وداعا أستاذي الجليل
قبل بضع عشر سنة قال لي الدكتور محمد بن غرم الله الفقيه إنّ ثمة مجلساً أدبياً يعقد في مكة المكرمة كل سبت ونحن نرتاده من سنوات فلو صاحبتنا إلى ذلك المجلس لوجدت فيه من الكنوز العلمية ما يبهرك، عرفت منه أن صاحب ذلك المجلس هو المحقق العلامة عبدالرحمن بن سليمان العثيمين فسارعت لذلك المجلس بدون تردد، وكانت هناك أجمل الليالي العلمية والأدبية والثقافية بحق قضيت معه عشر سنوات.
في حي العوالي بمكة المكرمة قريباً من شارع الجفالي بعد محطة الفتح هكذا كان الوصف للقاء أستاذنا، عندما دخلت ذلك الصالون للمرة الأولى لم أجد ذلك الدكتور المصاب بعقدة نفسية من الحوار مع جلسائه ولم أجد شيئاً من بهرج الديوانيات وكاميرات التصوير والثريات المعلقة، وجدت خلاف ذلك كله وجدت رجلاً نحيفاً يجلس على الأرض في فناء منزله على بساط عادي وقد تحلّق عشرة أنفار أو يزيدون قليلاً على الأرض وبين أيديهم دلة القهوة العربية وصحون تمر سكري هذه عدة الديوانية الأسبوعية فلا شيء هنا من البهرجة، تسمع ضحكات الجالسين كلما اقتربت وتشعر بنوع من الحميمة بين الحاضرين وخاصة أن صاحب الديوانية مجبول على المداعبة والطرفة فهو يبهج الجالسين بأسلوب جمع بين الطرفة والعلم، أصبت بإحراج شديد فأنا لا أعرف صاحب الديوانية وليس له مكان مميز ولقلة الحضور فأنت غالباً تسلم مصافحة على الجميع وتأخذ مكانك لتشارك في هذه الأمسية.
استمرت الليالي والأمسيات وليس هناك موضوع محدد أو برنامج عمل وليس هناك استضافات فخرية فالكل هنا سواسية تبدأ الأمسية بسؤال عارض من أحد الجالسين أو فكرة يطرحها العثيمين، في المجلس الأول اكتشفت أن كثيراً من الحاضرين هم ممن أعرفهم جيدا وتربطني بهم صداقة سابقة فقد كانوا من المحققين الشباب حينها وفيهم أساتذة من جامعة أم القرى في تخصصات شتى من العقيدة والحديث والشريعة واللغة، ورغم ذلك التنوع الثقافي للحاضرين فإن البحر الذي يجلسون إليه صاحب اطلاع موسوعي فريد.
الحوار في تلك الديوانية على سجيته تارة يغوص بك في عالم المخطوطات وتارة في عالم الأدب والشعر حيث يسرد من محفوظاته من الشعر القديم أو الشعبي عشرات الأبيات بدون تكلف ذاكراً قصة البيت أو مواضع البلدان وموارد المياه والجبال، وتارة يحلق في تواريخ العلماء وتارة في أنساب العرب وتارة عن هموم التحقيق والنشر ولكل حادث حديث ولكل حاضر مشاركة أو مداخلة غير متكلفة فليس هناك سوى المحبة والألفة والتواضع وليس هنا لغير العلم والثقافة موضع، تتقاطع الأسئلة وتتنوع المواهب وكلما اشتد الحوار خرجت كنوز علمية فريدة، وكنتُ إذا انتهت الجلسة أعود لمدينة جدة أجمع الأفكار المطروحة وأقلب صفحات الكتب والمراجع لعلي أجد وهماً أفاجئ به أستاذنا ولكني أجد أن الصفحات كأنها أمامه وهو يحدثنا!! لطالما حاول بعض الحاضرين أن يغرب عليه في مخطوط من تراث الحنابلة أو تواريخ المسلمين فإذا به غالباً يعرفه من سنين ويقدم لنا في المجلس عدد النسخ الموجودة له وأماكنها كأنه يستحضر ذلك للتو، كان يتحدث عن مخطوطات العراق وتركيا ومصر وأوروبا والمغرب وإسبانيا كأنه يفهرسها لك في المجلس يحدثك حتى تعشق ذلك التراث المهمل وتبدأ أنت في رحلة البحث والعشق التي عاشها حتى توفي.
كان عبدالرحمن العثيمين يرشد طلبة العلم ويأنس بالجلوس إليهم ويفرح بسماع مشكلاتهم العلمية ويدلهم على ما يصلح في كتبهم وأبحاثهم بأدب عال وحب للفائدة بدون أن يجد في نفسه أي نوع من الاستعلاء أو الاحتقار أو التذمر، لطالما جاء إليه المحققون في شتى أبواب التراث الإسلامي فما عرفت أنه رد سائلاً أو طرد باحثاً أو أخفى معلومة أو مخطوطة عن أحد، وهب نفسه للعلم ونذر حياته لخدمة تراث المسلمين ولبس لباس التواضع وتزيا بأخلاق الكبار وابتعد عن سفاسف الأمور.
ذهب إلى ربه قبل أيام، تاركاً طلبة من أجلة المحققين وخلّف للأمة تراثاً أدبياً وعلمياً راقياً وأنتج مدرسة في التحقيق.
رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته.
خضر بن سندالغامدي
راقية الفكر @raky_alfkr_1
كبيرة محررات
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
امين واياك
شكرلمرورك اخيتي الفاضلة
لكن ماعنيته هوالشيخ عبدالرحمن العثيمين الذي توفي قبل ايام وليس محمدالعثيمين
http://forum.hawaaworld.com/showthread.php?t=4327670
شكرلمرورك اخيتي الفاضلة
لكن ماعنيته هوالشيخ عبدالرحمن العثيمين الذي توفي قبل ايام وليس محمدالعثيمين
http://forum.hawaaworld.com/showthread.php?t=4327670
الصفحة الأخيرة
رحم الله العلامة رحمة واسعة وجمعنا به في الفردوس الاعلى ووالدينا جميعا
سبحان الله كل ماجاء ذكر اب عثيمين يجي في بالي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : اذا مات ابن ادم انقطع عمله الا من ثلاث وذكر منها علم يُنتفع به
مات ومازالت كتبه تُدرس
مات ومازال ذكره لايخلو بأغلب المجالس
الله اكبر ياابن عثيمين
اللهم ارزقنا العلم النافع والعمل الصالح