*هبة
*هبة




اليوم الثاني:
التوبة

الحمد لله وكفى ، وصلاة وسلاما على رسول الله صل الله عليه وسلم ، وآله وصحبه وسلم .
هل أديتم واجب الأمس ؟
يا ترى من كان السابق عند الله من باب الاستغفار ؟
اللهم اجعلنا من عبادك السابقين بالخيرات .

واجبنا في اليوم الثاني

قال تعالى : " فقلت استغفروا ربكم ثم توبوا إليه "
اليوم سنجدد توبتنا لربنا من بعض المعاصي التي نعرفها
من أنفسنا .
نريد أن نجدد توبتنا من ضياع الوقت ... فهذه علامة المقت
نريد أن نجدد توبتنا من قلة حيائنا من ربنا .
نتوب من قلة خوفنا من ربنا .
نتوب من التفات القلب عن ربنا الودود .
نتوب من جحود نعم ربنا المتفضل علينا بالجود والفضل والإنعام .
نتوب من معاصي في الخلوات نخشى أن نلقاه بها فتحبط أعمالنا .
نتوب من معاصي في ألسنتنا من كذب وغيبة ونميمة وبهتان وزور ..
نتوب من معاصي أعيننا التي لم تغض عما حرم ربنا . وهكذا .
اكتب كشف بعشرة ذنوب تريد أن تتخلص منهم قبل دخول رمضان ، وسنتحاسب على ذلك في وقت لاحق .

اشغل اللسان بالاستغفار الكثير ، والقلب بالذل والانكسار واستشعار الحياء من الله ، والجوارح بالتضرع
" وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون "

يمكنك سمع هذه المحاضرة لبيان معاني في التوبة أكثر :
نفسي أتوب


نفسي أتوب
Downloadللتحميل


إني ذاهب إلى ربي


انى ذاهب الى ربي
Downloadللتحميل
الجـمــ ام ـــــان


بسم الله الرحمن الرحيم
حين تقع في المعصية و تلم بها فبادر بالتوبة و سارع إليها , و إياك و التسويف و التأجيل فالأعمار بيد الله عز وجل , و ما يدريك لو دعيت للرحيل و ودعت الدنيا و قدمت على مولاك مذنبا عاصي ,ثم أن التسويف و التأجيل قد يكون مدعاة لاستمراء الذنب و الرضا بالمعصية , و لئن كنت الآن تملك الدافع للتوبة و تحمل الوازع عن المعصية فقد يأتيك وقت تبحث فيه عن هذا الدافع و تستحث هذا الوازع فلا يجيبك .
لقد كان العارفون بالله عز و جل يعدون تأخير التوبة ذنبا آخر ينبغي أن يتوبوا منه قال العلامة ابن القيم \" منها أن المبادرة إلى التوبة من الذنب فرض على الفور , و لا يجوز تأخيرها , فمتى أخرها عصى بالتأخير , فإذا تاب من الذنب بقي عليه التوبة من التأخير , و قل أن تخطر هذه ببال التائب , بل عنده انه إذا تاب من الذنب لم يبقى عليه شيء آخر .


ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : " لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة , فانفلتت منه , و عليها طعامه و شرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها – قد أيس من راحلته – فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك – أخطأ من شدة الفرح – "





سبحان الله ... و ما أجمل تلك الحكاية التي ساقها ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين حيث قال : " و هذا موضع الحكاية المشهورة عن بعض العارفين أنه رأى في بعض السكك باب قد فتح و خرج منه صبي يستغيث و يبكي , و أمه خلفه تطرده حتى خرج , فأغلقت الباب في وجهه و دخلت فذهب الصبي غير بعيد ثم وقف متفكرا , فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أخرج منه , و لا من يؤويه غير والدته , فرجع مكسور القلب حزينا . فوجد الباب مرتجا فتوسده و وضع خده على عتبة الباب و نام , و خرجت أمه , فلما رأته على تلك الحال لم تملك أن رمت نفسها عليه , و التزمته تقبله و تبكي و تقول : يا ولدي , أين تذهب عني ؟ و من يؤويك سواي ؟ ألم اقل لك لا تخالفني , و لا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة بك و الشفقة عليك . و إرادتي الخير لك ؟ ثم أخذته و دخلت .

