في قلب خميس مشيط شمال طريق الملك فهد يقع حي "العرق" الذي يعج بفوضى عارمة في الشوارع والمنازل ، وسكان يعانون الفقر ويفتقر بعضهم للهوية بالإضافة لأعداد كبيرة من العمالة الوافدة التي اتخذت من ذلك الحي مستوطن لها لقربه من البلد فأختلط الحابل بالنابل في ذلك الحي .
الفقر والمعاناة تطارد المواطنين الذين يبحثون منذ عشرات السنين على ما يثبت هويتهم وكل ما يملكونه ورقة صغيرة تحمل توقيع شيخ الشمل وختم المركز التابعين له بأنهم سعوديين .
أطفال شبه عراه جائعون تطاردنا نظراتهم منذ ولوجنا ذلك الحي الذي يشبه أحد الأحياء الإفريقية الفقيرة حاولنا بداية الدخول بالسيارة ولكن عشوائية الطرق وضيقها جعلتنا نترجل داخل الحي وكل ما توغلنا في الحي وجدنا أسوأ مما شاهدناه وبدت المنازل من الخارج وكأنها مهجورة منذ عشرات السنين ولكن المفاجأة الكبرى أننا كل ما نقترب من أحدها ونمعن النظر فيه نجد بداخله حركة وتفتح بعض النوافذ الصغيرة والأبواب الغائرة في التراب وبعضها دون مستوى الشارع ، كثرة النظرات لنا جعلتنا نوجس خيفة ولكننا واصلنا المسير ونظراتهم تطاردنا ولسان حالهم يقول ماذا تردون ومن أنتم ؟
في أحد تلك الأزقة الضيقة شاهدنا شاب يجلس أمام باب منزل متهالك وقد ربط بسلسة في يده وطرفها الآخر في العمود و يردد أغنية "آه يالجراح" وعندما اقتربنا منه حذرنا بعض الأطفال منه وقالوا "أنه مجنون" اقتربت منه وسألته عن إسمه قال "أنا صلبي" ثم تراجعت قليلاً وسألت أحد المارة عن وضع ذلك الشاب قال إنه مريض ولكنه لا يؤذي أحد عندما تكون حالته مستقرة وأشار لشاب آخر وقال ذلك أحد أخوته ، طلبت منه الحضور إلينا فأتى مهرول وكان يعتقد أنني أحمل له طعاماً أو صدقة عندما شاهد الكميرا بيدي سألته عن والده قال لا نعلم عنه ذهب ولم يعد !
وماذا عن أخيك "صلبي" ومن الذي قيده قال هو يعاني من حاله نفسية صعبة وهذه السلسة نربطه فيها إذا كان تعبان .
طلبت من يحي الأخ الأصغر لصلبي أن يفك قيده وافقني على الفور وقال لن يؤذينا .
نهض "صلبي" وقام بمصافحتي وكان لطيف ورحب بنا وكانت حالته طبيعية طلبت منه الدخول لمنزله وافقني وأخيه وكانا يعتقدان أنني سأقدم لهم فرش للمنزل أو طعام ولكنني أوضحت لهما الأمر فرحبا بذلك ولكنهما لم يعرفا ما هي الصحيفة !
طلبا منا الانتظار قليلاً ثم أذن لنا بالدخول ذلك المنزل المكون من ثلاث غرف سقف إحداها السماء يعيش داخلها سبعة أفراد ثلاث بنات وثلاثة أولاد تعولهم والدتهم المرضية منذ عشر سنوات لم نجد الأم كونها "منومة" في المستشفى بسبب مرض في القلب ووجدنا تقرير طبي يفيد بإصابتها "بإكتاب نفسي" منذ عام 1414 هـ شرحت لنا أخت صلبي حالة والدتها وعند ما قالت مريضة بالقلب يردد "صلبي" بصوت مرتفع ومخيف ( القلب , القلب , القلب ثم سقط على الأرض ) وهو متأثر بوضع والدته التي ترعاه وأخوته وتنفق عليهم من أيدي المحسنين.
تخوفت من وضع "صلبي" الذي قام مرة أخرى وهو يبتسم ويضع أصبعه الوسطى داخل فمه ويضغط بها على آخر لسانه ثم يقودني إلى غرفته الحديدية متباهياً بها لأنهم حديثاً وضعوا له بها نجفه كهربائية وهي عبارة عن غرفة مصمتة بصفيح حديدي وعلى بابها سلاسل حديدية يتم غلق الباب عليه في حال الأزمة النفسية كما ذكروا أخوته .
