المحاضرات والصور منقولة من منتديات التربية والتعليم
الاولى
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ أما بعد:
فمن الأمور الهامة المقررة فِي الكتاب والسُّنَّة، والَّتِي تنتظم بها مصالح العباد والبلاد، والَّتِي هِيَ مِنْ أعظم أسباب السعادة بيعة ولاة الأمور عَلَى الكتاب والسُّنَّة.
وسأذكر مَعْنَى البيعة الشرعية، وأدلة مشروعيتها، وعظيم أهميتها، ولزومها فِي عنق كُلّ مؤمن، والتحذير مِنْ خلعها، وَمَا يلزم مِنْها مِنْ السمع والطاعة، والجماعة، وترك الفرقة ونحو ذَلِكَ، وبعض حقوق ولاة الأمر.
مَعْنَى البيعة الشرعية
البيعة فِي اللغة: المعاهدة والمعاقدة.
قَالَ ابن مَنْظُورٍ فِي لِسَان العَرَبِ(8/26) : "و بايعه عليه مبايعة عاهده وبايعته من البيع و البيعة جميعاً والتبايع مثله، وفي الحديث أنه قَالَ: ((ألا تبايعوني عَلَى الإسْلام)) هو عبارة عن المعاقدة والمعاهدة كأن كل واحد منهما باع ما عنده من صاحبه، وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره، وقد تكرر ذكرها في الْحَدِيْث" وانظر: مشارق الأنوار للقَاضِي عياض(1/107)
والبيعة فِي الشرع: المعاقدة والمعاهدة عَلَى العمل بكتاب الله وسنة رسوله -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم-.
وَهَذِهِ البيعة الشرعية عَلَى سبيل العموم، أما بيعة ولي الأمر، أوي مبايعة مُسْلِمٌ عَلَى السمع والطاعة فهذه لا تكون فِي ولي الأمر المسلم.
فالبيعة الواجبة لولي الأمر هِيَ: العهد عَلَى السمع والطاعة بِالْمَعْرُوفِ.
قَالَ ابن خلدون فِي مقدمته(ص/229) : "اعلم أن البيعة هي العهد على الطاعة؛ كان المبايع يعاهد أميره على أنه يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين، لا ينازعه في شيء من ذلك، ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط والمكره. وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيدا للعهد؛ فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري؛ فسمي بيعة؛ مصدر باع؛ وصارت البيعة مصافحة بالأيدي. هذا مدلولها في عرف اللغة ومعهود الشرع".
أدلة مشروعية البيعة
قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}
عَنْ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: "دعانا رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- ، فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا: أنْ بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله" قَالَ: ((إلا أن تَرَوا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان)) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- عَنْ النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- أنَّهُ قَالَ: ((وستكون خلفاء فتكثر)) قَالُوا: فما تأمرنا؟ قَالَ: ((فُوا ببيعة الأولِ فَالأوَّلِ، وأعطوهم حقهم فإنَّ الله سائلهم عما استرعاهم)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
أهمية البيعة الشرعية
إن إقامة السلطان وولي الأمر من الواجبات الدينية ، ومما لا تتم مصالح الناس الدينية والدنيوية إلا به .
قال رابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- : "لا بد للناس من أمير ؛ بَرٍّ ، أو فاجر ، يعمل فيه المؤمن ، ويستمتع فيه الكافر ، ويبلغ الله فيها الأجل" رواه البيهقي في السنن الكبرى وسنده حسن.
قال الحسن البصري -رحمَهُ اللهُ- : "والله لا يستقيم الدين إلا بهم وإن جاروا وظلموا ، والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون ، مع أن طاعتهم والله لغبطة ، وأنَّ فرقتهم لكفر" انظر: جامع العلوم والحكم(2/117حديث رقم28)
يعني أنه كفر للنعمة وهو كفر أصغر.
قال شيخ الإسلام -رحمَهُ اللهُ- فِي مجموع الفتاوى(28/290-291) : " يجب أن يعرف أن ولاية أمور الناس من أعظم واجبات الدين ، بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها ... ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة ، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم ، وإقامة الحدود ، لا تتم إلا بالقوة والإمارة ، ولهذا روى أن السلطان ظل الله في الأرض ، ويقال: ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان ، والتجربة تبين ذلك... فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً وقربة يتقرب بها إلى الله ، فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات ، وإنما يفسد فيها حال أكثر الناس لابتغاء الرياسة أو المال".
