الكاتبة / رزان بنت سعد آل يحيى .
إن المرأة وأنا واحدة من هذا الجنس تقرع قلبها قبضة الاضطراب والخوف وهي ترى الحرب الضروس تطحن أخوات لها كُنَّ من السرعة حينما سقطن في شراكها ، ويتزايد نبض فؤادها بتزايد الطروحات التي تنادي بسفور المرأة واسترجالها واقتحامها ميادين الشقاء تحت شعارات شتى براقة اللفظ ضخمة والمعنى ، سقيمة المقصد بعيدة المرمى .
وفي الوقت الذي لم يألُ دعاة تغريب المرأة جهداً في النيل من ثوابت الأمة والسعي لنخر قيمها وتهشيم مُثُلها وفق خطط مرسومة ، في الوقت نفسه كان ما لدى كثير من النساء من الأهداف والطموحات والقناعات السامية القدر الضئيل !!
إنه من المؤسف ألا يكون لامرأة حازت مستوى تعليمياً جيداً أهداف واضحة .
المرأة المعاصرة ( في الجملة ) ليست مشكلتها في ماهية الأهداف فحسب ، بل في وضوح تلك الأهداف ، إنه من الندرة بمكان من يمتلكن أهدافاً واضحة ، وإذا كان فلا يوجد في بعض المجتمعات من يعمل لهدف واضح إلا نسبة 3 % ، والذين يكتبون أهدافهم أقل من 1 % ، فما نسبة النساء من بينهم ؟!
إن الضبابية التي غشت نظرة المرأة في أهـدافها شتَّتت فكرها وشتَّتت رؤاها ؛ ولكنها لا تدري ما السعادة التي تحن إليها ؟ ولا أين مظان الأنس وراحة الصدر اللذين ترومهما ؟ هي تتطلع للتميز ولو كان عن طريق موضة ساذجة أو صرخة مبتدعة ، ومرة تستشرف الكمال الذي لم تتحدد معالمه لديها بعد .
فماذا تريد المرأة من نفسها ؟!
لا أظن شيئاً أخطر على الإنسان من نفسه ؛ فهو إنما يؤتى من قِبَلها بتفريطه في معالي الأمور تارة ، وازوراره عن المبادرات تارة ، وفتوره عن العمل تارة ، وامتطائه للسلبية تارة ، وتحقيره للعظائم ، وتضخيمه للصغائر ، وركونه للأحلام والتخيلات تارات أخرى .
لم أرد بهذا الطرح كشف عيوبنا معشر نساء المسلمين ولا تعميم الحكم على بعض الأخوات من جنسي ؛ لكني أخاف على أخواتي أن يصيبهن ما أصابني عند قراءة ملف ( ماذا يريدون من المرأة ؟) الذي نشرته مشكورة مجلة البيان ؛ فقد بدأ يداخلني وأنا أقرأ هذا العنوان وأتملى ما كُتب فيه أن ما أصاب بعض النساء من انحراف في السلوك وضعف في الاهتمامات ما كان سببه الخطوات ( المقننة ) التي حاكتها أصابع لفيف من المستغربين من العلمانيين واليساريين والشهوانيين فقط ، دون تحميل المرأة ذاتها مسؤولية ما كان وما سيكون ، ودون محاولة إلقاء الضوء على جهودنا الدعوية القاصرة ؛ إذ كدنا ننسى مع موجة ( اتهام الآخر) أن ما قدمناه للمرأة في ميزان الأعمال الناجحة ضئيل للغاية ؛ ولذلك رغبت في التنبيه على أن المرأة نفسها بسبب أنها قد تجهل الغاية التي خُلقت من أجلها ، والطبيعة التي فُطرت عليها ، والمقاصد السامية التي رُسمت لها بسبب ذلك : لم تدر ماذا يراد منها ولا ماذا يراد لها ، ولا ماذا تريد هي من نفسها ؟! فحيناً تنتابها رغبة جامحة لأمر ما فتنسى عقلها ، أو تفيض عاطفتها بشيء يعصف بضده فتعيش أمواجاً متلاطمة تظن أنها تفتت الصخر ، وإنما هي جعجعة بلا طحن .
ولم يكن هذا الذي تعيشه المرأة إفرازاً فطرياً بحتاً ، أو نشاطاً تغريبياً فجاً ، أو تعمية إعلامية فنية ؛ إنما كان نتيجة حتمية لواقع العمل الدعوي النسائي ، وصورة عكسية للجهود الفاترة في صفوف الفتيات ، وهذا فيما أظن لا يتحمله الرجال وحدهم ؛ فإن ما قدمه الرجال ويقدمونه لن يؤثر في النساء بالدرجة الفعلية ما لم يكن فيهن من يترجم الأفكار إلى اللغة التي تفهمها المرأة ، ويلامس عاطفتها ويفهم نفسيتها وفق القواعد الشرعية المعتبرة .
وهذه طائفة من العناصر أرى أن في إشهارها مشاركةً في رسم مشروع استدراك بناء المرأة ؛ حيث تمر المرأة بصعوبات في الدعوة والتربية ما أيسر تخطيها على من وفقها الله .
ومن أهم هذه الصعوبات :
1 - أن تجربة المرأة في الدعوة إلى الله وفق الأساليب المعاصرة جديدة تفتقر إلى التعرف على التجارب السابقة ؛ ونظراً لأن كثيراً منها تجارب لم يتحدد الحكم الشرعي فيها بعد ، أو كانت تجارب رجالية ؛ فإن تواصل المرأة مع الرجل من غير محارمها يتعرض لحساسيات شرعية جديرة بالبحث عن علاج .
