مدام وائل

مدام وائل @mdam_oayl

محررة برونزية

وقفات على طريق طلب العلم

ملتقى الإيمان

وقفات على طريق طلب العلم(1)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فالحديث عن العلم وأهله وعن فضله يطول، وقد ألف العلماء في فضله والثناء على أهله، ومن أحسن ما أُلف في ذلك كتاب "جامع بيان العلم وفضله" للحافظ ابن عبد البر رحمه الله، وثَمّ كتب أخرى في هذا الشأن ، ومن الأحسن لطالب العلم في بداية طلبه أن يقرأ في هذه الكتب لما تشتمل عليه من بيان فضل العلم وأهميته ، وشئ من سير السلف في طلبه ، وآداب الطلب ،وغير ذلك مما يحتاجه طالب العلم.
وكم كنت أجد الحاجة إلى وقفاتٍ في طريق طلب العلم تُبين السبيل وتوجه المسار وتصلنا بنهج السلف الأبرار والأئمة الأطهار فكانت هذه الوقفات التي كتبتها لنفسي ولمن أحب أن ينظر فيها من إخواني سائلاً ربي عز وجل أن ينفع بها:
الوقفة الأولى: العلم قربة
مما ورد في فضل العلم وأهله ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفي أوله "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، إلى أن قال: "ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وحفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه".
ففي هذا الحديث بيان أن طريق العلم هو طريق إلى الجنة ولذلك لو أدركته المنية وهو في طلب العلم فهو إن شاء الله في طريقه إلى الجنة فهذا فضل عظيم جميل لطالب العلم استشعاره كلما غدا لطلب العلم أو راح .
كما ينبغي استحضار النية دائماً في طلب العلم وأنك إذا جئت لطلب العلم فإنك تأتي إلي قربة تتقرب بها إلى لله عز وجل فكما أنك تذهب لتصلي في المسجد فإن إتيانك لطلب العلم قريب من ذلك ، إذا كان فرضاً فهو قريب من فرض الصلاة وفروض الأعيان الأخرى ، وإن كان نفلاً فهو من أعظم نوافل العبادات ولذلك ذكر كثير من أهل العلم - بل ربما يكون باتفاق أهل العلم - أن نوافل طلب العلم أعظم من نوافل العبادة.
الوقفة الثانية: العلم الشرعي بين سائر العلوم
إن العلم إذا أطلق في سياق المدح أو الحث عليه فالمقصود به العلم الشرعي ،لأن هذا هو العلم الحق الجدير بهذا المصطلح عند الإطلاق فإذا أريد غيره فيقيّد فيقال مثلاً علم الطب ، علم الهندسة ، علم الطبيعيات أو علم الكيمياء ... الخ
قال شيخ الإسلام : جماع الخير أن يستعين الله سبحانه في تلقي العلم الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه هو الذي يستحق أن يسمى علما ( الفتاوى 10-664)
ومن هنا نعلم الخطأ في تخصيص العلوم الطبيعية بمصطلح العلم أو العلمي، ويطلقون على علم الشريعة مصطلحاً آخر كعلوم التراث أو العلوم الأدبية أو يقيدونه فيقولون علم الدين في مقابل إطلاق العلم على ما سبق ذكره دون قيد مع أنه لم يرد لفظ العلم مطلقاً في الكتاب والسنة إلا ويراد به العلم الشرعي ، وأما غيره من العلوم فيأتي مقيداً كما في قوله تعالى يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون.