فتأمل قول الأم : لا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة والشفقة .
و تأمل قوله صلى الله عليه وسلم " الله أرحم بعباده من الوالدة بولدها " و أين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء ؟
فإذا أغضبه العبد بمعصيته فقد أستدعى منه صرف تلك الرحمة عنه , فإذا تاب إليه فقد أستدعى منه ما هو أهله و أولى به .
فهذه تطلعك على سر فرح الله بتوبة عبده أعظم من فرح الواجد لراحلته في الأرض المهلكة بعد اليأس منها .



كيف أتوب؟

1- أصدق النية وأخلص التوبة: فإن العبد إذا أخلص لربه وصدق في طلب التوبة أعانه الله وأمده بالقوة، وصرف عنه الآفات التي تعترض طريقه وتصده عن التوبة.. ومن لم يكن مخلصاً لله استولت على قلبه الشياطين، وصار فيه من السوء والفحشاء ما لا يعلمه إلا الله، ولهذا قال تعالى عن يوسف عليه السلام: كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين .

2- حاسب نفسك: فإن محاسبة النفس تدفع إلى المبادرة إلى الخير، وتعين على البعد عن الشر، وتساعد على تدارك ما فات، وهي منزلة تجعل العبد يميز بين ما له وما عليه، وتعين العبد على التوبة، وتحافظ عليها بعد وقوعها.

3- ذكّر نفسك وعظها وعاتبها وخوّفها: قل لها: يا نفس توبي قبل أن تموتي ؛ فإن الموت يأتي بغتة، وذكّرها بموت فلان وفلان.. أما تعلمين أن الموت موعدك؟! والقبر بيتك؟ والتراب فراشك؟ والدود أنيسك؟... أما تخافين أن يأتيك ملك الموت وأنت على المعصية قائمة؟ هل ينفعك ساعتها الندم؟ وهل يُقبل منك البكاء والحزن؟ ويحك يا نفس تعرضين عن الآخرة وهي مقبلة عليك، وتقبلين على الدنيا وهي معرضة عنك.. وهكذا تظل توبخ نفسك وتعاتبها وتذكرها حتى تخاف من الله فتئوب إليه وتتوب.

4- اعزل نفسك عن مواطن المعصية: فترك المكان الذي كنت تعصي الله فيه مما يعينك على التوبة، فإن الرجل الذي قتل تسعة وتسعون نفساً قال له العالم: { إن قومك قوم سوء، وإن في أرض الله كذا وكذا قوماً يعبدون الله، فاذهب فاعبد الله معهم }.

5- ابتعد عن رفقة السوء: فإن طبعك يسرق منهم، واعلم أنهم لن يتركوك وخصوصاً أن من ورائهم الشياطين تؤزهم الى المعاصي أزاً، وتدفعهم دفعاً، وتسوقهم سوقاً.. فغيّر رقم هاتفك، وغيّر عنوان منزلك إن استطعت، وغيّر الطريق الذي كنت تمر منه... ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: { الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل } .

6- تدبّر عواقب الذنوب: فإن العبد إذا علم أن المعاصي قبيحة العواقب سيئة المنتهى، وأن الجزاء بالمرصاد دعاه ذلك إلى ترك الذنوب بداية، والتوبة إلى الله إن كان اقترف شيئاً منها.

7- أَرِها الجنة والنار: ذكّرها بعظمة الجنة، وما أعد الله فيها لمن أطاعه واتقاه، وخوّفها بالنار وما أعد الله فيها لمن عصاه.

8- أشغلها بما ينفع وجنّبها الوحدة والفراغ: فإن النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، والفراغ يؤدي إلى الانحراف والشذوذ والإدمان، ويقود إلى رفقة السوء.

9- خلف هواك: فليس أخطر على العبد من هواه، ولهذا قال الله تعالى: أرءيت من اتخذ إلهه هواه . فلا بد لمن أراد توبة نصوحاً أن يحطم في نفسه كل ما يربطه بالماضي الأثيم، ولا ينساق وراء هواه.

10- وهناك أسباب أخرى تعينك على التوبة غير ما ذُكر منها: الدعاء الى الله أن يرزقك توبة نصوحاً، وذكر الله واستغفاره، وقصر الأمل وتذكر الآخرة، وتدبر القرآن، والصبر خاصة في البداية، إلى غير ذلك من الأمور التي تعينك على التوبة.



