{وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}
قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-:
فصل في قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}
هذه الآية ُتقتضي أنَّ من العباد من يبدو له عند لقاء الله ما لم يكن يحتسب، مثل أن يكون غافلاً عما بين يديه معرضًا عنه غير عامل ولا يحتسب له، فإذا كُشف الغطاء عاين تلك الأهوال الفظيعة، فبدا له ما لم يكن في حسابه.
ولهذا قَالَ عمر رضي الله عنه: لو أن لي ملء الأرض ذهبًا لافتديت به من هول المطلع.
وفي الحديث: "لا تَمنَّوا الموت فإن هول المطلع شديد، وإنَّ من سعادة المرءأن يطول عمره ويرزقه الله الإنابة".
وقال بعضُ حكماءِ السَّلف: كم من موقف خزي يوم القيامة لم يخطر عَلَى بالك قط (1).
وقال القرطبي -رحمه الله- في تفسيره: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} من أجل ما روي فيه ما رواه منصور عن مجاهد قال: عملوا أعمالا توهموا أنها حسنات فإذا هي سيئات. وقاله السدي.
وقيل: عملوا أعمالا توهموا أنهم يتوبون منها قبل الموت فأدركهم الموت قبل أن يتوبوا، وقد كانوا ظنوا أنهم ينجون بالتوبة.
ويجوز أن يكونوا توهموا أنه يغفر لهم من غير توبة فـ {بدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون} من دخول النار.
وقال سفيان الثوري في هذه الآية: ويل لأهل الرياء ويل لأهل الرياء هذه آيتهم وقصتهم. وقال عكرمة ابن عمار: جزع محمد بن المنكدر عند موته جزعا شديد، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: أخاف آية من كتاب الله {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون} فأنا أخشى أن يبدو لي ما لم أكن أحتسب.
{وبدا لهم} أي: ظهر لهم {سيئات ما كسبوا} أي: عقاب ما كسبوا من الكفر والمعاصي. {وحاق بهم} أي: أحاط بهم ونزل {ما كانوا به يستهزؤن} (2).
______________________________________________________
(1) المحجة في سير الدلجة؛ ضمن مجموع رسائل الحافظ ابن رجب الحنبلي، (436/4).
(2) الجامع لأحكام القرآن (15/ 265-266).

سيدي @sydy
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

منار السديس
•
جزاك الله خيرا الله يعفو عنا وعنك وعن المسلمين
الصفحة الأخيرة