وإن غدا لناظره لقريب
د. أميمة أحمد الجلاهمة
هناك من يعتقد أنه قادر على تزييف الحقائق، التاريخ، الحاضر والمستقبل بجرة قلم، وأنه قادر على برمجة الذاكرة الإنسانية لتنطق بما يهوى، هناك من يعتقد أننا في سبات دائم لا حياة بعده، وأن أرواحنا مستكينة استكانة الجماد، هناك من يجزم أن أجسادنا لا تقوى على الحراك فضلا عن أرواحنا، معتمدا في تقوية ذاك التبجح وتلك الوقاحة على مريدين يقفون خلفه ويتابعون تحركاته بحذر، فلا هم مقبلون على الحق ولا هم محجمون عن ظلمه، فالظل هو ما ينجذبون إليه ويبحثون عنه كلما تحرك لذلك الأفق، وإن كنا إحقاقا للحق نقول إنهم مع سياساتهم تلك يميلون يمنة ويسرة في سبيل الإيحاء محايدون يسعون للحق دون غيره.
نعم قد يتعامى العالم اليوم عن فساد الكيان الصهيوني وجرم أفعاله، ولكن التاريخ أبلغنا أن دوام الحال من المحال، وأن الشعوب لا تقبل الانهزام ولا الاحتلال ولا تدنيس المقدسات ولا تزوير التراث، بل إن إحجام بعض الأوساط الإعلامية والقنوات الفضائية هذه الأيام عن إيضاح حقيقة المحتل الصهيوني وتحركاته، كان سببا في تتبع الشباب لأخباره وأخبار حلفائه، والإعلان عن رفضهم لأي ظلم وتطاول سواء نالهم أو نال غيرهم، ومجرد النظر نظرة سريعة لما دار في اللقاء الذي جمع طالبات دار الحكمة بمدينة جدة، ووزيرة الخارجية (هيلاري كلينتون) كفيل ببيان ذلك.
فقد تناقلت وسائل الإعلام العربية والأمريكية حيثيات اللقاء الذي جمع طالبات كلية دار الحكمة السعودية بوزيرة خارجية أمريكا، والذي من خلاله تم إحراجها بعدة أسئلة عن سياسة بلادها في المنطقة ذات "المعايير المزدوجة"، هذا ما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية نقلا عن موقع "إسلام أون لاين" إذ حرصت الصحيفة على بيان صغر سن الطالبات وعظم ثقتهن بأنفسهن، فقالت إن: (جميع الطالبات وأعمارهن تتراوح بين الثامنة عشرة والعشرين عاما، لم يتجاوبن مع حديث كلينتون عن حرية المرأة السعودية الذي حصرته في مسألة الحجاب وحرمانها من قيادة السيارة، إذ أكدن للوزيرة أن القضايا السياسية التي تشكل أبرز هموم المنطقة، أهم بكثير بالنسبة إليهن من قيادة السيارة أو ارتداء الحجاب، معبرات عن مخاوفهن من مغامرة أمريكية جديدة ضد إيران قد تضر بلادهم).
كما أشارت الصحيفة نفسها إلى بعض الأسئلة التي وجهت لها في ذلك اللقاء، والتي كانت في مجملها متعلقة بالسياسة الخارجية الأمريكية والحروب المقبلة في المنطقة وانحياز أمريكا لإسرائيل، فذكرت أن إحداهن تحدثت (عن "النفاق الأمريكي، والنظرة المزدوجة في التعاطي مع قضايا المنطقة، خاصة القضية الفلسطينية، والتحريض على البرنامج النووي الإيراني، وتناسي البرنامج النووي الإسرائيلي الذي بات يشكل تهديدا مباشرا للعرب والمسلمين بعد نجاحه في إنتاج أكثر من مئتي رأس نووي".
وعندما تجاهلت هيلاري كلينتون الرد أحرجتها إحدى الطالبات بسؤال: "لِمَ لمْ تردي؟"، فاضطرت لحديث عام عن رغبة أمريكا في رؤية شرق أوسط بلا سلاح نووي).
هذا اللقاء يدعونا للتذكر بكل فخر لقاء مشابها تم على نفس الأرض ونفس المنبع، ففي عام 2005م تم لقاء (كارين هيوز) مبعوثة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش مع طالبات كلية دار الحكمة نفسها وفيه انتقدن "الصورة النمطية وغير النزيهة" التي يعممها الإعلام الأمريكي، وتظهر أن "المرأة العربية ليست سعيدة"، وأكدن أنهن سعيدات بالتزامهن، ولسن مضطهدات كما يزعم الإعلام الأمريكي، وأن الكيل طفح لديهن بسبب الحديث عنهن وكأنهن لا يتمتعن بأي حقوق بسبب عدم السماح لهن بقيادة السيارات وبالتصويت الانتخابي، كما انتقدن التدخلات الأمريكية في شؤون العرب والمسلمين، كما قالت إحدى الطالبات : لماذا تعطي وسائل الإعلام الأمريكية الانطباع بأن جميع المسلمين "إرهابيون" ؟!) وغني عن البيان أن كلتا الشخصيتين الأمريكيتين لم تملكا إلا إبداء الإعجاب والاندهاش من سعة أفق وثقة بناتنا السعوديات وغيرهن من الطالبات.
