أما بعد أيها المسلمون ..يقول المولى تبارك وتعالى في محكم التنزيل { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } في هذه الاية المباركة ، يبين الله لنا حقيقتين .
الحقيقة الأولى : أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته ، مقدمة على طاعة النفس وهواها .
الحقيقة الثانية : أن زوجاته أمهات لكل مسلم ، وبمعنى آخر أن زوجاته أمهات لكل واحد منا .
وحول هؤلاء الأمهات وما يتعلق بهن ، سيدور الحديث في هذه الخطبة بإذن الله تعالى حول أمرين (، الخطبة الاولى حول نبذة يسيرة عنهن ، ,الخطبة الثانية عن فضلهن وأهميتهن في الإسلام ،)
عباد الله : نبدا هذه الخطبة بذكر عدد زوجاته صلى الله عليه وسلم وشيء يسير من سيرتهن ..
لقد دخل رسولكم صلى الله عليه وسلم بإحدى عشرة امرأة هُن أمَّهاتُ المؤمنين ، مات منهن في حياته اثنتان ، وتُوفي صلى الله عليه وسلم عن تسع نسوة ، ولم يجتمع له أكثرُ من تسعٍ في وقتٍ واحد صلوات الله وسلامُه عليه.
فأولهن خديجة بنتُ خويلد رضي الله عنها أُمُّ أولاده ، وأقربُ أزواجه إليه نسباً رضي الله عنها ، وكما نعرف فهي صاحبةُ المواقف المشهودة في الإسلام ، فهي أول من أسلم به من العالمين ؛ وهي التي ثبَّت الله بها فؤادَه صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام ، ووقفت معه في السراء والضراء ، وسخرت مالها وجاهها لنصرة دين الله .. فكان أن ادَّخر الله لها فضلاً لا يلحقُها فيه أحد ؛ أخرج البخاري بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ " أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ " يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ , فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي , وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ "
ولهذا استمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها حتى مات ، يثبت هذا قول أمنا عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ " مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ , وَمَا رَأَيْتُهَا وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ ذِكْرَهَا , وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً , ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ فَرُبَّمَا ، قُلْتُ : لَهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلَّا خَدِيجَةُ ، فَيَقُولُ : " إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ." رواه البخاري .. فرضي الله عن هذه المرأة الشامخة ، التي كانت قدوة لنساء المؤمنين في الاستقامة والصبر والتضحية وإرضاء الزوج وغير ذلك من الأخلاق الفاضلة والسيرة العطرة.
والثانية: سودة بنتُ زمعة بنِ قيس العامرية رضي الله عنها، وهي أوَّلُ من تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خديجة ، وانفردت به صلى الله عليه وسلم نحواً من ثلاث سنين أو أكثر ، أسلمت قديما وبايعت ، وكانت عند ابن عم لها يقال له السكران بن عمرو، وأسلم أيضا، وهاجرا جميعا إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية، فلما قدما مكة مات زوجها. وقيل: مات بالحبشة، فلما حلت خطبها رسول الله ، فتزوجها ودخل بها بمكة ، وهاجر بها إلى المدينة.
تقول عنها عائشة رضي الله عنها: ما رأيتُ امرأة أحبَّ إلي أن أكون في مسلاخِها –يعني أن أكون مثلها وعلى طريقتها- من سودةَ بنتِ زمعة من امرأةٍ فيها حدَّة. قالت: فلما كبُرت ؛ جعلت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة. قالت: يا رسول الله قد جعلتُ يومي منك لعائشة. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومين؛ يومَها، ويومَ سودة. رواه مسلم. قال النووي رحمه الله: ولم تُرد عائشةُ عيبَ سودةَ بذلك رضي الله عنهما، بل وصفتها بقوة النَّفْس، وجودةِ القريحة، وهي الحِدَّة. اهـ .وتوفيت بالمدينة في شوال سنة أربع وخمسين.
والثالثة: عائشة الصديقة ابنةُ أبي بكر الصديق رضي الله عنها وأرضاها، حبيبةُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كانت من منزلتها منه صلى الله عليه وسلَّم تتدلل عليه، وتذكرُ له عن نفسها ما يُحببه فيها صلى الله عليه وسلم، لم يتزوَّج النبي صلى الله عليه وسلم بِكراً غيرها، ولم ينزل عليه الوحيُ في لحاف امرأةٍ سواها، وكانت أعلمَ نساء النبي صلى الله عليه وسلم، بل أعلم النساء بإطلاق؛ وكان الأكابرُ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرجعون إلى قولها ويستفتونها. عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا : مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ , وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ , وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ ) متفق عليه.
