ضوء المكان

ضوء المكان @doaa_almkan

عضوة شرف عالم حواء

(( يوميات أسرة )) ..في شهر رمضان المبارك ..

الأسرة والمجتمع

السبت

ارتجفت يدي وأنا أمسك بورقة التقويم، وأغمضت عيني بتأمل عميق، شعرت برهبة تقبض علي بأنامل ثلجية، لم يبق على رمضان سوى يومين، ما أسرع ما تطوينا هذه الأيام اللاهثة، ونحن في غفلة معرضون..
شئنا أم أبينا، كل ثانية تفر من بين أيدينا هي من أعمارنا، هي لنا أو علينا، حتى إن فاتت فارغة من كل خير وشر، تظل حسرة وندامة في قلوبنا إذا فرطنا في الاستزادة من الطاعة فيها..
خرجت من غرفتي إلى غرفة الصغار، بالكاد أسمع ضحكاتهم السعيدة بين أصوات ألعاب الفيديو الصاخبة، أمسكت بمقبض الباب أريد الدخول عليهم، لكن خاطرا قويا وقع في قلبي، فترددت لحظات، ثم عدت أدراجي إلى غرفتي..
ابني عبد الله بسنواته العشر، وأخوه عبد الرحمن الذي يصغره بعام، وريحانة البيت فرح التي أكملت ربيعها الخامس قريبا، هؤلاء هم زينة حياتي ودم قلبي، ماذا زرعت في نفوسهم من محاسن، وعلى أي شيء عودناهم وربيناهم أنا وأبوهم؟!
أشعر بروحي اليوم، كأنها أجنحة طائر أبيض يسمو بنقاء إلى قمم عليا، بقلب منشرح شفيف، متأمل مذعن، وقد انكشفت كل أوراقي أمام عيني.. وأعترف كم أنا مقصرة..
غاية جهدي، أن أصرخ في وجوههم بضجر: إنني مشغولة، اذهبوا إلى التلفاز أو الفيديو أو التسالي، أريحوني من ضوضائكم قليلا!! فإذا بهم ينشأون أمامي، بلا همة عالية ولا مبدأ راسخ، ولا علم مؤصل ولا مواهب مباركة.. رباه! كم أبدو أنانية!
لكن.. بعد غد إن شاء الله رمضان، وسيكون رمضان هذا العام مختلفا تماما.. فلأعقدن العزم وأجتهد، وابدأ في التخطيط!

الأحد

صفق عبد الله بيديه جذلا وهو داخل من المدرسة، وصاح: يا أمي.. غدا رمضان.. يقول الأستاذ غدا رمضان! وأخذ عبد الرحمن يردد نشيدا جميلا مرحبا بقدوم الشهر، بينما رمقتهم الصغيرة وفي عينيها تساؤل كبير..
قال عبد الرحمن: يا سلام! سنشاهد في التلفاز كذا، وسنأكل كذا، وسنذهب إلى كذا، كم أحب شهر رمضان!
ورغم الصدمة العميقة التي أحسست بها لما سمعت مدى تفكير طفلي، إلا أني تماسكت، ودعوتهم جميعا إلى غرفة المعيشة، بانتظار قدوم والدهم من عمله، وجلسنا سويا نشرب العصير المفضل لديهم.
سألتهم: من يسرد لي الشهور القمرية؟! فأجابني عبد الله بها، الذي سألته ثانية عن ترتيب شهر رمضان، لأجد منه مدخلا لحديثي معهم.
حدثتهم كيف فرض الصوم وفي أي سنة، وما أحداث ذلك العام من غزوة بدر وغيرها، مما جرنا للحديث عن غاية الصوم وفضل الشهر، وأنه ليس للنوم والإسراف في المأكل، ومشاهدة البرامج التافهة، بل هو عبادة وصلة، وفيه هبات من القوة للمؤمن والصبر والتحمل كبرى..
لم أتوقع أن يشد الحديث صغاري بذلك الشكل، حتى إنهم لم يسألوا عن الفيديو الذي أخفيته صباح ذلك اليوم عنهم، بل ظلوا يسألون بتشوق وحماس، لم يقطعه علينا سوى قدوم والدهم، وقيامنا لتناول طعام الغداء.
في المساء، أخبرتهم أن هذه أول ليلة من رمضان، وعلى الأولاد الذهاب مع والدهم لصلاة التراويح، فرغبوا في ذلك بحماس طاغ، وبقيت أنا والصغيرة، أعد العشاء وهي تلهو بالدمى، حتى جاء الأب والأولاد فتناولوا العشاء وخلدوا إلى النوم منهكي القوى.

