ورد الريف
ورد الريف
الحلـقــــــــــــــــ 6 ــــــــــــة

ومرت الأيام وهي تزداد في كل يوم إشراقا .. كنا نذهب كل جمعة إلى المسجد للصلاة وكانت ترتدي الحجاب في السيارة حتى لا يعرفها أحد..أما أنا فكنت لم ارتد الحجاب بعد!

أقبلت مايا على القرآن وتملك القرآن قلبها أخذت تقرأ القرآن وحفظت الكثير من السور القصيرة حتى حفظت عشرين آية من سورة البقرة..

كانت تقرا القرآن خفية حتى في بيت أهلها دون أن يشعر بها أحد لقد كانت في عناية الله ..

أعطيتها يوما كتاب (رجال حول الرسول) ..


قرأته كثيرا وأحببته حبا كبيرا وكانت لاتملك عينيها وهي تقرا أن أصحاب الرسول(صلى الله عليه وسلم )تعذبوا كثيرا في سبيل الإسلام ومنهم من أخفى إسلامه حتى لا يضعف أمام أذى المشركين ..

لقد وجدت في ذلك الكتاب سلوه لها وتثبيتا لقلبها على الإيمان .. وازدادت عزيمتها على الصبر والمضي في الطريق حتى يأذن الله بالفرج وما هي ألا أيام حتى هبت تلك النفحة الربانية وهل الهلال بقدوم ذلك الضيف العزيز..


انه موسم الرحمة والبركات (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن)

لكم تمنت مايا في عهدها القديم أن تصوم وتشارك المسلمين في هذه الروحانية الغامرة.. وهاهي اليوم تستقبل رمضان .. وقد أسلمت وجهها لله.. لم استطع مقاومة رغبتها في الصيام..على الرغم من خطورة الأمر ولكنه الإيمان لا يعرف القيود ولا الحدود .. كنا نقضي اليوم بطوله في المعهد لم نكن نفترق أبدا أما الافطار فكانت تتناوله معي ومع جدتي واهلها يعرفون انها عندي ولم يشكّوا في شئ حتى جدتي لم تكن تعرف حقيقة الأمر … أما وقت السحور فكنت اتصل بها على هاتفها المحمول الخاص بها حتى تستيقظ من النوم لتتناول السحور يا لها من أيام تلك الأيام!

رسمنا خطة محكمة حتى لا ينكشف الأمر .. حتى إننا كنا نذهب إلى ابعد مسجد في البلدة لنصلي صلاة التراويح كي لا يراها أحد

ومرت الأيام ..

وعام كامل على الإيمان المكتوم وبقي عام آخر ليتحقق الحلم الجميل

ولتعلن مايا إسلامها .. ولكن!


يبدو أن الأحلام الجميلة سرعان ما تنتهي!!
ورد الريف
ورد الريف
الحلـقــــ 7 ــــــة

الحلم المكتوم

العام الميلادي يوشك أن يلفظ أنفاسه..

وعام ميلادي جديد اصبح على الأبواب..

والاستعدادات بدأت للاحتفال بعيد السيد المسيح!

وفي داخل (الترام) الذي يشق طريقه وسط الزحام كنت اجلس بجانب مايا كانت واجمة وبدت عليها ملامح القلق :-

- مالك يا صديقتي.. مالك يامايا ؟!

- اليوم هو الاثنين لقد بقيت أربعة أيام

- على ماذا؟!

- على عيد رأس السنة

- وماذا في الأمر؟

- معنى ذلك انه يتحتم عليّ الذهاب إلى الكنيسة .. كم أنا خائفة!!

أخشى أن اضعف أخشى أن افقد النور …


- لا تقلقي يا مايا سأذهب معك وأكون بجانبك ..لم يرضها هذا العرض صمتت قليلا ثم قالت :


- كلا لا أريد أن اذهب لن ادخل الكنيسة بعد اليوم.

ثم أخذت تضحك وهي تردد :-

- لن ادخل الكنيسة إلا جثة خامدة!!

لا يزال الترام يشق وسط الزحام وفترة الصمت الكئيبة يقطعها صوت خافت حزين:-

- ناديا أكاد اختنق اشعر إنني كالسارق لم اعد احتمل!