شروط التوبة

وأما شروط التوبة فهي التي لا بد منها لقبول التوبة عند الله وهي:

1 ــ الإقلاع عن المعصية أي تركها فيجب على شارب الخمر أن يترك شرب الخمر لتُقبل توبته والزاني يجب عليه أن يترك الزنا، أما قول: أستغفر الله. وهو ما زال على شرب الخمر فليست بتوبة.

2ــ العزم على أن لا يعود لمثلها أي أن يعزم في قلبه على أن لا يعود لمثل المعصية التي يريد أن يتوب منها، فإن عزم على ذلك وتاب لكن نفسه غلبته بعد ذلك فعاد إلى نفس المعصية فإنه تُكتب عليه هذه المعصية الجديدة، أما المعصية القديمة التي تاب عنها توبة صحيحة فلا تكتب عليه من جديد.

3 ــ والندم على ما صدر منه، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «الندم توبة« رواه الحاكم وابن ماجه.

4 ــ وإن كانت المعصية تتعلق بحق إنسان كالضرب بغير حق، أو أكل مال الغير ظلمًا، فلا بدّ من الخروج من هذه المظلمة إما برد المال أو استرضاء المظلوم؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام: «من كان لأخيه عنده مظلمة، فليتحلله قبل أن لا يكون دينار ولا درهم« رواه مسلم رحمه الله.

5 ــ ويشترط أن تكون التوبة قبل الغرغرة، والغرغرة هي بلوغ الروح الحلقوم، فمن وصل إلى حدّ الغرغرة لا تقبل منه التوبة، فإن كان على الكفر وأراد الرجوع إلى الإسلام لا يقبل منه، وإن كان فاسقًا وأراد التوبة لا يقبل منه؛ وقد ورد في الحديث الشريف: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر« رواه الترمذي وقال حديث حسن.

ويشترط أن تكون قبل الاستئصال، فلا تقبل التوبة لمن أدركه الغرق مثل فرعون لعنه الله

وكذلك يشترط لصحتها أن تكون قبل طلوع الشمس من مغربها، لما صح عن النبي عليه الصلاة والسلام: «إن في المغـــرب بابًا خلقــه الله للتوبة مسيرة عرضه سبعون عامًا لا يُغلق حتى تطلع الشمس منه« رواه ابن حبان.

وقال عليه الصلاة والسلام: «من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه« رواه مسلم.فمن أراد الله به خيرًا رزقه التوبة النصوح والكاملة والثبات عليها حتى الممات.

إن الله أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين فلا يقنطن المؤمن من رحمة الله وليتُبْ إليه مهما بلغ عظم ذنوبه؛ فقد وردت قصة عن مسلم من بني إسرائيل قتل مائة إنسان ثم سأل عالمًا: هل لي من توبة؟ قال له: ومن يحول بينك وبين التوبة، اذهب إلى أرض كذا فإن بها قومًا صالحين، يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط، فأتاهم ملك بصورة ءادمي فجعلوه بينهم فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيهما كان أدنى فهو له، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة. وفي رواية في الصحيح: فكان إلى القرية الصالحة أقرب بشبر فجعل من أهلها، وفي رواية فوجدوه إلى هذه أقرب بشبر فغفر له.

فما أعظم التوبة وما أسعد التائبين، فكم من أناس فاسقين فاسدين بالتوبة صاروا من الأولياء المقربين الفائزين.





نصيحة للأخوات التائبات

أولاً : تمسكي بالقرآن الكريم ؛ فإنه ربيع القلوب .. ونور الصدور .. وجلاء الهموم والغموم .. وبه تعلى الدرجات .. وتحط عنكِ به السيئات .. والميزان !! الحرف بعشر حسنات ، والدليل قوله – صلى الله عليه وسلم – ( من قرأ حرفاً من كتاب الله كان له بكل حرف عشر حسنات ) .

ثانياً : عليك بالسنة المطهرة.. فهي المعدن الأصيل والمرجع النبيل .. لكل مايخص الدنيا والدين .

ثالثاً: انصحك بالأستخارة .. ولا تنسي الاستشارة .. فإنه ما خاب من استخار .. ولا ندم من استشار .

رابعاً : ابتعدي عن الرفيقات السابقات واستبدلي الذي هو أدنى بالذي هو خير .. واختاري من قريناتكِ من تحمل من الأدب جله .. ومن العلم كله .. ودور النساء مليئة .. وماعليك إلا الاختيار .

خامساً : حاولي أن تجاهدي نفسك في عمل الخيرات .. والبعد البعد عن جميع المنكرات .

