وضاع عفافي

الملتقى العام

يأتي الشاب فيغوي الفتاة فإذا اشتركا في الإثم ذهب هو خفيفاً نظيفاً وحملت هي ثمرة الإثم في حشاها ثم يتوب هو فينسى المجتمع حوبته ويقبل توبته وتتوب هي فلا يقبل لها المجتمع توبة أبداً وإذا أراد هذا الشاب الزواج أعرض عن تلك الفتاة التي أفسدها مترفعاً عنها ومدعياً أنه لايتزوج البنات الفاسدات ولسان حاله يقول : أميطوا الأذى عن الطريق فإنه من شُعب الإيمان
أين ما أخذه على نفسه من وعود ؟ أين ما قطعه من عهود ؟ كتبت إحداهن وكانت سليلة مجد ومن بيت عز تستعطف الذئب بعد أن سلبها عذريتها فقالت : لو كان بي أن أكتب إليك لأجدد عهداً دارساً أو وداً قديماً ما كتبت سطراً ولا خططت حرفاً لأني لا أعتقد أن عهداً مثل عهدك الغادر ووداً مثل ودك الكاذب يستحق أن أحفل به فأذكره أو آسف عليه فأطلب تجديده إنك عرفت حين تركتني أن بين جنبي ناراً تضطرم وجنيناً يضطرب تلك للأسف على الماضي وذاك للخوف من المستقبل فلم تُبل بذلك وفررت مني حتى لا تُحمل نفسك مؤونة النظر إلى شقاءٍ أنت صاحبه ولا تكلف يدك مسح دموع أنت مُرسلها فهل أستطيع بعد ذلك أن أتصور أنك رجل شريف ! لا بل لا أستطيع أن أتصور أنك إنسان لأنك ما تركت خلة من الخلال المتفرقة في نفوس العجماوات والوحوش الضارية إلا جمعتها في نفسك وظهرت بها جميعها في مظهر واحد كذبت عليّ في دعواك أنك تحبني وما كنت تحب إلا نفسك وكل ما في الأمر أنك رأيتني السبيل إلى إرضاء نفسكُ فممرتَ بي في طريقك إليها ولولا ذلك ما طرقت لي باباً ولا رأيت لي وجهاً خنتني إذا عاهدتني على الزواج فأخلفتَ وعدك ذهاباً بنفسك أن تتزوج امرأة مجرمة ساقطة وما هذه الجريمة ولا تلك السقطة إلا صورة نفسك وصَنْعة يدك ولولاك ما كنتَ مجرمة ولا ساقطة فقد دفعتك ـ جَهْدي ـ حتى عَيِيتُ بأمرك فسقطت بين يديك سقوط الطفل الصغير بين يدي الجبار الكبير سرقتَ عفتي فأصبحتُ ذليلة النفس حزينة القلب أستثقل الحياة وأستبطئ الأجل وأي لذة في العيش لامرأة لا تستطيع أن تكون زوجة لرجل ولا أماً لولد ! بل لا تستطيع أن تعيش في مجتمع من هذه المجتمعات البشرية إلا وهي خافضة رأسها ترتعد أوصالها وتذوب أحشاؤها خوفاً من تَهَكُم المتهكمين ، سلبتني راحتي لأني أصبحت مضطرة بعد تلك الحادثة إلى الفرار من ذلك القصر ... وتلك النعمة الواسعة وذلك العيش الراغد إلى منزل لا يعرفني فيه أحد ... قتلت أبي وأمي فقد علمت أنهما ماتا وما أحسب موتهما إلا حزناً لفقدي ويأساً من لقائي قتلتني لأن ذلك العيش المر الذي شربته من كأسك وذلك الهم الذي عالجته بسببك قد بلغا مبلغهما من جسمي ونفسي فأصبحت في فراش الموت كالزبالة المحترقة ... فأنت كاذب خادع ولص قاتل ولا أحسب أن الله تاركك بدون أن يأخذ لي بحقي منك ......
ذئب آخر
كان من شباب الخلاعة وللهو عَلِمَ أن المنزل الذي يجاور منزله يشتمل على فتاة حسناء من ذوات الثراء والنعمة والرفاهية والرغد فَرَنا إليها النظرة الأولى فتعلقها فكررها أخرى فبلغت منه فتراسلا ثم تزاورا ثم افترقا وقد خُتِمت روايتهما بما تختم به كل رواية غرامية يمثلها أبناء آدم وحواء على مسرح هذا الوجود عادت الفتاة تحمل بين جانحتيها همّاً يضطرم في فؤادها وجنيناً يضطرب في أحشائها ولقد يكون لها إلى كتمان الأول سبيل أما الثاني فَسِرُّ مذاع وحديث مُشَاع إن اتسعت له الصدور فلا تتسع له البطون وإن ضن به اليوم فلا يضن به الغد ... فلما أسهر الهم ليلها وأقضَّ مضجعها لم تر لها بداً من الفرار بنفسها والنجاة بحياتها فعمدت إلى ليلة من الليالي الداجية فلبستها وتلفعت بردائها ثم رمت بنفسها في بحرها الأسود فما زالت أمواجها تتلقفها وتترامى بها حتى قذفت بها إلى شاطئ الفجر فإذا هي في غرفة مهجورة في إحدى المنازل البالية في بعض الأحياء الخاملة وإذا هي وحيدة في غرفتها لا مؤنس لها إلا ذلك الهم المضطرم