الاثنين

بينما كان الأولاد يذاكرون دروسهم، دخل علي ابني عبد الرحمن في المطبخ وقال بشكوى: إنني جائع جدا يا أمي! فقلت له أن يجمع إخوته فلدى والدهم حديثا مفيدا لهم.
وباتفاق مسبق، أخذ الأب يحدثهم بحنان فياض ووُدّ ناهل، عن فضيلة الصبر وأجره، وقص عليهم قصة أيوب عليه السلام، وعظيم ابتلاء الله له، ثم ما ناله من الأجر والثواب.
شعرت حقا ببهجة خافقة، وأنا أرى الأنس على ثغور الصغار، محتسبين صيامهم صابرين على شهوات أنفسهم، مظهرين تحملا صلبا وقوة شديدة.
وبعد العصر، اتفقنا أن نعقد جلسة عائلية لتصحيح تلاوة القرآن الكريم، كان الأب فيها هو المعلم، والصغار يقرأون خلفه ويتعلمون بإقبال وشغف، بينما كنت أعد لهم الفطور، حتى غربت الشمس.
ولما رجع الأولاد من صلاة المغرب، أجريت منافسة بينهم فيمن يقوم ببر والدته ومساعدتها في تنظيف المطبخ، فأقبلوا على العمل بسرعة وهمة، ونحن نتبادل الأحاديث الودية الجميلة، ونسوا أمر التلفاز الذي لم يعمل ذلك اليوم، وشعرت بانتصار فائق.

الثلاثاء

اليوم، سعدنا برؤية ابننا عبد الله، وقد أعد برنامجا ثقافيا رائعا لأسرته بعد العصر، فيه حكمة اليوم، وقصة قصيرة، وطرفة تاريخية، وفقرات جميلة من "هل تعلم".
شكرنا عبد الله بعمق على جهده الرائع، وقد ختمه بمسابقات سريعة على والده وأخيه، بينما كنت أعد طعام الفطور.
وبعد المغرب، لم يتخل الصغار عن مساعدتي في المطبخ، وقد اتخذنا ورقة ببيان الأعمال التي أنجزوها معي، إشعالا للمنافسة الشريفة فيما بينهم على ذلك.
ثم صحبوا والدهم إلى المسجد، حتى إذا رجعوا تناولوا العشاء ثم خلدوا للنوم.

الأربعاء

رغم قصر برنامج عبد الرحمن عن أخيه، إلا أنه لم يقل عنه فوائد وحكم، وشعرت ووالدهم فعلا ببهجة عظيمة، ونحن نرى صغارنا يبدعون وبمواهبهم يبرزون، ونحن الذين قد أهملناهم من قبل، وقتلنا أوقاتهم وطاقاتهم أمام تلفاز وألعاب فيديو سخيفة.
استغللنا الوقت المتبقي حتى صلاة المغرب في عمل جميل، فقد أخبرتهم أننا سنزور جدتهم اليوم، وعليهم أن يجهزوا هدايا لها، فيضعون بضع تمرات في ورق ملون، مع كسرة من البخور الذي تحبه، ثم نربط ذلك بشريط لامع، متصل ببطاقة تحوي فائدة عن فضل الصيام والقيام، وقد جهزت لهم كل هذه الخامات أثناء الصباح.
وعند الجدة، سعدنا بالصغار يقرأون علينا الفوائد، وسعدنا بدعوات العجوز الصادقة لهم بالتوفيق والصلاح والنفع والهداية، وكانت جلسة عائلية حميمة.. لا تنسى.

الخميس

قضينا الصباح أنا والصغار في تنسيق الحديقة وتنظيف الفناء، حتى إذا كان بعد الظهر، أخذنا نصنع أشغالا يدوية جميلة، أثرت المواهب الحركية لدى صغاري بشكل ملحوظ، بينما كانت الصغيرة تلهو بالأقلام الملونة.
وفي العصر، وبعدما قرأوا على والدهم الحزب اليومي لهم من القرآن، استمعوا معا إلى شريط نافع عن قصص الأنبياء، بأسلوب مشوق مناسب لعمرهم، وقد وعدتهم بمسابقة على الشريط بعد صلاة المغرب.
وحين انتهينا معا من أعمال المطبخ، طرحت أسئلة المسابقة، وكان الفائز فيها جميع الأبناء بتفوق واقتدار!

