يوميات في أدغال نيجيريا

الملتقى العام


مغامرات داعية يوميات في أدغال نيجيريا


لم يخطر ببالي أن أدخل موسوعة جينسللأرقام القياسية في يوم من الأيام حين صرت أول داعية عربية تدخل أدغال نيجيرياللدعوة إلى الله كما أفادنا بذلك الدعاة هناك.

كانت مغامرة لم يخبرني زوجيبمدى الخطورة فيها حتى لا أتراجع، مغامرة حقيقية لم أندم عليها، فهي جميلة ممتعةوشيقة مفيدة نرجو فيها الأجر إن شاء الله.

بدأت الفكرة حينما دُعيَ زوجيلملتقى دعوي في نيجيريا من قِبَل دعاتها وألحوا كثيراً في الطلب لمدة سنة تقريباً،ثم وافق على الرحلة وقرر الذهاب لوحده، ثم خطر في باله أن يصطحبني معه في الرحلة،فشاور الدعاة هناك فلقي منهم ترحيباً حاراً وأكدوا عدم وجود أي خطر، وبينوا لهفائدتها العظيمة على الداعيات هناك ثم عرض عليَّ الفكرة فترددت في البداية ثم توكلتعلى الله ووافقت مع علمي ببعض المخاطر، حيث أدغال إفريقيا المشهورة بالأمراضوالملاريا، كنت متخوفة من بعد المسافة والبعد عن أطفالنا أيضاً، فأنا لم أتعودالسفر بدونهم وخاصةً ابنتي الصغيرة ذات الأربع سنوات، كما تخوفت من النصارىوالوثنيين الموجودين هناك، وكذلك الوحدة والبعد عن الأقارب إضافة إلى حاجز اللغةوغير ذلك من المخاوف التي تبين لي فيما بعد أنها أوهام وتخيلات ووساوس من الشيطانليصد عن ذكر الله وعن نشر الدعوة.

كان المطلوب من زوجي أن يقيم ملتقاًدعوياً لعدد من الدعاة، وطلب مني أن أقيم أيضاً ملتقاً دعوياً للداعيات فأجبت: ولكني لا أحسن الإلقاء فقال: لاعليك فأنت بالنسبة لهم عالمة كبيرة فأقنعني ورتّب ليدروساً لإلقائها عليهم.

بدأت الاستعدادات للرحلة، ثم بدأنا السفر عن طريقدبي إلى لاغوس العاصمة التجارية البحرية، ركبنا الطائرة إلى دبي فلم أستغرب شيئاً،لكن لما ركبنا الطائرة المتجهة إلى لاغوس تغيرت الوجوه ورأيت أشياء غريبة من الركابفي اللباس والتصرفات فهم من نصارى نيجيريا يعلقون الصلبان ويرتدون اللباس العاريوكانت أشكالهم مخيفة فقلت في نفسي: (هذا أول خير. . . هونت برجع. . . ولكن. . !!).

في الطائرة أدركتنا صلاة المغرب والعشاء لكن تبين أن الطائرة غير مجهزللصلاة فوجدت حرجاً في أداء الصلاة إذ لا يوجد مكان مناسب والعدد الكثير من الركابمن النصارى والأجانب فلم أر أحداً يصلي، لكن ذلك لم يمنعنا من أداء الصلاة مع ضيقالمكان، حيث حشرت نفسي في بعض ممرات الطائرة وصليت، والحمد لله شجع ذلك بعضالمسلمين فاقتدوا بنا وصلّوا بعدنا في نفس المكان.

في مطار لاغوس
وصلناإلى مطار لاغوس فكنت أشعر بالخوف والرعب في بلد غريب ومن أناس يتكلمون بلغة لانفهمها، وهم يجيدون اللغة المحلية والإنجليزية، وكان زوجي يتكلم معهم بالإنجليزيةوللعلم يوجد في نيجيريا أكثر من مائتي لغة مختلفة غير اللهجات- وكنت كالبكماء لاأفهم ولا أتكلم، فقط أتفرج وأشاهد مخلوقات الله، وكنا غريبين حقاً في المطار بحجابيوثوب زوجي الأبيض الناصع البياض، بينما الناس هناك يلبسون الملابس الملونةالغريبة.