سادساً : تواضعي ؛ فإن من تواصع لله رفعه .

سابعاً : واظبي على صيام أيام الاثنين والخميس من كل أسبوع ، والأيام البيض من كل شهر ، فإن الصيام ( لا مثل له ) كما أخبر بذلك المصطفى – صلى الله عليه وسلم – .

ثامناً : خصصي وقتاً يسيراً لقراءة القرآن .. وطاعة الملك الديان .. ولمطالعة حديث .. ولسماع إن أمكن في كل يوم شريط ..

تاسعاً : لا تتأثري بكلام من لا عزيمة لها .. واطمحي دوماً إلا العُلا .. واطمحي دوماً إلى معالي الأمور واستعيني فيها بالعزيز الغفور .

عاشراً : احرصي على طلب العلم ؛ فإن الملائكة لتضع اجنجتها لطالب العلم رضاً بما يصنع .

الحادي عشر : أكثري من الأذكار والتسبيح والاستغفار .. فإنها حصن حصين وملاذ مكين .

الثاني عشر: انحصي من طلبت منك النصيحة ؛ ولكن بميزان العدل والأمانة .. وإياك ثم إياكِ من الخيانة .

الثالث عشر : إياك ثم إياك من الحسد رحمةً بي وبكِ ، وقد قيل ( لله در الحسد ما أعدله ، بدأ بصاحبه فقتله ) .

الرابع عشر : التحقي بالدور النسائية ، وثابري على الحضور فيها .. فإنه ما من خير إلا أعانتك عليه .. وما من شر إلأ حذرتك منه .

الخامس عشر : أحبي الصالحات وجالسي العالمات فالمرء يحشر مع من أحب .

السادس عشر : ليكن لكٍ ضابط في أخلاقك وتعاملك مع الآخرين ، ولنا في نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – خير قدوة وأحسن أسوة .. فقد كان خلقه القرآن .. ولتضعي لكٍ ميزاناً شعاره الوسطية ، فلا إفراط ولا تفريط .

السابع عشر : حاولي أن توصلي وجهة نظرك أو ما تريدينه من غيرك بأجمل عبارة وأحسن أسلوب ، وابتعدي تماماً عن التجريح أمام الآخرين فإن هذا مما تنفر منه النفس ، بل اختاري من العبارات ما توصل وجهة نظرك لمن أمامك حتى وإن كنتِ تريدينه أن ينفذ ما تقولين فمثلاً : بدلاً من أن تقولي ( افعلي كذا كذا ) قولي ( أقترح أن تفعلي هكذا ) ولا تنتظري الرد بين غمضه عين وانتباهتها ؛ وسترين النتيجة سريعاً ، ويمكن أن تستخدمي السؤال لتلبية الطلب بطريقة جميلة ، وإن كانت النتيجة قد تتساوى في الحالتين .

الثامن عشر : احرصي على أداء الصلوات الخمس في وقتها بقلب خاشع خاضع مطمئن ، فهي عمود الدين ، والصلة التي بين العبد وربه ، وهي وصية النبي – صل الله عليه وسلم – قبل موته .

التاسع عشر : الناس يحبون الفتاة التي تظهر الاهتمام بهم وبما يشغلهم وتراعي شعورهم سواءً في الفرح أو في الحزن ، ، وإن لم تستطيعي فاحرصي أن تشعريهم أن ذلك الأمر الذي أهمهم قد أهمكِ وأقضَّ مضجعكِ على الأقل ، وبالتالي ترتفع منزلتكِ ومحبتكِ عند الله وعند المخلوقين ، وإن نَفَست ما حَلَّ بهم كان لك من الأجر العظيم الشيء الكبير ، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم _ : ( أحب الناس إلى الله عزَّ وجل أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عزَّ وجل سرور تدخله على مسلم ، أو تكشف عنه كربه ، أو تقضي عنه ديناً ، أو تطرد عنه جوعاً ، ولو أن تمشي مع أخيك في حاجته أحب إليَّ من أن أعتكف في المسجد شهراً ) .

العشرون : ابتعدي عن الغضب فليس الشديد بالسرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب وعليكِ بالحلم والأناة .

