بسم الله الرحمن الرحيم
سألتني بارك الله فيكم عن وسائل تقوية الحفظ ، وعلاج النسيان ، فأقول :
لا شك أن قوة الحفظ وضعفه ، وعارض النسيان ، من الأوصاف البشرية التي جبل الله الخلق عليها ، وكل يتفاوت بحسب ما قسم الله له من هبات ، فهما ملكتان تتنامى في الإنسان ، ومن الناس من تلين معه ، ومنهم من تعصي عليه فلا ينال منها إلاّ القليل ، ولذلك فإن من كبير عفو الله تعالى أن رفع عن عباده ما حصل منهم من ترك واجب أو فعل محذورٍ على وجه النسيان لأنه ليس تحت قدرة ابن آدم ، قال تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) الآية (البقرة:286) ، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) وقال : ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها أو استيقظ ) ، ومع هذا كله فبما أن قوة الحفظ والذاكرة من الملكات البشرية فإن بمقدور ابن آدم تنميتها بقدر ما يستطيع ، وهكذا سائر عادات ابن آدم ، فالحلم بالتحلم ، والعلم بالتعلم ، والأدب بالتأدب ، وكذا الحفظ وقوة الذاكرة ، وأذكر لك بعض وسائل علاج نسيان العلم بما يلي على إيجاز :
أولاً : مداومة ذكر الله تعالى وتكراره ، والله تعالى يقول ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ)(الكهف: من الآية24) ، ولعل كون ذكر الله تعالى من أعظم المسببات للحفظ من ثلاث جهات :
من حيث صلة بالله تعالى ، ومن زاد وصله بالله نال العون من الله تعالى والقوة ، وكان الشيطان عنه أبعد ، وهو من أعظم من يشاغب على ابن آدم بالنسيان كما صنع مع صاحب موسى عليه السلام فأنساه الحوت قال تعالى : ( قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً) (الكهف:63) ، والشيطان هو الذي أنسى السجين ذكر يوسف عليه السلام لعزيز مصر ، قال تعالى: ( وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) (يوسف:42) ، وينسي أولياء الله ذكر الله الذي هو الصلة بينهم وبين ربهم قال تعالى : ( اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المجادلة:19) ، وبهذا فلا يطرد الشيطان شي أقوى من ذكر الله تعالى .
وكذلك ذكر الله سبب لقوة الحفظ وقلة النسيان من جهة كونه سبب رئيس لطمأنينة النفس ، قال تعالى : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28) ، والنفس المطمئنة متأهلة لرسوخ الحفظ ، وثبات العلم ، أما إذا كانت مشغولة الحال ، مذبذبة الأحوال ، فإن الحفظ عليها ثقيل ، ولهذا فإن عادة الحذاق إذا أرادوا الحفظ يقتنصون أهدأ الأوقات وأبعدها عن الضجيج ، وزحام الناس وأصواتهم ، وأفضل ما يكون ذلك ساعات السحر ، وبعد صلاة الفجر ، وكل وقت أو مكان يسود فيه الهدوء .
تنبيه : جرت عادة بعض العامة إذا نسوا شيئاً أن يكرروا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ! ، ويقولون ( اللهم صلّ على النبي – اللهم صلى على النبي ) ، وهذا خلاف ما تقدم في قوله تعالى : ( واذكر ربك إذا نسيت ) .
أيضاً الذكر يكون به القوة البدنية ، ونشاط القلب وقوته ، وهذا ما يحتاجه طالب العلم ، ومبتغي مداومة الحرص على الحفظ والطلب ، قال تعالى : ( وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) (هود:52) ، فالاستغفار يزيد من القوة ، وقصة علي بن أبي طالب وزوجه فاطمة رضي الله عنهم وطلبها للخادم ووصية الرسول صلى الله عليه وسلم لهم بأن يسبحان الله ثلاثاً وثلاثين ، ويحمدانه ثلاثاً وثلاثين ، ويكبرانه أربعاً وثلاثين وقال بأنه خير لهما من خادم ، وذلك لأن هذا الذكر يزيد من قوتهم .
قال ابن القيم : ( و حضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة صلى الفجر ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار ثم التفت إليّ وقال : هذه غدوتي ، ولو لم أتغدّ الغداء سقطت قوتي أو كلاما قريبا من هذا ) .
وقال : ( وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في سننه وكلامه وإقدامه وكتابة أمراً عجيبا ، فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعة وأكثر ، وقد شاهد العسكر من قوته في الحرب أمراً عظيما ) .
