وقفات مع سورة الملك

الملتقى العام

فضل سورة الملك قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن سورة من كتاب الله، ما هي إلا ثلاثون آية! شفَعَت لرجل حتى غفر له، (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ)".

وأخرج الترمذي وغيره عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: ضرب بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- خباءه، فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هي المانعة، هي المنجِّية، تنجيه من عذاب القبر".وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي"، فعليك -يا أخي المسلم- بقراءتها كل يوم إن أمكنك صباحاً ومساء.

وقد بدأت السورة بقوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ)، البركة: النماء والزيادة، أي: تعالى وتعاظم الله -عز وجل- عن صفات المخلوقين، وتقدس الله الذي بيده ملك السماوات والأرض في الدنيا والآخرة، يعز من يشاء، ويذل من يشاء، ويرفع من يشاء، ويضع من يشاء.(وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، أي: بليغ القدرة، لا يعجزه شيء من الأشياء، يتصرف في ملكه كيف يريد من إنعام وانتقام، ورفع ووضع، وإعطاء ومنع.
(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ)، هذه صفة لله -عز وجل- وحده، والموت: انقطاع تعلُّقِ الروح بالبدن، ومفارقتها له، والحياة تَعَلُّقُ الروحِ بالبدن، واتصالها به؛ وقدم الموت على الحياة لأن أصل الأشياء عدم الحياة، والحياة عارضة لها، فالكل منا قبل أن يُخلَق عدم، وبعد الحياة الموت.(لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) ، أي: ليختبركم أيها الناس فيجازيكم على ذلك، وليعرف مَن أحسن عملاً للقاء الله؛ وقيل: أيكم أكثر للموت ذكراً، وأشد منه خوفاً.(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا)، صِفَةٌ أخرى لله -عز وجل-، أي خلقها بعضها فوق بعض، (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ)، أي: ما ترى يا محمد في خلق الرحمن من تناقض ولا تباين ولا اعوجاج ولا تخالُف؛ بل هي مستوية مستقيمة دالة على خالقها.(فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ) ، الفُطور: الشقوق والصدوع والخروق،

أي: أردد طرفك حتى يتضح لك ذلك بالمعاينة، (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ)، أي: رجعتين، مرة بعد مرة، (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ) ، أي: كليل منقطع.(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ)، أي: جمـــَّلْناها بالكواكب التي تضيء كإضاءة السراج، وجعلها لله سبحانه وتعالى رجوما يرجم بها الشياطين الذي يسترقون السمع، (وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ) ، أي: أعتدنا للشياطين في الآخرة بعد الإحراق في الدنيا بالشهب عذاب السعير، وهو أشد الحريق.(وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) من كفار بني آدم (عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ! أي: بئس ما يصيرون إليه! وهو جهنم.(إِذَا أُلْقُوا فِيهَا)، أي: طُرحوا كما يُطْرَحُ الحطب في النار (سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا)، أي: صوتا كصوت الحمير عند أول نهيقها، وهو أقبح الأصوات، (وَهِيَ تَفُورُ) ، أي: الحال أنها تغلي بهم كغليان المرجل أي القدر.(تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ)، أي: تكاد تتقطَّع وينفصل بعضها عن بعض من تغيُّظِها عليهم، (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) ؟ أي: كلما ألقى فيها جماعة من الناس سألهم خزنتها من اللائمة سؤال توبيخ وتقريع: ألم يأتكم في الدنيا مَن ينذركم مِن هذا اليوم ويحذركم منه؟.

فأجابوا: (قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ)، أي: بلى جاءنا فأنذرنا فكذبنا ذلك النذير، وقلنا ما أنزل الله من شيء من الوحي، (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ) ، أي: في ذَهَابٍ عن الحق، وبُعْدٍ عن الصواب.(وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) ، أي: لو كنا نسمع ما خاطبَنا به الرسلُ أو نعقل شيئا من ذلك ما كنا في عداد أهل النار، قال سبحانه (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ)، أي: الذي استحقوا به عذاب النار، وهو الكفر وتكذيب الأنبياء، (فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ) ، أي: فبعداً لهم من رحمته! وهلاكاً لأهل النار!.ولما فرغ سبحانه من ذكر أحوال أهل النار ذكر حال أهل الجنة فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ)، أي: يخشون عذابه ولم يروه، فهم يؤمنون به خوفاً من عذابه، (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) عظيمة يغفر الله بها ذنوبهم، (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) ، وهو الجنة.
0
114

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️