
كن كالصحابة في زهد وفي ورعٍ القوم هم ما لهم في الناس أشباهُ
عُبَّاد ليل إذا جنَّ الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراهُ
وأُسْدُ غابٍِ إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون رؤياهُ
يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيِّدوا لنا مجداً أضعناهُ

أنس بن مالك رضي الله عنه دعا له النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم أكثر ماله
وولده وبارك له ، وأدخله الجنة )

أنس بن مالك بن النَّضر الخزرجي الأنصاري ، ولد بالمدينة ، وأسلم صغيراً كناه النبي صلى الله عليه وسلم بأبي حمزة
كان أنس بن مالك في عمر الورد حين لقنته أمه (( الغميصاء )) الشهادتين , و ملأت فؤاده الغض بحب نبي الإسلام
محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة و أزكى السلام ...
فشغف أنس به حباً على السماع .
ولا غرو , فالأذن تعشق قبل العين أحياناً ...
وكم تمنى الغلام الصغير أن يمضي إلى نبيه في مكة أو يفد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم) عليهم في ((
يثرب )) ليسعد برؤياه و يهنأ بلقياه .
وفي ذات صباح شذي الأنداء, نضير الرواء, هتف رجال في (( يثرب )) إن محمداً و صاحبه غدوا قريبين من المدينة.
فطفق الرجال يتجهون نحو الطريق الميمون الذي يحمل إليهم نبي الهدى والخير ...
ومضوا يتسابقون إليه جماعاتٍ جماعاتٍ , تتخللهم أسراب من صغار الفتيان تزغرد على وجوههم فرحة تغمر قلوبهم
الصغيرة , و تترع أفئدتهم الفتية ...
وكان في طليعة هؤلاء الصبية أنس بن مالك الأنصاري.
أقبل الرسول صلوات الله وسلامه عليه مع صاحبه الصِّدِّيق , و مضيا بين أظهر الجموع الزاخرة من الرجال والولدان ...
أما النسوة و الصبايا الصغيرات فقد علون سطوح المنازل , وجعلن يتراءين الرسول صلوات الله وسلامه عليه و يقلن :
أيهم هو؟! ... أيهم هو؟!.
قكان ذلك اليوم يوماً مشهوداً ...
ظل أنس بن مالك يذكره حتى نيف على المائة من عمره

خدمة الرسول صلى الله عليه وسلم
يقول أنس -رضي الله عنه- : أخذت أمّي بيدي وانطلقت بي الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت : ( يا رسول
الله إنه لم يبقَ رجل ولا امرأة من الأنصار إلا وقد أتحفتْك بتحفة ، وإني لا أقدر على ما أتحفك به إلا ابني هذا ، فخذه
فليخدمك ما بدا لك ) فخدمتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين ، فما ضربني ضربةً ، ولا سبّني سبَّة
، ولا انتهرني ، ولا عبسَ في وجهي ، فكان أول ما أوصاني به أن قال : ( يا بُنيّ أكتمْ سرّي تك مؤمناً ) فكانت أمي
وأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألنني عن سِرّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا أخبرهم به ، وما أنا
مخبر بسرِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحداً أبداً

حياته في كنف الرسول صلى الله عليه وسلم
كان أنس بن مالك أو (( أُنَيْسٌ )) - كما كانوا ينادونه تدليلاً - في العاشرة من عمره يوم سعد بخدمة النبي صلوات الله
وسلامه عليه .
وظل يعيش في كنفه ورعياته إلى أن لحق النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) بالرفيق الأعلى .
فكانت مدة صحبته له عشر سنوات كاملات , نهل فيها من هديه ما زكى به نفسه , ووعى من حديثه ما ملأ به صدره ,
و عرف من أحواله و أخباره و أسراره و شمائله ما لم يعرفه أحد سواه .
و قد لقي أنس بن مالك من كريم معاملة النبي صلوات الله وسلامه عليه ما لم يظفر به ولد من والد ...
وذاق من نبيل شمائله , و جليل خصاله ما تغبطه عليه الدنيا .
فلنترك لأنس الحديث عن بعض الصور الوضاءة من هذه المعاملة الكريمة التي لقيها في رحاب النبي السمح الكريم
(صلى الله عليه وسلم) , فهو بها أدرى , و على وصفها أقوى ...
قال أنس بن مالك :
كان رسول الله صلوات الله وسلامه عليه من أحسن الناس خلقاً , و أرحبهم صدراً . و أوفرهم حناناً ...
فقد أرسلني يوماً لحاجة فخرجت , وقصدت صبياناً كانوا يلعبون في السوق لألعب معهم و لم أذهب إلى ما أمرني به ,
فلما صرت إليهم شعرت بإنسانٍ يقف خلفي , و يأخذ بثوبي ...
فالتفت فإذا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يتبسم و يقول :
( يا أنيس أذهبت إلى حيث أمرتك؟ ).
فارتبكت و قلت : نعم ...
إني ذاهب الآن يا رسول الله ...
والله لقد خدمته عشر سنين , فما قال لشيءٍ صنعته : لم صنعته ؟! ...
ولا لشيءٍ تركته : لم تركته ؟! .
وكان الرسول صلوات الله وسلامه عليه إذا نادى أنساً ناداه (( أنيساً )) بصيغ التصغير تحبباً و تدليلاً ؛ فتراة يناديه يا
أنيس , و أخرى يا بُنَيَّ .
و كان يغدق عليه من نصائحه و مواعظه ما ملأ قلبه و ملك لبه .
من ذلك قوله له :
( يا بني إن قدرت أن تصبح وتمسي وليس في قلبك غش لأحد فافعل ...
يابني إن ذلك من سنتي , و من أحيا سنتي فقد أحبني ...
و من أحبني كان معي في الجنة ...
يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم يكن بركة عليك و على أهل بيتك ) .

