الحمد لله وكفى، وسلامٌ على عباده الذي اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد:
فإن الله أنزل هذا القرآن؛ لتدبُّره والعمل به؛ قال سبحانه: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلْبَابِ}
ومن السور التي تتكرَّرُ على أسماعنا، وتحتاج منا إلى وقفة تأمل وتدبُّر: سورة الإخلاص، قال تعالى:
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ(4)
قال قتادة والضحاك ومقاتل: جاء ناس من اليهود إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: صف لنا ربك، فإن الله أنـزل نعته في التوراة، فأخبرنا من أيّ شيء هو؟ ومن أي جنس هو؟ من ذهب هو أم نحاس أم فضة؟ وهل يأكل ويشرب؟ وممن ورث الدنيا ومن يورثها؟ فأنـزل الله تبارك وتعالى هذه السورة وهي نسبة الله خاصة.
أخبرنا أبو نصر أحمد بن إبراهيم المهرجاني، أخبرنا عبيد الله بن محمد الزاهد، أخبرنا أبو القاسم ابنُ بنت منيع، أخبرنا جدي أحمد بن منيع، أخبرنا أبو سعد الصغاني، أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب: أن المشركين قالوا لرسول الله صلي اله عليه وسلم انسب لنا ربك، فأنـزل الله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ قال: فالصمد الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله تعالى لا يموت ولا يورث، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ قال: لم يكن له شبيه ولا عدل و لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ .
أخبرنا أبو منصور البغدادي، أخبرنا أبو الحسن السراج، أخبرنا محمد بن عبد الله الحضرمي، أخبرنا سريج بن يونس، أخبرنا إسماعيل بن مجالد، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر قال: قالوا يا رسول الله، انسب لنا ربك، فنـزلت: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إلى آخرها
عن أنس - رضي الله عنه -: كان رجلٌ من الأنصار يؤمُّهم في مسجد قُباء، وكان كُلَّما افتتح سورةً يقرأ بها لهم في الصلاة، مما يقرأ به افتتح بِـ{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} حتى يفرغ منها، ثم يقرأ سورةً أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كلِّ ركعة، فكلَّمه أصحابه فقالوا: إنك تفتتحُ بهذه السورة، ثم لا ترى أنها تُجْزِئُكَ حتى تقرأ بأخرى! فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى، فقال: ما أنا بتاركها، إنْ أَحْبَبْتُمْ أن أؤمَّكم بذلك فعلتُ، وإنْ كَرِهْتُم تَرَكْتُكُم - وكانوا يرون أنه من أفضلهم، وكرهوا أن يؤمَّهم غيره - فلما أتاهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أخبروه الخبر، فقال: ((يا فلان، ما يَمْنَعُكَ أن تفعل ما يأمرك به أصحابك، وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟))، فقال: إني أحبُّها - وفي رواية: "لأنها صفة الرحمن عزَّ وجل - فقال: ((حُبُّكَ إياها أدخلكَ الجنَّة)).
وعن أبي سعيد الخُدْرِيّ - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: ((أيعجِزُ أحدكم أن يقرأ ثُلُثَ القرآن في ليلةٍ؟))، فشقَّ ذلك عليهم، وقالوا: أيُّنا يطيق ذلك يا رسول الله؟! فقال: ((الله الواحد الصمد ثُلُثُ القرآن)).
وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يستشفي بهذه السورة مع غيرها من السور، والقرآن كله شفاءٌ.عن عائشة - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة، جمع كَفَّيْه، ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بها على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يَفْعَلُ ذلك ثلاث مَرَّاتٍ.
قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}:
قال ابْنُ كثيرٍ: "أي: هو الواحد الأحد، الذي لا نظير له، ولا وزير، ولا نديد، ولا شبيه، ولا عديل، ولا يُطْلَقُ هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلاَّ على الله - عز وجل - لأنه الكامل في جميع صِفاتِه وأفعالِه". اهـ.
وقوله: {اللَّهُ الصَّمَدُ}:
قال عكرمة عن ابن عباس: "الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم، والعرب تسمِّي أشرافها الصَّمَد"
وقوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}
؛ أي: ليس له والد، ولا ولد، ولا صاحبة.
قال مجاهد: "{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفْوًا أَحَدٌ}؛ أي: صاحبة". اهـ.
والمراد بالصاحبة: الزوجة، كما قال تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ؛ أي: هو مالك كلِّ شيءٍ وخالقه، فكيف يكون له من خلقه نظيرٌ يساميه، أو قريبٌ يدانيه - تعالى وتقدَّس؟!
قال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا} .
عن أبي موسى الأشعريّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما أحدٌ أصْبَر على أذًى سمعه من الله، يدعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم)).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قال الله تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشَتَمَنِي ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي، فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أوَّل الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي، فقوله: اتخذ الله ولدًا، وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفوًا أحدٌ)).
ومن فوائد هذه السورة الكريمة:
أوَّلا: إثبات وحدانية الله - جلَّ وعلا - والردُّ على اليهود، والنصارى الذين يجعلون له الوَلَدَ.
قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} .
ثانيًا: أن هذه السورة اشتملت على اسم الله الأعظم، الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دُعِيَ به أجاب.
فعن عبدالله بن بُرَيْدَة، عن أبيه - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم - سمع رجلاً يقول: اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ أنِّي أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كُفُوًا أحد، فقال: ((لقد سألتَ الله بالاسم الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دُعيَ به أجاب)).
ثالثًا: استحباب قراءتها عند المبيت؛ كما تقدم من فعله - عليه الصلاة والسلام - وقراءتها أيضًا صباحًا ومساءً ثلاث مرات.
عن عبدالله بن خُبَيْب - رضي الله عنه - أنه قال: خرجنا في ليلةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شديدةٍ، نطلب رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلِّيَ لنا، فأدركناهُ، فقال: ((أَصَلَّيْتُمْ؟)) فلم أَقُلْ شيئًا، فقال: ((قُلْ))، فلم أَقُلْ شيئًا، ثم قال: ((قُلْ))، فلم أَقُلْ شيئًا، ثم قال: ((قُلْ))، فقلت: يا رسول الله، ما أقولُ؟ قال: ((قل هو الله أحد، والمعوِّذتين، حين تُمْسي وحين تُصبِح، ثلاثَ مرَّاتٍ، تكفيكَ من كلِّ شيءٍ)).
مزززززنة @mzzzzzn
عضوة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
@صلي على النبي@
•
جزاك الله خير
جزاك الجناااااااان ومناااااازل الرحمن....والله يبارك لك فى عمرك...وجعله ربى فى موازين حسناتك...
الصفحة الأخيرة