الجمعة

اليوم عيد، ولقد قررنا أن نظهر تميز هذا اليوم في حياة المسلم من أيام الأسبوع، فنهضنا باكرا، واغتسل الجميع غسل الجمعة، وارتدوا ملابسهم النظيفة والروائح الزكية تفوح منهم، ثم خرجوا إلى الصلاة باكرا، ليقرأوا سورة الكهف في المسجد وينالوا الأجر الأعظم.
بعدما عادوا من الصلاة، أخذنا نستمع إلى خطبة الحرم المكي معا، ودار نقاش بيننا حول موضوعها، ثم طلب الأب من عبد الله أن يبحث في تفسير سورة الأعلى، ومن عبد الرحمن أن يبحث في الغاشية اللتين قرأهما الإمام، وبعد ذلك يخبرون أفراد الأسرة بما فيهما من المعاني الجليلة، وقد أرشدهم إلى كتاب ميسر في المكتبة، وهو "أيسر التفاسير لكلام العلي القدير" للشيخ أبي أبكر الجزائري حفظه الله، فأثرى بذلك عقليهما، وحفزهما إلى حب القراءة والبحث، والتفوق في العلم والإطلاع.
وبعد صلاة العصر، ظلوا مع والدهم في المسجد، مغتنمين ساعة الإجابة، وهم صائمين منيبين.

خاطرة

إنني لا أدري كيف أصف مشاعري الفياضة، وأنا أراهم يتسابقون على اغتنام أوقاتهم والاستفادة من قدراتهم، وقد أصبح لكل واحد منهم همة شماء وهدفا ساميا، ونهما إلى المعرفة والعلم، ونحن الذين نغتال كل برعم تأمل يتفتق في صدور أطفالنا، ببرامج تافهة وألعاب جامدة، وصخب وضوضاء، وغفلة عن إدراك قيمة الزمن.
أسأل الله تعالى، أن يصلح ذرياتنا، وأن ينفعهم وينفع بهم، ويجعلهم مغاليق للشر مفاتيح للخير، مباركين أينما كانوا، اللهم آمين..

منقول .. للكاتبة | صالحة عبد الله ..
16
2K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

عزيزة
عزيزة
هلا وغلا ضوء المكان

الله الله الله ماأجمل ان نربي اطفالنا بهذه الطريقة الرائعة

ماأجمل ان نعلمهم اصول دينهم ةنسرد عليهم قصص الانبياء بهذه الطريقة الرائعة

خصوصاً عندما يكون الاطفال صغار لان ذلك يرسخ في اذهانهم ولاينسوه ابداً

وترتبط تلك القصص بروحانية رمضان

ليت الايام تعود للخلف لكي اطبق ذلك في حياتي اليومية مع ابنائي


جزاك الله خيرا على هذا النقل الرائع

وكل عام وانت بخير
lawsi
lawsi
حيــــــــــــاك ضوء المكان ..أنار المكان بوجودك
وما أجمل ما نقلت ...يوميات تحكي أسرة تحرص على أن لايضيع وقت هدرا

نسأل الله ان نكون من الصوامين القوامين فيه
ونسأله عزوجل ان لاتضيع اوقاتنا فيه هباء منثورا

وكل عام وانت وجميع الامة الاسلاميه الى الله اقرب ...
خـــوووولـــه
حيــــــــــــاك ضوء المكان ..أنار الله لكي طريقك وجزاك الله خيرا على هذا النقل الرائع
ضوء المكان
ضوء المكان
اخواتي في الله :

عزيزه

لاوسي

خـــوووولـــه

اسعدتني ردودكم كثيراً .. وفقكم الله لكل مايحبه ويرضاه ..
زوجة الغالي
زوجة الغالي
فعلا نحن مقصرون في تربيته ابنانئنا اذا تركناهم يلهون مع التلفاز او الفيديو او الالعاب الاخرى الملهيه عن ذكر الله
القناعه شيء مهم ومرتبط بالتربيه ..يجب علينا تربيتهم على القناعه التامه بأن هذا الشي هو اهم من ذاك

اخيتي ضوء المكان
استفدت كثيرا مما نقلتي وايقنت الثغرات الي قد اقع بها في علاقتي مع ابني ..
جزاك الله خير الجزاء اخيّتي الغاليه

تحياتي
أم محمد