لا تعرف هذه الأسرة التلفزيون أو وسائل الإعلام ومطبخ المنزل في المدخل ولا يوجد به أدنى مقومات الحياة .
أسرة "صلبي" يدفعون إيجار ذلك المنزل المتهالك سبعمائة ريال شهرياً من الهبات التي تصلهم تارة وتنقط تارة أخرى ، وأخذنا شقيق "صلبي" الأصغر لجولة داخل الحي الفقير وكل ما وجدنا أسرة وجدنا معها معاناة جديدة وقصة مؤلمة والعامل المشترك بين جميع أسر ذلك الحي الفقر والجوع ، فالمنازل مستأجرة والأكل والشرب من أيادي أهل الخير وتمتد المعاناة في العديد من تلك الأسر في وصول الأطفال لسن الدراسة حيث يعيشون بلا هوية وكل ما يملكه البعض هناك ورقة صغيرة مصدقة من شيخ شمل بأن حاملها سعودي الأصل والمنشأ فتبدأ مع من رغب في تعليم أبناءه معاناة جديدة في إثبات هويتهم وقبولهم بالمدرسة ، ففي أحد تلك المنازل المخيفة التي تضم عائلة مكونة من خمسة أفراد لا يملكون سوى الفقر والمرض وورقة صغيرة وهي عبارة عن مشهد بأن الأب سعودي الأصل وعليها ختم شيخ القبيلة التابع لها وأكد الأب أنها أثباته الوحيد وليس لدية بطاقة أحوال أو كرت عائلة ولدية معاملة منذ 1422 هـ ولم تنتهِ بعد .
تجولنا داخل منزل "مغيدي م . ر" فلم نجد سوى فتات الخبز الذي أكد أنهم يأكلون منه من يومين وليس لديهم غيره واصلنا المسير للمطبخ الذي يحتوي على ثلاجة متآكلة بالصدى من أطرافها وخالية من الأطعمة ، وأثاث المنزل ممزق وقديم وبعض الغرف خالية تماماً من الأثاث والفرش .
مغيدي أبدى معاناته مع الفقر بالإضافة إلى معاناة أخرى تتمثل في مرض إبنه الصغير الذي لم يستطع علاجه بسبب عدم وجود هوية رسمية لديه والمستشفيات الخاصة لا يستطيع دفع متطلباتها .
منزل آخر لم يكن أصحابه أحسن حال من المنازل التي زرناها ولكن معاناة أنثوية هذه المرة حيث تسكنه امرأة مطلقة وطفليها الصغيرين دون عائل وقالت : "طلقني زوجي وهرب ولا أعرف أحد حيث توفي والدي ووالدتي وليس لي أحد غيرهما فأنا هنا مطالبة بالإيجار وإطعام أطفالي من أيد المحسنين أمام المسجد والمارة " .
مدرسة الحي المؤسسة التربوية تتابع طلابها داخل المدرسة وخارجها بهبات المحسنين
ولأن المدرسة هي مؤسسة تربية تعتني بالطلاب وتتابعهم من خلال الإرشاد الطلابي فقد توجهنا لمدرسة الحي التي كانت مثالاً حي للتكافل الاجتماعي المثمر والبناء ففي البداية جمعنا بعض المعلومات العامة عن طلاب المدرسة المعسرين والذين يعانون من الفقر وكذلك الطلاب الذين لديهم ظروف اجتماعية خاصة تقف دون تعليمهم .
مدير المدرسة بالحي الذي لم تنقصه الصراحة والجرأة في كشف بعض الخيوط الهامة بهدف تحسين وضع تلك الأسر المحرومة حتى من الهوية ، حيث قال : "المدرسة هي مركز إشعاع وتنوير وتفتح للعقول ودورها في الحي يجب أن يكون الدور الايجابي فلا تقتصر على تعليم الطلاب داخل الفصول وإنما يجب أن يتعدى ذلك إلى الخارج فهو الحي الذي يعيش فيه الطالب وأن نتلمس احتياجاته ومن أهمها النفسية فنهيء له الجو المناسب ونساعده على حل مشاكله بقدر الاستطاعة بحيث لا تتعارض مع بعض الخصوصيات في الأسر ، وتكون الدراسة ونتائجها في منتهى السرية ، وقد لوحظ من الدراسات وجود عقبات تعترض الطالب ومن أهمها الفقر والتعدد بغير القدرة مما ينتج عنه الطلاق وتفكك الأسر ـ كثرة الأبناء ورب الأسرة غير موظف .. .. إلخ .
