على غير العادة ، بات البارحة دون أن يحدث جلبة في المنزل ، لم يُسمع منه ضحكة حادة حين كان يمازح أخاه ، بالأمس كان مسالماً لأخيه حنوناً ، ارتمى كل اليوم في حضنه ، لم يأبه بألعابه التي صار أخوه يشكلها كيف يشاء ،لم يكن يعارضه أبداً ، بل كان يراقب أخاه بعينين منكسرتين ،وابتسامة هادئة ... كان يسترق النظر إلى أمه كلما غفلت عنه ... يفاجئها بقبلة أو احتضان تختلف معها أضلاعه ! ، يقبل أمه ويتصرف بغرابة ، تشعر أنه يود لو أن بإمكانه احتضان العائلة الصغيرة كلها في آن واحد !، حين أراد أن ينام كان يتقلب بين حضن أمه مرة ، وحضن أخيه مرة أخرى ... وأحياناً يتجاوزهما لأبيه ، فمرة يقبله على فمه ، ومرة في عينه ، وتارة على جبينه ، وأحياناً على رأسه ! ... من شاهده تلك الليلة يشعر بأنه يريد أن يفرغ عواطفه في سويعات قليلة ! ... نام بعد أن طبعت أمه قبلة دافئة على جبينه ... مع بزوغ الشمس ،صحت الأم ونظرت إلى قرص الشمس ، بدأت تراقبه وهو يرتفع شيئاً فشيئاً ، وآآآآه لو علمت أنه آخر فجر ل محمد (ذو ال3 سنوات) !!!،أُخال أنها ستحاول أن تمنع القرص من الارتفاع ، أجزم أنها ستعود إلى فراشه ،وتحتضنه إلى أن تذوب فيه !... أشرقت الشمس وما علمت أن محمداً سيغرب قبل الغروب ... ذهبت إلى فراشه فطبعت قبلة أولى على شفتيه ، وثانية على جبهته ... أرادت الخروج لتحضير حليبه ، وصلت إلى الباب فعادت مرة أخرى لتقبله ... صحت من النوم باكراً لكنها تخشى من البرد أن يلفحه ، محمد غارق في النوم ودقات قلبه تخترق فؤاد أمه ، تضع يديها على رجليه فتشعر بأن البرد قد خدر عليهما لنعومتهما ، تسحب جزءاً من الغطاء لتغمرهما فيه ... فتح محمد عينيه فإذا بهما ينطبقان تماماً على عيني أمه!!! ، يبتسم ببراءة ... لتعود أمه وتقبله ، يضحك فتقبله مرة أخرى ،يضحك مرةً ثالثة بصوت منخفض فتعود لتحتضنه وتقبله!!! ... طلبت منه أن يتوجه إلى حوضه الصغير لعمل الدش له ، انطلق مسرعاً إلى منشفته الصغيرة المعلقة على الباب ، تناولها بيديه الصغيرتين فوضعها على رأسه ، كانت تغطي جسمه الصغير وهو بالكاد يحملها ، يسير وأمه تخشى سقوطه ، بعد أن اختلفت أطراف منشفته ورجلاه غير مرة !!!... توجه إلى حوضه ، وجلس فيه ليغتسل ... كانت أمه تلاطفه لتضع الشامبو على رأسه ، وضعت بعض ألعابه في الحوض ، ليلعب بها وتقوم هي بفركه ... لكنه هذه المرة ، لم تكن الألعاب تعني له شيئاً !!!، كان الاغتسال بالنسبة له ضرورة ، كأنه يعلم أنه الاغتسال الأخير قبل أن يوضع في كفنه !!!... أمه تفرك شعره الناعم الكثيف بلطافة ، وكان التفكير يذهب بها بعيداً ، لا تدري هي إلى أين ؟!،لكنها تشعر بالتوتر والاضطراب دون سبب واضح ،تشعر بأن قلبها ينبض بسرعة ... الماء ينسكب على جسم محمد الرقيق ،فلم يكن يتحرك ، كان هادئاً ، ساكناً ، عيناه إلى أمه !!!... تناولت المنشفة لتضعها على رأسه ، تحركها بلطافة ، إلى أن جف الماء ، ولا تدري أهو التصق بالمنشفة أم تبخر من حر الشوق إليه!!! ...أخذت المشط لتسرح به شعره ، وقد كان قبل ذلك يمسك به ، لكنه في هذه اللحظة تمشطه وهو ينظر إليها ويحتضنها !!!... أمه خافت من فرط مشاعره ، حتى أن دموعها احتبست ، وتلعثمت أمام انكساره... سبقها إلى غرفة ملابسه ، فتحت الدولاب فاحتارت ، أي رداء تلبسه !..