ثانيا : البعد عن المعاصي ، لأنها صدأ القلوب كما جاء في بعض الآثار ، وتدخلها الظلمة والوحشة ، ويروى أن بعض السلف كان يسير مع تلميذ له فكأنه نظر إلى منكر ، فنهره شيخه وقال لتجدن عاقبتها ولو بعد حين ! ، فقال التلميذ : فما مضت الأيام والليالي إلاّ وأنا قد نسيت القران الكريم ! ، وقد قال تعالى : ( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ)(البقرة: 282) ، وقد كان فيما أنشد الشافعي وهو مشهور قوله :
شكوت إلى وكيعٍ سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن الــعـلم نور ونور الله لا يؤتى لعـاصي
قال سهل التستري : ( حرام على قلب يدخله النور وفيه شي مم يكره الله عز وجل ) .
ثالثاً : تدريب العقل ، وتنشيط الذاكرة ، وهو ما يسمى اليوم بالرياضة الذهنية ، بمعنى : أن المرء ينبغي أن يعود نفسه على الحفظ ولا يعتمد دائما على الكتابة والتسجيل اليوم بأجهزة التسجيل ، فهذا مما جعل الناس يوكلون حفظ العلم إلى ذلك وتركوا الحفظ ، ولهذا فإن من كان قبلنا أقوى حفظاً ، ومن في البادية أقوى حفظاً لأنه يعلم أنه إذا لم يحفظ في أقرب وقت وإلا سوف تضيع هذه المعلومة ، ويكون التدريب بحفظ النص القصير في فترة زمنية قصيرة ، ثم يأخذ نصاً مثله ويحاول حفظه في وقت أقصر من سابقه ، كأن يفرض على نفسه حفظ أربعين بيتاً من ألفية السيوطي في ثلاث ساعات ، ومن الغد يحاول حفظ خمسين بيتاً في الوقت نفسه ، ومن بعد غدٍ يحفظ ستين بيتاً في الوقت نفسه فيصبح الأمر عليه كلما يسهل ، وأعرف بعض الإخوان ممن كان يشق عليه حفظ الأربعين النووية ، ومع إصراره وتدرجه في الحفظ : حفظ الأربعين وعمدة الأحكام بل زادت رغبته للحفظ إلى ما هو أطول ، وعندما عرضوا عليه بعض الكتاب المختصرة قال هذا سهل أحفظه في يوم !! ، فانظر كيف آل الأمر بعد أن كان يتعذر عليه حفظ الأربعين النووية !! .
رابعاً : كتابة المحفوظ ولو أكثر من مرة ، وقد جاء في الحديث : ( قيدوا العلم بالكتاب ) وأنشد الشاعر : العلم صيد والكتابة قيده قيد صيودك بالحبال الموثقة فما بلغك من علم فقيده كي لا يضيع وكرر النظر فيه ، بل كرر كتابته عشرات المرات حتى تحفظه ، وقد كان من العلماء من كان يكرر كتابة الكتب حتى يحفظها ومن ذلك :
ما ذكره الذهبي عن ابن الخاضبة الدقاق أنه كتب صحيح مسلم بالأجرة سبع مرات .
وذكر عن ابن مرزوق الهروي أنه كتب سنن الترمذي ستّ مرات .
وذكر عن أبي الفضل المقدسي المعروف بابن القيسراني أنه كتب الصحيحين وسنن أبي داود سبع مرات بالأجرة وسنن ابن ماجة عشر مرات ، وذكر أنه بال الدم في رحلته في طلب الحديث مرتين .
وذكر عن ابن الجوزي أنه كتب بيده ألف مجلد .
ومنهم من كان يكتب الحديث في ورقة صغيره ينظر إليها بين الفينة والأخرى حتى يحفظه ، وما أجمل ما يرى اليوم من بعض طلاب العلم من حمل كتاب الجيب الصغير تسجل فيه الفوائد ، والاشكالات ، حتى تحفظ ، وكلما امتلأ كتاب أبدله بغيره وهكذا .
خامساً : المذاكرة ، وقد ورد في الأثر : ( حياة العلم مذاكرته ) ، وقال بعضهم : ( تذاكروا الحديث فإن بعضه يهيّج بعضا ) ، وما نسي العلم إلاّ بترك مذاكرته ، وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( تذاكروا الحديث لا يتفلت منكم ، إنه ليس بمنزلة القران ، إن القران محفوظ مجموع وإنكم إن لم تذاكروا الحديث تفلت منكم ، ولا يقولن أحدكم حدثت أمس ولا أحدث اليوم بل حدّ أمس وحدث اليوم وحدث غداً ) وقال : ( مذاكرة العلم ساعة خير من إحياء ليلة ) .
قال الخليل النحوي : ( وأصفى ما يكون ذهن الإنسان وقت السحر ) .
قال الخطيب البغدادي : ( أجود أوقات الحفظ الأسحار ثم وسط النهار ثم الغداة ) .
وقال : ( حفظ الليل أنفع من حفظ النهار ) .
وقال : ( وأفضل المذاكرة : مذاكرة الليل ) .
وكان جماعة من السلف يتذاكرون الساعات الطوال ، وجاء أن وكيع إذا جاءت العتمة ينصرف إلى الإمام أحمد بن حنبل فيقف عند الباب أخذ بعضادتيه ، وقال : يا أبا عبدالله أريد أن ألقي عليك حديث سفيان ، قال : هات ، قال : تحفظ عن سفيان عن سلمة بن كهيل كذا ؟ ، قال : نعم ، حدثنا يحي ، فيقول سلمة كذا وكذا ، فيقول : حدثنا عبدالرحمن ، فيقول : وعن سلمة كذا وكذا ، فيقول : أنت حدثتنا حتى يفرغ من سلمة ، ثم يقول أحمد : فتحفظ عن سلمة كذا وكذا ، فيقول وكيع : لا ، ثم يأخذ في حديث شيخٍ شيخ ، قال فلم يزل قائماً حتى جاءت الجارية فقالت : قد طلع الكوكب .
وقال علي بن الحسن بن شقيق قمت مع ابن المبارك ليلة باردة ليخرج من المسجد ، فذاكرني عند الباب بحديث فذاكرته ، فما زال يذاكرني حتى جاء المؤذن وأذن للفجر .
سادسا : التحديث بالمحفوظ ، وقال إبراهيم الحربي : ( إذا أردت أن تحفظ حديثاً فحدث به ) ، وهذا أشمل أوسع من المذاكرة ، فالتحديث به هو أن تذكره في غالب مجالسك ، وإذا جاء مقام يقتضي ذكره فلا تغفل عن التحديث به فهو أنفع لك حفظاُ ، وأنفع للناس علماً .
سابعا : ربط المحفوظ ابتداءً بما سبق حفظه ، وهذه طريقة نبوية نافعة ، كما روى الإمام مسلم من حديث علي رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قل اللهم اهدني وسددني ، واذكر بالهدى هدايتك الطريق والسداد سداد السهم ) . فربط حفظ هذا الدعاء بشي محسوس فلا ينسى ، فربط الهداية بهداية الطريق ، وربط السداد بتسديد السهم .
وذكر بعض العلم في ذلك حديث : ( سيروا هذا جمدان ، سبق المفردون قالوا : وما المفردون يا رسول الله ؟ ، قال : الذاكرون الله كثيرا والذاكرات ) ، فصار الجبل تذكرة لفضيلة الذاكرين لله والذاكرات ، فما ذكر أو مر به مار إلاّ ذكر هذه الفضيلة .
فيربط الحافظ محفوظاته بأشياء محسوسة أو محفوظة من قبل ، ولو بظاهر الألفاظ !! ، ومثال ذلك : إذا أردت أن تحفظ رقم هاتف أو وفاة عالم أو رقم معاملة ما !! ، فاربط الرقم برابط فيه لا ينسى أكثر اختصاراً مثل رقم ( 2003400 ) لكي تحفظه تقول ( مائتين) و ( ضعفها ) بينها ( ثلاثة ) ، وهذا أسهل من حفظه طويلاً .
أو تربط الرقم برقم تحفظه من قبل فتقول ( 400 ) رقم سيارتي ! ، ( 2003 ) السنة الميلادية ، أو آخر رقم هاتفي ، أو رقم حقيبتي السرّي .
هذا في الأمور العادية ، وفي تاريخ الوفيات تربط بين المحفوظات ، وتقول : مات أبو حنيفة وعبدالملك ابن جريج في السنة التي ولد فيها الشافعي ، عام ( 150هـ ) .
ومات الإمام الشافعي وأبو داود الطيالسي وأشهب صاحب مالك ، والحسن اللولؤي صاحب أبي حنيفة : في سنة واحدة عام ( 204 هـ ) .
ومثله ما اشتهر قولنا : ( أسلم أبو هريرة رضي الله عنه عام خيبر سنة سبع ) .
