
وإذا تذللت الرقابُ تواضعاً
منّا إليكَ فعزّها .. في ذلّـــها
::
كلما ازددت طاعة لله وعبودية وتذللاً..
ازددت قرباً من الله تعالى ، وحزت عزاً وشرفاً ورفعة ..
وهل أبلغ من السجود خضوعاً وتذللاً وانقياداً لله ؟!
إنك تضع أشرف أعضائك على الأرض ..
تخر بجبهتك ، وتخشع بقلبك ، وتلين بجوارحك ...
وتسبح الله في ملكوته :
( سبحان ربي الاعلى )..!
::
يقول الله عز وجل:
( فاسجدوا لله واعبدوا). ..
جعل اللَّه معنى السجود..
سبب التقرب إليه بالقلب والسرّ والروح ..
فمن قرب منه بعد من غيره.
::
::
فالسجود إذن أعظم عبادة لله سبحانه يُختص بها وحده ..
فهو الخالق الذي تعنو له وجوه خلقه أجمعين.
كل مابرأ تعالى من النسمات فهو ساجد له ..
سجود خضوع واستسلام :
( ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض
والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب
وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب
ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء).
::
ولم يستثنَ أحداً من خلقه تعالى في ذلك ..
فها هي الملائكة تمتثل لأمره وتخضع لعظمته :
( ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض
من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون).
::
وفي حكاية سليمان و الهدهد ..
نرى هذا الطير يكاد لايصدّق ماتراه عيناه..
من ضلال قوم بلقيس ..وصلاتهم وسجودهم للشمس من دون الله..
فينسيه ذلك المشهد حضورطابور سليمان ..
وحين يفطن يحلق مسرعاًنحو سليمان ليبوح بما رآه ..
وقد اخذ منه العجب كل مأخذ :
( ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض
ويعلم ما تخفون وما تعلنون الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم).
::
وتذكر أيات القرآن الوصف الرائع للرسول وصحبه الكرام..
كما تمثّل في التوراة:
( تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا
سيماهم في وجوههم من أثر السجود)..
:
ومثلُ ذلك عباد الرحمن المصلين الخاشعين في كل زمان ومكان
فهم :
(يبيتون لربهم سجداً وقياماً).
::
::
السجود حالة عبادية رفيعة..
فبه ارتقاء للروح وسلامة من الكبر والعجب ووساوس الشيطان..
وهو أرفع وأسمى مظاهر العبادة والخضوع ..
ومن لزم هذه العبادة فقد أفلح في الدنيا والآخرة :
( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم
وافعلوا الخير لعلكم تفلحون).
::
ألا ترى في الظاهر أنه لا يستوي حال السجود
إلا بالتواري عن جميع الأشياء ..
والاحتجاب عن كل ما تراه العيون..؟!
كذلك أراد اللَّه تعالى الأمر الباطن..!
::
وحين تفضل المولى بمدح المؤمنين الخاشعين ..
الذين يخافون مقام ربهم ويخشونه قال عنهم :
( إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا).
::
::
مفهوم النفس الساجدة ~
المراد أن يكون قلب المسلم فارغاً من حطام الدنيا ومتعلقاتها
فلا يتركها تغلب على تفكيره ..
فيبذل قصارى جهده للباقيات الصالحات من العبادات
التي تقرّبه إلى ربه سبحانه ..
ويخلع رداء التكبر والتفاخر والتكاثر ..
حينئذٍ يقال أن نفسه ساجدة لخالقها وخاضعة لبارئها عزَّ وجلّ.
::
::
وأعظم حالات السجود ، واكثرها عدداً وقرباً للرحمن ..
الصلاة..!
قرّة عين المؤمنين ..!
و أفضل مافي الصلاة الركوع والسجود..
فالركوع لتعظيم الإله .. والسجود للدعاء
والذنوب .. تمحى وتذوب... في مواطن السجود ..
حين تخر الجباه خاشعة ، وتنهلّ العبرات
وتهتز اوتار القلوب.. وتعلو حناجر الدعاء .
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :
( إنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة،
وحط عنك بها خطيئة ).
::
::
كيف يصلون ~
سئل الزاهد الرباني حاتم الأصم :
كيف تصلي ؟
فأجاب يصف حاله مع الصلاة بعبارات في منتهى الروعة
تبعث الهمم ، وتثير أشواق العابدين ..
