دخلت لاكتب عن هذا الموضوع وقراته في الشبكة الاسلامية واحببت نقله للفائدة ..
(الشبكة الإسلامية)
ماذابعد رمضان؟ سؤال يردده الدعاة كثيرا، وذلك لما يرونه من انقلاب حال كثير من المسلمين عما كانوا عليه في رمضان من الصيام والقيام والذكر وتلاوة القرآن إلى هجر ذلك كله، والانشغال باللهو والحرام، حتى غدا هذا الأمر ظاهرة بارزة ، فبينا ترى المساجد في رمضان مكتظة ممتلئة بالمصلين القارئين الذاكرين، فإذا بها بعد رمضان خاوية إلا من النزر اليسير منهم ، وهي ظاهرة تقتضي من المصلحين وقفة مراجعة لتقويم العوج ومعالجته معالجة جذرية .
ونحاول في هذا المقال أن نضع أيدينا على بعض أسباب هذه الظاهرة ونبين طرق علاجها، حتى يسترشد بها من أراد الإصلاح ، فنقول : لعل أبرز أسباب بروز هذه الظاهرة هو تحول رمضان - في نظر كثير من المسلمين - من إطار العبادة إلى إطار العادة ، فكثير من الناس لا ينظر إلى رمضان إلا على أنه شهر تمارس فيه عادات معينة ينبغي ألا يخالف الناس في أدائها ، فتجد البعض مثلا يصوم رمضان في حين إنه لا يصلي ، وربما صلى التراويح من غير أن يقوم بالفريضة ... وهكذا، وهذا يؤيد أن هؤلاء لم يتعبدوا في رمضان إلا بمنطق العادة لا العبادة، وبالتالي فبمجرد خروج شهر رمضان يعود كل عاص إلى ما كان عليه قبل دخول الشهر .
وسبب آخر وهو ما يشعر به المسلم - ولو كان عاصيا - من أجواء إيمانية في هذا الشهر المبارك نتيجة ما ميز الله به هذا الشهر من تصفيد الشياطين وإقبال النفوس على الطاعة وتفتيح أبواب الجنان ، كل هذه الأجواء تساعد المسلم على التقرب إلى ربه، والبعد عن المعاصي والسيئات، فإذا انتهى رمضان واختفت تلك الأجواء عاد العاصي إلى ما كان يصنعه قبل دخول رمضان .
ومن الأسباب أيضا ما يتسرب إلى النفوس الضعيفة من ملل وسآمة من العبادة، ولعل المتابع يلحظ ذلك في تناقص مصلي التراويح في آخر الشهر ، بخلاف بدايته ، فالعبادة وإن كان لها أثر عظيم في طمأنينة النفس وسكونها، إلا أنها تحتاج إلى مجاهدة في الإتيان بها لمخالفتها لأهواء النفوس ورغباتها .
ولعلاج هذه الظاهرة ينبغي تعريف المسلم بعبوديته لربه، وأن هذه العبودية عبودية دائمة غير مقيدة بزمان ولا مكان ، فالمسلم مطالب بعبادته تعالى حتى يأتيه الموت، قال تعالى : { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } ( الحجر : 99 ) ، وينبغي تعريف المسلم كذلك أن شهر رمضان فضيلة تفضل الله بها على عباده ، ليزدادوا إليه تقربا ، ويسارعوا في فعل الخيرات ، فإذا وقر ذلك في نفس المسلم كان أحرص على عبادة ربه طيلة عمره فلا يقطعه عنها انقضاء شهر أو دخوله .
أما فيما يتعلق بالملل والسآمة فليعلم المسلم أن العبادة كثيرا ما تأتي على خلاف هوى العبد وشهوته، فيقتضي ذلك منه مجاهدة نفسه، وقد مدح الله المجاهدين أنفسهم في سبيله، فقال سبحانه:{ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين } (العنكبوت:69) وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ) رواه مسلم فينبغي للمسلم إذا شعر من نفسه الملل والسآمة أن لا يستجيب لها فيترك العمل كلية، ولكن ليعالج نفسه بشيء من الحكمة، فلا يمنعها الترويح والتفكه المباح، كما أنه لا يقطعها عن العمل الصالح ، ولكن لا بد من الموازنة، حتى لا تنفر النفس من الطاعة إذا أرغمها عليها العبد ، ولا يطلق لها العنان لتسبح في بحار اللهو والمعاصي دون حسيب أو رقيب ، ولكن القصد القصد وما كان التوسط في شيء إلا أصلحه . فلا بد أن تأخذ النفس حظها، ولا بد أن تأخذ الروح حظها .