وهكذا تربط أكثر من محفوظ برابط واحد .
ويحصل أحياناً باختصار الجمل في جملة أو بيت شعر كـ حروف الإظهار مجموعة في أوائل قولك : ( أخي هاك علماً حازه غير خاسر ) ، وحروف المضارعة مجموعة في كلمة ( نأيت ) إذا جاءت في أول الفعل ، قال الحريري :
وسمطها الحاوي لها ( نأيت ) فاسمع وعِ القول كما وعيت
ثامناً : أكل ما يعين على قوة الحفظ . وكل ما استهوته النفس فهو مقوٍ للحفظ ، كما أن كل ما تعافه النفس وتكرهه ، ويعكر أمزجتها فهو مما يورث النسيان ، وهناك بعض الأطعمة التي تنشط الحافظة كـ : أكل الزبيب ، وأكل اللبان ، وشم الطيب ، والحجامة ، شرب زمزم .
كما أن هناك ما قالوا أنه يورث النسيان : كأكل الباذنجان .
وكتب الطب قد ذكرت الكثير من هذا .
تاسعاً : تنظيم الوقت ، وحياته المعيشية ، وذلك لأن تذبذب الحال ، وسوء الأحوال ، يورث العقل الشتات ، فيتردى الحفظ ، وتضطرب الذاكرة ، فيسهل بذلك النسيان ، فيفرد من وقته ساعات للنظر والقراءة ، وساعات للبحث والجمع ، وساعات لأهله ، وساعات لعبادته ، وساعات ، لقراءة القران وحفظه ، وساعات لحفظ الحديث ، وساعات لحفظ المتون ، وساعات لمراجعة المحفوظات ، وهكذا ، ويلتزم بهذا التوقيت ( فأحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قلّ ) .
عاشراً : معرفة سير الحفاظ كي تتقد الهمة بهم ، فإن الناظر إلى سير السالفين في الطلب ، والرحلة ، والحفظ ، والتأليف ، وقوة الذاكرة ، وكثرة الكتابة ، والحرص على العلم ، والسهر والجوع والفقر والمرض في سبيل تعلمه ، سوف تتقد همته بلهيب حماسهم المشرّف ، فلربما حظي منهم بجذوة همةٍ يصير بها على من في عصره إماماً ، فمن علم أن الإمام أحمد يحفظ ألفي ألف حديث ألا يرى بأن ألف حديث ليست بشي أمام ذلك ، فليحفظ إذن ! ، إذا علمت أن هناك من قرأ صحيح البخاري في ثلاثة أيام ، لعل همتك تتقد فتقرأ في خمسة أيام ! ، وما فعله غيرك فهو لك ! ، ومن سار على الدرب وصل ، ومن قرأ في سيرهم سوف يرى العجب العجاب ، وأخص بالذكر كتاب للحافظ الذهبي ، لا بدّ لطالب العلم المبتدئ أن يقرأه ويتأمل فيه ، فقد ذكر من سير أئمة الشي العجيب الذي تنثني من دونه الأعناق ، وأنقل لك مما ذكر عبارات لعلها توضح بعض ما في هذا الكتاب :
فقد ذكر عن ابن عقدة أحمد بن محمد الكوفي أنه قال عن نفسه : أحفظ مائة ألف حديث بأسانيدها .
كما ذكر عن أبي الحسن القطان علي بن إبراهيم أنه كان يحفظ مائة ألف حديث .
وذكر أن الختلي عبدالرحمن بن أحمد كان يملي خمسين ألف حديث من حفظه .
وذكر عن أبي عمر الزاهد الشهير بغلام ثعلب أنه أملى ثلاثين ألف حديث من حفظه .
وذكر عن العسال محمد بن أحمد أنه أملى أربعين ألف حديث من حفظه .
وذكر عن خالد بن سعد القرطبي أنه حفظ عشرين حديثاً من مرة واحدة .
وذكر عن ابن الجعابي أن غلامه لما أخبره بأن كتبه قد ضاعت قال له : لا تغتم فإن فيها مائتي ألف حديث لا يشكل عليّ حديث منها لا إسناده ولا متنه .
وذكر عن الشعبي أنه ما كتب قط ، ونسي من العلم ما لو حفظه غيره لصار عالما ، ولا حدث أحد عنده بحديث إلا حفظه ولم يطلب إعادته ، وقال : ( لو شئت لأنشدتكم شهرا ولا أعيد ) .
وذكر عن الزهري أنه كان يكتب كل ما سمع ، وما دخل قلبه علم فنسيه .
وكذلك ذكر عن قتادة .
وكذلك الثوري سفيان بن سعيد .
وذكر عن يحي بن يمان الكوفي أنه كان يحفظ في المجلس الواحد خمس مائة حديث .
وذكر عن يزيد بن هارون أنه قال : حفظت حديث الفتون في جلسة وأحفظ عشرين ألفا فمن شاء فليدخل فيها حرفا ، – و حديث الفتون طويل في قصة موسى عليه السلام – وذكر أنه قال : أحفظ أربعة وعشرين ألف حديث بالإسناد ولا فخر .
وذكر أن حفص بن غياث أملى ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف حديث من حفظه .
وذكر أنه يروى أن هشام الكلبي حفظ القران في ثلاثة أيام .
وذكر عن الإمام أحمد أنه يحفظ ألف ألف حديث ، أي مليون وقيل يحفظ ألفي ألف : أي مليونين !
وذكر أن سعيد بن منصور أملى عشرة آلاف حديث من حفظه .
وذكر عن محمد بن المظفر البغدادي أنه كان يحفظ عن شيخه الباغندي فقط مائة ألف حديث.
وذكر عن اليونارتي الحسن بن محمد الأصبهاني أنه كان يقرأ من سورة ، ويكتب سورة أخرى في آن واحد .
وذكر عن أبي الخير عبدالرحيم بن محمد الأصبهاني أنه كان يحفظ الصحيحين .
وذكر أن ابن الجوزي كتب بأصبعه ألف مجلد .
وذكر عن أبي عمرو بن الصلاح أنه حفظ المهذب في الفقه ولم يظهر شاربه .
وذكر في ترجمة اليونيني تقي الدين محمد بن أبي الحسين البلعلبكي أنه كان يحفظ الجمع بين الصحيحين للحميدي ، وحفظ صحيح مسلم في أربعة أشهر ، وكان يكرر أكثر مسند أحمد من حفظه ، وكان يحفظ في الجلسة الواحدة ما يزيد عن سبعين حديثاً ، وحفظ سورة الأنعام في يوم واحد ، وحفظ ثلاث مقامات من الحريرية في بعض يوم .
وذكر عن النووي رحمه الله أنه حفظ كتاب ( التنبيه ) في أربعة أشهر ونصف ، وفي بقية السنة قرأ المهذب من حفظه على شيخه الكمال اسحاق بن أحمد .
وغير هذا كثير .
المقصود أن طالب العلم ينبغي عليه أن يحرص أشد الحرص ، ويعطي العلم كل وقته ، وأعمال البرّ من بر الوالدين وصلة الأرحام وأداء العبادات تبارك في الوقت ولا تشغل عن طلب العلم ، كما أنصح بن يقرأ ما صنّف في أصول الطلب ، ككتاب ( الفقيه والمتفقه ) و ( الرحلة في طلب الحديث ) للخطيب البغدادي ، و ( الجامع في آداب الراوي والسماع ) له أيضاً ، وكتاب ( جامع بيان العلم وفضله ) لابن عبدالبر ، وكتاب ( تذكرة السامع والمتكلم ) لابن جماعة ، وما كتبه المعاصرون وهي كثير ككتاب ( حلية طالب العلم ) للشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد ، وكتاب ( صفحات من صبر العلماء ) و ( قيمة الزمن ) وكلاهما لعبدالفتاح أبو غدة على تحذر مما فيها من أخطاء ، والموضوع ثري بالفوائد والفرائد انتقيت منها ما يكفي للتوضيح ، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
وكتب أخوكم
بدر بن علي العتيبي
19 جمادى الآخرة 1424هـ
..................................................................................
منقول من الملتقى العلمي
بصمة مشرقة @bsm_mshrk
كبيرة محررات
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
ماشاء الله منقول موفق ،،
في الحقيقة تلك الكلمات تستحق أن تكتب بماء الذهب ..
وفقك الله وأنار دربك ..
في الحقيقة تلك الكلمات تستحق أن تكتب بماء الذهب ..
وفقك الله وأنار دربك ..
