لا تلعنوا الحب
هاهي سماء الحجرة تتلبد بالظنون والنقم . تخترقها صواعق كلامية تعجز الحوائط الإسمنتية عن صدها . وقبل أن تمطر الأنفس بحمم أفعالها .
يتمالك عُمَرٌ نفسَهُ . ويزيد بين مسافة قدميه محاولا الثبات أكثر .
ولكن الزوجة تتجاهل كل تعابير وجهه . متعامية حمرة عينيه . ومتغافلة انتفاخ أوداجه . معلنة الإصرار على موقفها . مستخدمة لسانها سنانا ، ودمعها درعا
ينحني عمر ..
لا ليعلن الخضوع ، ولكن ليأخذ طرف لحافه بيده اليمنى . بعد أن تأبط وسادته بالأخرى .
يخرج من غرفته إلى الغرفة المجاورة . إنه يعي أن النقاش لن ينتهي . كما يعي أن غدا دوام عمله .
يدخل الغرفة راميا وسادته حيث شاءت . يحاول توسدها رغم توسده للهم . واضعا لحافه بين رجليه ، فالغم قد غطى رأسه حتى أخمص قدميه. أخذ يتقلب على جنباته الأربعة . ما زال صوت بكاء زوجته يؤرقه . قام مغضبا تجاه الباب فأغلقه .
عاد مرة أخرى إلى مكانه أو هكذا خُيل له . بالضبط هو الآن لا يسمع بكاءها . قد فقد كل صوت يذكره بها .
وفي وسط هذا الهدوء شذ صوت في الغرفة :
تك ... تك ... تك...
حاول أن يجهد سمعه ويُتْبِعَه بصره . حتى استقرت عينه على وميض ساعة الحائط . فقد كان صوت عقارب الساعة .
أرخى نفسه وحاول أن يتناغمه . دار معه حيث يدور .
وبالفعل دار معه .
فتحركت عقارب نفسه بتحرك عقارب الساعة :
لماذا هي لا تسمع كلامي ... تك
إنها تجعل من الحبة قبة ... تك
ليست هذه الأولى ... تك .
أي حياة هذه ... تك .
طفش ... تك
ملل ... تك
غضب ... تك
كانت هذه الكلمة كفيلة بأن تفقد تناغم عقاربه .
غضب ...
وَهُوَ عَلَيْهَا غَضْبَانُ .
(( مَا مِنَ امْرَأَةٍ يَطْلُبُ مِنْهَا زَوْجُهَا حَاجَةً، فَتَأْبَى فَيَبِيتُ، وَهُوَ عَلَيْهَا غَضْبَانُ، إلا بَاتَتْ تَلْعَنُهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ )) حديث صحيح
كان مضطجعا فجلس .
لقد أُلهم للحديث مدلولا آخر .
أخذ يستنطق نفسه بصوت عالي .
إنها زوجتي ..
إنها شريكة حياتي ..
إنها مستقبلي ..
أو أرضى أن تلعنها الملائكة ؟.
كيف تبات عيني و زوجتي تلعنها الملائكة ؟.
سبق لسانه عينه إلى السماء داعيا .
(( اللهم إني أشهدك أني راض عنها
اللهم إنني أريد تأديبها لا تعذيبها ))
لقد استنطقه الذي أنطق كل شيء
(( اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ )) الحج5
شاع نور حبه فرأى به حقيقة الأمر .
وأن المشاكل . والخصام وإن كانت ليست الأولى إلا أنها ستنتهي كما انتهت الأولى .
أخذ يشعل في نفسه شموع الود والحب والعشرة بينهما . فتتابعت وكثرت ونمت حتى أضاءت أرجاء دنياه ، في غرفة كان يتفقد فيها وميض عقرب ساعة .
ثم قال لنفسه خجلا نادما .
أو أنسى كل هذا الفضل .
فرحة نفسه أيما فرح . ثم همسة في قلبه قائلة :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
(( وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{237} حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ{238} )) .
ما أجمل القرآن وأعذبه
زوج يطلق زوجته ولم يدخل بها يُطلب منهما أن لا ينسيا الفضل بينهما ، فكيف بمن لهما سنين .
(( وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ )) البقرة45
وأي خشوع أعظم من خشوع الصلاة .
فهل كان هذا سر هذه الآية بين آيات الزواج
(( حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ{238} )) .
فما أجلَّ الله وأحكمه .
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )) البقرة 153
ولا تلعنوا الحب

اساور من ذهب @asaor_mn_thhb
محررة فضية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️