا المرأة في فترة مبكرة حتى قبل ظهور كتابي قاسم أمين (1863 - 1908) الشهيرين : تحرير المرأة (1899) والمرأة الجديدة (1900).
فقد أصدرت كتابها " الدر المنثور في طبقات ربات الخدور " سنة 1892 وأثارت فيه عددًا من قضايا المرأة بل وكانت صاحبة أو ل رواية عربية معاصرة وهي رواية " حسن العواقب أو غادة الزاهرة" ، أما ملك حفني ناصف فقد كانت أول فتاة تنال دبلومًا من المدارس الحكومية المصرية ، أول خطيبة من النساء وأول من مثلت النساء في مؤتمر عام ولها كتاب معروف بعنوان "النسائيات" قصرته على معالجة قضايا المرأة وشاركت أيضًا بالكتابة في الصحف والمجلات وإلقاء المحاضرات في المحافل والجمعيات المختلفة .
والملاحظ أن مطالب المرأة وقتها لم تكن تمثل خروجًا على الشريعة والتعاليم الإسلامية وإنما انصبت في اتجاه إزالة العادات والتقاليد الاجتماعية التي تحمل إجحافًا بحقوق المرأة وربما يرجع ذلك إلى أن معظم رائدات العمل النسائي في هذه الفترة كن ينتمين لأصول عريقة وبيوت علم ودين فكلاً من زينب وملك حفني ناصف تلقت دروس العلوم الشرعية واللغوية والأدبية على يد علماء وشيوخ ولم يكن هناك تأثير ثقافي غربي على أفكارهن بمثل ما حدث مع الأخريات ، وبعد هذه المرحلة ظهرت مجموعة من القيادات النسائية التي تمثل أبرز رموز القيادات النسائية العربية فظهرت نبوية موسى (1886 - 1942) ، وهدى شعراوي (1879 - 1947) ، وسيزا نبراوي ، وصفية زغلول (1878 - 1946) ، واسترويصا (1895 - 1990) ، ودرية شفيق ، ومنيرة ثابت ، وسهير القلماوي ، وأمينة السعيد (1910 - 1995) ، وإنجي افلاطون (1924 - 1989) ، ولطيفه الزيات ونوال السعداوي ...
ومعظم هؤلاء النسوة تأثرن بالحركة النسائية وحملن نفس أفكارها ومطالبها التي تحمل مجملها خروجًا على قيم وتقاليد المجتمعات العربية الإسلامية مثل الدعوة إلى السفور وخلع الحجاب ، ومنع الطلاق ، وتعدد الزوجات ، والدعوة إلى خروج المرأة إلى العمل ومساواة المرأة بالرجل مساواة كاملة في كل شيء ، وقد تأثر معظمهن بالأفكار الليبرالية التي كانت رائجة في أوائل هذا القرن خاصة مصر ومعظمهن كن تلاميذ لعدد من أقطاب العلمانية والليبرالية في العالم العربي مثل أحمد لطفي السيد الذي اشتهر بلقب أستاذ الجيل ، وقاسم أمين وشبلي شميل وسعد زغلول وعلي مبارك وسلامه موسى .
وتعد هدى شعراوي (1878 - 1947) أهم الرموز النسائية التغريبية في العالم العربي فقد كانت أول امرأة تخلع الحجاب علانية أمام الناس وتدوسه بقدميها مع زميلتها سيزا نبراوي ونبوية موسى عقب عودتهن من مؤتمر نسائي دولي سنة 1923 ، وكانت حلقة الاتصال بين الحركة النسائية العربية ونظيرتها الغربية إذ شاركت في 14 مؤتمرًا نسائيًا دوليًا في أنحاء العالم ، وتعد أمًا لمعظم حركات التحرر النسائي في العالم العربي أسست 15 جمعية نسائية في مصر وحدها وكانت أول رئيسة للاتحاد النسائي المصري وأسست مجلتين نسائيتين واحدة بالعربية وأخرى بالفرنسية ونقلت أفكار تحرير المرأة من مصر إلى بقية الدول العربية .
أما أكثر الرموز النسائية العربية تجسيدًا للأفكار الغربية في تحرير المرأة فهي د. نوال السعداوي إذ تدعو إلى المساواة الكاملة بين المرأة والرجل في كل شيء وتطالب بالحد مما تسميه بالهيمنة الذكورية على المجتمع ولها عدد من الكتابات الصارخة التي ترجمت إلى كثير من اللغات الأجنبية مثل " الأنثى هي الأًصل و"الرجل والجنس" ، وغيرها من المؤلفات التي أحدثت صدمة في العالم العربي ومثلت خروجًا صارخًا وتحديًا سافرًا لكل القيم والتقاليد والأعراف الإسلامية .