وقال ابن رجب-رحمَهُ اللهُ- فِي جامع العلوم والحكم(2/117) : "وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ففيها سعادة الدنيا ، وبها تنتظم مصالح العباد في معاشهم ، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم".
لزوم البيعة فِي عنق كُلّ مؤمن، والتحذير مِنْ خلعها
إِذَا بايع أهل الحل والعقد السلطان أَوْ الملك المسلم أَوْ تغلب عَلَى بلد مِنْ البلاد وجب عَلَى مِنْ يستوطن تِلْكَ البلاد البيعة لولي الأمر، وأن يعقدها بقلبه، وأن يقوم بحقها، وأن يحفظ عهد الله وميثاقه.
وبيعة أَهْل الحل والعقد لازمة عَلَيْهِمْ ، وملزمة لمن يقع تحت سلطان ولي الأمر كما عليه أهل السنة والجماعة.
فلما بايع أهل الحل والعقد أبا بكر الصديق -رَضِيَ اللهُ عنهُ- لزمت هذه البيعة جميع المسلمين .
يقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} الآية.
فأمر الله -عزَّ وجلَّ- بطاعته وطاعة رسوله وطاعة ولاة أمور المسلمين وهذا يتضمن الإقرار ببيعتهم ، وأنهم داخلون تحت ولايته ملزمون ببيعته .
وَقَدْ قال النبي -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- : ((من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وقال : ((من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية)) رواه الإمام أحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وابنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيْثِ معاوية -رَضِيَ اللهُ عنهُ- وهو حديث صحيح.
قال الإمَامُ أحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ-: "لا يحل لمسلم أن يبيت ولا يراه إماما برا كان أو فاجرا".
والأصل أنَّهُ لا يلزم أن يحضر كل الناس إلى ولي الأمر ، فمبايعه أهل الحل والعقد كافية، وَتُلْزِمُ بقية الرعية بتلك البيعة، وَلَكِنْ لو ألزم الإمَامُ الرعية بالحضور للبيعة وخصص لَهُمْ أماكن لِذَلِكَ لمصلحة يراها الإمَامُ وجب عَلَى جميع الرعية طاعة الإمَامُ، والحضور حيث أمرهم الإمَامُ للبيعة .
وَقَدْ ظهرت فائدة توافد النَّاس لبيعة خادم الحرمين الشريفين الملك عَبْد الله بن عَبْد العزيز آل سعود فِي الرياض وغيرها مِنْ مدن المملكة العربية السعودية -حرسَهَا اللهُ وحَماهَا-، وَكَذَلِكَ توافد الرعية عَلَى سفارات المملكة فِي بلدان العالم للبيعة ، فَقَدْ أظهر هَذَا الأمر تلاحم الشعب السعودي مع قادته، وكشف للعالم الوحدة والاجتماع الذي يخيم عَلَى هَذِهِ البلاد، وكبَتَ الأعداء والمتربصين والمثيرين للفتن كسعد الفقيه والمسعري وجماعة القاعدة الإرهابيين.
وبعض المبتدعة يحاول تنفير الشباب المسلم عَنْ البيعة الشرعية، ويكفر حكام الْمُسْلِمِيْنَ عَلَى الإطلاق وَهَذَا بسبب جهل أُولَئِكَ المبتدعة وضلالهم.
سئل شيخ الإسلام عبد العزيز ابن باز –رحمه الله- :
بعض الإخوة هداهم الله لا يرى وجوب البيعة لولاة الأمر في هذه البلاد ما هي نصيحتكم يا سماحة الوالد ؟
فقال الشيخ –رحمه الله- :
ننصح الجميع بلزوم السمع والطاعة كما تقدم والحذر من شق العصى والخروج على ولاة الأمور بل هذا من المنكرات العظيمة بل هذا دين الخوارج ، هذا دين الخوارج ، ودين المعتزلة .
الخروج على ولاة الأمور والسمع والطاعة لهم في غير المعصية هذا غلط ، خلاف ما أمر به النبي –صلى الله عليه وسلم- .
