يوميات مديرة ( 10 ) إني ...... أكرهك

الأدب النبطي والفصيح

قد لا تكون أيدينا طويلة ولكننا نظن أن بإمكاننا مس الديم في السماء , أو قد لايكون بصرنا حاد ومع ذلك فإننا نظن أن الأفق يطوى أمامنا فنلمح شوارد الأمور
وقد نرسم صورا في كوننا ندمج فيه ذاتنا برؤى الغير فنفتتن بأوهام أساسها تصورات نحن أبطالها بلا فخر.!!
ووراء كل رشقة عين فكرة مختلفة , ووراء كل كلمة صامتة أو محكية خط يوقف كل صعود إلى هاوية تخرجنا عن تحكيم عقل أو نداء قلب .
واهم من ظن أنه يستطيع أن يقصي زهرة تتفتح أو تحاول أن تنشر عبيرها في المدى لأنه يريد أن يفسح المجال لزهور أخرى كي تتنفس ..
فعلى بعد خطوات من ابتداء هذا اليوم .. وقفت سلمى : يضرب الهواء البارد وجهها فلا يتأثر فشدة التصميم يرافق روحها الواثقة ويدفعها لأن تبدأ في قراءة قصيدتها أمام الطالبات في الإذاعة المدرسية .
و ابتدأ هواء الشتاء البارد يعصف بوجوه الصغار , وابتدأت أغطية الرأس البيضاء الجميلة التي كانت تزهو لإلتصاقها برؤوس الصبايا المحتشدة في ساحة المدرسة ابتدأت بالتطاير تقبل هذا الوجه أو ذاك مع هبوب الرياح ولكنهن كن واقفات منهن من يحتمل ومنهن من كنت أرى الرعشة تهز أطرافهن و عيونهن تتسمر على سلمى وهي تهم بقراءة قصيدتها ..
وبدون أدنى تردد ووببساطة أمرت أن ينصرف الجميع بدون إذاعة بسبب البرد ولأنني خفت على الصغار منه ...
وسلمى ... وتلك النظرة النارية . وتلك الرغبة التي تحطمت تسمعني تكسرنفسها على جدران قلبي تطرق معنفة قسوتي ..
جمعت ورقها ... بعصبية بالغة وألقته في سلة المهملات وهي صاعدة إلى صفها ..لوت رأسها ناحيتي وأنا لا زلت أرقبها ... ورشقتني بنظرة جامدة ليس فيها عتب بل كان فيها لغة أخرى كنت دائما أخشاها ...
وأحسست يثقل الهواء الداخل إلى صدري ونفضت عني الأوهام مبررة لأغذي إراحة ضميري بالصالح العام .. ولكن هيهات أن يسكت هذا المتعب فقد أرهقني استمرار صحوته فقررت أن ارضيه ..
وسارعت إلى صفها ... ووقفت الطالبات محييات , وقفت معهن ولكن شفاهها لم تتحرك
أطرقت في كراستها و لم تنظر
جلست بجانبها فالتصقت بالحائط وتساوت مع جموده وحتى لونه , كان وجهها بلا رونق وقد شدت غطاء رأسها الأبيض إلى الأمام قليلا حتى لا أرى ملا محها ودفنت شعاع عيونها في أوراق كراستها
الدرس كان تعبير
الموضوع حر , أن تعبر فيه الطالبات عما يردنه دون قيد من المعلمة
وابتدأت الطالبات في الإبداع حتى أني كدت من الإستمتاع أن أنسى ما جئت من أجله ,
ولكن سلمى لم تتحرك والمعلمة متفاجئة فهي من أكثر الطالبات إبداعا
وأنا من قتل ذلك فيها هذا الصباح
وسألتها : ما رأيك أنت ماذا تحبين أن تكتبي
لم تنظر إلي بل سألت معلمتها :
هل لنا أن نكتب المواضيع الآن ؟
كادت المعلمة أن توبخها لعدم إجابتي ولكني أشرت لها بعدم ذلك
وابتدأت الطالبات في الكتابة ويدا سلمى تكتبان بسرعة كنت أحاول اختلاس النظر لما تكتب ولكنها لم تمكني , وأحسست أن مهمتي فشلت وهممت بالإنصراف ولكنني سمعت صوت ورقة تشق وتدس في الملف الذي كنت أحمله
نظرت إليها فأشاحت بوجهها استأذنت وانصرفت .
مسرعة فضضت الملف , فتحت الورقة التي شقت على عجل لتصدم عيناي بأبشع كلمات
........... إني أكرهك
أيتها المديرة القاسية لقد حرمتني من قراءة قصيدتي لأن الصغار بردوا وكان بإمكانك صرفهن وأقرأ للكبار ..... إني أكرهك
أنا أعلم أنه لا يجوز أن أقول هذا وأن أحترمك ولكني لم أستطع فمهما عاقبتني فلن يكون أشد من حرمانك لي بقراءة قصيدتي و...
ويبدو أن استعجالي في الخروج لم يمكنها من كتابة الباقي وأحمد الله على ذلك فقد كفاني ما قرأت
ليس معي الآن سوى هذه العبارات القاسية التي تحيي فناء الحب
وبقيت كلمات إني أكرهك
تدق وتدق وأنا أدعو الله أن يلهمني ما يعيد الرقة إلى قلبها فكلماتها كانت حكما بالإعدام على صفائي
وهداني الله أخيرا ..
وسطرت طلبا يقرأ على الصفوف العليا
(((( إنه من يملك مو ضوعا , نثرا كان أو شعرا ولم يقرأ من قبل في الإذاعة المدرسية فسنبدأ بقراءته على مدى أيام الأسبوع على كل الصفوف في القاعة الرياضية المغلقة وسينال صاحبه بعد التصويت جائزة قيمة .. وطلبت أن توضع المواضيع في صندوق الإقتراحات في فسحة الصلاة .))))))

