يآآآآرب قربك أنسي

ملتقى الإيمان

"]الأنس بالله والشوق إليه
ليس في الوجود لذة أعظم من لذة الأنس بالله ولا لوعة أحر من لوعة الشوق إليه ، أي لذة سمعت عنها أو عن صاحبها فمهما قيل عنها فلا تعدل شيئا ،وحتى لو جربتها فلذة الأنس بالله فوق ما جربت ، وأكبر مما تتصور .
الأنس بالله والشوق إليه جعل أكل تمرات في لحظات حياةً طويلة ،وجعل الخروج من الدنيا وإزهاق الروح والقتل فوزاً ورب الكعبة .
والأنس بالله يعني معرفة الدنيا على حقيقتها فلا تعدو قدرها ، ولا تتجاوز حدها ، ولا تأخذ أكبر من حجمها ، فلا تستحق الهم والضجر والبكاء لأحزانها ، كما لا تستحق الفرح بل الابتسام لأفراحها ......... إذ حقيقتها أقل مما نتصور ، فحزنها سيذهب وفرحها ذاهب .
الأنس بالله والشوق إليه إذا شَرِب منه قلب المؤمن شربة لا يظمئ بعدها أبدا ، وإذا أكل منه وجبة لا يجد فيه ولا منه أذى ، وهو سراج إذا استنار به قلب المؤمن فقل على الضيق والضجر والكرب : السلام ،
فقلب المستأنس بالله في حياة أخرى فهو لله وبالله ومع الله وإلى الله ..... فبِرِبّك من كان الله معه ممن يخاف ؟؟؟ ومن كان الله عليه من يرجو ؟؟؟
يا لذة المستأنسين بالله ، ويا هنيء عيشهم ، وطرب أفئدتهم ، وقرة أعينهم .
لعلك سمعت وربما رأيت من يقوم الليل كلّه أو حتى نصفه أو ثلثه ،،، ولعلك تساءلت أي قوة عند هؤلاء ؟؟!! ألهم أرْجل من حديد ، أم أن قوتهم فاقت غيرهم ، أم ماذا ؟!
وأصل الحكاية أن أُنسهم بالله أنساهم ألم أقدامهم ، بل جعل للألم لذة !! فهم في ساعات لو يعلم بها أهل الأموال والباحثين عن السعادة لاشتروها بكل أموالهم .
ولعلك سمعت بالقول المأثور (( لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف )) أو تظنهم في عيش رغيد أو طعام وشراب ... لو كان كذلك فما عند الملوك قد لا يخطر ببال أحدهم فضلا على أن يراه ، لكن الذي عندهم هو : الأنس بالله ، فهم في حياة سعيدة ...... لفظي وكلمي يحرجني فيقف عاجزا عن وصفها فاعذروني .
الأنس بالله قوت ....... وأي قوت ... قوت للقلوب والأبدان والأسماع والأبصار .. أظنك اطلعت على قول الشُّراح في معنى قوله صلى الله عليه وسلم (( أبيت يطعمني ربي ويسقين ....)) في حديث الوصال والذي فيه : (لستُ كهيئتكم ) ، مما ذكر أهل العلم في تفسير الطعام والشراب هنا أنه ليس طعاماً ماديا مما نعرف بل هو الأنس بالله ولذة مناجاته وذكره حتى أنه يشبعه ويرويه من جوع وظمأ .
وللتقريب : هل جربت أن غاب عنك حبيب ( أخ ، قريب ، صديق ) المهم غاب عنك فترة حتى اشتقت إليه ثم التقيتما وجلستما تتحدثان وتعيدان الذكريات ....... ومرّ بكما الوقت ولم تشعرا به ولم تنتبها إلا على صوت طارقٍ أو منبهٍ أو مؤذنٍ مثلا .
ما الذي أنساكما ربما حتى الطعام ............. ربما أدرككما الفجر وأنتما على الجلسة ......... أظننا على اتفاق أنه الأنس .............. للتقريب،،،،،،،،، ولله المثل الأعلى
*
&
أهل الأنس بالله والمشتاقين إلى لقائه قومٌ جعلوا من أوامر مثل : " سابقوا " و " سارعوا " و " بادروا " ونحوها ، جعلوا منها منهجا يوميا وبرنامجا اعتياديا ، حتى قيل في مثلهم " لو قيل له أن الساعة تقوم غدا ما زاد في عمله شيئاً " لا لأنه يأس أو عجز ، ولكن لأنه بلغ القمة في ما يستطيع تقديمه وعمله شوقا إلى ربه ، فهو يقوم بوسعه واستطاعته على كل حال .
وأهل الأنس والشوق لله ومع الله بشر مثلنا ويعيشون مثلما نعيش ولهم من الأعمال والوظائف والأشغال الدنيوية مثلنا وربما أضعاف ما عندنا ، ويفرحهم ويبكيهم ما يفرحنا وما يبكينا ، لكنهم معنا وفينا بأبدانهم أمّا قلوبهم فقد سلموها لمقلبها فلذا يمكن أن نقول لهم حياة أخرى فهنيئا لهم .