- صبرا يا صديقتي.. وأغمضت عينيها وأخذت تحدثني عن أحلامها الجميلة:-

- في ذلك اليوم الذي أعلن فيه إسلامي سأركض في كل اتجاه وأصيح بأعلى صوتي إنني مسلمة .. لن التفت إلى أحد لن أتنازل عن شئ سأقاوم مهما كانت الضغوط حتما سأخسر كل من اعرف حتى أهلي كم يحزنني هذا!

كم أتمنى أن يبصروا الحقيقة! سأدعوهم إلى الإيمان وادعوا لهم في صلاتي المهم إني لن اخسر نفسي فلن أعود إلى الظلام..
ورد الريف
ورد الريف
الحلـقــــ 8 ــــــة

وحلقت مايا في سماء الأحلام:
- كم ابدوا جميلة في الحجاب ؟ سأرتديه في اول لحظة أعلن فيها إسلامي وبالطبع سأتزوج حين أجد شابا مسلما لن اشترط عليه شيئا المهم أن نحيا معا حياة سعيدة في ظل الإسلام…وتمر الأيام ..مولودي الأول سأسميه ((ادهم)) والثاني((عبد الرحمن)) كم احب هذين الاسمين!..

ثم أفاقت من أحلامها على صوت الترام الذي يوشك أن يقف وسددت نظرتها بغضب إلى الصليب المرسوم على يدها .. توقف الترام وفي سرعة غريبة تهيأت مايا للخروج ودخلت في زحام الناس أحاول عبثا اللحاق بها ونزلنا من الترام لنعبر الشارع وهي تجري وتناديني :- أسرعي يا ناديا الحقي بي..

ولكنهـا سبقتني .. وعبرت الشارع أمامي..

وفـي وسط الطريق ..

تسقط مايا صريعة .. تحت عجلات سيارة مسرعة..

تسمرت قدماي ولم اعد أرى أمامي إلا منظر صديقة العمر..وهي تنزف بالدماء!

جريت في ذهول وأنا اصرخ :- مايا مايا ..

احتضنتها بين يدي وضممت رأسها إلى صدري وشعرها الأشقر الطويل قد تغير بلون الدم وجرحها النازف يتدفق بالدماء وقفت عاجزة تماما إلا عن الصراخ والبكاء .. أحسست بقلبها ينبض وكأنها تستبقي الحياة.. نظراتها الكسيرة تتوسل إلي وصوت ضعيف يقاوم الموت ويبعث الأسى:- لا لا ليس الآن..
حلمي لم يتحقق ناديا أرجوك.. أوقفي النزيف ..أوقفي النزيف.. أريد أن أعيش
أرجوك ناديا .. ناديا .. نا..


وكان الرحيل!
ورد الريف
ورد الريف
أسى تعلق بي واحتـل وجدانـي *** وأذرف العين من دمـع كهتـان

لكم شجى أسفي حزنـا وآلمنـي *** وأضرم النار من وجدي وأحزاني

حق الوداع على قلبي لـك مايا *** واجتاح فيه الأسى ينعى لفقدانـي

إلى اللقاء مايا والحزن يحرقنـي *** والبين يوغل في مأساة أشجانـي

إلى اللقاء مايا يا زهـرة رحلـت *** ما زال برعمها غضاً كما البانـي

ذكرى ترجع بي شجوي وتنغصني *** حلو الحياة إذا ما حـل تحنانـي

أيام كنا ولـم يسـرح بخاطرنـا *** هذا الفراق الذي قد كان لي جاني

لم أنسى يا مايا والحب يبعثهـا *** ذكرى تجول ولا صبرا لنسيانـي

لك السلام مـن الأعمـاق أنشـد *** هجهرًا بلفظٍ كما حساً بكتمانـي

وأقتضي الوعد والميثاق أحفظـه *** عهـداً أرتلـه يبقـى بإيمانـي

هناك يا مايا فـي جنـة الخلـد *** لقاؤنـا يحلـو وذاك سلـوانـي

سأحفظ الله في سري وفي علني *** لعلني أرتجـي عفـوا لرحمانـي

إلى اللقاء مايا إلى اللقـاء مايـا *** إلى اللقاء مايا والعهـد يرعانـي




((لن ادخل الكنيسة إلا جثة خامدة))..



هذا هو قرارها قبل الرحيل ..

