نصر

نصر @nsr_1

محرر في عالم حواء

وإذا الجحيم سعرت

الملتقى العام

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :

لقد خلق الله تعالى النار وجعلها مقراً لأعدائه المخالفين لأمره ، وملأها من غضبه وسخطه وأودعها أنواعاً من العذاب الذي لا يطاق ، وحذر عباده وبين لهم السبل المنجية منها لئلا يكون لهم حجة بعد ذلك وعلى الرغم من كل هذا التحذير من النار إلا أن البعض من الناس ممن قل علمهم وقصر نظرهم على هذه الدنيا أبو إلا المخالفة والعناد والتمرد على مولهم ومعصيته جهلاً منهم بحق ربهم عليهم وجهلاً منهم بحقيقة النار التي توعدهم الله بها . فما هي هذه النار ؟ وما صفتها ؟!

إنها كما قال الله تعالى عنها : ( ناراً وقودها الناس والحجارة ) قيل يا رسول الله أهي مثل حجارة الدنيا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : (( والذي نفسي بيده إنها حجارة كالجبال )) وقال صلى الله عليه وسلم : (( ناركم هذه الذي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ، قالوا : والله إن كانت لكافية يا رسول الله ! قال (( فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزاء كلهن مثل حرها )) متفق عليه .

وقال صلى الله عليه وسلم : ( يؤتى بجهنم يوم القيامة ولها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها )) رواه مسلم . وروي عن كعب الأحبار أنه قال : (( والذي نفس كعب بيده لو كنت بالمشرق والنار بالمغرب ثم كشف عنها لخرج دماغك من منخريك من شدة حرها ! فيا قوم هل لكم بهذا قرار ؟ أم لكم على هذا صبر ؟ يا قوم إن طاعة الله أهون عليكم والله من هذا العذاب فأطيعوه )) .

طعام أهلها الزقوم وشرابهم الحميم . قال صلى الله عليه وسلم : ( لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن يكون طعامه ) رواه الترمذي وقال حسن صحيح .

وأهل النار في عذاب دائم لا راحة ولا نوم ، ولا قرار لهم ، بل من عذاب إلى عذاب قال صلى الله عليه وسلم : ( إن أهون أهل النار عذاباً من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ما يرى أحداً أشد منه عذاباً وإنه لأهونهم عذاباً ) رواه مسلم .

وهم مع ذلك يتمنون الموت فلا يموتون ! قد اسودت وجوههم ، وأعميت أبصارهم وأبكمت ألسنتهم ، وقصت ظهورهم وكسرت عظامهم (يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم) ، (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب) .

يقول الحسن : تنضجهم في اليوم سبعين ألف مرة . لباس أهلها من نار ، ( سرابيلهم من قطران وتغشى وجههم النار ) ، وشرابهم وطعامهم من نار ( وسقوا ماء حميماً فقطع أمعاءهم ) .

قال ابن الجوزي في وصف النار : هي دار خص أهلها بالبعاد ، وحرموا لذة المنى والإسعاد ، بدلت وضاءة وجوههم بالسواد ، وضربوا بمقامع أقوى من الأطواد ، عليها ملائكة غلاظ شداد ، لو رأيتهم في الحميم يسرحون وعلى الزمهرير يطرحون ، فحزنهم دائم فلا يفرحون ، مقامهم دائم فلا يبرحون أبد الآباد ، عليها ملائكة غلاظ شداد ، توبيخهم أعظم من العذاب ، تأسفهم أقوى من المصاب ، يبكون على تضييع أوقات الشباب وكلما جاد البكاء زاد ، عليها ملائكة غلاظ شداد ، يا حسرتهم لغضب الخالق ، ويا محنتهم لعظم البوائق ، يافضيحتهم بين الخلائق ، أين كسبهم للحطام ؟ أين سعيهم في الآثام ؟ أين تتبعهم لزلات الأنام ؟ كأنه كان أضغاث أحلام ، ثم أحرقت تلك الأجساد ، وكلما أحرقت تعاد ، عليها ملائكة غلاظ شداد . أ.هـ

فتأمل أخي الكريم حال أولئك التعساء وهم يتقلبون في أنواع العذاب ويعانون في جهنم ما لا يطيقه الجبال ، وما يفتت ذكره الأكباد ولا تسأل عما يعانون من ثقل السلاسل والأغلال (إذ الأغلال والسلاسل يسحبون ) وقال تعالى : (ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه ) .

قال ابن عباس رضي الله عنه : ( تسلسل في دبره حتى تخرج من منخريه حتى لا يقدر أن يقوم على رجليه ثم ينظمون فيها كما ينظم الجراد في العود حين يشوى ) .

أرأيت أخي حال أهل النار وما هم فيه من الشقاء ، فتصور نفسك لوكنت منهم - نسأل الله أن لا تكون منهم - تصور نفسك عندما يؤمر بك إلى جهنم عندما تنظر إلى الصراط ودقته وهوله وعظيم خطره وأنت تنظر إلى الزالين والزالات من بين يديك و من خلفك وقد تنكست هاماتهم وارتفعت على الصراط أرجلهم وثارت إليهم النار بطلبتها ، وهم بالويل ينادون وبينما أنت تنظر إليهم مرعوباً خائفاً أن تتبعهم لم تشعر إلا وقد زلتقدمك عن الصراط فطار عقلك ثم زلت الأخرى فتنكست هامتك ، فلم تشعر إلا والكلوب قد دخل في جلدك ولحمك ،فجذبك به وبادرت إليك النار ثائرة غضبانة لغضب ربها ، فهي تجذبك وأنت تنادي ويلي ويلي حتى إذا صرت في جوفها التحمت عليك بحريقها فتورمت في أول ما ألقيت فيها ، ثم لم تلبث أن تفطر بدنك وتساقط لحمك ، وتكسرت عظامك ، وأنت تنادي ولا ترحم وتتمنى أن تعود لتتوب فلا يجاب نداؤك .