خرجنا من المطار وكان في استقبالنا سيارتان فيها عدد من الدعاةلكنهم كانوا يتكلمون مع زوجي بالإنجليزية ولا يجيدون العربية، ثم انطلقنا ودخلناشوارع لاغوس فرأيت عالماً غريباً، فتحت عيني بكل قوة لأنظر إلى عالم مختلف جذرياًعما تعودت عليه، وكنت أشير لزوجي كلما رأيت شيئاً غريباً، وكذلك كان يفعل، أدركت كمهو ممتع التعرف على العالم من حولنا، كم هو جميل أن تكسر (الروتين) الذي تعودت عليهلترى ما لم تر عينك من قبل من العجائب والغرائب.

نزلنا وكانت السماء ملبدةبالغيوم والجو لطيفاً فقلت في نفسي: (الله يرحم حالنا في تنور الرياض وسمومهالحارق).

سارت بنا السيارة إلى مسجد ليس بالبعيد من لاغوس فوجدنا جمعاً منالدعاة الأفاضل في استقبالنا ومعهم إحدى الداعيات لاستقبالي – وكانت تلك المرأةتجيد العربية بطلاقة – وهذا من حسن أخلاقهم وجميل أدبهم.

دخلنا إلى مصلىالنساء فأصرت عليّ الأخت الداعية أن أصلي بها جماعة فصليت بها وأدينا الصلاة جمعاًوقصراً في المسجد ثم انطلقنا إلى مقرنا فمررنا بمدينة (إيبادان) وتوقفنا فيهاقليلاً، وهي أكبر المدن الإفريقية في غرب إفريقيا حيث يزيد سكانها على عشرة ملاييننسمة بل قد يصل إلى خمسة عشر مليون – يعني باختصار حارة من حاراتها تساوي عدد سكانبعض الدول- توقفنا فيها لصرف النقود وشراء بعض الحاجيات لأن القرية قد لا نجد فيهابعض الضروريات مثل المكرونة والشطة التي تعودنا عليها.. مدينة غريبة يصعب وصفها لكنباختصار هي مدينة الرياض قبل خمسين سنة لكن وسط طبيعة خلابة ساحرة وأدغال كثيفة،كانت الأغنام مختلطة في الشوارع مع البشر، ولا تدري هل الشارع ممر أغنام أم طريقسيارات؟.. حتى أغنامهم كانت غريبة فهي صغيرة جداً وقصيرة وتزاحم السيارات لكنهامحترفة في تفادي الاصطدام بالسيارات لخبرتها الطويلة والتي كانت مثار إعجابي بها! مما يدل أنها تعمل عقولها أكثر من بعض الناس.

صرف زوجي مبلغ أربعمائة دولارمبدئياً كمصروف يومين أو ثلاثة فيما كنا نظن، ولكن لم يخطر ببالنا أنه سيكفي لمدةالإقامة كلها بل ويبقى أكثر من نصفه، حيث بلغ المبلغ سبعة وخمسين ألف نيرة وهو مبلغكبير يكفي لشراء عشرة هكتارات زراعية أي أكثر من مائة ألف متر مربع، باختصار شراءحي كامل هناك في ضواحي المدن المتوسطة، والمصيبة أن المبلغ كبير إلى درجة أنه إذاوضع في (كيسة) لا يتسع الجيب العادي لإخفائه وحمله، وذكرني ذلك بصورة كنت رأيتهالنقود ألمانيا حينما هزمت وفرضت عليها غرامة تكاليف الحرب فانخفضت عملتها إلى درجةأن شراء بعض الخبز يتطلب حمل سلة كبيرة مملوءة بالنقود يحملها شخصان.