النبي –صلى الله عليه وسلم- أمر بالسمع والطاعة بالمعروف وقال: ((منْ رأى من أميره شيئاً من معصية الله ؛ فليكره ما يأت من معصية الله ، ولا يَنْزعن يداً من طاعة))
وقال: ((ومن أتاكم وأمركم جميع يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاضربوا عنقه))
فلا يجوز لأحد أن يشق العصى أو أن يخرج عن بيعة ولاة الأمور أو يدعو إلى ذلك فإن هذا من أعظم المنكرات ومن أعظم أسباب الفتنة والشحناء، والذي يدعو إلى ذلك هَذَا، هَذَا هو دين الخوارج إذا شاقق يقتل لأنه يفرق الجماعة ويشق العصى .
فالواجب الحذر من هذا غاية الحذر ، والواجب على ولاة الأمور إن عرفوا من يدعو إلى هذا أن يأخذوا على يديه بالقوة حتى لا تقع الفتنة بين الْمُسْلِمِيْنَ"
مقتضى البيعة ولازمها
إِذَا لزمت البيعة فِي عنق المسلم فإنَّ هَذَا يعني أنَّهُ عَاقَدَ وعَاهَدَ ولِيَّ الأمر عَلَى أنْ يحفظ حَقَّهُ، فَعَلَيْهِ أنْ يُوفِي بعهده وميثاقه، وأن يَحْذَرَ مِنْ الخيانة ونقض العهد والميثاق.
قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ}
وقَالَ -عزَّ وجَلَّ-: {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً}.
عن أبي سَعِيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- قَالَ: ((لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وخرج البخاروي ومُسْلِمٌ نحوه عَنْ ابن عُمَر.
وعن نافع قال: لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية، جمع ابن عمر حشمه وولده، فقال: إني سمعت النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- يقول: ((يُنصب لكل غادرٍ لواءٌ يوم القيامة))،
وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني لا أعلم غدراً أعظم من أن يُبايع رجلٌ على بيع الله ورسوله ثم يُصب له القتال، وإني لا أعلم أحداً منكم خلعه ولا بايع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه "
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ((من خرج من الطاعة ، وفارق الجماعة ، فمات ؛ مات ميتة جاهلية ، ومن قاتل تحت راية عُمِّيَّة يغضب لعصبية ، أو يدعو إلى عصبية ، أو ينصر عصبية ، فقتل ؛ فقتلة جاهلية ، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ، ولا يتحاشى من مؤمنها ، ولا يفي لذي عهد عهده ، فليس مني ، ولست منه)) رواه مسلم في صحيحه(3/1477) عن أبي هريرة -رضي الله عنه.
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ((من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد ، يريد أن يشق عصاكم ويفرق كلمتكم فاقتلوه))
وفي رواية: ((إنَّهُ ستكون هنات وهنات ، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان)) رواه مسلم في صحيحه(3/1479 ، 1480) من حديث عرفجة الأشجعي -رضي الله عنه-.
ويلزم الْمُؤمِن إِذَا بايع ولي أمره، أَوْ لزمته البيعة أنَّ يَسْمَع ويطيع ولي الأمر بِالْمَعْرُوفِ، ولزمته النصيحة لولي الأمر، ولزمته نصرة ولي الأمر .
حقوق ولي الأمر عَلَى سبيل الإجمال والاختصار
فقد تواردت الأدلة من الكتاب والسنة والآثار السلفية على وجوب الدخول في بيعتهم ، وأن من كان تحت ولايته فهو داخل في بيعته ، وطاعة ولاة الأمر ، وتوقيرهم وإكرامهم ، وحفظ حقهم ، والدعاء لهم ، والصلاة خلفهم ودفع الزكاة لهم ، والحج والجهاد معهم ، ومناصحتهم سراً لا جهراً ، وحرمة غيبتهم ، والطعن فيهم ، والتشهير بهم ، وحرمة الخروج عليهم ، وحرمة الإعانة على من خرج عليهم ولو بالكلمة ، وعقوبة المثبط عن ولاة الأمور ، وعقوبة المثير عليهم الْمُفَرِّق للجماعة.
السمع والطاعة لولي الأمر بِالْمَعْرُوفِ: قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} الآية.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)). متفق عليه من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- .
وقال -صلى الله عليه وسلم- : ((تسمع وتُطيع للأمير، وإن ضُرِبَ ظهرُك وأُخذ مالُك، فاسمع وأطع)) رواه مسلم في صحيحه من حديث حذيفة -رضي الله عنه- .
