منى 85

منى 85 @mn_85_1

عضوة فعالة

يوم أن أدَّبني ربي

ملتقى الإيمان


كنت ولازلت أتذكر ذلك اليوم...
لنعود إلى الخلف أربعة أعواام...
يوم أن وطئت قدمي صرح جامعتي..
لا تسلوني وقتها عن مشاعري..
وانطلقوا معي نحو عالمي..
طريق العلم ... وما أدراك ما طريق العلم...؟
كنت ولازلت أرى نفسي فراشة تحلق في سماء ذلك الصرح...

كنت من شدة سعادتي..كلما وطئت قدمي أرضا ..
أقول لهم معكم (مرام) طالبة في الصف الأول... قسم شريعة..جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية..
أقولها فخرا بملء فاهي..
كنت فرحة ..مسرورة... وقد أكون مغرورة لكوني أدرس العلم الشرعي خاصة وأن بيئتي التي أعيش بها قلما يوجد بينهم من يدرس العلم الشرعي.....
أذهب لكل مكان .. رافعة رأسي.. مفتخرة بنفسي.. أنني طالبة جامعية أدرس بقسم شرعي..
أناقش وأجادل في لقاءاتي واجتماعاتي - وأنا لازلت طويلبة علم صغيرة لكنه الغرور وهوى النفس والله المستعان- وأختم ذلك اللقاء بقولي لهم ثقوا برأيي فأنا طالبة علم في الصف الأول.. قسم شريعة..جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية..

مرت الليالي والأيام ولازال داء العجب والغرور يلازمني....

وفي ليلة من الليالي ..وطئت قدمي أرض مكة الحبيبة... وبينما أنا بالطواف.. إذ رأيت امرأة في الستين أو السبعين من عمرها .. تشير بيدها إلى الركن اليماني من بعيد...
فقلت في نفسي... هيا ياطالبة العلم لتنطلقي ولتنكري فإن هذا هو زكاة علمك...
فعلا انطلقت لها
فألقيت السلام عليها ..وبعدها قلت لها : عفوا يا خالة رأيتك تشيرين لهذا الركن من بعيد.. وإن رسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه كان عند مروره بالركن إن كان قريبا منه يستلمه ..وان لم يكن بجواره لم يكن يشير له من بعيد..
قالت : لكن الناس كلهم اليه يشيرون.!!!

فقلت لها : ياخالة ليس كل ما يفعله الناس صحيح !!! ثم اتبعت قولي قائلة لها: إن ابن القيم يقول: عليك بطريق الحق ولا تستوحش من قلة السالكين ..وإياك وطريق الباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين.. ..- وقد كنت حفظت هذه العبارة لابن القيم من مدارج السالكين في بداية طلبي للعلم وكنت مسرورة من نفسي اني احفظها!! –

ثم أتبعت كلامي هذا قائلة: ياخالة لا تخافي فأنا طالبة علم في الصف الأول ادرس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية...- عجبت لنفسي كيف افتيتها!!! مع انني لم آخذ باب الحج بعد ولكنه هوى بالنفس والله المستعان-
فقالت لي..جزاك الله خيرا يا بنيتي .. وبما انك طالبة علم فأريدك أن تكملي معي الطواف وتعلميني بم ادعوا ..
قلت لها حسنا ياخالة....
و..أكملت معها المسير .. ومن تلك اللحظة بدأت أشعر بشئ من الخذلان .. نسيت كل ما أحفظ من الأدعية.. كل ما أحفظه من الدعاء نسيته ...ولم أتذكر إلا دعاءا واحدا وكنت فقط أجعلها تردده (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وقنا عذاب القبر ....)
وكنت أمشي وأمشي.. وأقول في نفسي أين الحجر الأسود لمَ لمْ يأتي إلى الآن!!!!