قال : إذا حان وقت الصلاة أسبغت الوضوء..
ثم آتي موضع الصلاة بسكينة ووقار..
أتمثل الكعبة بين حاجبي ، والصراط تحت قدمي ،
والجنة عن يميني، والنار عن شمالي ..
وملك الموت فوق رأسي ، وعين الله ناظرة إلي ..
وأكون بين الرجاء والخوف ..
أكبر تكبيرًا بتحقيق ..
وأقرأ قراءة بترتيل ..
وأركع ركوعا بخضوع ..
وأسجد سجودا بتذلل..!
وأتبعها الإخلاص ما استطعت .. وأسلم ..
ثم لا أدري أيقبلها الله مني أم يردها علي...!!
::
::
الله أعلم بما في قلوب القائمين الساجدين ..
لاتخفى عليه منهم خافية ..
يسمع سرهم وهمس نجواهم ..
وبقدر إخلاص توجه القلوب بالدعاء في الصلاة ..
تكون الاستجابة .. !
قال تعالى:
( وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم
وتقلبك في الساجدين).
::
::
إن للحياة طعماً آخر في نفوس السالكين ..
وأخصها حين ينفرد المؤمن بربه ويقابل وجهه الكريم في الصلاة
وبهذا قال أحد العارفين الذين أدركوا هذا المقام :
مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها..
قالوا : وما أطيب ما فيها ؟
قال : محبة الله ، والأنس به ، والشوق إلى لقائه ،
والإقبال عليه، والإعراض عما سواه.
::
::
سجود اللوح والقلم والنون ~
عن عبدالرحمن عن نافع عن ابن عمر قال :
لما أنزل اللّه تعالى :
{ اقرأ باسم ربك الذي خلق }.
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لمعاذ :
(اكتبها يا معاذ ) ..!
فأخذ معاذ اللوح والقلم والنون .. فكتبها ..
فلما بلغ { كلا لا تطعه واسجد واقترب}
سجد اللوح ..
وسجد القلم ..
وسجدت النون .. وهم يقولون :
اللهم ارفع به ذكرا، اللهم احطط به وزرا، اللهم اغفر به ذنبا.
قال معاذ :
سجدتُ ، وأخبرت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم،
فسجد ..!
فصلّ..! واسجد ..! واقترب من الله بالدعاء..
فإنّ :
( أقرب ما يكون العبد من ربه ، وأحبه إليه ،
جبهته في الأرض ساجدا لله ) .
::
{فذلك يمثّل منتهى العبودية والذلة ..
ولله غاية العزة ..
فكلما بعدت من صفته ..
قربت من جنته ..
ودنوت من جواره..
في داره}.
::
::
أختي المؤمنة ~
أكثر ماتكوني إلى الله قرباً ..في السجود ..
فحققي هذه القيمة بخشوعك في صلاتك..
في قيامك وقعودك وسائر حركات الصلاة وألفاظها .
::
::
مرحباً بالقيام .. في شهر الصيام ~
في جوف الليل حين تنير مصابيح الإيمان أرواح القائمين ..
تحلو المناجاة ..
وتتنزل آيات الرحمات .. !
وتصفو القلوب وتخلو ..
إلا من تصُّور الحضور بين يدي الرحمن ..
ومقابلته ، وقربه ، والدنو منه ..
فيالها من قرة عين للمشتاقين إلى لقاءربهم..!
يكفي أن يحملوا الشوق والإخلاص وصدق التوكل
على راحة قلوبهم الفقيرة إلى الله ..
ليزهر بستان الرضى والسلام في صدورهم ..
وتغيب معالم الدنيا الفانية بما تحمله من عناء وسرور زائلين
وتتجلى لهم مسرات الروح ورضاء القلب ..
فتدمع عيونهم حباًورجاءً وغبطة بهذا اللقاء العظيم
والموقف الجليل ...!
::
هذه اللحظات .. في قدسية الصلاة ..
نعمة لايفوز بها إلا من اتجه إلى الله لا بوجهه فقط. .
ولكن بكينونته .. وروحه .. وقلبه .. وسائر جوارحه ..
وخلّف الدنياوراءه بمغرياتها ومتاعبها ...وأنفصل عن الوجود
إلا لله الحاضر الموجود
انقطع عن عالم البشر ..
إلى رب البشر !
::
تقبل الله صيامكم وقيامكم ووفقكم لطاعته
وجزاكم جنته .
::