ورابعتُهن : حفصةُ بنتُ عمر بن الخطاب رضي الله عنها وعن أبيها ؛ تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ثلاثٍ من الهجرة ، وهي من المهاجرات المؤمنات ؛ هاجرت إلى المدينة مسلمةً مع زوجها خُنيس بنِ حذافة رضي الله عنه ، هاجر للحبشة مرتين ، استشهد في بدر ، وترملت حفصة ولها عشرون سنة ، وأراد عمرُ أن يُزوِّجها من عثمان ومن أبي بكر، وأراد الله لها أن تتزوج من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهي الثالثة بعد سودة وعائشة ، طلَّقها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد الأيام طلقةً واحدة ، فنزل عليه جبريلُ فقال له" إِنَّ اللَّهَ يُقْرِئُكَ السَّلامَ ، وَيَقُولُ لَكَ : رَاجِعْ حَفْصَةَ ، فَإِنَّهَا صَوَامَةٌ قَوَامَةٌ ، وَهِيَ زَوْجَتُكَ فِي الْجَنَّةِ " رواه الطبراني وغيره بسند صحيح ،
وقد عكفت على المصحف تلاوة وتدبرا وتفهما وتأملا ، مما أثار انتباه أبيها الفاروق عمر بن الخطاب إلى عظيم اهتمامها بكتاب الله تبارك والله ، مما جعله يوصي بالمصحف الشريف الذي كتب في عهد أبي بكر الصديق بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إليها ، ولما أراد عثمان بن عفان رضي الله عنه أن يوحد المصاحف ، أرسل إليها فسألها أن تعطيه الصحيفة ؛ وحلف ليردنها إليها ، فأعطته ، فعرض المصحف عليها ، فردها إليها ، وطابت نفسه ، وأمر الناس فكتبوا المصاحف. وعاشت رضي الله عنها تحيي ليلها بالعبادة وتلاوة القرآن والذكر ، حتى أدركتها المنيّة سنة إحدى وأربعين بالمدينة المنورة عام الجماعة ، فرضي الله عنها وأرضاها.
والخامسةُ: زينبُ بنتُ خُزيمة الهلاليةُ رضي الله عنها ، كان يُقالُ لها أمُّ المساكين؛ لأنها كانت تُطعمُهم ، وتتصدَّقُ عليهم ، كان دخولُه عليها صلى الله عليه وسلم بعد دخوله على حفصةَ بنتِ عمر، دخل بها في رمضان، بعد أن توفي عنها زوجها عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب في غزوة بدر ، ثُم لم تلبث عنده صلى الله عليه وسلم إلا شهرين أو ثلاثة ؛ فماتت رضي الله عنها وأرضاها.
والسادسة: أمُّ سلمة ، هندُ بنتُ أبي أمية المخزومية القرشية ، كان أبوها يُسمى بزاد الراكب لأنه كان أحد الأجواد ؛ فكان إذا سافر لم يحمل أحدٌ من رفقته معه زاداً بل هو كان يكفيهم .
تُعدَّ أم سلمة من أكمل النساء عقلا وخلقا ، فهي وزوجها أبو سلمة من السابقين إلى الإسلام، هاجرت مع أبي سلمة إلى أرض الحبشة ، وولدت له سلمة ، ورجعا إلى مكة ثم هاجرت معه إلى المدينة المنورة . وكانت أول امرأة مهاجرة تدخل المدينة ، مات أبو سلمة في المدينة من أثر جراح في غزوة أحد، بعد أن قاتل قتال المخلصين ، وهو ابن عمة رسول الإسلام وأخوه من الرضاعة ، ثم خَطَبها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولخطبتها قصة ترويها بنفسها ، فتقول رضي الله عنها: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللهُ: إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا. إِلاَّ أَخْلَفَ اللهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَ ). قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِى سَلَمَةَ ؛ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم . ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا ؛ فَأَخْلَفَ اللهُ لِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم . قَالَتْ أَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَاطِبَ بْنَ أَبِى بَلْتَعَةَ يَخْطِبُنِي؛ لَهُ فَقُلْتُ: إِنَّ لِي بِنْتًا، وَأَنَا غَيُورٌ. فَقَالَ ( أَمَّا ابْنَتُهَا فَنَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُغْنِيَهَا عَنْهَا، وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْغَيْرَةِ ) رواه مسلم.