وعن سلمة بن يزيد الجعفي -رضي الله عنه- أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألون حقهم، ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله الثالثة، فجذبه الأشعث بن قيسٍ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ((اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتم )) رواه مسلم في صحيحه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمَهُ اللهُ- : "وأما أهل العلم والدين والفضل فلا يرخصون لأحد فيما نهى الله عنه ؛ من معصية ولاة الأمور ، وغشهم ، والخروج عليهم بوجه من الوجوه ، كما قد عرف من عادات أهل السنة والدين قديماً وحديثاً ، ومن سيرة غيرهم". مجموع الفتاوى(35/12) .
وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمَهُ اللهُ- في الأصول الستة(ص/324-كما في الجامع الفريد) : "الأصل الثالث: أنَّ مِن تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمَّر علينا ، ولو كان عبداً حبشياً ، فبيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا بياناً شائعاً ذائعاً بكل وجه من أنواع البيان شرعاً وقدراً ، ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند أكثر من يدَّعي العمل به"
فضل السمع والطاعة لولاة الأمور: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا أيها الناس أطيعوا ربكم ، وصلوا خمسكم ، وأدوا زكاة أموالكم ، وأطيعوا أمراءكم ؛ تدخلوا جنة ربكم)) وَهُوَ حَدِيْث صَحِيْحٌ
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ((من عبد الله لا يشرك به شيئاً ، وأقام الصلاة ، وآتى الزكاة ، وسمع وأطاع ؛ فإن الله يدخله من أي أبواب الجنة شاء ، وإن لها ثمانية أبواب)) وَهُوَ حَدِيْث حَسَنٌ.
وجوب إكرام الْمَلِكِ والسلطان وتَحْريْمُ إهانته: وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((من أكرم سلطان الله أكرمه الله ، ومن أهان سلطان الله أهانه الله)) وَهُوَ حَدِيْث حَسَنٌ
مِنْ حقوق ولي الأمر الدعاء لَهُ: قال الإمام البربهاري -رحمَهُ اللهُ- في (ص/113-114) : "وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى ، وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة -إنْ شَاءَ اللهُ- .
يقول فضيل بن عياض: لو كان لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان. قيل له: يا أبا علي فسِّرْ لنا هذا. قال: إذا جعلتها في نفسي لم تعدني ، وإذا جعلتها في السلطان صلح فصلح بصلاحه العباد والبلاد .
فأمرنا أن ندعو لهم بالصلاح ، ولم نؤمر أن ندعو عليهم وإن جاروا وظلموا ، لأن جورهم وظلمهم على أنفسهم ، وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين".
وقال الطحاوي -رحمَهُ اللهُ- : "ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ، ولا ندعو عليهم ، ولا ننـزع يداً من طاعتهم ، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة، ما لم يأمروا بمعصية ، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة".
الصَّلاة خلف ولاة الأمور والحج والجهاد معهم.. :. وقال الإمام البربهاري-رحمَهُ اللهُ- في شرح السنة(ص/129) : "ومن قال: الصلاة خلف كل برٍّ وفاجر ، والجهاد مع كل خليفة ، ولم ير الخروج على السلطان بالسيف ، ودعا لهم بالصلاح فقد خرج من قول الخوارج أوله وآخره" .
نصيحة السلطان سرا لا جهراً: عن عياض بن غنم -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ، وليأخذ بيده ، فإن سمع منه فذاك ، وإلا كان أدى الذي عليه)) رواه أحمد وابن أبي عاصم في السنة والطبراني والحاكم والبيهقي وغيرهم وهو حديث صحيح.
حرمة سب ولاة الأمور: عن أنس بن مالك قال: نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ((لا تسبوا أمراءكم، ولا تغشوهم، ولا تبغضوهم، واتقوا الله واصبروا، فإن الأمر قريب)) قال أبو الدرداء -رضي الله عنه- : "إياكم ولعن الولاة ، فإنَّ لعنهم الحالقة ، وبغضهم العاقرة" قيل: يا أبا الدرداء ، فكيف نصنع إذا رأينا منهم ما لا نحب؟ قال: "اصبروا ، فإن الله إذا رأى ذلك منهم حبسهم عنكم بالموت" رواه ابن أبي عاصم في السنة وسنده صحيح .