فتقف المدرسة مع مثل هذه المشاكل بمشروع يسمى الصندوق التعاوني الخيري المدعوم من إدارة المدرسة ومنسوبيها ، فلا يخفى على الجميع ما للمدرسة من دور تربوي فعال تجاه أبنائها التلاميذ وانطلاقاً من قوله صلى الله علية وسلم "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " ..
فقد قدمت المدرسة ثلاثة مشاريع هامة :
أولاً : الأب التربوي البديل
نظراً لما تمر به بعض الأسر من مشكلات أسرية كوفاة أحد الوالدين أو الطلاق أو التفكك الأسري من جوانب أخرى ( سجن الأب , الإدمان , الإعاقة , المرض المزمن ) فيكون المعلم في مقام الأب البديل في هذه الحالة محاولاً تقديم ما يستطيع تقديمه للطالب ريثما تتحسن ظروفه الأسرية أن شاء الله تعالى .
ثانياً : مشروع كسوة التلاميذ الأيتام والمعوزين
يقوم المعلمون بالتعاون مع إدارة المدرسة بعمل الصندوق التعاوني ويدعمونه كل عام للاستفادة من ريعه لصالح التلاميذ ومنها مشروع الكسوة وذلك من خلال حصر التلاميذ المستحقين وأخذ مقاساتهم المناسبة لهم وتوزيع الكسوة عليهم في سيرة تامة دون علم زملائهم الآخرين .
ثالثاً : مشروع أطار طالب
لوجود عدد من الطلاب تحول ظروفهم المادية القاسية دون فطورهم مع زملائهم في المدرسة فقد تم حصر عدد الطلاب المحتاجين ويسلم كل طالب منهم كرت خاص يقدمه للمقصف المدرسي بشكل يومي ليحصل على وجبة إفطار مجانية .
فهذا واجب من واجباتنا وحق للطالب علينا ، وعن كيفية التعامل مع الطلاب السعوديين الذين لا يملكون هوية داخل المدرسة قال : يتم التعامل مع هذه الفئة وفـق توجيهات الإدارة العامة للتربية والتعليم بعسير المبنية على توجيهات مقام إمارة منطقة عسير في هذا الخصوص .
وعن أعداد طلاب هذه الفئة ونسبتهم في المدرسة وما هو السبب وراء ذلك ؟
قال لا نستطيع الحديث في هذا الجانب فهناك جهات أخرى معنية بذلك .
وعن مدى تأثير الفقر على تحصل الطلاب العملي قال : "بكل تأكيد أن تحصيل الطلاب الدراسي مرتبط ارتباط تام بمستوى التغذية والحالة الاجتماعية والنفسية للطالب فكل ما زاد الفقر زاد التأخر الدراسي فهناك تناسب طردي بين الفقر والتأخر الدراسي والعكس صحيح" .

فتات الخبز قوت أهل المنزل

منازل من الخارج مهجورة ومن الداخل تعج بالمعاناة والفقر والمرض

إعداد وجبات داخل البقالة الوحيدة بطريقة بدائية

مدخل الحي وتبدو عشوائية المباني

سوق الحي وبداخله تعد الاطعمة بشكل يفتقر للشروط الصحية

صلبي مسلسل(مربط بالسلاسل) أمام باب المنزل


الثلاجة خالية ومهترئة

منزل آخر من الحي يعكس وضع الحي

فرشة المنزل الوحيدة تتكر في كل المنازل التي شاهدنا
لاتنسول قول الرسول صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه )
ماانتهينا من مأسأة اهل الشمال وعرعر حتى صدمنا بالوااااقع المر في الجنووووووب
نتمنى ان تصل الصوووور الى العائلة الحاكمة ..