أمسكت ببدلة العيد وقاستها عليه ،ثم أعادتها مرة أخرى ، بقي على العيد ستة أيام فقط !!... الشمس قد ارتفعت قليلاً ، وصار الجو دافئاً ، فلا داعي للملابس الثقيلة الداكنة... تريد أن تذهب به إلى بيت الشعر الصغير بجوار المنزل ، لتتناول الإفطار مع جدته ... في البيت جدته قد أشعلت النار ورائحة السمر فائحة من بعيد ... قررت أن تلبسه بجامته البيضاء المقلمة بالأزرق ... كان محمد ينطلق إلى بيت جدته ، كلما وجد الفرصة مواتية وفي غفلة من أمه ... أبلغته بالذهاب إلى جدته فانطلق مسرعاً!! ... وحين وصل ، عاد إلى الباب مرة أخرى ينتظر قدوم أمه !!!... وصلت فاستقبلها بابتسامة عريضة صامتة ... حتى في البيت كان شديد الالتصاق بها !!! ... حينها شعرت بالخوف والقلق من سلوكه ، تخشى أن يكون مريضاً أو خائفاً ، فلا يقوى التعبير ... كان يحاول مداعبة أمه والتحرش بها ، ليشد النظر إليه ... تحاول أن تتكلم معه ، يتمتم بكلمات غير مفهومة مكسرة ، يحاول التعبير عن مشاعره بلغته الخاصة ... تقول أمه وهي تبكي : كان يقبلني بقوة ويضمني إليه !! ... يقول بين الفينة والأخرى : أبوك ،أبوك ،أبوك !!!... فترد عليه : مابه جدك ...يكرر : أبوك ، أبوك !!!!... الوقت يمر سريعاً هذا اليوم ! ، وأحداث الطفل على غرابتها متسارعه ... اقتربت الساعة من 12:30 مساءً . بقي على خروج الأولاد من المدرسة وقت قصير ، تكفل الجد هذا اليوم بإحضارهم من المدرسة ... في اللحظة التي كانت الأم تتحدث مع والدتها ، سمع صوت سيارة الجد وقد حضر ... قالت الجدة : جاء الأولاد من المدرسة ...سمع الطفل الكلام فانطلق مسرعاً لاستقبال أخواله الصغار!!! دخل الأطفال البيت وتركوا محمداً !!!... خرجت أمه بسرعة ، فكانت الصدمة ، وأي صدمة ، ياالله كم هو الألم حين يموت الطفل ببطء أمام أمه ، لقد كانت الأم ذلك اليوم شاهدةً ومتابعةً فصول سحق الطفل تحت عجلات سيارة جده لحظة بلحظة ، أطلقت شهقةً قوية ،وهي ترى كفر السيارة الخلفي يحطم رأس طفلها الطري ... شعر الجد بعجلات سيارته ترتفع ،فأحس بأن له مع القدر لقاء! ...ترجل من سيارته ، ليجد ابنته تحمل طفلها ، وقد تهشم رأسه ... الطفل في يدي أمه بعينين نازفتين وأنف يقطر ورأس مهشم ، تحول لون بيجامته إلى أحمر يطليه السواد الذي طُبع من الكفر ... التقطه الجد بسرعة وانطلق به إلى المشفى ، ليلفظ أنفاسه في الطريق ... الأم تتحسس المكان ، وتتمسح بدم فلذة كبدها ... تنوح بلا شعور ، تتذكره لحظة بلحظه ، تحلم بقبلة منه أو ضمة ... تيقنت أنه مات ولن يكون له معها لقاء ... شعور لا يوصف ، ومنظر يبكي الحزن عليه ... تُمني النفس أنه حلم مزعج ، فلا يمكن أن تنام إلا وهو في حضنها تضمه وتقبله ... فجأة دخل الجد وقد اسود وجهه، وتغيرت ملامحه ، لا يود مقابلة ابنته ، فهو يعرف قيمة محمد عندها !!! ... أمر أولاده الكبار ووالد الطفل لتجهيز دفنه ... وماهي إلا سويعات حتى غربت الشمس و غرب معها محمد ،احتضنه القبر الليلة وقد كان بالأمس في حضن أمه !!!...
اللهم ارحم محمداً واجعله شفيعاً وستراً لأمه وأبيه من النار، اللهم صبر أم محمد وأجرها في مصيبتها ، واخلفها خيراً منه ...

ماما ميم @mama_mym
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

أم الرخى والين
•
لقد أبكني الخبر وفقد محمد الله يرحمه ويجعل مثواة الجنه الله يكون في عون والديه

لا حول ولا قوة الا بالله
مهما كانت قساوة القلب فالعين تدمع لهذه القصة
اللهم اجبر مصابها
واجعله شفيعا لها يااااااارب
مهما كانت قساوة القلب فالعين تدمع لهذه القصة
اللهم اجبر مصابها
واجعله شفيعا لها يااااااارب


**قمرا**
•
اللهم ارحم محمداً واجعله شفيعاً وستراً لأمه وأبيه من النار، اللهم صبر أم محمد وأجرها في مصيبتها ، واخلفها خيراً منه ...

الصفحة الأخيرة