مدام وائل

مدام وائل @mdam_oayl

محررة برونزية

وقفات على طريق طلب العلم (2)

ملتقى الإيمان

وقفات على طريق طلب العلم (2)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم ومن والاه، فقد وقفنا على طريق طلب العلم الوقفة الأولى، وقلنا أن العلم قربة من أعظم القربات فإن كان العلم فرضًا فهو قريب من فرض الصلاة وفروض الأديان الأخرى، وإن كان فضلا فهو من أعظم نوافل العبادات.
ثم ذكرنا الوقفة الثانية: وأوضحنا أن العلم إذا أطلق في سياق المدح أو الحث عليه فالمقصود به العلم الشرعي، لأن العلم الشرعي هو الجدير بهذا المصطلح عند الإطلاق، وذكرنا أن المسجد هو بيت العلوم.
وفي هذه الحلقة نقف مع ما يتيسر من بقية الوقفات:
وفي هذه الحلقة نقف مع ما يتيسر من بقية الوقفات:
الوقفة الثالثة: بين طالب العلم والمثقف
هناك من الناس من هو على ثقافة واسعة تجده يعرف بعض العلوم الشرعية ولكن لا تستطيع أن تطلق على هذا طالب علم ، وقد تجد آخر ربما لا يكون على سعة اطلاع الأول ومع ذلك تستطيع أن تطلق عليه طالب علم ..
قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم 1-130: يقال إذا أردت أن تكون عالماً فاقصد لفنٍّ من العلم ، وإذا أردت أن تكون أديباً فخذ من كل شيء أحسنه اه.
إن المثقف طريقته أن يقرأ ما يروق له وما ترتاح له نفسه ويأخذ من هذا نتفه ومن هذا نتفه ، لا يلتزم بمنهج معين أو طريقة معينة أو يضبط فيها فنّاً معيناً ،أما طالب العلم فذاك الذي ينتهج نهجاً محدد اً ويسلك هذا المنهج حتى ولو كسل في سيره لا ينقطع عنه بل يجتهد ليتقن الفنّ الذي ابتغاه .
كما أنَّ طالب الثقافة في الغالب يكون طلبه طلب لذة وشهوة نفسانية لما يتعلمه، بخلاف طالب العلم فهو يستشعر العبودية لله في طلبه .
فمنهج طالب العلم يعطيه القوة والثقة والرسوخ فيتأهل للتعليم والإفتاء بل والقضاء، بخلاف منهج الآخر فإنه لم يُبْن على التحمل بقوة ومنهج المثقف لا يعطيه قوة ولا يعطيه ثقةً في نفسه ولذا لا يثمر الأداء بقوة ، ولا يدرك علماً مؤصلاً راسخ الجذور بل قد تجره ثقافته إلى الجرأة على الأحكام .. بخلاف طالب العلم، ترى البركة فيه كما في السابق، بل في الماضي القريب تجد الواحد منهم يضبط متناً ويحفظه حتى لا يعرف غيره ومع ذلك يجعل الله سبحانه وتعالى البركة فيه بسبب إتقانه إياه وإقباله عليه مع النية الصالحة ، حتى قال بعض أهل العلم : من أتقن متن زاد المستقنع يتأهل إلى أن يقضي بين الناس ، ولذا ينبغي لطالب العلم أن يتنبه إلى أمر جدير بالعناية وهو المداومة والاستمرار والالتزام وعدم التنقل والانكباب على الكتاب حتى يَضبطه ويُلم بالفن بأسرع وقت فإذا داوم طالب العلم واستمر وحاول أن يتقن ما معه فإنه بهذا حقيق أن يفتح الله عليه وييسر أمره فيبلغ فهم ما ابتغى دراسته.
والمؤمن مأمور أن يلج أبواب الخير بقوة، ومن أعظمها باب العلم فيأخذه بقوة كما قال تعالى : يا يحيى خذ الكتاب بقوة {مريم:12}، وقال لموسى عليه السلام : فخذها بقوة... {الأعراف:145}، وقال : خذوا ما آتيناكم بقوة {الأعراف:171}.
الوقفة الرابعة: ما الفائدة من حضور درسٍ علمي؟
يظن البعض أن المقصود بالدروس العلمية الاستكثار من المعلومات فحسب .!