الحادي والعشرون : تذكري أن الرزق والأجل قرينان مضمونان ، فما دام الأجل باقياً كان ارزق آتياً ، وإذ سَدَّ عليكِ بحكمته طريقاً من طرقهِ ؛ فتح لك برحمته طريقاً أنفع لكِ منه ، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك

الثاني والعشرون : حققي شروط التوبة .. كما جاءت في القرآن والسنة : ألا وهي ( الندم على ما فات ، والإقلاع عن الذنب والعزم على عدم الرجوع إليه ، وأن تكون التوبة خالصة لوجه الله وطلباً لما عند الله من الأجر ، وإرجاع الحقوق إلى أهلها ) .

*هبة
*هبة
شروط التوبة







إنّ الله تبارك وتعالى لم يحرّم على الناس إلاّ ما يستطيعون تركه ، ولم يوجب عليهم شيئاً لا يستطيعون فعله ، لذا فإن الشيطان قد يوهم بأنه لا يمكن للمسلم أن يتوب ، ولكن على المسلم أن لا يلتفت لما عند الشيطان وليعلم أن باب التوبة مفتوح .

قال الله تعالى { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم. وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون } الزمر: 53 – 54 . وقال تعالى { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } البقرة : 222 . وقال سبحانه { ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده } التوبة 104 .

قال سيد قطب ـ رحمه الله ـ ]: "باب التوبة دائماً مفتوح يدخل منه كل من استيقظ ضميره وأراد العودة والمآب، لا يصد عنه قاصد ولا يغلق في وجه لاجئ، أياً كان وأياً ما ارتكب من الآثام " ا.هـ

وللتوبة الصادقة شروط ، لا تصح ولا تقبل إلا بها وهي كالتالي :



أولاً : الإسلام :

فالتوبة لا تصح من كافر وتصح من المسلم فقط . لأن كفر الكافر دليل على كذبه في ادعاء توبته ، وتوبة الكافر دخوله في الإسلام أولاً .قال تعالى U { وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموتُ . قال إني تُبتُ الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك اعتدنا لهم عذاباً أليماً } النساء 18 .



ثانياً : الإخلاص لله تعالى :


فمن ترك ذنباً من الذنوب لله صحت توبته ، ومن تركه لغير الله لم يكن مخلصاً ولم تصح توبته ، فإن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً له وحده ليس لأحد فيه شئ .

فقد يتوب الإنسان من المعصية خوفاًً من الفضيحة ـ ونحو ذلك ـ وفي قرارة نفسه أنه لو وجد الستر لقام بالمعصية فهذه توبة باطله ، لأنه لم يخلص لله تعالى فيها .


ثالثاًَ : الإقلاع عن المعصية :



فلا تتصور صحة التوبة مع الإقامة على المعاصي حال التوبة ، فإن الإقلاع عن الذنب شرط أساسي للتوبة المقبولة، فالذي يرجع إلى الله وهو مقيم على الذنب لا يعد تائباً، وفي قوله تعالى { وتوبوا } إشارة إلى معنى الإقلاع عن المعصية؛ لأن النفس المتعلقة بالمعصية قلما تخلص في إقبالها على عمل الخير لذلك كان على التائب أن يجاهد نفسه فيقتلع جذور المعاصي من قلبه ، حتى تصبح نفسه قوية على الخير مقبلة عليه نافرة عن الشر متغلبة عليه بإذن الله .

رابعاً : الاعتراف بالذنب :


إن التوبة لا تكون إلا عند ذنب، وهذا يعني علم التائب ومعرفته لذنوبه، وجهل التائب بذنوبه ينافي الهدى؛ لذلك لا تصح توبته إلا بعد معرفته للذنب والاعتراف به وطلبه التخلص من ضرره وعواقبه الوخيمة. إذ لا يمكن أن يتوب المرء من شئ لا يعده ذنباً .

والدليل من السنة قوله r لعائشة رضي الله عنها في قصة الإفك : " أما بعد ، يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه "

وقال ابن القيم : " إن الهداية التامة إلى الصراط المستقيم لا تكون مع الجهل بالذنوب، ولا مع الإصرار عليها، فإن الأول جهل ينافي معرفة الهدى، والثاني : غي ينافي قصده وإرادته، فلذلك لا تصح التوبة إلا من بعد معرفة الذنب والاعتراف به وطلب التخلص من سوء عاقبته أولاً وآخراً " ا.هـ


خامساً : الندم على ما سلف من الذنوب :


الندم ركن من أركان التوبة لا تتم إلا به ولا تتصور التوبة إلا من نادم خائف وجل مشفق على نفسه مما حصل منه وقد أشار النبي r إلى قيمة الندم فقال : " الندم توبة "