وبدون إطالة تم إختيار موضوع سلمى كأول موضوع يقرأ
أول يوم قريء على الكبار ونالت تصفيقا لا بأس به
اليوم الثاني قريء على الصفوف الوسطى وزاد الحماس للتصفيق
اليوم الثالث كان للصغار ولم تشأ سلمى القراءة قالت للمعلمة وماذا سيفهم هؤلاء مما أقول
وكانوا كبارا ...
صفقوا حتى شاع الدفء في المكان وانطلقوا يقبلون سلمى ويهنئونها وقالت إحداهن لقد جعلتيني أحب النشيد إنه رائع وخاصة عندما قلت أن كل شيء إذا بدأ جميلا وهو صغير فسيبقى جميلا ..
وسرت سلمى وانفردت أساريرها
وقلت لها :
لو خيرت في أن تقرأي للكبار فقط في ذلك اليوم أو أن تؤجليه حتى تقرأي للجميع هكذا فماذا تفضلين ؟
نظرت إلى ورقها وقالت :
عندما تشعلين فحمة يا مديرتي فإنها تتوهج , فإذا أطفأتها وأشعلتها مرة أخرى فإنها لا تشتعل كلها بل يبقى شيء من السواد فيها
أجبتها : وهل هناك شيء من السواد لا زال في جمرتك
قالت : نعم ولكن لست أنت المسؤولة بل هي نفسي التي لا تسكن بسهولة ..
صمت ولم أجبها واستأذنت بالخروج ولكنها قالت قبل أن تذهب
لم أعد أكرهك .....
5
946

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

عطاء
عطاء
ماشاء الله !!

