وداعاً يا ولدي .. قصة اعجبتني

الأدب النبطي والفصيح

وداعـــاً .. يا ولدي:(

مضى الليل كأطول ما يكون .. إنه ليل أبٍ لا يعرف للنوم مذاق .. وأمٍ ذبح قلبها الحزن على وليدها الذي لم يتخطى عمره السابعة وهو يرقد على الفراش الأبيض بين الحياة والموت ..
الكل هنا في هذه البقعة من مستشفى الأمير سلمان لجراحة القلب بالرياض ينتظرون خروج الطبيب من غرفة العمليات لعل كلماته تريح أنفسهم القلقة .. وقلوبهم الحزينة .. " ترى هل سيخفق قلبه كباقي الأطفال ؟ وتعود إليه الحياة كما في السابق دون عناءٍ ومرض ..؟ "
كان الأب يحدّث نفسه وهو يضع وجهه بين راحة يديه .. يتضرع إلى الخالق ويطلب منه النجاة لولده " نواف " ..
اقتربت الأم من زوجها والدموع تفترش خديها .. كان اليأس قد أخذ منها مأخذاً ليس بقليل .. ووضعت رأسها على كتفه وهي تسأله بصوتٍ قد أخفاه النحيب والبكاء :
- هل سيعيش ..؟ هل سأراه ثانيةً أم أنه .. .. .. ؟
ولم تتمالك نفسها من البكاء .. وضلت تبكي حتى خرج الطبيب بعد طول انتظار .. وهرع إليه الجميع لينشده جواب خير .. وفيضٌ من الأسئلة تنهال عليه مما جعله يصرخ بشيٍ من العصبية والتوتر قائلاً :
- أرجوكم .. أرجوكم اهدؤوا .. لمَ القلق والخوف ..؟ لقد قمت بواجبي كطبيب وانتهت العملية بنجاحٍ ولله الحمد
تقدم والد الطفل " نواف " ليسأله بهدوء وقال :
- وهل حالته مطمئنةً يا دكتور ؟؟
- نعم .. أؤكد لك أن ابنك بخير .. وتبقى إرادة الله فوق كل شيء .. ونحن ننتظر النتيجة بعد مرور 24 ساعة وما عليكم سوى الدعاء له بالشفاء وتحمل الألم ..
اقتربت الأم من الطبيب وقالت له بلهفة :
- أرجوك يا دكتور .. أريد أن أراه .. ولو من بعيد .. أرجوك ..
كان " نواف " طفلٌ كله حيوية ونشاط .. وقد داهمه المرض فجأةً في أول سنةٍ دراسية له .. وأحرمه هذا المرض الذي كان يشكو منه في قلبه أن يمارس طفولته كباقي الأطفال .. فاللعب والجري ممنوع .. والأكل محدود .. والنوم محدود .. حتى أصبح يشعر بالحصار بسبب مراقبة والديه له وخوفهما عليه ..
كانت حالته تزداد سوءاً يوماً بعد يوم .. حتى وقع ذات يوم وهو يلعب ويلهو مع أصدقاءه في حديقة البيت .. ونقل بعدها إلى المستشفى .. وهو في حالةٍ سيئة ..
كان والد " نواف " يقف أمام نافذة تطل على مدخل المستشفى المحيطة بالأشجار الكثيفة ينظر إلى ضوء الصباح .. وإلى الشمس وهي تستقر في كبد السماء ..
كان صباحاً بارداً لا حياة فيه .. جعله يشعر برغبةٍ ملحة في البكاء ..
كان منظر " نواف " وهو يرقد في غرفة العناية المشددة والأجهزة تحيط به من كل جانب يزيد القلب أساً ولوعة .. فكيف بقلب الأم الذي لا يهداً ولا يكف عن البكاء حين ترى فلذة كبدها طريح المرض .. وأمله في الحياة مهدد وغير مستقر ..
اقتربت منه لتمسك بيده الباردة .. وانحنت لتقبلها وهي تبادل زوجها نظرة خوفٍ وقلق على حالة ابنهما " نواف " .. ومضى يومين والطفل لم يفتح عيناه ولم تتحسن حالته حتى فجر اليوم الثالث ..؟؟
حضرا والديه لرؤيته صباحاً بعد اتصال من الطبيب الذي أخبرهما بأن " نواف " قد استعاد وعيه وأصبح بإمكانهما رؤيته والتحدث معه .. وبالفعل حضرا والسعادة تسبق خطواتهما إليه ..