توجهنامن (إيبادان) إلى مدينة (إيوو) مقر إقامتنا ومكان إقامة الملتقى الدعوي، وفي الطريقكنت أتبادل مع زوجي كلمات الإعجاب بالطبيعة الساحرة والمناظر الخلابة التي كانت فيالطريق الذي يشق الأدغال والمزارع بصورة جميلة بشكل يجعل المسافر لا يمل من السفربل يستمتع بالسفر فيها، فالأشجار والأنهار والعشب والزروع والثمار وغيرها تتكلمبلغة لا يفهمها إلا من رآها، وتجعلك تعجز عن الكلام وتقول سبحان الخالق، وهذا هوالفرق بين إفريقيا وبلاد الغرب فإفريقيا: الطبيعة على حالها بدون تدخل الإنسان إمافي الغرب والشرق فقد شوه الإنسان الطبيعة الخلابة، هناك حيث الأدغال والغاباتالطبيعية التي لا تستطيع المشي فيها من كثافتها وتشابكها وكثرة أغصانهاوأشجارها.

أردنا الحصول على بعض المشروبات الغازية فاكتشفنا أنها عمليةمعقدة وصعبة حيث لا توجد المشروبات التي تعودنا عليها وتحرّج الإخوة معنا كثيراًلأنهم لم يجدوا من يبيعها بسهولة ثم عثروا على أشياء تشبه المشروبات فأخذناهامجاملة ونسينا أمر المشروبات إلى أجل غير مسمى، ثم بعد عدة أيام عثرنا على بعضهاففرحنا بها.

في الطريق – (وكالعادة ناس ما شافوا خير)- كنا نصور كل شيءكالمجانين، ومن فرط اللقافة صورنا رجال الشرطة الذين كانوا يستوقفون الناس فيالطريق فغضب الشرطي وأوقفنا – ثم تكلم معه الإخوة وبعد فترة هداه الله وفك أسرناوعلمنا فيما بعد السبب حيث أن (كاميرتنا) الفضولية صورتهم وهم يستلمون الرشوة منسيارات الأجرة كما هي عادة الشرطة هناك فظن أننا نريد إيذاءه.

في إيوومدينة العلماء
وصلنا مدينة إيوو التي تشتهر بأنها مدينة العلماء والدعاةوالمحجبات لكثرتهم فيها وانتشار النشاط الدعوي بقوة وظهور التيار السلفي هناك علىيد الشيخ المجدد عبد الباقي محمد ذي التسعين خريفاً أمد الله في عمره وأحسن خاتمته،وكان الإخوة والدعاة في استقبالنا أيضاً، وكانوا قد رتبوا لنا دوراً كاملاً في منزلالدكتور سراج الدين بلال الأسرع حفظه الله، حيث أن الفنادق هناك خمسة نجوم تحتالصفر ولا تليق بمقام الضيوف في نظرهم وفيها خمور وعربدة ومخاطر السرقة فكان البيتهنا أحسن وأكثر أمناً وفيه حراسة من باب الاحتياط فقط ، كما يسكن الدكتور وأهلهوعدد من الدعاة في الدور الأرضي، وكان مكاناً مناسباً ونظيفاً، لكن الترف الذياعتدناه لم يتقبل بعض مظاهر البساطة التي كانت عندهم، حيث لم يصل الماء للمسكن بعدفيضطرون لجلب الماء ووضعه في براميل، وهذا يعني أنه لا توجد حنفيات ولا صنابيرماء.. يا إلهي، في البداية صدمت وقلت كيف؟: يعني نغرف الماء؟! ولا يوجد مكيف! نعمالهواء عليل لكن داخل البيت يحتاج إلى مكيف نظراً لطبيعة الجو الاستوائي، ثم قالواتوجد مروحة ففرحنا بها قلنا (تمشي الحال)، ثم صدمنا حين انقطع التيار الكهربائيعلينا فجأة فعلمنا أنّ مشكلة الكهرباء من المشاكل العويصة عندهم، لكن كم هو غني منيوجد عنده مولد احتياطي يعمل عند الحاجة، وهو ما حصل لنا ذلك اليوم حيث عمل المولدوسارت الأمور لكن ليس على ما يرام.

مشكلة الكهرباء هذه أوقعتنا في مشاكلكثيرة، منها أنها أحرقت الأجهزة التي وضعها لنا المضيف من مسجل وفيديو وتلفزيونوغيرها فاضطررنا إلى الاستغناء عنها إلى نهاية الرحلة، وكنا نستمتع ببعض برامجهموأفلامهم المفيدة لكن حرمنا منها بسبب الكهرباء.