أيها الأخوة : الشوق إلى الله والأنس به نعمة وأي نعمة من رزقها فقد فاز فوزا عظيما ، يرزق الله منها من يشاء ويمنع من يشاء ، حكيم خبير ، " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " لكن لها أسباب تؤدي إليه أمَلا في الوصول وطمعا في الفوز بفضل من الله ومن تلك ألأسباب :
معرفة حقيقة الدنيا وحقيقة النفس ومعرفة الله سبحانه وتعالى ، فمن عرف الدنيا على حقيقتها التي بينها الله في كتابه في آيات كثيرة ، وعرف النفس البشرية وما ينفعها وما هو خير لها ،كما يعرف ما يضرها وما هو شرٌّ لها ، من عرف الدنيا وعرف نفسه عرف ربّه .
فمن تيقّن أن الدنيا إلى زوال ، ونعيمها مهما طال بقاؤه إلى تراب ، خفّ تعلق القلب بها ، ومن عرف أن النفس راحتها في تعبها ، وعزها في إذلالها لربها ، وأن سعادتها الحقيقية في قربها من ربها ، وأن حياتها تكون بعد موتها وانتقالها من هذه الدنيا، من عرف هذا وذاك ، عرف أن لذته وسعادته وحقيقته مع ربه فيشتاق إليه ويأنس بذكره جعلنا الله وإياكم ممن يأنس به .
والأنس بالله جنة في الدنيا يثمر الرضا بقضاء الله ، واطمئنان القلب لأقداره ، ويقوي محبة لقائه ، ومن أحب لقاء الله أحب اللهُ لقاءه .
ومما يجلب الأنس بالله بإذن الله الاشتغال بذكره ، ودوام مراقبته ، ومجاهدة النفس في ترك معصيته ، والانكسار والبكاء سجودا إليه ، وأعظم السجود سجود القلب ذليلا منكسرا مراقبا خاشيا منيبا ، فلو سجد القلب لله فلا يرفع رأسه أبدا وتلك أعظم لذة يجدها القلب في حياته أن يبقى ساجدا لله بما ذُكر .
ولا تظن – ختاماً – أن الأنس بالله يعني الانقطاع عن الناس وانعزال حياتهم والخلوة المفرطة ، وترك أسباب المعاش ، لا ، وأظن أننا أشرنا إلى أن المقصود حياة وتعلق القلب وإن كنتَ في الأسواق تبيع وتشتري .
أظنك سمعت بقصة ذلك التاجر الذي ظلّ أربعين سنة صائما وأهله لا يعرفون ، فقد كان في الصباح يخرج من عندهم ومعه فطوره فيتصدق به في الطريق ويصل دكانه ويظن جيرانه أنه أفطر مع أهل ثم يعود في المساء إلى أهله ويتناول العشاء معهم على أنه عشاؤه ....... وهكذا .
وحتى لا أنسى فمما يمنع الأنس بالله تسليم القلب لغير الله
اللهم ارزقنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ومن اليقين ماتبلغنا به جنتك ............
&&&
تأَمَّلتُ في حال السلف " رحمهم الله جميعاً " , ( فوجدتُ أكثرهم لا يقوى على مخالطة الخلق فهو يفر إلى الخلوة ليستأنس بحبيبه ، ولهذا كان أكثرهم يطيل الوحدة .
وقيل لبعضهم : ألا تستوحش ؟ قال : كيف أستوحش وهو يقول : أنا جليس من ذكرني ؟.
وقال آخر : وهل يستوحش مع الله أحد ؟.
وكان يحيى بن معاذ كثير العزلة والانفراد فعاتبه أخوه فقال له : إن كنت من الناس فلا بد لك من الناس ، فقال يحيى : إن كنت من الناس فلا بد لك من الله .
وقيل له : إذا هجرت الخلق مع من تعيش ؟ قال : مع من هجرتُهم له .
وأنشد إبراهيم بن أدهم :

هجرت الخلق طراً في هواكا * وأيتمت العيال لكي أراكا

فلو قطعتني في الحب إرباً * لما حن الفؤاد إلى سواكا

وعوتب ابن غزوان على خلوته فقال : إني أصبت راحة قلبي في مجالسة من لديه حاجتي ) .
..باختصار من كتاب كشف الكربة في وصف أهل الغربة ..
للإمام الحافظ
" أبي الفرج ابن رجب الحنبلي"


* وقال بعض السلف : إذا وجدتَ نفسك تستأنس بالناس وتستوحش من الوحدة فاعلم أنك لا تصلح له . "أي لله عز وجل " .

فاللهم إنّا نسألك الأُنس بقربك ..
3
430

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

آنسة بكتريا
آنسة بكتريا
فاللهم إنّا نسألك الأُنس بقربك
لحن الشتاء
لحن الشتاء
جزاك الجنان ومنازل الرحمن وجعلنا واياك ممن يبشرون بروح وريحان ورب راض غير غضبان
ببسي
ببسي