ويا لعجائب الأقدار هاهي اليوم تدخل الكنيسة جثة بلا حياة جسدا بلا روح!

قررت أن أكون بجانب صديقتي إلى أن توسد التراب.. رغم مواجعي ..

دخلت الكنيسة ووجدت أهلها وبعض النصارى ملتفين حولها وحول القسيس وهم يقرؤون عليها آيات من الإنجيل صعب عليّ أن أراها بينهم شعرت انهم كاللصوص اخترقت ذلك الجمع إلى أن وصلت إلى مايا ..

كانت ممددة في صندوق بني اللون وعلى صدرها الصليب!

آه .. ما اصعب هذا !! اقتربت منها ألقيت على وجهها نظرات الوداع كان وجهها يبعث بالنور .. اقسم لكم ..لم أتمالك نفسي وأنا أرى الصليب على صدرها..

انحنيت منها وأنا ادعوا لها في داخلي وطبعت على جبينها قبلة الوداع!

عندها خارت قواي خنقتني العبرة سقطت على قدمي وارتفع صوتي بالبكاء ..

اقترب القسيس مني واخذ يربت على كتفي ويقول:-

لا تقلقي عليها إنها الآن مع المسيح والقديسين ..

همت أن اصرخ في وجهه :لا لا مايا مسلمة ..مسلمة.. ولكني تذكرت وعدي لها فأخذت اصرخ في داخلي !
وما زلت ابكي حتى حملوها من بين يديّ ومضوا بها بعيدا عني وهناك..

بين قبور النصارى وعلى التل البعيد دفنت مايا دفنت وعلى صدرها الصليب!

ولكن حسبها الله ونعم الوكيل ..

رجعت إلى منزلي وصورتها تملأ جوانحي والذكريات الجميلة تلاحقني ..

وما أن دخلت إلى منزلي حتى أسلمت عيني لنوم عميق ..
ورد الريف
ورد الريف
الحلـقـــــــ 9 ـــــــــــــة
الأخــيــرة



وفي المنام كان اللقاء

رأيت نارا سوداء تلتهب وفي وسط النار كانت تقف مايا ..

والنار لا تحرقها بل كانت تصلي داخلها وعندما جريت إليها لأخرجها.. صرخت في وجهي بان ابتعد عنها..

قمت من منامي فزعة مذعورة أخذت أفكر في صديقتي وما جرى لها حتى سألت شيخا يعبر الرؤيا فحمد الله وقال:-
أما النار السوداء فهي الفتنة التي كانت فيها وهي تكتم إيمانها وأما الصلاة فهي علامة النجاة وإنها نجت بإذن الله..

فرحت كثيرا أن مايا بخير..

الحمد لله .. اللهم لا تحرمني أجرها ولا تفتني بعدها واجمع بيني وبينها في جناتك جنات النعيم..

وفي ذات مساء كان أيضا اللقاء ..

رأيت مايا في واحة خضراء في أجمل حلة وأبهى مظهر وهي تشير بيدها إلي وتدعوني أن اذهب إليها ..لأسال عن تلك الرؤيا فهي واضحة..

استقر في نفسي انه سبيل النجاة لا بد من العودة الله قبل فوات الأوان سنلتقي يا مايا بإذن الله ..

لن تخدعني الأوهام بعد اليوم.. لن اركض خلف السراب ...

أحسست بالنور يغمر جوانحي ويبدد ظلمات الغفلة.. فرغت قلبي لله..

ارتديت الحجاب ..وفتحت صفحة جديدة مع ربي .. كتبت عليها بدموع التوبة والندم:-


تبت إلى الله.. تبت إلى الله..




(( يا الهي يا مجيب الدعوات..


يا مقيل العثرات..

اعف عني أنت من أيقظ قلبي من سبات..

وأنا عاهدت عهد المؤمنات..

أن تراني ..

بين تسبيح وصوم وصلاة..

يا الهي جئت كي أعلن ذلي واعترافي..

أنا ألغيت زوايا انحرافي..

وتشبثت بطهري وعفافي..

أنا لن امشي بعد اليوم في درب الرذيلة..

وسأمضي في طريقي اهتدي القيم الأصيلة..

يغمر الإيمان قلبي..

تملأ الأنوار دربي..

قسما بالله ربي..

سوف أحيا للفضيلة.. سوف أحيا للفضيلة. ))