أما ما يتعلق باختفاء الأجواء الإيمانية التي عمت رمضان، فينبغي أن ينظر المسلم إلى ذلك على أنه ابتلاء واختبار ، فالمؤمن في هذه الحياة مبتلى، فهو مبتلى بمجاهدة نفسه الأمارة بالسوء ، ومبتلى بوسوسة الشياطين ، فالعاقل من يجتنب مسالك الضلالة ولو أحبتها نفسه وزينها له الشيطان، ويقبل على طاعة الله سبحانه ، ولو غاب المعين عليها من الناس، فالله عز وجل لم يحدد العبادة بوقت أو زمن ولكنه أطلق الأمر بها، فالعبد مطالب بالعبودية لله حتى يدركه الموت، فينتقل من دار العمل إلى دار الجزاء ، قال تعالى : {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } (الحجر:99) .
هذه بعض أسباب تلك الظاهرة - ظاهرة التفلت من الطاعات بعد خروج رمضان - وهذه بعض طرق علاجها، وبعد ذلك لا بد لنا من كلمة نقولها لمن انقلب أو عزم على العود إلى ماض لا يرضي الله جل وعلا ، نقول له : إن نعم الله على عباده كثيرة لا تحصى ، ومن أعظم هذه النعم بلوغ شهر رمضان والتوفيق فيه للطاعة والعبادة ، فقد عشنا هذا الشهر الكريم بأيامه المباركة ، ولياليه العطرة ، فغرس في نفوسنا الخير الكثير ، فصقل القلوب ، وطهّر النفوس ، وأيقظ الضمائر ، فهل ترانا بعد ذلك ننسى كل هذا ؟ ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله ، هل ترانا نهجر القرآن ، ونقاطع المساجد ، وننسى الصيام والقيام ، ونعود إلى الغفلة والعصيان ؟ .
إن من استفاد من رمضان استفادة حقيقية لا بد وأن يكون حاله بعده خيراً من حاله قبله ، فإن من علامات قبول الحسنة، الحسنة بعدها ، ومن علامات ردها، العودة إلى المعاصي بعد الطاعات .
فاحرص - أخي الصائم - على المدوامة على الأعمال الصالحة التي تعودتها في هذا الشهر الكريم ، فإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ ، وقد سئلت عائشة رضي الله عنها كما في البخاري عن عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : " كان عمله ديمة " أي دائما مستمراً ، كالمطر الدائم الذي لا ينقطع ، وتذكر أن عمل المؤمن لا ينقضي حتى يأتيه أجله ، قال الحسن البصري رحمه الله : " إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت ثم قرأ قوله عز وجل : { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } (الحجر : 99) .
وإذا كنا قد ودعنا رمضان ،فإن المؤمن لن يودّع الطاعة والعبادة ما دام في صدره نفس يتردد ، أما أولئك الذين يهجرون المساجد مع مطلع العيد ، فبئس القوم هم ، لا يعرفون الله إلا في رمضان ، والله جل وعلا يقول : { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت } (الأنعام:162) ، فالحياة كلها يجب أن تكون لله في جميع الأحوال والأوقات والظروف .
فاجعل - أخي الصائم - من نسمات رمضان المشرقة مفتاح خير لسائر العام ، واستقم على طاعة ربك ، وداوم ولو على القليل من العمل الصالح ، واسأله الثبات حتى الممات . نسأل الله أن يعيننا على الثبات على الإيمان والطاعة، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين .
الداعية الى الحق @aldaaay_al_alhk
عضوة توعيه سابقاشعلة المجلس
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
اسال الله ان يثبتنا بعد رمضان و يجعلنا من عباده الصابرين المخلصييين