وتدور عجلة الزمان دورتها تلك العجلة التي لا حيلة لنا في إيقافها فماذا كان ؟ يغفر المجتمع لهذا الذئب ويقبل توبته وينسى زلته ويُعين قاضياً وتضع المسكينة طفلتها في تلكم الغرفة المتهالكة باعت جميع ما تملك يُها وما يحمل بدنها وما تشتمل عليها غرفتها من حلي وثياب وأثاث حتى إذا طار غراب الليل عن مجثمه أسدلت برقعها على وجهها ائتزرت بمئزرها وأنشأت تطوف شوارع المدينة وتقطع طرقها لا تبغي مقصداً ولا ترى غاية سوى الفرار بنفسها من همها وهمها لا يزال يسايرها ويترسم مواقع أقدامها ... وفي إحدى الليالي سيق إليها رجلُ كان ينقم عليها شأناً من شؤون شهوته ولذاته فزعم أنها سرقت كيس دراهمه ... ورفع أمرها إلى القضاء ... وجاء يوم الفصل ... فسيقت إلى المحكمة وفي يدها فتاتها وقد بلغت السابعة من عمرها فأخذ القاضي ينظر في القضايا ويحكم فيها ... حتى أتى دور الفتاة فما وقع بصره عليها حتى شدهت عن نفسها وألمَّ بها من الاضطراب والحيرة ما كاد يُذْهب برشدها ذلك أنها عرفته وعرفت أنه ذلك الفتى الذي كان سبب شقائها وعلة بلائها فنظرت إليه نظرة شَزْراء ثم صرخت صرخة دوى بها المكان دوياً وقالت فعجب القاضي والحاضرون لهذا المنظر الغريب ... وهمَّ أن يدعو الشرطي لإخراجها فحسرت قناعها عن وجهها فنظر إليها نظرة أَلمَّ فيها بكل شيء ... وعادت الفتاة إلى إتمام حديثها فقالت [ أنا سارقة المال وأنت سارق العِرض والعرض أثمن من المال فأنت أكبر مني جناية وأعظم جرماً وإنَّ الرجل الذي سرقتُ ماله ليستطيع أن يعزي نفسه باسترداده أو الاعتياض عنه أما الفتاة التي سرقتَ عرضَها فلا عزاء لها لأن العرض الذاهب لا يعود لولاك لما سرقتُ ولا وصلت إلى ما إليه وصلت فاترك كرسيك لغيرك وقف بجانبي ليحاكمنا القضاء العادل على جريمة واحدة أنت دبرها وأنا المسخرة فيها ... رأيتك حين دخلت هذا المكان وسمعت الحاجب يصرخ لمقدمك ويستنهض الصفوف للقيام لك ورأيت نفسي حين دخلت والعيون تتخطاني والقلوب تقتحمني فقلت ياللعجب كم تكذب العناوين وكم تخدع الألقاب ... أتيت بي إلى هنا لتحكم عليَّ بالسجن كأن لم يكفك ما أسلفتَ إليَّ من الشقاء حتى أردت أن تجيء بلا حقٍِ لذلك السابق ... ألم تك إنساناً فترثى لشقائي وبلائي ؟ إن لم تكن عندي وسيلة أمُتَُ بها إليك فوسيلتي إليك ابنتك هذه فهي الصلة الباقية بيني وبينك
وهنا رفع الذئب ـ عفواً ـ رفع القاضي رأسه ونظر إلى ابنته الصغيرة وأعلن أن المرأة قد طاف بها طائف من الجنون وأن لا بد من إحالتها على الطبيب فصدَّق الناس قوله ثم قام من مجلسه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من كتاب الذئاب لا تعرف الوفاء
هذة المقالة أعجبتني وجدتها في أحد المنتديات وأحببت أن تستفيد منها أخواتي هنا
1
739

هذا الموضوع مغلق.

ذكـرى
ذكـرى
تسلمين عزيزتي ام حنين على هذه القصه

وللعلم هذه القصه موجوده في شريط ( <FONT color="#FF0141">عندما ينتحر العفاف </FONT> ) للشيخ سعيد بن مسفر

فهذا الشريط جداَ رائع انصح الأخوات بسماعه