الحلقة الثالثة ( المشهد الأول )
فتحت هدى نافذتها في ساعات الصباح الأولى ليهب نسيم بارد يحمل في طياته رذاذ أمطار البارحة ، ابتسمت كأنها تحييه ، واستنشقت بعمق ذلك العليل لتملأ رئتيها الغضتين الطاهرتين منه منتشية سعيدة ، إنها راضية عن كل مايقسم لها ربها من خير ..
التفتت نحو أفق السماء تحيي طيور النورس القادمة نحو أرض بلادها الخضراء ..
كم مضى من أعوام وأنا أرى تغاريد الصباح تحيي في قلبي كل يوم معاني جديدة نحو الأمل للعمل من أجل رضى الإله ..
- هدى .. الريوق ..
نزلت بهدوء مسبحة مع كل خطوة تخطوها قدماها ملبية نداء والدتها الحنون ..
تناولت كوب الحليب الساخن .. فاليوم زفاف أختها الصغرى وداد والبيت كله في حالة استنفار ومرح !!
( المشهد الثاني )
- خالد!! أخيرا راح أشوفه صج .. شنو مليت من الصور !!
ضحكت هدى :
- يامجنونة .. مو تفضحينا جدام الرجال وتبينين شفقتج هذي ، لايقول مشحوفة وماصدقت !!
- من صجج !! ثم غمزت ضاحكة قائلة :
- بصير عاجل حدي .. بس خلوني أشوفة !! ، ثم تأملت أختها بحنان : الفال لج ياهدى ، وضمت كفيها لكف أختها :
- هدى .. ودي صج أشوفج عروس ..
ابتسمت هدى بدفىء :
- ربي شنو مايكتبلي من خير أنا راضية .. يانورة الزواج مو مطلق السعادة .. السعادة والأمان والاستقرار هنيه.. " وأشارت لقلبها " ..
(المشهد الثالث )
غشي وجه هدى بالطهارة والخشوع تالية آيات ربها الرحيم بهدوء وطمأنينة في ساعات الليل الأولى ..
أدمعت عيناها ثم صمتت ..
أمسكت بالمنديل تمسح قطرات الدمع اللؤلؤية من على خديها ثم سرحت ..
تذكرت زفاف أختها الليلة ، وتذكرت حلمها القديم لما كانت تحمل أعراس الدمى بين ذراعيها وهي تحكي لوالدتها كيف اعتنت بتلك الدمية وأنها ستعلمها القرآن والحشمة والوقار حتى تكون ملبية لنداءات الخالق في كل مكان ووقت .. نعم هي تحب الله حبا جما منذ أن كانت طفلة وعرفت من خلال أمها الحنون أن الله هو من شافاها من مرض بالدماغ كانت تعاني بسببه آلام لاتطاق .. وكانت طفلة لم تطق قسوة المرض ، أحبته لأنه لطيف يسمع نداءاتها ويرحمها ، وكأنها عاهدته ضمنيا وبفطرة عفوية طاهرة أنها لن تعصيه وتظل دوما ترضيه ، وظلت تنمو مع ذلك العهد وتلك الأحاسيس الدافئة التي تجمعها بالرب سبحانه ..!!
وتمنت على الله لو كان لها ذرية تحمل وتكمل مشوار هذا الحب .. ولكن قضاءه يلذ لقلبها ويطيب ..
( المشهد الرابع )
استيقظ البيت على صراخ هدى الذي دوى في أركان البيت ..
- شنو ؟! شلون ؟! استغفر الله ولاحول ولاقوة إلا بالله ..
بكت الأم بعمق بعد أن أخبرها الطبيب بأصابة هدى بمرض نادر بالأمعاء ، وأنها بالمرحلة المتأخرة من هذا المرض ، وساعة النهاية قريبة جدا منها !
+ + +
ابتسمت هدى على سريرها الأبيض تتأمل من نافذة حجرتها السماء وقد وجمت ، وأصوات طيور النورس تعزف ألحانا شجية .. أطالت النظر وهي تناجي الرحمن :
" سبحانك ماأعظم لطفك وكمال تدبيرك ..
لم تحرمني بل أكرمتني ، لم تطردني بل آويتني ..
اصطفيتني لك عبدة لاألتفت إلا لك ، علمت مالم أعلم من مقاديرك .. وأردت لي الأسلم ولأعلى والأجود ..
ها أنا ياخالقي أشتاق للقياك لاألتفت إلا لك ..
فاقبضني إليك غير ضالة ولا مضلة " ،
ابتسمت وابيض وجهها الرقيق ، و رفعت السبابة تختم أنفاسها بمفتاح الجنة ، مسلمة الأمانة لخالقها الرحيم ..
اللجينة الحرة @allgyn_alhr
عضوة فعالة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
يعطيك العافية