هذه النماذج مشرّفة لابنة المملكة العربية السعودية الشابة ولأختها العربية، وهن نماذج واضحة عن توجه شبابنا وبناتنا في المستقبل، شباب واثق بنفسه مدرك لتطلعاته محدد لخطواته، متسلح بالعلم والمعرفة، يملك أبجديات الحوار وأبعاده، وهو ومن دون غرور يتفوق على الكثير من أمثاله في عالمنا اليوم.
وأخيرا أوجه رسالة للكيان الصهيوني الذي يسعى سعيا حثيثا لتغيير معالم تاريخنا ومقدساتنا، أنصحه بقراءة تاريخ الشعوب العربية قراءة المتدبر، والاستعانة بمستشارين حكماء يدركون النهاية التي سيؤول إليها عاجلا غير آجل، فأين الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وأين الجندي الفرنسي وذاك الإيطالي وأين المحتل الروماني، لقد أصبحوا جميعا في خبر كان، وما تطاوله المتتالي إلا خطوات سريعة باتجاه زواله وفنائه، فلا حياة له على أنقاضنا، ولن تستريح نفسه بين جدراننا، ونحن إذ انخفض صوتنا اليوم فلن يكون هذا حاله غدا ـ بإذن الله ـ فشبابنا الذخيرة التي نعمد إلى تنميتهـا علميا وفكريا.
شباب هم عماد مستقبلنا وأمله، فخر يومنا وغدنا، شبابنا عاجلا غير آجل ـ بإذن الله ـ سيتمكنون من مفردات العلم والمعرفة والاقتصاد والسياسة، وسيعلنون وبكل فخر عن انتمائهم الديني والوطني، وستكون بحول الله الغلبة لهم، وإن غدا لناظره لقريب.

أديــــبـــة @adyb_3
محررة ماسية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.


اعذريني ياغاليه ..لم اقرأ الموضوع لطوله ..
لكن مافهمت ان هيلاري ستزور دار الحكمه بجده وستلتقي بالطالبات ؟؟
إنا لله وإنا إليه راجعون ...
هل سيشكون لها حالنا
لأول مره اجد انسان يشكو عدوه لعدوه ..!!!!
لكن مافهمت ان هيلاري ستزور دار الحكمه بجده وستلتقي بالطالبات ؟؟
إنا لله وإنا إليه راجعون ...
هل سيشكون لها حالنا
لأول مره اجد انسان يشكو عدوه لعدوه ..!!!!

أهلا بالغالية أم عبد العزيز ...
هيلاري زارت كلية دار الحكمة وجلست مع طالباتها , لكن للحق كانت هناك مواقف مشرفة للأخوات ربما كنت ستعرفينها لو قرأتِ المقالين ..
هذا مثالا لا حصرًا ..
أتمنى أن أكون قد أعطيت نبذة بسيطة عما وجد في المقال ..
موفقة يا الحبيبة ..
سررتُ بمروركِ العطر ..
هيلاري زارت كلية دار الحكمة وجلست مع طالباتها , لكن للحق كانت هناك مواقف مشرفة للأخوات ربما كنت ستعرفينها لو قرأتِ المقالين ..
هذا مثالا لا حصرًا ..
أتمنى أن أكون قد أعطيت نبذة بسيطة عما وجد في المقال ..
موفقة يا الحبيبة ..
سررتُ بمروركِ العطر ..

الصفحة الأخيرة
السبت 06 ربيع الأول 1431 الموافق 20 فبراير 2010
مهنا الحبيل
على الرغم من أن زيارة هيلاري كلينتون لكلية دار الحكمة كانت لمنشط طلابي تربوي يمثل قطاعاً شبابياً، يفترض أن تستمع فيه وزيرة الخارجية الأمريكية مباشرة من الطالبات وجهة نظرهن، وبالذات فيما تمثله؛ أي السياسة الخارجية لواشنطن.
وهنا إضافة مهمة؛ فالموقع كما يفترض ليس ميداناً رسمياً يُقال فيه إن هناك متطلبات تخصّ المستضيفين، إنما هو على منبر التعليم الذي يُفترض أن يتاح له ابتداءً حرية الرأي، وهو ما جرى خلافه، ولكن ومع ذلك سجّلت جدة ببناتها الحرائر صفعة مبدئية لتلك السياسة تتطابق مع قواعد التقييم الإنساني، كما هي في الوجدان الإسلامي العربي الحر، وخرقت تلك المجموعة حفلة التوقيع المزورة التي أرادت أن تخفي موقف الغالبية الساحقة في المملكة، وتحديداً من الشباب والشابات مع العهد الإرهابي للولايات المتحدة الأمريكية.