وهذا وإن كان حسناً مطلوباً بيد أن الأهم هو ضبط القواعد والإلمام العام بالعلم المدروس واتخاذ الدرس معيناً والمداومة لنيل ذلك ، وعليه فلا ينبغي أن يكون المقياس كثرة المعلومات، فقد ينتهي بك إلى أن تفضل الجلوس في مكتبك على حضور ذلك الدرس، لأنك قد تجد في الكتب وربما في الكتاب الواحد ما لا يستطيعه ذلك الشيخ من الذين يدّرسون أن يأتي به في درسه ، انظر مثلاً كتاب الاستذكار لابن عبد البر في مسألة واحدة ربما تجد من الأحاديث وأقوال أهل العلم ما لا يستطيع أن يأتي به شيخ أو طالب علم في درسه ، وقل مثل ذلك في كتاب الأوسط لابن المنذر أو المغني أو المجموع أو غيرها ، هذا في كتاب فما بالك لو بحثت في أكثر من كتاب لكان ذلك أكثر ؟!
لعلك تقول إذاً :
فما المقصود بالدروس مادام أن ما في الكتب أعظم ؟ وهذا خاطر قد يراود البعض ، وقد يصرح به آخرون 0 والجواب أن يقال : هو في فهم كيفية وصول هذا العلم إلينا.. فإنما وصل إلينا بالتلقي ، فالصحابة رضي الله عنهم تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم التابعون تلقوه عن الصحابة وهكذا انتقل إلينا بالتلقي ولم يُكتفَ حتى في القرآن بكونه في لوح أو في ألواح ينقل من جيل إلى جيل بل ينقلونه بالمشافهة ومثله الحديث فإنهم ينقلونه بالرواية والسماع والمشافهة وهذه بركة العلم الشرعي أنه ينتقل بالرواية ينقله العلماء عن بعضهم البعض وينقله كما يقول الإمام أحمد رحمه الله من كل خلف عدوله0
فمن عرف أن هذا العلم يٌتلقى من أهله أدرك أن التلقي من أهم مقاصد دروس العلم .
فإن كان الأمر كذلك فما هو السّر في كون التلقي هو الطريق لأخذ العلم ؟ وكيف يكون التلقي الصحيح ؟
توضحه الوقفة الآتية :
وأحب أن أنقل هنا كلاماً للشاطبي رحمه الله في الموافقات، فمما قاله رحمه الله : إذا ثبت أنه لابد من أخذ العلم عن أهله فلذلك طريقان : أحدهما المشافهة وهي أنفع الطريقين وأسلمهما لخاصية جعلها الله تعالى بين المعلم والمتعلم يشهدها كل من زاول العلم والعلماء فكم من مسألة يقرؤها المتعلم في كتاب ويحفظها ويرددها على قلبه فلا يفهمها فإذا ألقاها إليه المعلم فهمها بغتة0
الطريق الثاني : مطالعة كتب المصنفين وهو أيضاً نافع في بابه بشرطين : الأول أن يحصل له من فهم مقاصد ذلك العلم المطلوب ، ومعرفة اصطلاحات أهله ما يتم له به النظر في الكتب ، وذلك يحصل بالطريق الأول من مشافهة العلماء أو مما هو راجع إليه ، وهو معنى قول من قال : "كان العلم في صدور الرجال ثم انتقل إلى الكتب ومفاتحه بأيدي الرجال " والكتب وحدها لا تفيد الطالب شيئاً دون فتح العلماء وهو مشاهد معتاد.
الشرط الثاني أن يتحرى كتب الأقدمين من أهل العلم المراد فإنهم أقعد به من غيرهم من المتأخرين ا.ه
مختصراً من الموافقات 1-60-61.
وقال النووي رحمه الله في المجموع 1-69: ولا يحفظ ابتداءً من الكتب استقلالا , بل يصحح على الشيخ كما ذكرنا , فالاستقلال بذلك من أضر المفاسد وإلى هذا أشار الشافعي - رحمه الله - بقوله : " من تفقه من الكتب ضيع الأحكام " ا.ه
ومن مقاصد الدروس أيضاً إثارة همة طالب العلم بمشاركة زملاء له يعينونه على لزوم طريق الطلب ، ومن مقاصدها أيضاً التربي على يد الشيخ في عبادته وأخلاقه والكتب قد تعلم ولكن قطعاً لا تربي .
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى
منقول
0
514

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️