يا أماه أبشري... فقد قُبل المهر.. وزفّت العروس..

الأدب النبطي والفصيح

بسم الله الرحمن الرحيم.. وبه نستعين..

ذكر المؤرخين أن العدو أغار على ثغر من ثغور االاسلام فقام عبدالواحد بن زيد وكان خطيب البصرة وواعظها فحث الناس على البذل والجهاد ووصف لهم ما في الجنة من نعيم ثم وصف الحور العين وقال:
غادة ذات دلال ومرح ^*^ يجد الواصف فيها ما اقترح
خلقت من كل شيء حسن ^*^ طيب فالليت عنها مطّرح
زانها الله بوجه جُمعت ^*^ به أوصاف غريبات الملح
وبعين كحلها من غنجها ^*^ وبخدّ مسكه فيه رشح
ناعم تجري على صفحته ^*^ نبرة الملك ولألاء الفرح
أترى خاطبها يسمعها ^*^ إذ تدير الكأس طورا والقدح
يا حبيبا لست أهوى غيره ^*^ بالخواتيم يتمّ المفتتح
لا تكوننّ كمن جدّ إلى ^*^ منتهى حاجته شم جمح
لا.. فما يخطب مثلي من ســــهـــا ^*^ إنما يخطب مثلي من ألـــــــــحّ
فاشتاق الناس إلى الجنة وارتفع بكاء بعضهم ورخصت عليهم أنفسهم في سبيل الله, فوثبت عجوز من بين النساء هي أم ابراهيم البصرية, وثبت شم قالت: يا أبا عبيد.. أتعرف ابني ابراهيم الذي يخطبه رؤساء أهل البصرة لبناتهم وأنا أبخل به عليهن؟ قال: نعم, قالت: قد أعجبني حسن هذه الجارية.. وقد رضيتها عروسا لابني ابراهيم.. فكرر ما ذكرت من أوصاف علّ نفسه تشتاق, فقال أبو عبيد:
إذا بدت والبدر ليلة تمّه ^*^ رأيت لها فضلا مبينا على البدرِ
وتبسم عن ثغر نقي كأنه ^*^ من الؤلؤ المكنون في صدف البحرِ
فلو وطأت بالنعل منها على الحصى ^*^ لأزهرت الأحجار من غير ما قطرِ
ولو شئت عقد الخصر منها عقدته ^*^ كغصن من الريحان ذي ورق خضرِ
ولو تفلت في البحر حلو لعابها ^*^ لطاب لأهل الأرض شرب من البحرِ
أبى الله إلا أن أموت صبابة ^*^ بساحرة العينين طيبة النشرِ
فلما سمع الناس ذلك اضطربوا وكبّروا, وقامت أم ابراهيم وقالت: يا أبا عبيد.. يا أبا عبيد.. قد رضيت بهذه الجارية زوجة لابني ابراهيم, فهل لك أن تزوجها له في هذه الساعة وتأخذ مني مهرها عشرة آلاف دينار, لعل الله أن يرزقه الشهادة فيكون شفيعا لي ولأبيه يوم القيامة, فقال أبو عبيد: لئن فعلتِ لأرجو والله أن تفوزوا فوزا عظيما, فصاحت العجوز: يا ابراهيم.. يا ابراهيم.. فوثب شاب نضر من وسط الناس وقال: لبيك يا أماه, فقالت: أي بني.. أرشيت هذه الجارية زوجة لك ومهرها أن تبذل مهجتك في سبيل الله, قال: أي والله يا أمـاه, فذهبت العجوز مسرعة إلى بيتها ثم جاءت بعشرة آلاف دينار ووضعتها في حجر عبدالواحد بن زيد ثم رفعت بصرها إلى السماء وقالت: اللهم إني أشهدك أني زوّجت ولدي من هذه الجارية على أن يبذل مهجته في سبيلك فتقبله مني يا أرحم الراحمين.. ثم قالت: يا أبا عبيد ىهذا مهر الجارية عشرة آلاف دينار, تجهّز به وجهّز الغزاة في سبيل الله, ثم انصرفت واشترت لولدها فرساحسنا وسلاحا جيدا, ثم أخذت تعد الأيام لمفارقته, وهي تودعه في كل نظرة تنظرها وكلمة تسمعها, والمجاهدون يعدون العدة للخروج, فلما حان وقت النفير خرج ابراهيم يعدو, والمجاهدبن حوله يتسابقون والقراء حوله يتلون قوله تعالى:
" إن الله اشترى من المؤمنين أمنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم "
ثم نظرت إليه امه لما أرادت فراقه ودفعت إليه كفنا وطيبا يطيب به الموتى, ثم قالت له وكأن قلبها يخرج من صدرها: يا بني.. إذا أردت لقاء العدو فالبس هذا الكفن وتطيب بهذا الطيب وإياك أن يراك الله مقصّرا في سبيله, ثم ضمّنه إلى صدرها وكتمت عبرتها وأخذت تشمه وتودعه وتقبّله ثم قالت: اذهب يا بني فلا جمع الله بيني وبينك إلا بين يديه يوم القيامة, فمضى ابراهيم والعجوز تتبعه بصرها حتى غاب مع الجيش, فلما بلغوا بلاد العدو, وبرز الناس للقتال أسرع ابراهيم إلى المقدمة, وابتدأ الأبطال بالقتال ورميت النبال وتنافس الأبطال, أما ابراهيم فقد جال بين العدو وصال, وقاتل قتال الأبطال, حتى قتل أكثر من ثلاثين من جيش العدو, فلما رأى العدو ذلك أقبل عليه جمع منهم هذا يطعنه وهذا يضربه وهذا يدفعه, وهو يقاوم ويقاتل حتى خارت قواه, فوقع من فرسه وقتلوه, وانتصر المسلمون وهزم الكافرون ثم رجع الجيش إلى البصرة, فلما وصلوا تلقّاهم الناس, الرجال والعجائز والأطفال وأم ابراهيم بينهم تدور عيناها في القادمين فلما رأت أبا عبيد قالت له: يا أبا عبيد.. هل قبل الله هديتي فأهنّى أم رُدّت إلي فأعزّى, فقال لها: بل والله قد قبل الله هديتك وأرجو أن يكون ابنك الآن مع الشهداء يرزق, فصاحت قائلة: الحمدلله الذي لم يخيّب فيه ظني وتقبل نسكي مني, ثم انصرفت إلى بيتها وحدها بعدما فارقت ولدها, يشتد شوقها فتأتي إلى فرشه فتشمها إلى ثيابه فتقبلها حتى نامت, فلما كان الغد جاءت أم ابراهيم إلى مجلس أبا عبيد وقالت: السلام عليك يا أبا عبيد.. بشراك.. بشراك.. قال: ما زلت مبشرة بالخير يا ام ابراهيم.. ما خبرك؟ فقالت: يا أبا عبيد.. نمت البارحة فرأيت ولدي ابراهيم في المنام في روضة حسناء, وعليه قبة خضراء, وهو على سرير من اللؤلؤ وعلى رأسه تاج يتلألأ وإكليل يزهر وهو يقول:

يا أمـــــــاه أبشري... فقد قبل المهر.. وزُفّـــــــت العـــروس..

_____________

أختكم..
واحة المسك
2
550

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

* فاتنة الحزن *
جزاك الله خير:26:
واحة المسك
واحة المسك
مشكورة على الرد أخيتي وجزيت خيرا