أُنيس بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم
عاش أنس بن مالك بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام أكثر من ثمانين عاماً ؛ ملأ خلالها الصدور علماً من علم
الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم) , وأترع فيها العقول فقهاً من فقه النبوة ...
و أحيا فيها القلوب بما بثه بين الصحابة والتابعين من هدي النبي (صلى الله عليه وسلم) , و ما أذاعه في الناس من
شريف أقوال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم) و جليل أفعاله .
وقد غدا أنس على طول هذا العمر المديد مرجعاً للمسلمين , يفزعون إليه كلما أشكل عليهم أمر , و يعولون عليه
كلما استغلق على أفهامهم حكم .
من ذلك , أن بعض الممارين في الدين جعلوا يتكلمون في ثبوت حوض النبي (صلى الله عليه وسلم) يوم القيامة ,
فسألوه في ذلك , فقال :
ما كنت أظن أن أعيش حتى أرى أمثالكم يتمارون في الحوض , لقد تركت عجائز خلفي ما تصلي إحداهن إلا سألت الله
أن يسقيها من حوض النبي عليه الصلاة والسلام .
و لقد ظل أنس بن مالك يعيش مع ذكرى رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ما امتدت به الحياة ...
فكان شديد البهجة بيوم لقائه . سخي الدمعة على يوم فراقه , كثير الترديد لكلامه ...
حريصاً على متابعته أقواله و أفعاله , يحب ما أحب , و يكره ما كره , و كان أكثر ما يذكره من أيامه يومان :
يوم لقائه معه أول مرة, و يوم مفارقته له آخر مرة.
فإذا ذكر اليوم الأول سعد به و انتشى , و إذا خطر له اليوم الثاني انتحب و بكى , و أبكى من حوله من الناس .
و كثيراً ما كان يقول : لقد رأيت النبي عليه الصلاة والسلام يوم دخل علينا , و رأيته يوم قُبض منا , فلم أرَ يومين
يشبهانهما .
ففي يوم دخوله المدينة أضاء فيها كل شيء ...
وفي اليوم الذي أوشك فيه أن يمضي إلى جوار ربه أظلم فيها كل شيء ...
و كان آخر نظرة نظرتها إليه يوم الإثنين حين كشفت الستارة عن حجرته , فرأيت وجهه كأنه ورقة مصحف , و كان الناس
يومئذٍ وقوفاً خلف أبي بكر ينظرون إليه , و قد كادوا أن يضطربوا , فأشار إليهم أبو بكر أن اثبتوا .
ثم توفي الرسول عليه الصلاة والسلام فما نظرنا منظراً كان أعجب إلينا من وجهه - (صلى الله عليه وسلم) - حين
واريناه ترابه

وفاته رضي الله عنه
لما مرض أنس بن مالك مرض الموت قال لأهله :
لقنوني لا إله إلا الله, محمد رسول الله .
ثم ظل يقولها حتى مات .
وقد أوصى بعصية صغيرة كانت لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) بأن تدفن معه , فوضعت بين جنبه و قميصه .
ولمّا مات أنس -رضي الله عنه- قال مؤرق العجلي : ( ذهب اليوم نصف العِلْم ) فقيل له : ( وكيف ذاك يا أبا المُغيرة ؟)
قال : ( كان الرجل من أهل الأهواء إذا خالفنا في الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلنا له : تعالَ الى مَنْ
سمعَهُ منه ) يعني أنس بن مالك

هنيئاً لأنس بن مالك الأنصاري على ما أسبغه الله عليه من خير .
فقد عاش في كنف الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم) عشر سنوات كاملات ...
و كان ثالث اثنين في رواية حديثه هما أبو هريرة , و عبد الله بن عمر ...
وجزاه الله هو و أمه الغميصاء عن الإسلام و المسلمين خير الجزاء .
اللهم إجمعنا بحبيبنا المصطفى وصحبه الكرام في الفردوس الأعلى من الجنة ... ياااارب ياااارب
كم نتمنى ان نقتدي برسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الخدم من خلال موضوعك الطيب ياالطيبه