فتزوجها صلى الله عليه وسلم إشفاقا عليها ورحمة بأيتامها أبناء وبنات أخيه ، كانت تعد من فقهاء الصحابة ممن كان يفتي، إذ عدها ابن حزم ضمن الدرجة الثانية، أي متوسطي الفتوى بين الصحابة رضوان الله عليهم، حيث قال: (المتوسطون فيما روي عنهم من الفتوى: عثمان، أبو هريرة، عبد الله بن عمر، أنس بن مالك، أم سلمة...)
توفيت رضي الله عنها بعد مقتل الحسين بوقت يسير سنة (62هـ)، وكانت قد عاشت نحوًا من تسعين سنة ".
والسابعة: زينبُ بنتُ جحش من سادة النساء ديناً وورعاً وجوداً ومعروفاً، وهي ابنة عمته صلى الله عليه وسلم أمامة بنتِ عبدِ المطلب.. أسلمت قديماً، وهاجرت مع النبي إلى المدينة، فزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ابنِه بالتبني زيد بن حارثة رضي الله عنه ، ثُم لما أبطل الله التبني أمره تعالى أن يتزوجها ، وأنكحه إياها بنفسه سبحانه ، مُبطلاً ما قد يبقى في نفس أحدٍ من التبني { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا } فزوجها الله تعالى نبيَّه بنصِّ كتابه بلا ولي ولا شاهد ؛ فكانت تفخرُ على أمهات المؤمنين، وتقول: زوَّجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق عرشه . عاشت بعد رسول الله فترة قصيرة ، كانت مليئة بالعبادة ، سخِيَّة العطاءِ للفقراءِ والضّعفاء، كثيرةُ البرّ والصدقة ، ومع شريف مكانتِها وعلوِّ شأنها كانت تعمَل بيدها تدبَغ وتخرزُ وتتصدَّق من كسبِها، تقول عنها عائشة رضي الله عنها: "ما رأيتُ امرأة خيرًا في الدّين من زينب؛ أتقَى لله وأصدَق حديثًا وأوصَل للرّحم وأعظم صدقة"
و كانت أول من توفي من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بعده، وذلك في خلافة عمر سنة 20 للهجرة وهي ابنة 53 سنة ، وقد اخبرها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، ففي صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَسْرَعُكُنَّ لَحَاقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا ، قَالَتْ : فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ أَيَّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَدًا ، قَالَتْ : فَكَانَتْ أَطْوَلَنَا يَدًا زَيْنَبُ ، لِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَا وَتَصَدَّقُ"
وثامنتُهن: جويريةُ بنت الحارث بن أبي ضرار سيد بني المصطلِق ، وقعت في الأسر بعد هزيمة قومها ، فاعتقها رسول صلى الله عليه وسلم وتزوجها ، في السنة الخامسة للهجرة ، وكان عمرها إذ ذاك عشرين سنة، وكانت متزوجة بابن عمها الذي قتل في هذه الغزوة ،وكانت من أعظم النساء بركة على قومها حيث أسلمت وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ، فأرسل الناس ما كان بأيديهم من قومها من السبي ، وقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد كان اسمُها برَّةُ، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم: جويرية. وكانت كثيرة الذكر والصلاة، عاشت إلى خلافة معاوية وتوفيت سنة ست وخمسين على الأرجح رضي الله عنها.
والتاسعة: أم حبيبة واسمها رملة بنتِ أبي سفيان رضي الله عنها وعن أبيها، هاجرت إلى الحبشة هي وزوجها عبيد الله بن جحش الأسدي ، والذي تنصر بعد هجرته ، فثبتت هي رضي الله عنها على دينها ، فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم للنجاشي رضي الله عنه ليخطبها له ، فخطبها وواقفت ، ودفع مهرها بنفسه أربعمائة دينار، نيابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وتولى نكاحها خالد بن سعيد بن العاص أقرب الناس إليها ، وقدمت من الحبشة مع المهاجرين سنة سبع من الهجرة .