اشترينا بعض الحاجيات وعدناللبيت لكنّنا لم نجد الثلاجة! فأحضروا ثلاجة للدعاة الزائرين، وكانت ثلاجة من بقاياالدولة العثمانية الغابرة لكنها تفي بالغرض.

كان استقبالهم رائعاً لي ولزوجيفشعرنا أننا لا نستحق بعضه، حيث حضر عدد كبير من الدعاة للسلام على زوجي، وكذلكالحال معي، وقد أظهروا من الحفاوة والتكريم ما ينم عن طيب قلوبهم وكرمهم، ولسانحالهم يقول إن كانت بيوتنا متواضعة لا تليق بمقامكم فإن قلوبنا لكم مسكن وأفئدتنالكم بيت ومأوى فاعذرونا، وهذا جهد المقلّ الفقير المعدم فسامحونا، فجزاهم الله خيرالجزاء.

قدموا لنا الأكل في البداية كعشاء وهو عبارة عن كبدة طازجة مع شيءمع الإدام، لكن المعدة التي تعودت على الوجبات السريعة وعلى (المفاطيح) الحارةوتدسيم الشوارب لم تتقبل الكبدة الباردة – ومن عادتهم أكلها باردة وهذا من الكرمعندهم- كما أن الإدام البارد لم تستسغه معدة الدعاة المترفة، فبتنا طاوين وأجرناعلى الله وفي سبيل الله ما لاقينا.

في الصباح الباكر كانت عصافير أمعائناتزقزق وتحلم بالبيض والجبن والحليب الدافئ والفول والعسل والفول السوداني والزيتونالذي اعتدنا عليه، وسال اللعاب حين طرق الباب وقالوا: الفطور جاهز.

فتحناصحن الإفطار فإذا كبدة الأمس تأتينا مرة أخرى فكاد يغمى عليّ وقلت: يا إلهي كبدةأمس تلاحقنا، وماذا معها؟. فول مدمس بارد كأنما خرج من الثلاجة، فقلنا إنّا للهوإنّا إليه راجعون، وفي سبيل الله ما أحلى المنون وأصبحنا أيضاً طاوين.

قلتلزوجي: هذا وضع لا يطاق ويظهر أن هذه الكبدة ستلاحقنا لمدة أسبوع إلى أن نأكلها. فقال: ما الحل؟. فقلت نذهب إلى أقرب (سوبر ماركت) ونشتري كل ما نحتاج. فقال: فكرةرائعة: وسألناهم: هل يوجد سوبر ماركت فقالوا: نعم. ففرحنا وقلنا نحتاج شراء بعضالحاجيات وحملنا معنا (كيس) النقود، فلما ذهبنا إلى (السوبر ماركت) الكبيرة إذا بهامغلقة. فقلنا: لماذا؟ فقالوا: إنها تفتح حسب الطلب حيث تقيم السيدة اللبنانية مالكةالسوبر ماركت فوق المبنى وتخرج عن طريق نداء العميل لها بأعلى صوته كل مرة عندالحاجة، نزلت السيدة وفتحت السوبر ماركت.. ويا للهول.. صدمنا وقلنا أين السوبرماركت وظننا أنها في الدور العلوي فقالوا: هذه التي بين يديك ولم نصدق، وقلنا هذهبسطة البائعات عندنا (فرقنا) أو بالكثير كشك في زاوية سوق... لكن الشكوى لله... لننظر ماذا عند السيدة فوجدنا ولله الحمد وبفضل من الله أكلتنا المفضلة المكرونةوالأرز وشيئاً يشبه الشطة وشيئاً يشبه الجبن وأخذنا حبات من البيض لأنها تباعبالعدد وليس بالطبق ولا ندري هل هو بيض دجاج آو ديك رومي، المهم أنه يشبه بيضالدجاج، لكن كنا متأكدين أنه ليس بيض تماسيح، وأخذنا المشتريات كلها في السيارة ولمنجد عربة لحملها فحملناها بالطرق التقليدية وتمت العملية بسلام، ورجعنا إلى البيتوكانت إحدى الأخوات حفظها الله تساعدنا في أمور الطبخ فأخبرتها بطريقة طبخناوساعدتها حتى حصلنا على طبخنا المعتاد بحمد الله واستطعنا إسكات بطوننا الجائعة،ومر اليوم الثاني بسلام.