فهذه جملة مِنْ المسائل المتعلقة بالبيعة، وذكرت حقوق ولي الأمر، وَمَا يجب لَهُ عَلَى رعيته عَلَى سبيل الإجمال والاختصار.
أسأل الله أنَّ يحفظ بلاد الْمُسْلِمِيْنَ مِنْ كيد الأعداء، وأن يحفظ علينا الأمن والأمان والإيمان
والله أعلم. وصلَّى اللهُ وسلَّم على نبينا محمد
الثــــــــــــــــــــــــانية
قبل اعلان نبأ وفاة الملك فهد بن عبد العزيز، كان الامير عبد الله بن عبد العزيز قد بويع ملكا على السعودية.
لقد تمت البيعة الاولى التأسيسية للملك ولولي عهده بينما كان الملك الراحل لا يزال مسجى في فراشه.
وبهذا الاجراء السياسي الناجز: قضى منهج الاسلام: اذ لا يجوز ان يبقى مجتمع المسلمين ودولتهم لحظة واحدة بدون رأس أعلى مسؤول عنهما يدير شؤونها السياسية والأمنية والاقتصادية: الداخلية والخارجية: بلا تأجيل، ولا تعطيل.
و(سوابق) المنهج لا تزال تتألق، وعزائمه لا تبرح ماضية. حين كان اكابر الصحابة يتشاورون في أمر بيعة خليفة المسلمين في سقيفة بني ساعدة، كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال مسجى ببردته: لم يدفن بعد.
ان خلافة النبي ـ يجب ان تنعقد قبل دفنه ـ وهذا برهان حاسم على ان أمة المسلمين قد ادركت في وقت مبكر من تاريخ البشرية السياسي: (مفهوما دستوريا) لم يتضح، ولم يؤصل إلا بعد ذلك بقرون: مفهوم (الفراغ الدستوري)، وكيف يجب اتخاذ الاجراء اللازم الضروري لتفاديه، وهذا الاجراء هو (البيعة الناجزة).. وفي هذا المفهوم نفسه: يثوى مفهوم آخر مكين: مفهوم ضرورة استقرار المؤسسة واستمرارها حتى بعد وفاة مؤسسها الاعظم الذي لن يتكرر ـ قط ـ وهو النبي عليه الصلاة والسلام: «وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين». ولقد وفق ابو بكر أيما توفيق الى تلاوة هذه الآية في لحظة الاعلان عن وفاة النبي.. وتركيز أبي بكر: العقل والفهم على هذه الحقيقة ليس تذكيرا بناموس الموت فحسب، بل هو ـ كذلك ـ تركيز البصيرة والوعي والادراك على ان مؤسسة مجتمع المسلمين ودولتهم وجدت لتبقى ولتستمر، لا ان تنهار وتسقط بمجرد وفاة البناة (وينبغي هنا تثمين كلمة قالها في السياق نفسه الامير سلمان بن عبد العزيز منذ ايام، اذ قال: ان الدول التي تقوم على فرد تسقط بسقوط الفرد. ودولتنا هذه انبثقت من صميم الشعب، وتتبع نهجا ثابتا، ولذلك فالاستمرارية دائمة لا تنقطع).
المسارعة الى بيعة الملك عبد الله هي ـ من ثم ـ موقف ايماني سياسي فكري اجتماعي مبني على: (سنة) استنها اكابر الصحابة، وفي طليعتهم الخلفاء الراشدون، وهي سنة ذات مرحلتين متكاملتين: مرحلة البيعة الاولى التأسيسية.. ثم مرحلة البيعة العامة.
وبشأن البيعة العامة: لم يكد موعد البيعة يجيء حتى انثالت الجموع الهائلة على قصر الحكم.. و الناس ذهبوا الى قصر الحكم ومحيطه قبل العاشرة ضحى.. وبغتة وقعت العيون على رجل كبير السن، نحيل بل ضعيف البنية لا يكاد يثبت في وقفته من الهزال.. وبدافع الاشفاق عليه نصحه كثيرون بان يتفادى الزحام، ولكنه كان مقتنعا بما يفعل حريصا على رؤية الملك وولي عهده رؤية مباشرة، وعلى ان يبايعهما: يدا بيد: مهما تكلف من التعب والمشقة!!