ثم التفت .. فإذابي أرى أننا قد وصلنا إلى حجر اسماعيل... وأن الحجر الأسود قد فااات ... وأن المرأة العجوز كانت تكبر عند الحجر الأسود ... وقد خطأتها وخطت بني آدم كلهم لجهلي!!!!
فقلت لها: ياخااااالة لقد فات الحجر الأسود..
فقالت لي وماذا نفعل الآن يابنيتي فأنت طالبة علم..؟
طبعا أنا كنت جاهلة مالحكم .. وماذا علينا فعله الآن لأني في الأصل لم أدرس باب الحج في دراستي بعد..
فقلت لها : لا أدري .. لأدري... أنت اخبريني..
المهم .
قلت لها لنعد ولنكبر وعدنا ...
مع أنني من المفترض ان لا أجعلها تعود لأنها قد كبرت هي يوم أن خطأتها أنا ظنا مني أنها تشير للركن اليماني وليس للحجر الأسود..
أعدتها تمشي معي الخطوات والخطوات مع انها كبيرة في السن .. لكن جهلي وخطأئي عماني..

لكن ذلك اليوم قد مرّ... ولكن آثار ذلك الموقف لم تمر عن ذاكرتي...
ذهب ذلك اليوم ... وقد لمست فيه عتاب ربنا لي...
ذهب ذلك اليوم ... وكل كبرياء وغرور قد تلاشى في داخلي..
ذهب ذلك اليوم ... ولازلت له حامدة شاكرة لربي...
لأنه الموقف فعلاً أدَّبني و ربَّاني..

تذكرت بموقفي هذا موقف العالم الجليل الماوردي ...عالم برع في زمانه.. وهو عالم متبحر في كل العلوم ...حكى عن نفسه يوما أنه دخل المسجد لإلقاء درسا من دروس الفقه لطلابه ... وعند باب المسجد حدث نفسه مفتخرا قائلا : أي مسألة من مسائل الفقة لا اجيدها ولا احسنها!!
فيقول : دخلت المسجد وجلست أمام طلابي ..وقد بلغوا 10 آلاف طالب...
وبينما هم معهم إذ دخلت عليه امرأة معها ابنتها وقالت ياشيخ أريد أن اسألك عن امرأة أصابها من الحيض كذا وكذا...
يقول الماوردي سألتني عن مسأله هي من أسهل المسائل في باب الفقه..لكنني لم أجد جوابا .. بل حتى إن طلابي عجزوا عن الجواب لشدة اندهاشهم كيف أن شيخهم جهل الجواب عنها مع سهولتها!!!
يقول الشيخ الماوردي: فانتظرت المرأة برهة...ثم ذهبت عندما لم تجد جوابا ..
وبينما قد همت بالخروج إذ دخل من الباب أحد طلاب الشيخ يمسك بيديه نعليه ..فقالت له يابني هل لي بسؤال إن ابنتي أصابها كذا وكذا ...
فقال الطالب: عليها كذا وكذا ...
فقالت له المرأة جزاك الله خيرا ..ثم أشارت بيدها وقالت أنت خير من ذلك العالم الذي يجلس هناك..
يقول الماوردي: فعلمت حينها أن الله عزوجل خذلني يوم أن عجبت بنفسي ..وفرحت بما عندي من العلم ..ا.هــ

ختاما أقول لكم يا أحبتي ...فعلا ... مرام وقعت في أمر هو كأمر الماوردي في مشاعره ..
أُعْجبت ..
زهوت..
لكنني بعدها
وقعت ..

علمت عندها: أن العبد لا يعجب بما امتن عليه رب العزة والجلال.. وأن لا يزدري الناس بما أتاه الله .... بل لابد أن يزداد العبد بعد كل نعمة شكرا واخباتا لرب دام عطاؤه على العباد جل في علاه ..

وعلمت أن العلم بحر لا ينضب ... ومهما أخذت منه ..تعلم أنك لم تأخذ شئ... فعلا يا أحبتي كم للذة العلم من نشوة .. وكلما ازدت علما ازدت تواضعا وتزداد يقينا أنك لست بشئ .


منقول


اللهم أرزقنا علما نافعا وقلبا خاشعا ويقينا صادقا
1
406

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

متجر ضي القمر
متجر ضي القمر
جزاك الله خير