يا باحثاً عن الرزق .. توكل على الرزاق
يا باحثاً عن الرزق .. توكل على الرزاق
حكي أن حاتما الأصم كان رجلا كثير العيال، وكان له أولاد ذكور و إناث، ولم يكن يملك حبة واحدة، وكان قدمه التوكل. فجلس ذات ليلة مع أصحابه يتحدث معهم فتعرضوا لذكر الحج، فداخل الشوق قلبه، ثم دخل على أولاده فجلس معهم يحدثهم، ثم قال لهم: لو أذنتم لأبيكم أن يذهب إلى بيت ربه في هذا العام حاجا، و يدعو لكم، ماذا عليكم لو فعلتم؟
فقالت زوجته و أولاده: أنت على هذه الحالة لا تملك شيئا، و نحن على ما ترى من الفاقة، فكيف تريد ذلك و نحن بهذه الحالة؟
وكان له ابنة صغيرة فقالت: ماذا عليكم لو أذنتم له، ولا يهمكم ذلك، دعوه يذهب حيث شاء فإنه مناول الرزق، و ليس برازق، فذكرتهم ذلك.
فقالوا: صدقت و الله هذه الصغيرة يا أبانا، انطلق حيث أحببت.
فقام من وقته و ساعته و احرم بالحج، و خرج مسافرا و أصبح أهل بيته يدخل عليهم جيرانهم يوبخونهم، كيف أذنوا له بالحج، و تأسف على فراقه أصحابه و جيرانه، فجعل أولاده يلومون تلك الصغيرة، و يقولون: لو سكت ما تكلمنا.
فرفعت الصغيرة طرفها إلى السماء و قالت: إلهي و سيدي و مولاي عودت القوم بفضلك، و أنك لا تضيعهم، فلا تخيبهم و لا تخجلني معهم. فبينما هم على هذه الحالة إذ خرج أمير البلدة متصيدا فانقطع عن عسكره و أصحابه، فحصل له عطش شديد فاجتاز بيت الرجل الصالح حاتم الأصم فاستسقى منهم ماء، و قرع الباب فقالوا: من انت؟
قال: الأمير ببابكم يستسقيكم.
فرفعت زوجة حاتم رأسها إلى السماء و قالت: الهي و سيدي سبحانك، البارحة بتنا جياعا، و اليوم يقف الأمير على بابنا يستسقينا، ثم أنها أخذت كوزا (وعاء صغير للشرب) جديدا و ملأته ماء، و قالت للمتناول منها: اعذرونا، فأخذ الأمير الكوز و شرب منه فاستطاب الشرب من ذلك الماء فقال: هذه الدار لأمير؟ فقالت: لا و الله، بل لعبد من عباد الله الصالحين عرف بحاتم الأصم.
فقال الأمير: لقد سمعت به.
فقال الوزير: يا سيدي لقد سمعت انه البارحة احرم بالحج و سافر ولم يخلف لعياله شيئا، وأخبرت أنهم البارحة باتوا جياعا.
فقال الأمير: ونحن أيضا قد ثقلنا عليهم اليوم، و ليس من المروءة أن يثقل مثلنا على مثلهم. ثم حلّ الأمير منطقته من وسطه و رمى بها في الدار، ثم قال لأصحابه: من أحبني فليلقِ منطقته، فحل جميع أصحابه مناطقهم و رموا بها إليهم ثم انصرفوا.
فقال الوزير السلام عليكم أهل البيت لآتينكم الساعة بثمن هذه المناطق، فلما نزل الأمير رجع إليهم الوزير، و دفع إليهم ثمن المناطق مالا جزيلا، و استردها منهم. فلما رأت الصبية الصغيرة ذلك بكت بكاء شديدا.
فقالوا لها: ما هذا البكاء إنما يجب أن تفرحي، فإن الله وسع علينا.
فقالت: يا أم، والله إنما بكائي كيف بتنا البارحة جياعا، فنظر إلينا مخلوق نظرة واحدة، فأغنانا بعد فقرنا، فالكريم الخالق إذا نظر إلينا لا يكلنا إلى احد طرفة عين، اللهم انظر إلى أبينا و دبره بأحسن تدبير. هذا ما كان من أمرهم.
و أما ما كان من أمر حاتم أبيهم فإنه لما خرج محرما، ولحق بالقوم توجع أمير الركب، فطلبوا له طبيبا فلم يجدوا، فقال: هل من عبد صالح؟ فدلّ على حاتم، فلما دخل عليه وكلمه دعا له فعوفي الأمير من وقته، فأمر له بما يركب، و ما يأكل، و ما يشرب. فنام تلك الليلة مفكرا في أمر عياله، فقيل له في منامه: يا حاتم من أصلح معاملته معنا أصلحنا معاملتنا معه، ثم أخبر بما كان من أمر عياله، فأكثر الثناء على الله تعالى، فلما قضى حجه و رجع تلقاه أولاده فعانق الصبية الصغيرة و بكى ثم قال: صغار قوم كبار قوم آخرين وإن الله لا ينظر إلى أكبركم ولكن ينظر إلى أعرفكم به فعليكم بمعرفته و الاتكال عليه، فإنه من توكل على الله فهو حسبه.

&@ٌُُُُُُام هند@& @amp_am_hnd_amp
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.



الصفحة الأخيرة
قال تعالى: {إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} ؛ فجعل التوكل شرطًا للإيمان والإسلام،
والتوكل على الله سبحانه يكون في جميع الأمور لا في بعض الأحوال.
وليس معنى التوكل على الله إهمال الأسباب؛ فإن الله أمر بالتوكل وأمر باتخاذ الأسباب،
ولهذا قيل: الاعتماد على الأسباب شرك، وترك الأسباب قدح في الشريعة، لا تجعلوا توكلكم عجزًا، ولا عجزكم توكلاً، بل إن الجنة لا تحصل إلا بسبب، وهو العمل الصالح.
((كلمات مضيئة للشيخ صالح الفوزان))
جزاك الله كل خير اختي الكريمة فيما ذكرتي .. ووفقك الله الى مايحبه ويرضاه