فتصور نفسك وقد طال فيها مكثك ، فبلغت غاية الكرب ، واشتد بك العطش فذكرت الشراب في الدنيا ففزعت إلى الحميم فتناولت الإناء من يد الخازن الموكل بعذابك فلما أخذته نشت كفك من تحته ،وتفسخت لحرارته ، ثم قربته إلى فيك فشوى وجهك ، ثم تجرعته فسلخ حلقك ثم وصل إلى أمعائك ، فناديت بالويل والثبور وذكرت شراب الدنيا وبرده ولذته وتحسرت عليه ، ثم آلمك الحريق فبادرت إلى حياض الحميم لتبرد فيها كما تعودت في الدنيا الاغتسال و الانغماس في الماء إذا اشتد عليك الحر ، فلما انغمست في الحميم تسلخ لحمك ، من رأسك إلى قدميك ، فبادرت إلى النار رجاء أن تكون هي أهون عليك ثم أشتد عليك حريق النار فرجعت إلى الحميم فأنت هكذا تطوف بينهما وبين حميم آن وذلك مصداقاً لقول مولاك جل وعلا : ( يطوفون بينها وبين حميم آن ) . فتطلب الراحة بين الحميم وبين النار ، فلا راحة ولا سكون أبداً .

فلما اشتد بك الكرب والعطش وبلغ منك المجهود ذكرت الجنان فهاجت غصة من فؤادك إلى حلقك أسفاً على جوار الله عز وجل وحزناً على نعيم الجنة الذي أضعته بنفسك بسبب الذنوب والمعاصي ، ففزعت إلى الله بالنداء يردك إلى الدنيا لتعمل صالحاً ! ، فمكث عنك دهراً طويلاً لا يجيبك هواناً بك ، ثم ناداك بعد ذلك بالخيبة منه أن ( اخسئوا فيها ولا تكلمون ) ثم أراد أن يزيدك إياساً وحسرة فأطبق أبواب النار عليك وعلى أعدائه فيها فيا إياسك ويا إياس سكان جهنم حين سمعوا وقع أبوابها تطبق عليهم ، فعلموا عند ذلك أن الله عز وجل إنما أطبقها لئلا يخرج منها أحد أبداً ، فتقطعت قلوبهم إياساً وانقطع الرجاء منهم أن لا فرج أبداً ، ولا مخرج منها ، ولا محيص من عذاب الله عز وجل أبداً ، خلود فلا موت . وعذاب لا زوال له عن أبدانهم ، وأحزان لا تنقضي ، وسقم لا يبرا ، وقيود لا تحل ، وأغلال لا تفك أبداً وعطش لا يروون بعده أبداً ، لا يرحم بكاؤهم ، ولا تجاب دعاؤهم ، ولا تقبل توبتهم فهم في عذاب دائم وهوان لا ينقطع ، ثم يبعث الله بعد ذلك الملائكة بأطباق من نار ومسامير من نار ، وعمد من نار ، فتطبق عليهم بتلك الأطباق وتشد بتلك المسامير ، وتمد بتلك العمد ، فلا يبقى فيها خلل يدخل فيها روح ولا يخرج منه غم ، وينساهم الرحمن بعد ذلك ( نسوا الله فنسيهم ) فذلك قوله تعالى : ( إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة ) . ينادون الله ويدعونه ليخفف عنهم هذا العذاب فيجيبهم بعد مدة ( اخسئوا فيها ولا تكلمون ) .

قال الحسن : هذا هو آخر كلام يتكلم به أهل النار وما بعد ذلك إلا الزفير والشهيق وعواء كعواء الكلاب … ، فما أشقى والله هذه الحياة وما أشقى أصحابها _ نسأل الله أن لا نكون منهم _ وما أعظمها والله من خسارة لا تجير أبداً ، ويا حسرة والله على عقول تسمع بكل هذا العذاب وهذا الشقاء وتؤمن به ثم لا تبالي به ولا تهرب عنه بل تسعى إليه برضاها واختيارها . فلا حول ولا قوة إلا بالله .

فيا أخي الحبيب : يا من تعصي الله تصور نفسك لو كنت من أهل النار ؟ هل سترضى بشيء من هذا العذاب ؟ لا أعتقد ذلك ، إذاً فتب إلى الله وارجع عما يكرهه وتقرب إليه بالأعمال الصالحة عسى أن يرضى عنك ، وأبك من خشيته عسى أن يرحمك ويقبل عثراتك ، فإن الخطر عظيم والبدن ضعيف ، والموت منك قريب ، والله جل جلاله مطلع عليك ويراك فاستح منه وأجله ولا تستخف بنظره إليك ، ولا تستهين بمعصيته ولا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى عظمة من تعصيه وهو الله جل جلاله وتقدست أسماؤه ، واملأ قلبك من خشيته قبل أن يأخذك بغتة ، ولا تتعرض له وتبارزه بالمعاصي فإنك لا طاقة لك بغضبه ولا قوة لك بعذابه ، ولا صبر لك على عقابه ، فتدارك نفسك قبل لقائه لعله أن يرحمك ويتجاوز عنك ، فكأنك بالموت قد نزل بك وحينها لا ينفعك ندم ولا استدراك ما مضى .

وفقني الله وإياك لما يحب ويرضى ونجانا بعفوه وكرمه من أليم عقابه وعظيم سخطه .

والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
1
320

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

سكارلت
سكارلت
جزاك الله كل خير اخي على التذكرة الطيبة

اللهم انا نعوذ بك من عذاب جهنم وعذاب القبر