2 - وحينما تكون المحاضن التربوية التي تقوم على العناية بالمرأة نادرة يتضح مدى حجم المعاناة التي تعانيها الداعية أو من تحمل همَّ الإصلاح .
3 - يزيد المعاناة قلة الوسائل الإعلامية ذات الطابع المحافظ التي تعنى بالمرأة باعتبارها ذات رسالة وهدف ساميين .
4 - ورابع الصعوبات أن المرأة ذات طبيعة خاصة ؛ فالأصل في حقها القرار في البيت ، واشتغالها بمصالح المنزل والزوج والأولاد ، وقد يضاف إلى ذلك انشغالها بأعباء الوظيفة المناسبة لها ولفطرتها .
5 - يزيد الأمر سوءاً تعلق نفوس بعض النسوة بالموضة وتتبُّعهن لها ، أو تَطلُّع بعضهن إلى مجاراة بعض أخواتهن في شكليات لاترقى أن تزاحم قناعات يُفترض رسوخها .
6 - من الصعوبات أيضاً حساسية بعض الداعيات المفرطة من النقد ، وغلبة الحياء والخجل .
7 - الشعور باليأس في مقابلة السيل الهادر من الغزو الموجه ، وتعدد صور الانحراف السافر .
8 - عدم استشعار حجم التغريب الموجه ؛ بعدم الاطلاع على وسائله ومخرجاته .
9 – قلة المعين والناصر والموجِّه ، وبخاصة أقرب الناس لها كالزوج أو الأب أو الأخ .
هذا وإن من العوامل المؤثرة في تصحيح الوضع الراهن ما يلي :
1 - إيجاد معهد لتخريج الداعيات تتولاه وزارات الشؤون الإسلامية (1) أو رئاسة تعليم البنات ، أو المؤسسات الخيرية ذات الاهتمام بالمرأة وشؤون الأسرة .
2 - تطوير الدور النسائية لتحفيظ القرآن الكريم ، وتعميمها في شتى بلاد المسلمين ، وتوسيع دائرة المستفيدات منها ، وتصحيح مفهوم قصرها على حفظ القرآن الكريم دون التأثر به والتدريب على العمل بما فيه ، وخدمتها إعلامياً ، وإقناع الناس بأثرها على بناتهم .
3 - أهمية قيام مراكز الدعوة بتخصيص قسم مميز يهتم بالمرأة وقضاياها ، ولا يكون مجرد مكتب للخادمات ونساء الجاليات ! ! ويراعى في إعداده وتصميمه الأحكام الشرعية ، والجوانب التي تهتم بها المرأة .
4 - كفالة الداعيات أسوة بالدعاة ، وتوفير البديل عن الوظائف الرسمية ، لتحقيق التفرغ .
5 - إبراز جهود العاملات في حقل الشؤون الدعوية والتربوية التي تشارك في توجيه الداعيات والمبتدئات منهن ، وتعمل على فتح آفاقهن عن طريق الهاتف ، والهاتف المجاني .
6 - تكثيف البرامج الترغيبية في مشاركة المرأة في الدعوة .
7 - تكثيف المدارس الصيفية للطالبات التي يتولى الإشراف عليها نخبة من أهل العلم والدين .
8 - على مراكز التسجيلات الإسلامية توفير الإصدارات السمعية والمرئية الدعوية والتربوية الموجهة للمرأة والأسرة والعناية بها بشكل يرغب في اقتنائها .
9 - الاهتمام بالفتيات في المرحلة العمرية ( 15 ـ 25 ) ؛ فالمرحلة العمرية التي يمررن فيها منعطف خطر .
10 - إصدار مجلات إسلامية ، واستكتاب النساء بأسمائهن الصريحة فما دام أن ما يكتبنه خيراً فلماذا يُتحفظ على الأسماء بلا مسوِّغ .
11 - العمل على تطوير قدرات النساء متوسطات المحافظة وعاليات المحافظة للوصول إلى درجة الداعيات الفاعلات .
إلى غير ذلك من المقترحات التي من شأنها تعريف المرأة بماذا تريد من نفسها ؟ فتعمل على رسم أهدافها وإيضاحها لها ، وتنتفع بها في توسيع مداركها وترقية اهتماماتها ، ويصبح لديها من الإيمان بالمنهج الذي فطرها الله عليه ما يبعثر الأطروحات العلمانية ، ويكشف عوارها ، ويفضح مغالطة المتأثرين بها ، والله أعلم وأحكم وهو الهادي إلى سواء السبيل .
الهامش :
(1) الألفاظ التالية ( تتولاه .. على ) ليست على جهة الأمر باعتباره أمراً لكن ثبت بالتجربة الحية أن الأفكار التي تبنى للمجهول ولا تسند لجهة ما يكون مصير تنفيذها عالم المجهول ، وقد تركت بالفعل إسناد بعض الأفكار ؛ لأن من يمكنه فعل ذلك كثير ؛ فتركت الإسناد لكثرة من يجب عليهم .
المصدر : مجلة البيان ، العدد : (159) ذو القعدة 1421 هـ .
أنوار المدينة @anoar_almdyn
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
جزاك الله كل خير اختي وبارك لك