سادساً : رد المظالم إلى أهلها :


ومن شروط التوبة التي لا تتم إلا بها رد المظالم إلى أهلها، وهذه المظالم إما أن تتعلق بأمور مادية، أو بأمور غير مادية، فإن كانت المظالم مادية كاغتصاب المال فيجب على التائب أن يردها إلى أصحابها إن كانت موجودة، أو أن يتحللها منهم، وإن كانت المظالم غير مادية فيجب على التائب أن يطلب من المظلوم العفو عن ما بدر من ظلمه وأن يعمل على إرضائه .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها ، فإنه ليس ثم دينار ولا درهم، من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه "

سابعاً : وقوع التوبة قبل الغرغرة :


والغرغرة هي علامة من علامات الموت تصل فيها الروح إلى الحلقوم ، فلابد أن تكون التوبة قبل الموت كم قال الله تعالى { وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني توبتُ الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً } النساء 17-18 .

وقال r " إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر "

قال المباركفوري ـ رحمه الله ـ: " أي : ما لم تبلغ الروح إلى الحلقوم يعني ما لم يتيقن الموت فإن التوبة بعد التيقن بالموت لم يعتد بها " ا.هـ

ثامناً : أن تكون قبل طول الشمس من مغربها :


لأن الشمس إذا طلعت من مغربها آمن الناس أجمعون ، وتيقنوا بقرب قيام الساعة ، ولكن التوبة والإيمان عند ذلك لا تنفع . قال الله تعالى { يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن ءامنت من قبلُ } الأنعام 158 .

قال الألوسي ـ رحمه الله ـ: " والحق أن المراد بهذا البعض الذي لا ينفع الإيمان عنده طلوعُ الشمس من مغربها" . ا.هـ

وعن أبي هريرة t عن النبي r قال : " ومن تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه "

ويعلل القرطبي ـ رحمه الله ـ نقلاً عن جماعة من العلماء عدم قبول الله إيمان من لم يؤمن وتوبة من لم يتب بعد طلوع الشمس فيقول : "وإنما لا ينفع نفساً إيمانها عند طلوعها من مغربها لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كل شهوة من شهوات النفس، وتفتر كل قوة من قوى البدن، فيصير الناس كلهم ـ لإيقانهم بدنو القيامة ـ في حال من حضره الموت في انقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم وبطلانها من أبدانهم، فمن تاب في مثل هذه الحال لم تقبل توبته كما لا تقبل توبة من حضره الموت" . ا.هـ

فإن تحققت شروط التوبة بصدق ، قبلت التوبة فإذا ما أذنب العبد مرة أخرى ثم تاب واجتمعت في التوبة شروطها صحت توبته، وإن تخلف شرط من ذلك لم تصح توبته، فإن عاد إلى الذنب مرة أخرى ثم تاب توبة صحيحة بشروطها صحت توبته وهكذا .

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبّهِ عَزّ وَجَلّ قَالَ: " أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْباً. فَقَالَ: اللّهُمّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْباً، فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذَ بِالذّنْبِ. ثُمّ عَادَ فَأَذْنَبَ . فَقَالَ: أَيْ رَبّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْباً. فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذّنْبِ. ثُمّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي . َفقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبَاً. فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذّنْبِ. اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ "

وعلى العبد أن يعلم أن السبيل إلى قطع رجوعه إلى المعاصي التي تاب منها ألا يقع في استدراج الشيطان قال الله : { يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر } النور 21
القمر وانا واحد


إن التوبة إلى الله عز وجل هي وظيفة العمر التي لا يستغني عنها المسلم أبدًا، فهو يحتاج إلى التوبة كل يوم ، كيف لا وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم مائة مرة؟!

وقد دعا الله عباده إلى التوبة فقال: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) . وما من نبي من الأنبياء إلا دعا قومه إلى التوبة، كما قصص الله علينا ذلك في كتابه الكريم في مواضع متفرقة من كتابه.

معنى التوبة:

التوبة في اللغة تدل على الرجوع؛ قال ابن منظور: أصل تاب عاد إلى الله ورجع. ومعنى تاب الله عليه: أي عاد عليه بالمغفرة.

والتواب بالنسبة إلى الله تعني كثرة قبوله التوبة عن عباده، أما بالنسبة للعبد: فهو العبد كثير التوبة.

