
بسم الله الرحمن الرحيم .. وبه نستعين

جاء في بداية هذه السورة آيات تشرح بعبارات
وجيزة معبرة عن صفات المؤمنين،
وممّا يلفت النظر أنّها أشارت إلى مستقبل المؤمنين
السعيد قبل بيان صفاتهم،
إستنارةً للشوق في قلوب المسلمين للوصول
إلى هذا الفخر العظيم بإكتساب صفة المؤمنين.
تقول الآية {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} كلمة «أفلح»
مشتقّة من الفلح والفلاح، وتعني في الأصل الحرث والشقّ،
ثمّ أُطلقت على أي نوع من النصر والوصول إلى الهدف والسعادة بشكل عام،
والحقيقة أنّ المنتصرين يزيلون من طريقهم
كلّ الموانع والحواجز لينالوا الفلاح والسعادة،
ويشقّون طريقهم لتحقيق أهدافهم في الحياة.
ولكلمة الفلاح معنىً واسعاً بضم الفلاح
المادّي والمعنوي، ويكون الإثنان للمؤمنين.
فالفلاح الدنيوي أن يحيا الإنسان
حرّاً مرفوع الرأس عزيز النفس غير محتاج،
أمّا فلاح الآخرة فهو الحياة في نعيم خالد.

{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}
ان جميع حركات وسكنات المؤمنين
تتجّه لهدف واحد مفيد وبناء،
لأن «اللغو» يعني الأعمال التافهة غير المفيدة،
وكما قال بعض المفسرين
فإنّ اللغو كل قول أو عمل لا فائدة فيه،
وإذا فسر البعض اللغو بالباطل.
وبعض فسره بالمعاصي كلّها،
وآخر بمعنى الكذب وآخر:
السباب أو السباب المتقابل والبعض الآخر
قال: إنّه يعني الغناء واللهو واللعب وآخر: إنّه الشرك.
فإنّ هذه المعاني مصاديق ذلك المفهوم العام.
وطبيعي أن اللغو لا يشمل الأفعال والكلام التافه فقط،
وإنّما يعني الآراء التافهة التي لا أساس لها،
التي تنسي العبد ربه وتشغله بها دون الاُمور المفيدة،
إذن فاللغو يتضمّن كلّ هذا، والحقيقة أنّ المؤمنين
لم يخلقوا من أجل الإنشغال بآراء باطلة أو كلام تافه،
بل هم معرضون عنها، كما قال القرآن الكريم.

إحترسي اختي الغالية من ? اللغو ? فهو من ضعف الايمان
قال الرازي في مفاتيح الغيب:
?اللّغو: ما حقّه أن يلغى ويترك من العبث وغيره،
كانوا يسمعون ذلك فلا يخوضون فيه،
بل يعرضون عنه إعراضًا جميلاً،
قال تعالى: {وَقَالُواْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ}،
ثمّ أكّد تعالى ذلك بقوله حاكيًا عنهم: {لاَ نَبْتَغِى الْجَاهِلِينَ}
والمراد لا نجازيهم بالباطل على باطلهم?.
والحقيقة أنّ هذا حال أهل الإيمان، فهم لا يقفون عند اللغو،
بل يهجرونه ويتقونه.
ورد عند الترمذي عنه عليه الصّلاة والسّلام:
?إنّ من أحبّكم إليّ وأقربكم منّي مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا،
وإنّ من أبغضكم إليّ وأبعدكم منّي مجلسًا يوم القيامة الثرثارون
والمتشدّقون والمتفيقهون?، فالثرثار: كثير الكلام، وفي الصّحيح:
?إنّ اللّه كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السّؤال?،
وعند مسلم: ?إنّ العبد ليتكلّم بالكلمة ما يتبيّن ما فيها،
يهوي بها في النّار أبعد ما بين المشرق والمغرب?.
ومن هنا فعلَى المسلم أن يقلّل الكلام قدر الاستطاعة

?مَن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليقُل خيرًا أو ليصمت?
إن استوى عندك الوجهان في الكلام
ولم تدري في الكلام خير أم ليس فيه خير لزمك الإمساك،
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ?فليقُل خيرًا أو ليصمت?.
وأيضًا فليعلم أن الكلمات تسطر،
وأنّها تكتب: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}
أي: قول يسطّر ويكتب.

يقول ربّ العزّة سبحانه:
{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا
فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ
صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}.
ويقول: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُر وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ}،
ويقول أيضًا: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}.
فالكلمات تكتب، وان تأتي صحائف أعمالنا يوم
القيامة نقيّة بيضاء مسطّر فيها ذِكْر اللّه عزّ وجلّ
خير
لنا من أن تأتي صحائفنا وقد ملئت باللّغو واللّغط واغتياب
المسلمين، وربّما الطّعن في الأعراض والنّميمة والتفوّه بما لا يليق.
ثم إن كثرة الكلام تذهب البهاء وتزيل الوقار وتزري بالأشخاص
، فإن كان لزامًا من كلام فليكن بذِكر اللّه تبارك وتعالى
والصّلاة على سيّد الأنام صلّى اللّه عليه وآله وسلّم
{لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ
أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ
مَرْضَاةِ اللّه فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.
وقلّة الكلام تدعو إلى الاهتمام بكلامك والاستماع إليه،
كان عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه يعظ
النّاس كلّ خميس،
فقال له قائل: يا أبا عبد الرّحمن وددتُ أنّك حدّثتنا كلّ يوم،
فقال عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه: ?إنّي أكره
أن أُمِلَّكُم، وإنّما أتخولكم بالموعظة، كما كان رسول
اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يتخوّلنا بالموعظة كراهية السّآمة علينا?.
تقول عائشة رضي اللّه عنها: ?كان النّبيّ صلّى اللّه
عليه وسلّم يتكلّم كلامًا لو عدّه العاد لأحصاه،
لم يكن يسرد الحديث سردًا كسردكم?.
فهذه مريم عليها السلام
لما أتت قومها بعيسى عليه السلام تحمله
وهي تدرك أنّ القوم لن يصدقوها إذا تكلمت
لأنّه لا يتصور أن تلد امرأة بلا زواج، لكن اللّه على
كلّ شيء قدير، فعند ذلك قال الله لها:
{فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا}.

الختام
الافضل للمؤمن والمؤمنة الإمساك عن الكلام
إذا لم يكن عنده علم بما يتكلم به،
و ايضاً يستحب السكوت ان لم يكن
في الكلام فائدة فذاك أسلم للدين
{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤولاً}،
(36) .
فلتحرص كل مسلمة باحثة عن غرفة في جنان
الرحمان على هذا الخلق النبيل " الاعراض عن اللغو "
ولتتخلق بأخلاق عباد الرحمان ،
مع الحرص على الايجابية في الأقوال والأفعال ،
بتنزيه النفس عما يفعله الجاهلون العابثون من الناس
، مع قول الحق وشهود الحق والشهادة بالحق ،
وعدم حضور مجالس اللهو واللغو أيا كان اسمها وعنوانها ?.
واقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكن
موضوع قيم اذ بينت فيه اكثر ما يهلك الانسان و هو اللسان
و هذا ما جعل الصديق رضي الله عنه يقول عنه "هذا الذي اوردني الموارد"
نسال الله ان يشغل السنتنا بذكره و شكره و حسن عبادته