
scson @scson
ثمرة اسرة حواء الناضجة
وداعا أمي.. سامحيني.. فأنا متوسط الذكاء؟؟!!
عدت من السفر عصرًا، وتوجهت مباشرة إلى النادي لمفاجأة صديقاتي، وذهبت إلى حديقة الأطفال حيث مجلسنا المفضل، فلاحظت وجوما غريباً على وجوه كل من قابلني، ودموعًا وبكاءً من بعض الفتيات.
أسرعت بالسؤال: ماذا حدث؟
فأجابت صديقتي متألمة: ألم تعرفي الخبر؟.. لقد انتحر تلميذ بالصف الثاني الإعدادي بمدرسة…
أجبت مذهولة: انتحر؟ لماذا؟
فكان الرد: لأنه رسب في مادة الرياضيات، والجميع في حزن وصدمة من الحادث، وزملاؤه وزميلاته يبكون.
وسرعان ما علمت تفاصيل أخرى أشد إيلامًا؛ فالصغير كان وحيد أبويه، أنجباه بعد ستة عشر عامًا من الزواج، والأسرة ميسورة الحالة، والمدرسة مشهورة بالرقي والتقدم، إذًا لماذا؟ أحقًا لأنه عجز عن التفوق في إحدى المواد؟ وكان السؤال الذي يدور على ألسنة من قابلته: خطأ من هذا؟
لقد ظننا نحن المسلمون دائمًا، أن حوادث الانتحار بعيدة عن أبنائنا، ومجتمعاتنا في الشرق؛ فالإسلام يحرمها بوضوح قاطع، والمنتحر في النار، وكما نقول: "اليأس.. كفر"، إلا أننا اندفعنا نحو تقليد الغرب في أساليب وأنماط الحياة، واعتناقنا لقيمه المادية، ظنًا منا أنها ستحقق لنا التفوق والرفاهية، يجعلنا نتوقع أيضًا أن نصاب بكل ما يعانيه الغرب من أمراض وعلل، فقد أصبحنا نلهث وراء المادة والتفوق، وندفع أبناءنا دفعًا، بمختلف وسائل الترغيب والترهيب لتحقيق هذا التفوق، حتى ولو لم تسعفهم قدراتهم العقلية والعلمية على ذلك.
فالابن المتوسط الذكاء مرفوض.. مرفوض من الأهل والمعلمين والزملاء، والمتفوق مطلوب ومحبوب ومرغوب من الجميع، ونسينا جميعًا أن أبناءنا هبة ونعمة من الخالق، وقد شاءت إرادته أن يخلق البشر متفاوتين ومختلفين.
فلماذا نتقبل حقيقة أن الأبناء قد يكون منهم الطويل والقصير، ومنهم الأشقر والأسمر، ولا نتقبل حقيقة أن منهم الشديد الذكاء، والذكي، والمتوسط والضعيف؟ علينا أن ننظر بعين الحب والوعي إلى الأبناء؛ فنتفهم قدراتهم وإمكانياتهم الحقيقية، ونسعى بكل ما نملك، لتطويرها إلى الأفضل، ويحدثنا التاريخ عن كثير من العظماء، تنبأ لهم الأهل والمعلمون بالفشل في بدايات طريقهم، ويأبى الله سبحانه إلا أن يتفوقوا في مجالات أخرى عديدة، فلنتقبل أبناءنا كما هم، ولنقدم لهم الحب والدعم النفسي والروحي والعقلي، ولا نتركهم أبدًا لعوامل اليأس والإحباط، ولنرسخ العقيدة والثقة بالله وبأنفسهم داخلهم؛ لتشع نورًا وأملاً دائمًا في وجدانهم، فاليأس كفر.. والأمل إيمان.
علقت الأستاذة منى يونس قائلة:
ماذا بعد؟
أهلاً – ما رأيكم بالحادثة؟ مروعة، عادية، مفزعة، أم أصبح الانتحار أمرًا واردًا لدينا نحن نتقبله كما نتقبل خبر استشهاد 5 أطفال فلسطينيين كل صباح؟!
هل خطر ببال أحدكم أن ابنه أو ابنته يمكن أن يمر بهذه التجربة المأساوية نفسها فيلقى الابن/الابنة حتفه نتيجة "كونه متوسط الذكاء".. حينما قرأت الخاطرة دار سؤال حائر في ذهني لم أجد له جوابًا إلا منذ لحظة. ما هي بالضبط محددات الذكاء؟ هل يولد الابن/الابنة بمستوى ذكاء معين لا يزيد ولا يرقى أم أن هناك عوامل مؤثرة في الذكاء؟.. فقد نشرت مجلة Psychological Review منذ بضعة أيام دراسة تشير إلى أهم العوامل تأثيرًا في مستوى ذكاء الإنسان: الجينات والبيئة. وحتى هذا الكلام لا جديد فيه، الجديد هو ما توصل إليه د."فلين" الذي استطاع رصد العلاقة بين العاملين؛ فالتفوق البيولوجي (الجينات) تدفع الطفل منذ صغره إلى سلوكيات معينة: إثارة الأسئلة حسب المدرسة والكتب والألغاز، والاستمتاع بكل ما من شأنه تضخيم القوة العقلية، بمعنى الجينات تدفع الطفل إلى السعي بنفسه إلى بيئة أفضل تؤدي إلى حاصل ذكاء أفضل فأفضل.
والمعادلة بين عاملي الجينات والبيئة يبدأ في وقت مبكر من حياة الإنسان؛ حتى أن أحد العاملين مع د. فلين في دراسته الأخيرة التي اشتهرت باسمه (تأثير فلين) وهو د. ديكنز وجد أن طفلاً عنده تفوق جيني قليل يمكن أن يؤدي إلى تفوق هائل عن طريق السعي الدؤوب وراء خبرات حياتية معينة مساعدة على رفع معدل الذكاء. وبالتالي لا فرق بين ما إذا كان الابن قد سعى بنفسه إلى بيئة ترفع من مستوى الذكاء لتفوق جيني معين ولد به، أو أن هذه البيئة هي التي سعت إليه عن طريق الألعاب التكنولوجية المنتقاة، بما يسهم في تنمية المهارات الاستيعابية للطفل، وكذلك القراءة والأسئلة اللحوحة.
إلا أن هناك نقطة إيجابية تثير تفاؤلنا إلى حد بعيد، وهي أن التغيرات التكنولوجية الاجتماعية تتميز عن الجينات بسمة واحدة رئيسية وهي الديمومة، فنحن في عالم يشهد كل صباح تطورا وتقدما وتغيرات هائلة في كافة المجالات التكنولوجية التي يمكن لصغارنا الاستفادة منها أعظم استفادة.
إن فشلنا هنا في عالمنا العربي في ترسيخ "حب المدرسة" لدى صغارنا فلا أقل من ترسيخ "حب ألعاب تنمية الذكاء".
منقـــــــــــــــــــــــــول
0
506
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️