تتلاعبين بالحروف تلاعباً يعزف أحلى الكلمات بانسجام وتناسق فلا تسمع آذاننا نشازاً0

عزيزتي

كم يفوتنا كثيراً حاجات بشرية ليست عند الصغار فحسب,نغفلها دون قصدٍ في الغالب ,فنرى مغبة هذا

الإهمال أضعاف أضعاف ما كنا نتصور من مشاعر الكراهية والألم من قبل الطرف الاخر0والعجيب أننا

لم نتعمد إيذاءه,أبداً ولكنه قد يكون سوء تصرف أو غفلة أو قلة توفيق للسداد ,أيًاكان السبب فإن ذلك

لايوجد لنا عذراً عند الطرف الآخر,فإن كنا جرحنا من غير قصد فليكن ضمادنا للجرح بقصدٍ وقصدٍ

حسنٍ أيضاً !!لأننا بذلك كله بالكاد نصل للمراد ,وليس هناك جرح أعظم من جرح المشاعر,هذا

لانقوله حكاية عن أنفسنا ولكننا نرويه حكاية عن مشاعر الآخرين حين يبوحون بعتبهم عليك

وأنك طعنتهم فأدميت منهم القلوب وقرحت منهم الجفون,فتقف مذهولاً,ياإلهي كل هذا صنعته

ولم أشعر!!!!فتشفق عليهم لألمهم وتدرك حقيقةً لامزاحاً أن سكينك قد أعملت في قلوبهم

فأدمتها وجرحتها!!!لكن لابأس عليك وعلينا ,إن أحسنا الضماد ,قد نوفق لاستدراك مافات

ونلملم شعث جراحات الآخرين,إن وفقنا!!!!

جزاك الله خيراً عزيزتي, والعذر إن رحل بي القلم بعيداً عن مراد حروفك
صباح الضامن
صباح الضامن
إلى عطاء الخير
يا غالية
أعطيت المراد وأكثر والحقيقة أنني سألت نفسي قبل أن تكتبي لي ردا هل أصبت المراد في مقالتي أم أنني أطلت أم أنني لم أحقق ما رمته فأنا لم أر تعقيبا على ما كتبت فعدت لأقرأ ما سطره قلمي وأنا بين شك ويقين بأن اليومية دخلت القلوب وأعطت مرادها حتى قرأت ما طرزته أناملك
وكالعادة نشعر من تعقيباتك أنك تقرأي بإستيعاب كبير يدل على فهم عميق لمرادات الكاتب
وكاد شكي بما كتبت يصل إلى حد الجرح المؤلم فجاءت كتابتك الراقية كضماد
عزيزتي
اعترف أن ردودك تصلح كتقدمة أو توضيح لمعظم المقالات
بارك الله فيك
بحور 217
بحور 217
غاليتي صباح ..

يومياتك .. نشتاق لها بمجرد انتهائنا من قراءتها ..

هي لون آخر نحتاجه في واحتنا كثيرا ..

ربما نتأخر عليك ولكن مثلك يعذر ..

لي عودة إن شاء الله .
صباح الضامن
صباح الضامن
يا غاليتي
عندما لا يمر الصديق فهو معذور
وعندما يتذكر ويمر للتحية فهو معذور

فأنا بانتظارك
أينما
وكيفما
ووقتما شئت بالمرور

فأنت أصلا معي
بحور 217
بحور 217
تذكرت مقولة قرأتها في رواية :

إن التوبة أرخص شيء يعطى وإن الغفران أعز شيء يمنح ..!!!

ومقولة أخرى ..

الرصاصة التي تطلق لاتسترد !!!

ربما نستهين أحيانا ببعض المشاعر لثقتنا في أننا نستطيع العودة إلى الوراء ..

ولكن ما قلتيه على لسان سلمى يؤكد أن المشاعر كالزجاج كسرها لايشعب ..

أحزنتني يوميتك هذه المرة ..

ولكنها درس حقيقي يجعلنا نفكر كثيرا قبل أن نرمي بكلمة هنا أو هناك ..

أو نصدر قرارات تخص الغير دون أن نفكر فيهم .