الصفحة الأخيرة
قال الزّثهْريُّ : عليك بالعسل فإنه جيد للحفظ و العسل شفاء للناس بنص القرآن ، قال تعالى : (( يَخْرُجُ مِن بُطُونِها شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِّلنَّاسِ )) النحل / 69 و لا بأس أن تستعمِل العسل بدل السكر في المشروبات الباردة أو الساخنة كالشاي و غيره فإنك إن تعوَّدتَّ عليه وجدتّه لذيذاً وينصح بعضهم بوصفة مجربة للحفظ : اغل بدل الشاي نعناع ، و قطر عليه قطرات من زيت الحبة السوداء ، و أضف ملعقة كبيرة من العسل الحقيقي و اشربه في الصباح ، و تمتع طول يومك بذاكرة صافية ، و نشاط في الجسم و عدم ارتفاع السكر لديك
و قال احد العلماء : مَن أحب أن يحفظ الحديث فليأكل الزبيب و كان شيخنا الشيخ : نايف بن العباس ـ رحمه الله تعالى ـ
يأكل كل يوم في الصباح إحدى و عشرين زبيبة نظيفة ، و كان آية في الحفظ ، و كان يُرْشِدُنا إلى ذلك و كان الوالد ـ رحمه الله تعالى ـ يقول لي : أكل الزبيب على الرّيق يقوّي الذاكرة ، و خاصة الأشقر منه
و جاء رجل إلى علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ ، فشكا إليه النِّسْيَانَ ، فقال : عليك بألْبان القر ، فإنه يُشَجِّعُ القلب ، و يُذهِبُ النِّسْيَانَ و قال أيضا : عليكم بالرمان فإنه نُضُوجُ المَعِدَةِ
و من الأدوية النافعة جداً : شرب ماء زمزم بنية الحفظ فقد قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( ماءُ زمزمٍ لِما شُرِبَ لَهُ ) وقد شَرِبَ من ماء زمزم كثيرٌ من السلف الصالح على نِيَّاتٍ متفاوته فاستجاب الله تعالى لهم :
أ - فقد قيل إن الحافظ ابن حجر العسقلاني شرب من ماء زمزم على نية أن يجعله الله في علم الحديث مثل الإمام الذهبي
ب - وجاء من بعده السيوطي فشرب من ماء زمزم على نية أن يصل في الفقه إلى رتبة سراج الدين البُلْقِينيّ و في الحديث إلى الحافظ ابن حجر العسقلاني
جـ - و قال الحافظ السَّخاويُّ في ترجمة ابن الجزري : كان أبوه تاجرا و مكث أربعين سنة لم يرزق وَلَداً ، فحجَّ و شَرِبَ ماءَ زمزم بنية أن يرزقه الله و لداً عالما ، فوُلِدَ له محمد الجزري بعد صلات التراويح ، و لبن الجزري هو من هو في الحفظ و العلم و على الأخص علم القراءات
فإذا كنت ـ يا أخي ـ تعاني من الحفظ و صعوبته فجرب هذا الدواء النبوي بنية خالصة ، فقد جربه كثيرون ، و حقَّق الله لهم ما طلبوا
و من الأطعمة المفيدة : السمك الطازج ، فقد حدثني د. حيان شمسي باشا : أن في السمك فيتامينات تقوي الدماغ ، و أنه رأى بحثاً علمياً في ذلك
و في العموم فإن كثرة الطعام و التخمة تؤدي إلى ضعف في الذاكرة و استرخاء في التفكير ، مما لا يتفق مع من يريد أن يكون نشِط الذاكرة ، قويَّ الحفظ ، و قديما سمعنا المشايخ يقولون : " البِطْنةُ تُذْهِبُ الفِطْنةَ "
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بَطْنٍ ، حَسْبُ ابن آدم أكلات يُقِمْنَ صُلْبَه ، فإن كان لا محالة فثلثاً طعاماً ، و ثلثا شرابا ، و ثلثا لنفسه )
فامتلاء المعدة يحول بينك و بين الحِفْظ الجَيِّد
قال الخطيب البغدادي : أوقات الجوع أحمدُ للحفظ من أوقات الشبع ، و ينبغي للمتحفظ أن يتفقَّد من نفسه حال الجوع ، فإن بعض الناس إذا أصابه الجوع و التِهابُه لم يحفظ ، فلْيُطفِئ ذلك عن نفسه بالشيء الخفيف كمص الرمان و ما أشبه ذلك ، و لا يُكثر الأكل قال ابن جَماعة : " كثرة الأكل جالبة لكثرة الشرب ، و كثرة الشرب جالبة للنوم ، و البلادة ، و قصور الذهن ، و فتور الحواس ، و كسل الجسم ، هذا مع ما فيه من الكراهة الشرعية "
من كتاب : كيف تحفظ القرآن الكريم / د. يحيى بن عبدالرزاق الغوثاني
........................
منقول