وهنا نحن ننقل من نبض القاعة -بحسب ما وافاني به الإخوة في جدة- وليس من خلال تقرير النيويورك تايمز، والحقيقة هي أن مجموعة من الشابات الواعيات المثقفات والمهذبات دخلن القاعة متشحات بالشال الفلسطيني، وبعد نهاية الأسئلة المنظمة سمحت الإدارة ببعض المشاركة المفتوحة، فطلبت إحدى المتشحات الحديث فلما وصل إليها المايك أنهوا اللقاء!
ثم اندفعت بعض البنات على كلينتون لمصافحتها، وأخذ توقيعها، ليُستغل المشهد المزيف المرتوي بثقافة القشور، والضجيج لهيبة الأسماء، الغائب عن قراءة العقل، ومبادئ الحقوق الإنسانية والتضامن مع الضحايا، كخاتمة للزيارة...عندها اتجهت المتشحات بأرض فلسطين النابضة بعدالة قضيتها الكبرى من بنات جدة -كما هي في كل ركن سعودي وعربي إسلامي- إلى الوزيرة الأمريكية وخاطبتها الشابّة الجداوية الأصيلة بقيم الانتماء والحرية: "نحن لا نحترمكم؛ لأنكم احتللتم العراق وأفغانستان.. ولضربكم باكستان، ولدعمكم لإسرائيل، ومن العار أن نحصل على توقيعك، وأنا أعترض على سياستكم"!! ثم ولتّها ظهرها، وكذلك تتابعت معها أخواتها المتشحات، وهن يسجلن قولاً اعتراضهن على سياسة الإرهاب الأمريكي.
إن هذا الموقف على الرغم من القمع الذي جرى له، بمنعه من التعبير في المايكروفون- يتفق مع أدنى درجات التعبير لقيم الحريات ولصوت العدالة والملايين من الضحايا الذين راحوا تحت حراب الأمريكيين، ولا يزالون، و على الرغم من بساطته إلاّ أنه جريء في هذا الموقف، مهم لتوضيح الحقيقة عن الموقف الشعبي تجاه الإرهاب. فمن هي السيدة كلينتون...؟!
إنها عضو مباشر في الطبقة السياسية النافذة في واشنطن منذ عهد زوجها الرئيس السابق حتى عهد أوباما. إن خلف مشهدها الظاهري يكمن وحش كان يحشد بلا كلل ولا ملل لتأييد الحرب الإرهابية على غزة، والاحتفاء بها، والتأييد لها، والدفاع عن مجرميها؛ بمعنى أن الفتيات اللواتي انكببن على قلمها سيجدن دماً!! في تأشيرة التوقيع لو دققن.. ودم هو من دم أطفال غزة الرضع الذين كانت كلينتون تدافع عن قتلتهم.. ودم الملايين في أفغانستان والعراق... دققوا في الصورة فستجدون طلقة من يدها عند كل ضحية وكل فاجعة ومصيبة.
هنا تسجّل بنات جدة موقفا حضارياً من رفض سياسة الإرهاب المعادية لحرية الإنسانية، وسلامة الشعوب الرافضة.. لاتخاذ قرارها وفقاً لمصالحها القومية لا مصالح تُجار الدم والنفط وصانعي الحروب, ولذلك فهن في موقفهن يمثلن قيم العدالة الإنسانية ومبادئ التضامن الإسلامي والعربي, ولا يكذب المزورون والمزيفون؛ فيقولوا هذا موقف متعصب من الشعب الأمريكي!! كلا ... إن الأمريكيين الشرفاء الأحرار دعاة العدالة الإنسانية تمثلهم الفتاة اليهودية الأمريكية راشيل كوري التي طحنتها مجنزرات الإرهاب الصهيوني، وهي تتضامن مع أطفال فلسطين، رافضة مشاريع التهجير والطرد من الأراضي.. تلك السياسة التي كانت تدعمها هيلاري كلنتون فسقطت راشيل ضحية للغدر الأمريكي والصهيوني.
فراشيل والآخرون من نشطاء الغرب هم الوجه الحضاري لأمريكا بقدر ما تمثل كلينتون وحكومتها الوجه الإرهابي البشع...
فشكراً لكُنّ من الأعماق...
عروس البحر الأحمر باتت بهية بكُنّ، وبات الشعب يُصفّق لها بكُنّ في الأحساء، وفي نجد، ومن الشمال إلى الجنوب، وحيث صوتت الإنسانية بحرية.. في كل الدنيا يهتفون لبنات جدة:
شكراً لكُنّ.. ما أجمل التوقيع!!
لقد وصلت الرسالة وفيها توقيعٌ لكُنّ من الشهداء الأطفال..
فأيّ توقيع هو أشرف..؟!
موقع الإسلام اليوم