كان الطبيب يقف أمام غرفة " نواف " ينتظر قدومهما ولكن لا ليسمح لهما بالدخول بل .. ليخبرهما أن حضورهما كان متأخراً .. وما هو إلا للوداع .. للوداع فقط ..‌‍‍
وعند دخول الأب إلى غرفة ولده وجد الطبيب واقفاً في وجهه وأمسكه بيده ليمنعه من الدخول والأم تراقب حركات الطبيب التي لم يطمئن لها قلبها .. وقال الأب متعجباً :
- ما بك يا دكتور ؟ لماذا تمنعني من الدخول إلى ولدي ..؟
قال الطبيب بصوتٍ هادئ :
- أرجوك أن تتحمل ما سأقوله لك فأنت رجلٌ مؤمن ولا يغيب عنك أن إرادة الله فوق كل شيء وليس أمامنا سوى الصبر والشكر على المصاب .. ..
وما أن سمعت الأم بهذا الكلام الذي ينذرها بأن ولدها قد أصباه مكروه حتى دفعت بالطبيب ليبتعد عن الباب وتفتح الباب لترى وليدها قد أزيلت عنه تلك الأجهزة البغيظة .. ووجهه يغطيه اللحاف الأبيض .. واهتز قلبها وجف ريقها حتى أنها لم تعد تقدر على السؤال ..
وجاء الأب بعد أن علم بموت أبنه ليمسك بزوجته ويحاول تهدئتها ولكن الموقف كان أكبر من أن يحتمل .. وانكبت الأم على صدر ولدها " نواف " وهي تصرخ وتبكي .. وحملته بين يديها لتضمه إلى حضنها المتأجج بنار لا يطفئها دموع ولا يخففها آهات .. وامتلأت أرجاء الغرفة بالبكاء وبأصواتٍ مختنقة وموجوعة .. حتى الطبيب كان يشاركهما الدموع .. أما الأب فقد أسند رأسه على الجدار ودموعه تنساب كالنهر على خديه .. وأغمض عينيه ليتذكر صورة ولده " نواف " وطفولته التي لم يطول مشوارها .. وتذكر صوته حين قال له :
- لماذا أصبت بهذا المرض يا أبي ...؟ وهل سأموت ..؟
رد عليه الأب بحرقة وألم وقال :
- لماذا تقول هذا الكلام يا حبيبي ..؟ أنت ستعيش بإذن الله .. ستعيش ..
- ولكنني سمعت أمي تقول لجدتي ان حياتي مهددة بالموت وقد لا أعيش ..
وأصبحت الصور تتالي حتى أن قدماه لم تعد تقوى على حمله .. وجلس منكباً على الأرض وراح في بكاءٍ شديد .. وهو يردد " إنا لله وإنا إليه راجعون " ..
وخرجت الأم وهي تجر قدماها جراً مودعة وليدها الحبيب الذي مات قبل أن تراه وتملأ عينيها بصورته الجميلة .. ولحقها زوجها ليمسك بكتفها ويقول بصوتٍ منخفض :
- وداعاً يا ولدي .. وداعاً .. وداعاً ..
وسارا بعيداً .. وكلهما أمل بأن يعوضهما الله في مصابهما .. ويخلف عليهما بأحسن منه .. إنه قادرٌ على كل شيء ..
** ** ** ** ** **
للكاتبة السعودية
غيداء الجنوب
4
789

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

**مرفأ**
**مرفأ**
موقف صعب

وتصوير دقيق ومميز

نسأل الله ان لا يفجعنا بأحبابنا


نقل رائع

جزاك الله خيراً
*بحـ الصمت ـوور*
وخرجت الأم وهي تجر قدماها جراً مودعة وليدها الحبيب الذي مات قبل أن تراه وتملأ عينيها بصورته الجميلة .. ولحقها زوجها ليمسك بكتفها ويقول بصوتٍ منخفض :
- وداعاً يا ولدي .. وداعاً .. وداعاً ..
.................

مشكورة اختي زهــرة

فعلا قصه مؤثره

ومشكووووووووورة

على النقل المتميز

تقبلي مرور
اختك
المتواضع
زهرة بني مالك
زهرة بني مالك
لا يمكنك مشاهدة هذا التعليق لانتهاكه شروط الاستخدام.
اشكر حضوركن المتميز ..
وان شاء الله ما أكون عكرت المزاج ..

دائما نلتقي مع الكلمة الجميلة والعبارة المعبرة ..

مشكورررررررررررررين

:26: :26: