{ ولهنَّ مثلُ الذي عليهِنَّ بالمعروف ... }

ملتقى الإيمان

روى الشيخان مرفوعا: "كلكم راع ومسؤول عن رعيته، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها".

وروى الترمذي وابن حبان في صحيحه مرفوعا: "أكمل المؤمنين إيمانا وخلقا خياركم لنسائهم". وفي رواية للترمذي والحاكم مرفوعا: "إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله".

وروى ابن حبان في صحيحه مرفوعا: "خياركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".

وروى ابن حبان في صحيحه مرفوعا: "إن المرأة خلقت من ضلع فإن أقمتها كسرتها فدارها تعش بها". قلت: والمداراة تكون بإسقاط جزء من الدنيا، والمداهنة تكون بإسقاط شطر من الدين، فالمداراة مستحبة، والمداهنة حرام في حرام ومكروه في مكروه. والله أعلم.

وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا: "استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء". وفي رواية لمسلم مرفوعا: "إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها". والضلع: بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام أفصح من سكونها، والعوج: بكسر العين وفتح الواو، وقيل إذا كان فيما هو منتصب كالحائط والعصا يقال فيه عوج بفتح العين والواو، وفي غير المنتصب كالدين والخلق والأرض ونحو ذلك يقال فيه عوج بكسر العين وفتح الواو، قاله ابن السكيت.

وروى مسلم مرفوعا: "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر". ومعنى يفرك يبغض، وهو بسكون الفاء وفتح الياء والراء وضم الراء شاذ.

وروى أبو داود وابن حبان في صحيحه: أن معاوية ابن حيدة قال: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت". ومعنى لا تقبح: أي لا تسمعها المكروه، بأن تشتمها وتقول قبحك الله ونحو ذلك.

وروى ابن ماجه والترمذي وقال حسن صحيح مرفوعا: "ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، ألا إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا، فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون، وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن". وقوله عوان: أي أسيرات، ومنه فك العاني.

وروى ابن ماجه والترمذي والحاكم مرفوعا: "أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة".

وروى ابن حبان في صحيحه مرفوعا: "إذا صلت المرأة خمسها وحصنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت".

وروى البزار بإسناد حسن والحاكم: "عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله أي الناس أعظم حقا على المرأة؟ قال: زوجها. قلت: فأي الناس أعظم حقا على الرجل؟ قال: أمه".

وروى البزار بإسناد جيد وابن حبان في صحيحه: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه و سلم بابنته فقال: إن ابنتي هذه أبت أن تتزوج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "أطيعي أباك"، فقالت: والذي بعثك بالحق لا أتزوج حتى تخبرني ما حق الزوج على زوجته! قال: حق الزوج على زوجته لو كان به قرحة فلحستها أو انتثر منخره صديدا أو دما ثم ابتلعته ما أدت حقه. قالت: والذي بعثك بالحق لا أتزوج أبدا؟ فقال النبي صلى الله عليه و سلم: "لا تنكحوهن إلا بإذنهن". وفي رواية لابن ماجه وابن حبان في صحيحه في قصة أخرى: فقالت: والذي بعثك بالحق لا أتزوج ما بقيت الدنيا.

وروى أبو داود مرفوعا: "لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن، والذي نفسي بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها". زاد في رواية ابن ماجه: ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه.

وروى ابن ماجه مرفوعا: لو أن رجلا أمر امرأته أن تنتقل من جبل أحمر إلى جبل أسود، أو من جبل أسود إلى جبل أحمر، لكان عليها أن تفعل.

وروى الطبراني مرفوعا: "ألا أخبركم بنسائكم في الجنة؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: كل ودود ولود، إذا غضبت أو أسيء عليها أو غضب زوجها قالت: هذه يدي في يدك لا أكتحل بغمض حتى ترضى".

وروى النسائي والبزار مرفوعا: "لا ينظر الله تعالى إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه".

وروى الترمذي وقال حديث حسن والنسائي وابن حبان في صحيحه مرفوعا: "إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فلتأته، وإن كانت على تنور". والله تعالى أعلم.

أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نكون رحمة بين العباد وميزان عدالة بين الناس لا نحيف على واحد دون آخر، فنرغب مثلا الزوج في الوفاء بحق زوجته وحسن عشرتها، ونرغب المرأة في الوفاء بحق زوجها وطاعته وعدم مخالفته ونتلو على كل واحد منهما ما ورد في ذلك في حقه عن الشارع صلى الله عليه و سلم، وهذا العهد قل من يعمل به الآن لأمور يطول شرحها، وأولى الناس بالعمل به حملة القرآن والعلم لاطلاعهم على ما ورد في ذلك بخلاف العوام والظلمة فإن أكثرهم لا يكاد يعرف أصول الدين فضلا عن فروعه، وينبغي للفقيه إذا وعظ النساء والرجال أن يذكر لكل فريق ما عليه من الحق للآخر.

وقد دخل الأمير محيي الدين بن أبي أصبغ أحد أركان الدولة بمصر المحروسة يوما فرأى قارئ البخاري لعياله في البيت يقرأ عليهن حقهن على الزوج، فقال له يا أعمى القلب اذكر لهن ما عليهن من حق الزوج أولا، لأننا لا نطيقهن من جهلهن بما لهن علينا من الحق فكيف نطيقهن إذا عرفن الحقوق التي لهن علينا؟ فإياك يا أخي إذا عرفت العلم أن تتخذه سلاحا تقاتل به كل من له عليك حق، فإن ذلك حق أريد به باطل، وربما عملت يا أخي بالأقوال التي ليست في مذهبك وخاصمت بها زوجتك وظفرت عليها بالحجج حتى تقهرها وتظهر للناس أنها ظالمة، والحال بخلاف ذلك، والناقد بصير.

ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يبين له طرق السياسة وتمهيدها لكل خصم حتى يكون كل منهما يبادر إلى إعطاء ما عليه من الحق لما لنفسه من الحظ والمصلحة، فإن من لم يعرف طرق السياسة ربما نسبوه إلى غرض وخاصمه أحد الخصمين وأخرجه عن كونه ميزان عدالة.

وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: أخلاق الزوجة على صورة أخلاق الرجل في نفسه لأنها منه خلقت، فمن جهل شيئا من أخلاقه فلينظر إلى أخلاق زوجته فإنها تغمز عليه، فإن أردت يا أخي استقامة زوجتك في الأخلاق فاستقم مع الله فيما بينك وبينه. قال: وهذا أمر قد أغفله الناس فصاروا يشكون من أخلاق زوجاتهم ولا ينتبهون لنفوسهم، ولو أنهم عرفوا ما قلناه لرجعوا لنفوسهم فاستقاموا في أخلاقها فاستقامت أخلاق نسائهم. وقد جربت زوجتي أم عبدالرحمن رضي الله عنه في أخلاقها، فلا أتعوج في عمل ظاهر أو باطن إلا وتتعوج علي في أخلاقها قهرا عليها مع أنها ذات خلق حسن، وربما أكون معها في أحسن ما يكون من حسن العشرة فيخطر في بالي فعل شيء من الشهوات فتتغير في المجلس قهرا فأعرف سبب ذلك فأرجع عنه فترجع في الحال.

وفي رسالة القشيري عن الفضيل بن عياض أنه كان يقول: إني لأعصي الله تعالى فأعرف ذلك في خلق حماري وخادمي وزوجتي، فإذا استغفرت وندمت زال ذلك الخلق السيئ فأعرف قبول التوبة، وكثيرا ما كنت أستغفر وأندم فيدوم الحمار على شموسه، والعبد والزوجة على مخالفة ما آمرهم به فأعرف أن توبتي لم تقبل.

ففتش يا أخي نفسك في الأخلاق السيئة قبل أن تشكو من زوجتك، وكذلك المرأة ينبغي لها أن تفتش نفسها ثم تشكو من زوجها. ثم إن ما ذكرناه من هذه القاعدة هو الغالب في الناس، وقد يكون بعض الأولياء مستقيما في الباطن ويبتلى بزوجته وبأصحابه وغيرهم اختبارا له وتحملا عن غيره من الناس، فربما كان غيره يتزوج تلك الزوجة فلا يتحمل أذاها. )والله غفور رحيم(.
1
461

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

حنان_1
حنان_1
مشكورة اختي على الموضوع والله يعطيك العافية :23: