وقفة على صعيد عرفات ....من يومياتي

وقفة على صعيد عرفات

يوم التروية يوم الثامن من ذي الحجة أخذت كل جماعة من الناس موقعها على تلك البقاع الطاهرة ، في منى
كانت المخيمات مكتظة بالبشر ،
الخيمة الواحدة تتسع لعشرة أشخاص ، أينما تتلفت تجد الكل في شغل ،
إحداهن مشغولة بترتيب حقيبة السفر وفرز الملابس وتوزيعها على عدد الأيام التي ستقضيها هنا ،

والأخرى ترتب فراشها وتحاول اختيار موقع مناسب لها في المخيم ،

وواحدة قد ألصقت جهاز الاتصال بأذنها تسأل عن القريب والبعيد وعن ماذا حصل في غيابها وتبكي من فترة لأخرى عندما تسمع صوت أطفالها ولا تكاد تجف دموعها حتى تهب مسرعة لتضرب مفاتيح جهازها المسكين وتنخرط في البكاء من جديد ،

وهناك في ركن هادئ كانت إحداهن تقلب صفحات كتيبات صغيرة ومصحف صغير يبدو أنها حرصت على اصطحابها في تلك الرحلة ، قد قطبت جبينها والتقت حاجباها تقرأ بحماس لا ترى لا تسمع لا تتحدث إلا مع تلك الكتب ،

وأخرى تلمز وتتمتم بغضب وتستاء من قصور الخدمات المقدمة في المخيم معلنة أن المخيم الفلاني يضع وجبات فاخرة والمخيم العلاّني يتعامل برقي مع أفراده والمخيم الفلتاني يفعل ويصنع ووووووو...

سبحان الله الكل في شغل حقا لكن شتان بين الأشغال ،

رغم ذلك تحس بإشفاق كبير على كل الوجوه التي تراها لدرجة البكاء ، وجوه قد جاءت من أقاصي الأرض شرقا وغربا
وجوه تركت الولد والأهل جاءت وحيدة كأن لا أهل لها ولا ولد قد كساها السفر مسحة من الخضوع وكساها الشوق للقاء ربها مسحة من الرقة والذل ترى فيها ابتسامة ممزوجة بغصة من الانكسار ، ترى فيها كل معاني التراحم والألفة ، الكبير فيها والصغير الجاهل والعالم الذكر والأنثى الكل يحمل في قلبه ذات الإحساس ،
سبحان من جمع القلوب على حبه ،
هل يعقل أن تجمع هذه الأيام تلك المشاعر جميعا ؟؟!!!!!
معجزة تنجلي بوضوح تؤكد عظمة هذا الدين ورفعة أهله بين كل الأمم ،

وفي زحمة الأشغال والمشاعر لجلج مكبر الصوت في المخيم يخبر عن وقت الانطلاق إلى عرفات غدا موصيا الجميع بالتبكير في النوم للراحة واستعدادا ليوم حافل ،
البعض استجاب للنداء فتلحف غطاءه يستدعي النعاس
والبعض كان يتبادل أطراف الحديث في خفوت
والبعض الآخر كان قد سبق النداء فلا تسمع سوى شخيره .

نسيت أن أقول أن من ضمن الحاجات الحاجة سارة
كان جسدها الصغير يحتضن ملابس الإحرام ووجهها الصغير المبتسم يزداد نورا وجمالا في تلك الأيام المنيرة الجميلة يرى فيها الجميع عوضا عن أطفالهم ، فكانت تتنقل بين الأيادي ، الكل يلاعبها ويضاحكها وهي لا ترد يدا ولا تحزن قلبا ، تتكرم على الجميع بضحكاتها البريئة وتستجيب لكل محبيها ، كانت سارة ذات السبعة أشهر تقريبا تتشبث بحضن أمها تلك الليلة وقد راحت في سبات عميق ، يبدو أنها هي أيضا تريد أن تستعد للوقوف على صعيد عرفات غدا ، حفظك الله يا سارة كم أنتِ رائعة .





ومازال للحديث بقية ....