يا عـــــــــالم اصلحو نواياكم

الحمد لله الواحد القهار العزيز الغفار مكور الليل والنهار تذكرة لأولي القلوب والأبصار و تبصرة لذوي الألباب والاعتبار الذي أيقظ من خلقه من اصطفاه فزهدهم في هذه الدار وأشهد أن لا إله إلا الله التي تدخل قائلها بإخلاص جنّات تجري من تحتها الأنهار والصلاة السلام على النبي المختار فينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد..
اخواتي في الله : اعلموا بان الإخلاص لله وإحضار النية في جميع الأعمال والأقوال والأحوال البارزة والخفية حيث أن الإخلاص لله يا أختي المسلمة يجعل العمل مقبولاً عند الله ويبعد صاحبه عن الرياء قال تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : (( و ما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ))
وقال سبحانه وتعالى : (( لن ينال الله لحومها ولا دمائها ولكن يناله التقوى منكم )) واعلموا أن الإخلاص هو إقرار الحق لله سبحانه وتعالى في الطاعات بالقصد وهو يريد بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شئ آخر تصنع لمخلوق أو اكتساب محمدة عند الناس أو محبة مدح من الخلق أو أي معنى من المعاني سوى التقرب إلى الله تعالى ودليل الإخلاص من الأحاديث ما جاء عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ) متفق عليه . وعن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم و آخرهم ) قالت قلت يا رسول الله كيف يخسف بأولهم و آخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم ؟ قال : ( يخسف بأولهم و آخرهم ثم يبعثون على نياتهم ) متفق عليه
إن للإخلاص أهمية كبيرة في الإسلام واسمعوا إلى هذه القصة العجيبة والتي نجى هؤلاء النفر الثلاثة بسبب إخلاصهم لله وصدقهم مع الله , ففي الحديث الذي رواه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا : انه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم , قال رجل منهم : اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً فنأى بي طلب الشجر يوماً فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلا أو مالاً فلبثت والقدح على يدي انتظر فاستيقظا فشربا غبوقهما اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنّا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج قال الآخر : اللهم كان لي ابنة عم كانت أحب الناس إلي (وفي رواية : كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء ) فأردتها على نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين و مائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرت عليها ( وفي رواية : فلما قعدت بين رجليها ) قالت : اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها وقال الثالث : اللهم أني استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فثّمرت له أجره حتى كثرت منه الأموال فجاء لي بعد حين فقال : يا عبد الله أدّ إلي أجري . فقلت له كل ما ترى أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق فقال يا عبد الله لا تستهزئ بي فقلت لا استهزئ بك , فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون ) متفق عليه
ليكن لك من قصة هؤلاء النفر عظة وعبرة فانظري إلى هذا الأول الذي ناء به طلب الشجر فلما رجع فوجد أبويه نائمين مع أن عياله يبكون من شدة الجوع لم يسقي عياله قبل أبويه كل ذلك براً بوالديه ورضا لربه
وانظري إلى الرجل الثاني الذي كان يحب ابنه عمه وامتنعت عنه ولما حدتها الدنيا واحتاجت إلى ما يعيشها ووافقت مع الإكراه وقالت يا عبد الله لا تفض الخاتم إلا بحقه هزته تلك الموعظة وقام وترك المال كل ذلك لوجه الله ونفعه ذلك الإخلاص في وقت الشدة لأن الله سبحانه لا تخفى عليه خافية وكذلك الرجل الثالث الذي يدل عمله على عظم أمانته وإخلاصه لله وتنمية مال غيره كل ذلك لأجل رضا الله فرج الله عنهم الفرجة الأخيرة وأنقذهم الله من هلاك محقق .
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه أنه هو الغفور الرحيم .

منقول