كلام العرب دليل شرعي !!
كان سكننا في وسطالمجتمع النيجيري سبباً في تعرفنا عليهم عن قرب، وحين اقتربنا منهم اكتشفنا فيهممظاهر جميلة وعادات حميدة نفتقدها في بعض مجتمعاتنا: فمنها أن قلوبهم طاهرة بسيطةخالية من الحسد، والعجيب أنهم لا تنتشر عندهم العين (النضل) بل لا يكادون يعرفونها،وذلك لطهارة قلوبهم وبساطتهم وحب كل منهم الخير للآخر، ومنها التقديم والاحترامفيما بينهم عند التحية والسلام والخضوع والتذلل إلى درجة زادت عن الحد المشروع حيثينحني الواحد منهم للآخر حتى يكاد يركع من باب التقدير والاحترام مع حسن خلق وتواضعوابتسامة صادقة، وقد بينا لهم أن هذا لا يجوز وأن الركوع لا يجوز إلا لله، لكن هكذااعتادوا على تقدير الكبير واحترامه بصورة كبيرة بحيث لا يخرج الصغير عن أمره مهماكان مع حسن خلق وتواضع وخضوع، ومنها حبهم للخير وسرعة تقبلهم بصورة عجيبة وسيرد ذلكأمثلة إن شاء الله.

ومن جوانب الخير في هذا المجتمع أن المسجد يكتظ بالمصلينفي صلاة الفجر أكثر من غيرها، ولأجل هذا تعودوا أن يكون هناك موعظة بعد الفجر - وليس بعد العصر كما هو عندنا- حيث يستيقظون باكراً ثم يذهبون لطلب الرزق بعدالفجر.

والمجتمع النيجيري يحب العرب بصورة منقطعة النظير ويرون أنهم أولادالصحابة بل ويرون أن كل عربي من أهل البيت، ولذا تجدهم يقبلون منه بلا حدود بصورةعجيبة، ومن الطرائف أننا لما ذهبنا إلى إحدى القرى لإلقاء محاضرة هناك وتكلم زوجيعن بعض النصائح، قال لنا الدعاة: إن كلامكم سوف يظل نبراساً لهم عشرات السنين يذكربعضهم بعضاً به ويقولون ألا تذكر ما قال العربي في يوم كذا!! وكأنه دليل شرعييحتجون به، وهذا يزيد من المسؤولية على الدعاة العرب.

ومن صفاتهم حبهمللأسماء العربية، فحينما وزعنا الشهادات على الأخوات وجدنا الأسماء عربية من أسماءالصحابيات مثل خديجة وعائشة وفاطمة وسمية ونحوها، ويسمون الرجال بأسماء الأنبياءوالصحابة، فقلت أين هؤلاء من بعض المسلمات اللاتي يكرهن هذه الأسماء ويتقززن منهاويبحثن عن الغريب الأجنبي أو المشابه للأجنبي وكأن اسم ابنة إحداهن علبة عطر لابدأن يكون مميزاً على غرار أرقام الجوال ولوحات السيارات المميزة!!.

في اليومالثالث ذهب زوجي لإلقاء بعض المحاضرات والقيام بزيارات دعوية، وبالنسبة لي حضر بعضالأخوات فطلبن مني إلقاء درس عليهنّ فألقيت أحد الدروس الجاهزة التي أعدها زوجيوكنت أتوقف بعد كل مقطع وأشرحه وتقوم إحدى الأخوات بترجمته.. كانت عملية معقدةوصعبة بالنسبة لواحدة تلقي درساً لأول مرة في حياتها.. لكن العملية نجحت وأعطتنيدفعاً كبيراً للأمام، وأحسست ببعد نظر زوجي وخبرته، وقد فرحت الأخوات بالدرسواحتفين به كثيراً ولله الحمد والمنة، حيث حضر أكثر من عشرين امرأة في الدرس الأول،والدرس الثاني وصل قُرابة الأربعين وهن يزددن حماساً وكتبن فيّ القصائد بالعربية - ممن يحسنّ العربية منهنّ- تعبيراً عن شكرهن وامتنانهنّ بالفائدة التي حصلنعليها.