ومن أجل هذا كان العلم الشرعي مما ينبغي أن يبدأ به جميع طلاب العلوم عامة، فمن ابتغى دراسة الطب مثلاً فإن من القصور ألا يكون له حظ كافٍ لمثله من العلم الشرعي وكذلك غيره ، فثم علوم شرعية هي مبادئ لا يستغني عنها المسلم في نفسه فضلاً عن أصحاب مثل هذه التخصصات ، لا يعني ذلك التوسع فيها لكن على أقل تقدير أن يأخذ من تلك العلوم الشرعية ما يكون له كالقواعد ثم ينطلق بعد ذلك إلى ما توجه إليه، فكل إنسان ميسر لما خلق له، وكلٌّ يعمل على شاكلته.
ولعل نظرة عابرة في التراجم والتاريخ توقفك على شواهد لما قلت .
المسجد بيت العلوم
فإن العلماء في أي علم كانوا إنما كانت انطلاقتهم من المسجد وغني عن البيان أنهم إنما يتلقون في مبدأ طلبهم القرآن وشيئاً من الحديث والفقه وخذ ما شئت من تراجم النحاة أو أهل الطب أو الهندسة أو الفلك أو غيرها، لتجد منهم من حفظ القرآن كله أو حفظ شيئاً منه وقرأ في التفسير والفقه والنحو أو سمع شيئاً من الحديث وما ذلك إلا أنهم قد علموا أن البداية تكون بالعلم الشرعي لأنه أساس لابد منه ، وهاك ترجمة لأحد الأطباء ذكرها ابن كثير :
يقول ابن كثير في البداية في ترجمة أحد الأطباء : هو الجمال المحقق أحمد بن عبد الله اشتغل على مذهب الشافعية وبرع فيه وأفتى وأعاد وكان فاضلاً في الطب وقد ولي مشيخة الخورية (مدرسة للطب ) لتقدمه في صناعة الطب على غيره ا .ه .
وإذا رجعنا إلى ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم فإننا سنجد منهم من كان تاجراً ومنهم من كان مزارعاً ومنهم من كان في قيادة الحروب والجهاد ومنهم من يهتم بالشعر وغير ذلك ، بيد أن ثم ما يتواردون عليه كلهم ذلك هو حرصهم على طلب العلم من النبي صلى الله عليه وسلم .
يقول عقبة بن عامر رضي الله عنه - كما في صحيح مسلم - : كانت علينا رعاية الإبل فجاءت نوبتي فروّحتها بعشي فأدركت النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم يحدث الناس إلى أن ذكر حديث الذِّكر في الوضوء والصلاة بعده ، والشاهد منه في قوله أنه كانت عليهم رعاية الإبل أنهم كانوا يرعون الإبل نوبة لهذا ونوبة لهذا فإذا لم تكن نوبته جلس ليطلب العلم عند النبي صلى الله عليه وسلم وإذا كانت نوبته فأتمها أقبل طالبا للعلم .
وقال عمر رضى الله عنه :كان لي صاحب من الأنصار إذا غبت أتاني بالخبر وإذا غاب كنت آتيه بالخبر أي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمّا يحدث ، وهو القائل رضي الله عنه : لا يبع في سوقنا هذا إلا من تفقه في الدين .
إذن فالواقع الذي تعيشه كثير من البلاد الإسلامية حيث الفصل العظيم بين العلم الشرعي وبين غيره من العلوم بعيدة كلَّ البعد عن الطريقة التي كان عليها المسلمون الأوائل ، فلا جرم أثمر هذا البعد انفصاماً كانت له آثاره وانعكاساته فلربما رأيت المتخصص في بعض العلوم أو الطبيب الحاذق واقعاً في أخطاء غريبة أو متحدثا ً من خلال خلفيات شرعية جرّاء كونه لم يتلقّ الأبجديات في العلم الشرعي ، والأبجديات في كل علم هي مبادؤه الأولى
منقوووول
3
450

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

فيض المحبة
فيض المحبة
جزاك الله خيرا.. وجعله موازين حسناتك
ام سالم603
ام سالم603
جزاك الله اختي على النقل الرائع
وجعله في ميزان حسناتك
مدام وائل
مدام وائل
بارك الله فيكم أخوتى فى الله
ويوجد جزء ثانى للموضوع اكثر من رائع اتمنى لو تقرأه
أحبكم فى الله
مدام د/ وائل