لقد تغلل حبُ الله ورسوله في قلبها ، إلى أعلى الدرجات ، والذي اتضح من خلال مواقف كثيرة ، منها موقفها من أبيها ، حيث قدم على رسول الله المدينة قبل إسلامه في وقت الصلح ، ودخل على ابنته أمِّ حبيبة فلما ذهب ليجلس على فراش النبي صلى الله عليه وسلم طوته دونه ؛ فقال: يا بنية!! أرغبتِ بهذا الفراش عني ، أم بي عنه ؟ فقالت: بل هو فراشُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنت امرؤٌ نجسٌ مشرك . فقال: يا بنية لقد أصابك بعدي شر.
توفيت رضي الله عنها في المدينة المنورة سنة 44 هـ في خلافة أخيها معاوية رضي الله عنه ودفنت بالبقيع.
والعاشرة هي: صفية بنتُ حُيي بن أخطب اليهودي سيد بني النضير ، كانت سيدة شريفة عاقلة ، ذاتَ حسبٍ وجمالٍ ودين . أسرت عام خبير ، بعد أن قتل أباها وزوجها ، فأعتقها النبي وتزوجها ، وكان رسول الله يحنو عليها ويرفقُ بها لعلوِّ شأنِها ونسبها ، وكان يضعُ لها رُكبته حتى تركب على البعير .
ومما جاء في فضلها أنه بَلَغَها أَنَّ حَفْصَةَ ، قَالَتْ لَهَا : أنها ابْنَةُ يَهُودِيٍّ ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهَا وَسَلَّمَ وَهِيَ تَبْكِي ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَمَا يُبْكِيكِ ؟ " ، قَالَتْ : قَالَتْ لِي حَفْصَةُ : إِنِّي بِنْتُ يَهُودِيٍّ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّكِ لابْنَةُ نَبِيٍّ ( هارون )، وَإِنَّ عَمَّكِ لِنَبِيٌّ ( موسى )، وَإِنَّكِ لَتَحْتَ نَبِيٍّ , فَبِمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ ؟ " , ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اتَّقِي اللَّهَ يَا حَفْصَةُ " رواه الترمذي وغيره بسند صحيح .وتوفيت صفية سنة اثنتين وخمسين في خلافة معاوية ودفنت بالبقيع
والحاديةُ عشرة : هي ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة زوجها سنة سبع للهجرة ، وهي آخر امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي أخت لبابة الكبرى زوجة العباس بن عبد المطلب ، و لبابة الصغرى زوجة الوليد بن المغيرة ، فهي إذاً خالة عبدالله بن عباس ، وخالد بن الوليد رضي الله عنهم ، كانت عابدة صالحة آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر ، تقول عائشة رضي الله عنها: أما إنَّها كانت من أتقانَا لله وأوصلِنا للرحم ، توفيت بعد عودتها من الحج ، 51 هـ ، وكان عمرها إذ ذاك ثمانين سنة ، وصلى عليها ابن أختها عبد الله بن العباس ، وقال رضي الله عنه عند حمل جنازتها «هذه زوج نبيكم ، فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوا ولا تزلزلوا وارفقوا » رواه مسلم.
ايها الإخوة والأخوات : هذه نبذة يسيرة جدا عن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن ، وجزاهن الله خيرا على ما قدموا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا الدين..
فاللهم إنا نُشهدُك على حُبِّهن لقُرْبِهِن ومكانتهن..ولسابقتهن وفضائلهن..
اللهم فاحشرنا معهن ومع صحابة نبيك الكرام ، وعليك ياربنا بمن يكفرهن وينتقصهن ويتكلم في أعراضهن .
أيها الإخوة : أقول قولي هذا ، واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده ، والصلاة على من لا نبي بعده أما بعد ..
أيها الإخوة في الله : وبعد تم استعراض شيء من سيرة أمهاتنا رضي الله عنهن فبقي التذكير بفضلهن وقيمتهن في الإسلام .
يتجلى فضلهن أنهن ارتبطن بأفضل خلق الله على الإطلاق ، وأن الله تعالى اختارهن زوجات لنبيه صلى الله عليه وسلم ، والله لا يختار لأفضل خلقه إلا أفضل النساء ، ويبدو أن هذه حقيقة مسلمة عند كل مسلم . يؤكدها قوله تعالى {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ } .
ومن فضلهن أنهن عشن مع الرسول صلى الله عليه وسلم في ضرائه وسرائه ، وصبرن معه على شظف العيش ، وتحملن الجوع والفقر وقلة ذات اليد ، بل وحمل بعضهن معه أنواع الأذى ، وخففن عنه ما يجد من آلام في سبيل الدعوة إلى الله.
ومن فضلهن : أن بيوتهن تشرفت بمهبط الوحي والهدى ؛ مدة حياته صلى الله عليه وسلم ، فلما انتقل إلى جوار ربه ، بقيت هذه البيوت مثابة للناس يقصدونها متعلمين مستفتين ، فكانت تهدي الحائر ، وتعلم الجاهل ، وكان النساء والرجال يقصدونهن للتعلم والسؤال ، وهنّ يحدِّثن كُلاً بما سَمِعْنَ ورَأَين من قول النبي وفعله وحاله ، وذلك تنفيذا لأمر ربهن حيث قال لهن { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً } فكُنَّ رضي الله عنهن عالماتٍ ، حليماتٍ ، كريماتٍ ، حافظات ، وأصبحن أسوة لغيرهن من النسوة في التدين والخلق الحسن ، وكانت سيرتهن خير سيرة ينبغي أن يكون عليها نساء الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم .
وكان من رحمة الله بهذه الأمة ، أن طال عمرهن بعده صلى الله عليه وسلم ، فنقلن لأمته كثيرا من سنته ، وخاصة فيما لا يطلع عليه إلا النساء ، فعن طريقهن عرف المسلمون أحواله المنزلية ، وعنهن رووا كثيرا من السنة التي لولاهن بعد الله لضاعت ، وكانت بيوتُهن بمنزلة مدارس مفتحة الأبواب ، يتعلم فيها النساء والرجال دينهم على السواء . وهذه من إحدى حكم كثرة زوجاته صلى الله عليه وسلم.
ولبث الناس جميعا على اختلاف طبقاتهم : الخلفاء فمن دونهم يخضعون لأزواج الرسول خضوع الأبرار لأمهاتهم ، فكانوا يطلبون رضاهن ، خصوصا أنهم يعرفون أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالمحافظة عليهن والعطف عليها ، ووصيته للصحابة بلحنو عليهن من بعده ، يدل على قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لنسائه ( إن أَمْرُكُنَّ مِمَّا يُهِمُّنِي بَعْدِي ، وَلَنْ يَصْبِرَ عَلَيْكُنَّ إِلا الصَّابِرُونَ الصديقون )..وفي رواية عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها بسند حسن قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَزْوَاجِهِ ( إِنَّ الَّذِي يَحْنُو عَلَيْكُنَّ مِنْ بَعْدِي لَهُوَ الصَّادِقُ الْبَارُّ )
أيها الإخوة والأخوات : هذا شيء يسير من منزلة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وفضلهن ، ولو دخلنا في تفاصيل حياتهن لوجدنا العجب العجاب من زهدهن وعلمهن وفضلهن .
فعلى كل واحد منا أن يفخر بهؤلاء الأمهات ، اللواتي اختارهن الله لنا ، وعلينا أن يقدر لهن قدرهن ، وأن ندعو لهن ، وأن نحرص على نشر سيرتهن وعلمهن بين نسائنا وأهلنا ، بل وبين من حولنا من المؤمنين .
ايها الاخوة : هذا ما تيسر في هذا اليوم ، والله المسؤول ، ان يغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين ، وان يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين ، ونخص بذلك أئمتهم وولاة أمورهم . وصلى الله وسلم على نبينا محمد
د.مشبب القحطاني @dmshbb_alkhtany
إمام وخطيب مفكرة المجلس عضو في جماعة التوعية الإسلامية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
.. Raansi ..
•
جزاك الله خير
ارجو ممن يقدر على نشرها في المواقع الأخرى أن يحتسب الأجر ، في نشرها ، مع ذكر المصدر إن أمكن .
وارجو أن يكون بعد صلاة الجمعة هذا اليوم ، حتى لاتنتشر قبل إلقائها .
وارجو أن يكون بعد صلاة الجمعة هذا اليوم ، حتى لاتنتشر قبل إلقائها .
الصفحة الأخيرة