ويبقـى الـوطـن

من تراكم الحصى يخرج الصخر، ومن تراكم الصخور تتكون الجبال،ومن تجمع قطرات المطر تتكون الأنهار ، ومن تراكم الضغط يخرج البركان ، لقد ملت الأقلام وتعبت الأصوات بحثا عن موقف ، فقد تسرب الخوف إلى قلوبنا جميعا حرصا على أشياء هي أهم عندنا من الأبقي لنا،فنحن أما أغنياء نخشى على أموالنا من تغير سعر صرف الدولار أكثر من خشيتنا من تحول الله عنا..

وأما فقراء ناقمون على اغنيائنا لا هم لنا سوى معرفة كيف وصل الأغنياء الى تكوين ثرواتهم،والفريق الثالث متأرجح بين هذا وذاك،لا أقول ان الدنيا دخلت علينا فحسب ،بل اننا لم نعد نفكر مجرد تفكير في سواها، وعلى الرغم من اننا الأفضل إلا اننا لا عز لنا إلا بترك ما حرص عليه من أهلكهم الله بذنوبهم.

هل تمكن الخوف منا لدرجة اننا لم نستطيع ان نمنعه عن ابنائنا؟ وأنى لنا نكون من دونهم؟ وكيف لهذه الأمة أن تعود الى سابق عزها،إن لم نتمكن من تربية أجيال لا نخشي سوى الله؟!

إننا لم نستطيع ان نربي أطفالنا على الشجاعة والمواجهة، بل ربينا فيهم الجبن والخوف حتى في تصرفاتهم العادية..ندفعهم دفعا الى الكذب لتبرير أخطائهم ..لم نعلمهم إن هناك فرقا بين الحلال والحرام، وبين الحق وما سواه.. لم نرب فيهم الانتماء والافتخار، وإن كان على اطلال ماضٍ لا نحمل سواه.

ان اكثر ما نخشاه على أطفالنا ان يكونوا جواءا منهم، لقد تحدثت يوما مع امرأة تنتمي لهذا الجيل ،وهي تتكلم عن المرأة الفلسطينية بكل تعجب ، فكيف تسمح الفلسطينية لأبنائها ان يخرجوا ويدافعوا عن بلادهم،على الرغم من علمها بأنها لم تراهم مرة أخرى؟ كيف طاوعها قلبها على ذلك السلوك؟!

تعجبت كثيرا من المواقف الأحادية التي يعيشها العالم العربي، فالكل لا يفكر إلا في نفسه وأعداؤنا لا يفكرون إلا في تدميرنا ،يجتمعون جميعا علينا،ونحن نأبى ان نجتمع.قلت لها: ان السيل القادم علينا من أعدائنا قوي،ان لم نجمع صدرونا للتصدي له، فهذا الوقت ليس وقت الأنانية، فالخطر يهدد الكل، والدائرة تضيق!

لقد جاء الدين الإسلامي ليحمي معتنقيه ويجمعهم، ويجعل كل واحد منهم حريصا على أخيه أكثر من حرصه على نفسه،وبذلك تقوم الأمة ولا تندثر،وقياسا على ذلك ، يجب ان نحرص على أوطاننا أكثر من حرصنا على أنفسنا،فالإنسان ينتهي، ولكن الوطن يبقى ، فلا تفرط في شيء منه، فليست القضية هل نملك كثيرا أم لا ، ولكنها تتمحور حول مقولة : من فرط في القليل فرط في الكثير..