بويع الملك عبد الله وولي عهده: بيعة اختيار ورضى على الكتاب والسنة، وعلى العدل والشورى والقيام بفروض الامامة، وعلى السمع والطاعة في المنشط والمكره، واليسر والعسر، وعلى المناصحة، وعلى الا ننازع الامر اهله (على كل عبارة من هذه العبارات: ثمة أدلة من الكتاب والسنة).
واذ بدأت البيعة العامة في قصر الحكم في الرياض: مباشرة للملك عبد الله وولي عهده الامير سلطان بن عبد العزيز، فإن الايام التي تلت ذلك: شهدت صورا كثيفة ومضيئة من البيعة بالانابة او الوكالة عنهما، حيث اناب امراء المناطق عن الملك وولي عهده في اخذ البيعة من المواطنين الذين لا ينقطع لهم صف.
ويتعين ـ هنا ـ: اثبات مسألتين جد مهمتين:
1 ـ المسألة الأولى هي: ان التوكيل في البيعة: أسلوب قرره المنهج واعتمده:
أ - في بيعة الرضوان كان عثمان بن عفان غائبا فاختار النبي ان يكون نائبا عن عثمان في هذه البيعة.
ب ـ في رسالة النجاشي الى النبي، قال النجاشي: «وقد بايعتك وبايعت ابن عمك». فبيعة النجاشي للنبي كانت بواسطة وكيل هو جعفر بن ابي طالب.
2 ـ المسألة الثانية: ان البيعة المشروعة المحبوبة الموثقة: انما تكون بالاختيار والرضى. ففي الحديث النبوي: «من بايع اماما فأعطاه صفقه يده وثمرة فؤاده فليطعه ما استطاع».. وبديه: ان (ثمرة القلب) لا تكون الا عن الاختيار والرضى المبنيين على المحبة القلبية العميقة.. وبديه ـ كذلك ـ ان بيعة الاكراه لا قيمة لها، لأن المهم: ليس شكل تصافح الايدي. وانما المهم: الاقتناع العقلي والحب الوجداني. ومن هنا يأتي ـ مثلا ـ: ذم امام الصلاة الذي يؤم الناس وهم له كارهون.. ومن الادلة الكثيرة على اشتراط (الرضى) في البيعة: قول النبي: «وآتيكم لتمنعوني حتى ابلغ رسالة ربي، ولا اكره احدا منكم على شيء». وقول ابي بكر: «اجمعوا لي المهاجرين والانصار». فلما اجتمعوا قال لهم: «انتم بالخيار جميعا في بيعتكم».. وقول علي بن ابي طالب: «ان بيعتي لا تكون خفيا، ولا تكون الا عن رضى المسلمين».
وانا لنشهد الله وملائكته والناس اجمعين: ان بيعة الملك عبد الله كانت عن اختيار ورضى، بل عن حب، والا فما الذي يدفع هذه الجموع الضخمة الى الخروج من بيوتها، والتعرض للهيب الحر وهي واقفة تنتظر الفرصة لتبايع، بينما هي حرة في أن لا تفعل؟.. بالتوكيد: لم نر جلادين يسوقون الناس بالعصي والسياط، ولم نسمع تهديدا ولا وعيدا في وسائل الاعلام، ومنابر التوجيه.. وبانتفاء وجود هذه الضغوط والمكرهات: يتضح ان دافع الجموع وحاديها هو: الحب والاقتناع والاختيار والرضى.
ولولا اننا نؤثر استعمال مصطلحات المنهج ومفرداته كـ (البيعة): على مفردات اخرى مثل: الانتخاب، والاستفتاء لقلنا: ـ باطمئنان موضوعي ـ: انه انتخاب بمعناه الحقيقي، او استفتاء صحيح بمفهومه القانوني والميداني.
وخلاصة هذه النقطة الي ينبغي ان تستقر في العقل واوعية (الخبرة البشرية): ان في عالمنا هذا: اساليب ونماذج متنوعة لقياس شعبية الحكم وشرعيته.. وبناء على مسلمة التعدد والتنوع هذه: فإن البيعة في السعودية: نموذج معتبر ومحترم من تلك الاساليب والنماذج السياسية المتنوعة: نموذج في قياس الشعبية، واكتساب الشرعية.
واحياء (السنة) لم ينحصر في (البيعة)، بل شمل ما يعقب البيعة، وهو خطاب او خطبة البيعة، وهي سنة استنها بادئ ذي بدء: ابو بكر الصديق. فبعد البيعة العامة: صعد ابو بكر منبر المسجد والقى خطبة جاء فيها: «ايها الناس اني وليت عليكم ولست بخيركم، اطيعوني ما اطعت الله فيكم، الضعيف منكم قوي عندي حتى آخذ الحق له، والقوي منكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه».. واهتداء بهذه السنة: القى الملك عبد الله خطبة البيعة التي نهضت على ركائز اربع: ركيزة المعاهدة على ان الاسلام هو منهج الدولة: وركيزة السير على خطى الملك عبد العزيز.. وركيزة ارساء العدل.. وركيزة اعانة المواطنين له على حمل الامانة، وهي ركائز أصّلها من جديد في اول كلمة له في اول مجلس للوزراء يعقد في عهده ملكا. فقد قال: «ان المملكة لم تزل متمسكة بشرع الله الحنيف والسنة النبوية المطهرة مدركة مسؤولياتها الجسام باعتبارها مهبط الوحي ومنطلق الرسالة ومهد العروبة واحدى ابرز الدول المؤثرة على مختلف الصعد».
وخطبة البيعة.. ثم هذه الكلمة العميقة في مجلس الوزراء، ذلك كله يدل على انه مهما تعاقبت ملوك آل سعود: ملكا بعد ملك ومهما طال الزمن، وامتد الى امام، ومهما تغيرت او تطورت الظروف الوطنية والاقليمية والعالمية، فإن الحقيقة العظمى الثابتة المستخلصة من هذا التاريخ الطويل والتي ينبغي ان تتعلمها الاجيال في المدارس والجامعات. هذه الحقيقة هي (يتعاقب الملوك والنهج واحد).
وتمام المقال: عن (مفاتيح) شخصية الملك عبد الله بن عبد العزيز. ومفتاح شخصية الملك السعودي السادس هو (الرحمة الغامرة، ودقة الاحساس بالمسؤولية). فالدارس لهذه الشخصية ملتق ـ ولا بد ـ بعشرات القرائن التي توثق هذا الشعور بالرحمة. وليس آخر هذه القرائن: ابتداء عهده بـ(العفو) السمح عن مواطنين واجانب: كأول قراراته الانسانية.. اما دقة الشعور بالمسؤولية فتتمثل في مواقف عديدة، اقربها ـ مثلا ـ : حرصه في خطوة البيعة على ان يكون (ارساء العدل) في طليعة اولوياته. فالاحساس بالعدالة هو منبع الاحساس بالمسؤوليات كافة.
وهناك تناغم منهجي وتطبيقي بين هذا الشعور الحي بالمسؤولية وبين البيعة. فالبيعة ليست اجراء شكليا، ولا منصبا فخريا، بل هي مشروطة بالوفاء بواجبات كبرى من بينها، بل في مقدمتها: اقامة العدالة بمفهومها الشامل: ففي الكتاب الذي بويع عليه الملك عبد الله: «وأمرت لأعدل بينكم».. : «وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط».. : «واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل».
وشعور الملك عبد الله العميق الدقيق بالمسؤولية: معين له ـ بحول الله ـ على اداء هذه المسؤوليات الثقيلة المركبة المضاعفة. ذلك ان مسؤولية البيعة (أثقل) أضعافا مضاعفة من مسؤولية أي حكم آخر: محصور في تصريف الامور الدنيوية وحدها. فالبيعة امانة جد ثقيلة عن شؤون الدنيا والدين معا. فهي مسؤولية دنيوية كاملة x مسؤولية دينية كاملة.. ولقد دعا الملك عبد الله الناس بأن يدعوا له. فنسأل الله باسم الاعظم: ان يفيض عليه من عونه في كل شأن، وان يجري الخير والسعادة على يديه للشعب السعودي وللاسرة الانسانية كلها.
7
7
7
هنــــــــــــــــــــــــــــــــــاصور تلوين خاصة بالبيعة

دينا 22 @dyna_22
محررة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

الاصيل
•
مشكورة دينا 22 الله يعطيكِ العافية ..




الصفحة الأخيرة