الأغنام والدجاج تتلقى المحاضرات !
بدأ الملتقى في اليوم الرابعلحضورنا في مكان معد لإلقاء المحاضرات للدعاة وآخر للداعيات، وكان المكان أخضرجميلاً يحيط به العشب من كل جهة فسبحان من حباهم هذا الجمال والخضرة في كلمكان.

حضر من الرجال أكثر من مائة وأربعين داعية من نخبة الدعاة في نيجيريا،وألقى عليهم زوجي لمدة خمسة أيام خمس عشرة محاضرة في التربية والدعوة وأمور الشريعةوتطوير الملكات والمهارات، وانتفعوا بها كثيراً كما أوضحت الاستبانات التي ملئت فينهاية الملتقى.

وكان لنا أيضاً ملتقى نسائي للداعيات اللاتي يتكلمن العربيةوقد بلغ عددهن في حدود ثلاثين إلى أربعين داعية، وكنتُ المحاضرة الوحيدة فيه لمدةخمسة أيام، حيث كنت ألقي يومياً محاضرتين في الصباح، تبدأ المحاضرات من الساعةالتاسعة إلى الساعة الواحدة ظهراً، مع استراحة بين المحاضرات لمدة نصف ساعة يتخللهاالشاي وبعض الأناشيد والقصائد الترحيبية.

ومن الطريف أن الأغنام والدجاجكانت تحضر معنا الدروس وتستمتع بأكل الأعشاب مع الاستماع للدرس في الوقت نفسه، ومنالطريف أيضاً أنني عند نزولي من السيارة يحملون عني حقيبتي - من حسن أخلاقهم- ثميصطفّون في استقبالي وينشدون نشيداً ترحيبياً جميلاً طريفاً، ثم يجلسون للاستماعللدرس.

كنت أجهّز الدرس مع زوجي بعد رجوعه من الملتقى عند الساعة التاسعة أوالعاشرة ليلاً كل ليلة فكنا نسهر سوياً على التحضير ومراجعة الدروس حيث أقرأ عليهوأسأله عما يشكل عليّ، ونجحت بحمد الله، وقد دل على ذلك الاستبانات التي وزعت علىالداعيات في نهاية الملتقى حيث كتبن فيها من الإعجاب والثناء ما لا أستحقه، ومنالطريف أن بعضهن أصبح ينادينني (الشيخة) وبعضهن ينادينني (الدكتورة) لأنني زوجةالدكتور فقلت: الحمد لله شهادة دكتوراه مجاناً وبلا تعب!، ومن الغريب أنهن يحببنالعربية وأدبها وخاصة الشعر وقد كتب عدد منهن قصائد ثناء في الدروس وفي شخصي، حتىكدت أصدق ما يقلن، لكن حينما رجعت أفقت من أحلامي وعرفت قدري.

كانت فترةالملتقى بما فيها من أجمل أيام حياتي، وكنت فيها في غاية السعادة، كان لها لذةغريبة لم أجدها هي متع الدنيا كلها، إنها لذة الطاعة والعبادة والدعوة إلى الله، لاتعدلها لذة ولن يحس بها إلا من جربها، اللهم لا تحرمنا منها، وارزقنا الإخلاص فيالقول والعمل.

وفي نهاية الملتقى أقيم حفل ختامي للرجال وآخر للنساء اشتملعلى افتتاح بقراءة للقرآن الكريم من قِبَلِ إحدى الداعيات ثم كلمة شكر وثناء ليولكل من شارك في الملتقى، ثم كلمة لضيفة الملتقى – حضرتنا-، ثم توزيع الجوائز علىالمتفوقات، ثم قمت بتوزيع شهادات حضور الدورة على الحاضرات، ثم الختام بالقراءة،وتخلل ذلك بعض الأناشيد الجميلة والطريفة.

هيا الدوسري
المصدر: مجلة الأسرة العدد (163) شوال 1427هـ

تحرير: حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيهبظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل»
2
621

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

ام رواء
ام رواء
يسلمو
xxxxxxx
الكاتب عضو ولا يجوز التبسط بين الجنسين
المشرفة
sugar_you
sugar_you
ام رواء
جزاكي الله خيراً على المرور