بلغة عربية متعثرة.. بدأت حديثها الذي أخذني معها إلى حياتها في مدينتها الفرنسية الصغيرة، إلى طفولتها، ثم مراهقتها حتى انتقالها إلى العاصمة الألمانية، لأغوص معها في تفاصيلها بأفراحها وأحزانها.
قالت وهي تحاول أن تجمع خيوط قصتها:
ولدت لأبوين فرنسيين.. وكانت أمي امرأة مسيحية كاثوليكية متمسكة بدينها..
ربتنا على التعاليم الكاثوليكية الصارمة.. كانت تلزمنا منذ صغرنا على الذهاب إلى الكنيسة في الإجازات وأداء الصلوات على الطعام وقبل النوم.. وكنت أنا كطفلة أضيق بتلك الطقوس.. ولكنني أقوم بها ملزمة حتى لا أنال العقاب.
ولكن يوما بعد يوم.. صرت أتأفف منها وأضجر، والأمر الذي كان يبعدني عنها.. أنني لم أكن أجد تفسيرا لها.. أمي تلزمني بها.. باصرار شديد.. وحين أسألها عن تلك العبادات؟ ولماذا علينا أن نفعلها؟
كانت تجيبني بصرامة:
«إنها واجبنا أمام ربنا وعلينا أدائها».. فتترك أسئلتي معلقة.
حتى صرت مع الوقت أحاول التهرب من أدائها.. وحين دخلت مرحلة المراهقة كرهت كل تلك الطقوس.. ولم أعد أؤمن بأي شيء.
وأصبحت أعيش أيامي يوما بعد يوم.. دون أن أشغل نفسي بأي شيء.. وعلى الرغم من أنني كنت أقنع نفسي بأني سعيدة بإلحادي،إلا أنني كنت دائماً أشعر بفراغ داخل نفسي لا أستطيع ملآه.
حتى توفيت صديقة لي في المدرسة.. مصابة بورم بالمخ.. ثم أعقبتها صديقة أخرى توفيت.. بالفشل الكلوي.
كانت وفاة صديقتي في تلك الفترة كفلاش من الضوء.. سطع فجأة على عيني.. ليعيد تفكيري في كل شيء.
صرت أفكر في الحياة بطريقة أخرى.. وأغرق في بحر من الحيرة..
أتساءل: لا يمكن أن نكون قد جئنا إلى هذه الدنيا، فقط لنموت.. مؤكد هناك سبب أكبر لوجودنا.. وأن هناك قوة أكبر تتحكم بمصائرنا.. لحظتها آمنت بوجود إله كبير يتحكم بهذا الكون بعد سنوات من الإلحاد.
عدت إلى المسيحية دين والدي.. اقرأ فيه من جديد.. ولكنني لم أشعر به يملأ الخواء النفسي بداخلي.. لم أقتنع بأن الله له ابن يقتل.. ولم أستوعب فكرة أن الإنسان يرتكب المعاصي والذنوب.. ثم يجلس أمام القس عشر دقائق لتمحى ذنوبه كلها.
وبدأت رحلة البحث.. قرأت في اليهودية.. فلم تقنعني فكرة أن يكون هناك دين لشعب معين ليكون هو الشعب المختار في الأرض.. فأتجهت إلى البوذية أقرأ فيها.. فلم أجد نفسي فيها.. فلم أكن أستطيع أن أصدق بأن هناك عدة آلهة وأننا نعبد تماثيلا نحملها بأيدينا.
وبدأت القراءة في الدين الإسلامي شهورا.. وشهورا.. وأنا أبحث في الكتب وفي شبكات الإنترنت.. كانت صورة الدين الإسلامي مشوشة ومهزوزة بسبب أجهزة الإعلام الأوروبية، التي تصور لي الإسلام على أنه العنف.. واضطهاد للمرأة.
ولكنني بعد فترة من البحث.. شعرت بأنني وجدت ضالتي في الدين الإسلامي.. وأنه صورة أخرى غير الصورة التي عكسها الإعلام لي.. هو الوحيد الذي استطاع أن يملأ الفراغ بداخلي.. ويجيب على كل أسئلتي.
تخرجت وسافرت للعمل في المانيا.. وأنا ما زلت اقرأ في الإسلام.. وأجمع معلومات عنه حت تعرفت على شاب عربي مسلم.. تزوجته.. واستمريت في بحثي وقراءاتي حتى أخبرته برغبتي بأن أعتنق الإسلام.
لم يهتم.. وترك لي الحرية في اختيار ما أشاء.. ذهبت إلى المركز الديني.. أشهرت إسلامي.. وعدت وأنا أشعر براحة كبرى.. وكأنني وجدت نفسي التي كنت أبحث عنها سنوات وسنوات، صرت اقرأ أكثر في ديني.. وأحاول أن التزم أكثر حتى قررت إرتداء الحجاب.
أبلغت زوجي بقراري.. فتفاجأت بثورته.. وغضبه.. كان رافضا ارتدائي الحجاب.. كان زوجي يعيش عقدة الغرب.. يرغب بزوجة أوروبية ترتدي ثياب عارية.. يتباهى بها أمام الناس.
وبدأت المشاكل تتفجر بيني وبينه.. ففي الوقت الذي أسهر فيه لصلاة القيام.. كان هو يسهر ليشرب ويسكر.. وكنت أنا أفكر بأن علي بالصبر لعله يتغير.
ولكنه كان يزداد رفضا.. حتى اللحظة الذي خلع فيها حجاب رأسي.. فخرجت من البيت وأنا أبكي.. بعد أن قررت أنني لن أعود ثانية إليه.
غيرت عملي وانتقلت إلى مدينة أخرى.. آملة أن ابدأ من جديد، حتى اكتشفت بخبر حملي.. أربع سنوات عشتها معه كنت أتلهف فيها إلى طفل.. فها أنا حامل الآن.. بعد أن انتهت حياتي مع زوجي.
أنجبت طفلي.. ثم اتصلت به لأخبره.. ولكنه لم يهتم كثيراً بالأمر.. تم طلاقي منه ومضت حياتي هادئة.. احتوتني إحدى الأسر العربية المسلمة هناك.. أدخلتني بيتها.. واهتمت بكل شئوني.. إلى أن تقدم إلي ابنهم الذي أصبح أبا آخراً لابني.. وابتسمت حياتي لي بعد أيام الألم والضياع.
القصة موجودة في مجلة اليقظة
3sl @3sl
عضوة جديدة
هذا الموضوع مغلق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️