وقد أسست جمعية "تضامن المرأة العربية" وهي أشهر الجمعيات النسائية العربية في نصف القرن الأخير صدر قرار بحلها لأفكارها وممارساتها المثيرة والمستفزة خاصة بعد الكشف عن تلقيها تمويلاً من عدد من المؤسسات الأجنبية المشبوهة .
وعلى النقيض من هذا لم يشهد التيار الإسلامي مثل هذا الزخم بالنسبة لرموز العمل النسائي وإن كان هذا لا يعني عدم وجود قيادات نسائية إسلامية بارزة إذ برزت بعض الرموز النسائية الإسلامية التي لعبت دورًا هامًا في خدمة قضايا المرأة العربية ولكن من منظور إسلامي مستقل لا يرى صراعًا أو تصادمًا بين الرجل والمرأة ويدرك خصوصية وضع ودور المرأة في المجتمع الإسلامي ويتعامل معها باعتبارها الزوجة الصالحة والأم الناجحة التي تمثل نصف المجتمع وتبني المجتمع كله وأول رائدات العمل النسائي الإسلامي السيدة لبيبة أحمد التي أسست مجلة "النهضة النسائية" كأول مجلة نسائية إسلامية سنة 1923 واختارها الإمام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين رئيسًا لقسم الأخوات المسلمات الذي أنشأه سنة 1933 ملحقًا بالجماعة وكان لها نشاط بارز من خلال رئاستها لهذا القسم ولكنه اقتصر على الجانب الاجتماعي والثقافي والديني بعيدًا عن العمل السياسي حيث شارك القسم في تحرير أبواب النساء بمجلات الإخوان ، كما شارك في العمل التطوعي والخيري كرعاية الفقراء والأيتام ومساعدة المحتاجين وتوعية النساء ومحو أميتهن وإنشاء أول مدرسة لتعليم الفتيات الفقيرات واليتيمات واستمر نشاط القسم حتى صدور قرار جماعة الإخوان واستيلاء الحكومة على مقاره ووقف أنشطته سنة 1948 ، وإن استمر نشاط الأخوات المسلمات بعد ذلك ولكن بصورة غير قانونية وظهر دورهن في أثناء العهد الناصري حيث تولين رعاية أسر المعتقلين اجتماعيًا .
وبرزت أسماء رموز أخرى غير لبيبة أحمد ومن أشهرهن زينب الغزالي الجبيلي ، والأديبة أمينه قطب شقيقة الشهيد سيد قطب ، وآمال الجوهري زوجة محمود الجوهري الذي كان سكرتيرًا لقسم الأخوات المسلمات ، ونعيمه خطاب زوجة المستشار حسن الهضبي المرشد الثاني لجماعة الإخوان المسلمين ، وآمال العشماوي كريمة محمد العشماوي باشا وزير المعارف المصرية وزوجة منير دولة أحد قيادات الإخوان بمصر وقد ذكرها ريتشارد ميتشل في كتابه "الإخوان المسلمون" وتحدث عن دورها وتأثيرها في جماعة الإخوان خاصة وأن منزلها شهد أخطر الاجتماعات في تاريخ مصر المعاصر بين قيادات الإخوان والضباط الأحرار والتي أسفرت عن ثورة يوليو 1952 ، وكذلك فايقة إسماعيل ، وفاطمة توفيق ، وزينب الشعاعي زوجة الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي مقرئ القرآن الشهير ، وزهرة السنانيري ، وفاطمة عبد الهادي .
ولكن الملاحظ على معظم الرموز النسائية الإسلامية أنهن لا يحظين بالشهرة والانتشار الذي لمثيلاتهن من التيارات الأخرى ، ويكاد ينحصر دورهن وتأثيرهن على ذوات الانتماء الإسلامي فقط بعكس الرموز النسائية العلمانية التي استطاعت الدوائر الإعلامية العربية والغربية إظهارهن كرموز عامة ونماذج للمرأة العربية على اختلاف انتماءاتها .
فنرجو من الاخوات ان تكتب عن شخصيات تعرفها حتى تقتدي بهن الاخوات
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️