والمعنى الاصطلاحي قريب من المعنى السابق.

شروط التوبة الصحيحة:

ذكر العلماء للتوبة الصحيحة شروطًا ينبغي أن تتوفر وهي:

أولاً: الإقلاع عن الذنب: فيترك التائب الذنب الذي أراد التوبة منه باختياره، سواء كان هذا الذنب من الكبائر أم من الصغائر.

ثانيًا: الندم على الذنب: بمعنى أن يندم التائب على فعلته التي كان وقع فيها ويشعر بالحزن والأسف كلما ذكرها.

ثالثًا: العزم على عدم العودة إلى الذنب: وهو شرط مرتبط بنية التائب، وهو بمثابة عهد يقطعه على نفسه بعدم الرجوع إلى الذنب.

رابعًا: التحلل من حقوق الناس: وهذا إذا كان الذنب متعلقًا بحقوق الناس، فلابد أن يعيد الحق لأصحابه، أو يطلب منهم المسامحة.

إلى متى تصح التوبة؟

سؤال يطرح نفسه إلى متى يقبل الله تعالى توبة عبده إذا تاب؟ ويأتي الجواب في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر"..

ولابد أن تكون التوبة أيضًا قبل طلوع الشمس من مغربها؛ لقوله تعالى: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً) .

التوبة النصوح:

يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) ، وقد ذكر العلماء في تفسيرها أنها التي لا عودة بعدها، كما لا يعود اللبن في الضرع. وقيل: هي الخالصة. وقيل: النصوح أن يبغض الذنب الذي أحبه ويستغفر إذا ذكر.

ولا شك أن التوبة النصوح تشمل هذه المعاني كلها، فصاحبها قد وثَّق العزم على عدم العودة إلى الذنب، ولم يُبق على عمله أثرًا من المعصية سرًا أو جهرًا، وهذه هي التوبة التي تورث صاحبها الفلاح عاجلاً وآجلاً.

أقبل فإن الله يحب التائبين:

ليس شيءٌ أحب إلى الله تعالى من الرحمة، من أجل ذلك فتح لعباده أبواب التوبة ودعاهم للدخول عليه لنيل رحمته ومغفرته، وأخبر أنه ليس فقط يقبل التوبة ممن تاب، بل يحبه ويفرح به: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) .

وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: "لله أفرح بتوبة العبد من رجل نزل منزلاً وبه مهلكة، ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومة، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته، حتى اشتد عليه الحر والعطش، أو ما شاء الله. قال: أرجع إلى مكاني، فرجع فنام نومة ثم رفع رأسه فإذا راحلته عنده".

لا تيأس فقد دعا إلى التوبة من كان أشد منك جرمًا:

لا تدع لليأس إلى قلبك طريقًا بسبب ذنب وقعت فيه وإن عَظُم، فقد دعا الله إلى التوبة أقوامًا ارتكبوا الفواحش العظام والموبقات الجسام، فهؤلاء قومٌ قتلوا عباده المؤمنين وحرقوهم بالنار، ذكر الله قصتهم في سورة البروج، ومع ذلك دعاهم إلى التوبة: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) .

وهؤلاء قوم نسبوا إليه الصاحبة والولد فبين كفرهم وضلالهم، ثم دعاهم إلى التوبة: (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .

وهذه امرأة زنت فحملت من الزنا لكنها تابت وأتت النبي صلى الله عليه وسلم معلنة توبتها، طالبة تطهيرها، فلما رجمها المسلمون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد تابت توبة لو قُسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم".

واستمع معي إلى هذا النداء الرباني الذي يفيض رحمة: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) .

فماذا تنتظر بعد هذا؟ فقط أقلع واندم واعزم على عدم العودة، واطرق باب مولاك: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) . أذرف دموع الندم، واعترف بين يدي مولاك، وعاهده على سلوك سبيل الطاعة، وقل كما قال القائل:

أنا العبــد الــذي كسب الذنوبا و صـدتــه الأمـاني أن يتـوبَ

أنا العبــد الذي أضحى حزينــاً علـى زلاتــــه قـلـقـاً كـئيبـــا

أنا العـبد الــذي سطــرت عليه صحـائف لم يخف فيهـا الرقيبا

أنا العبــد المســيء عصيت سراً فمـا لي الآن لا أبــدي النحيـبا

أنا العبــد المفرط ضــاع عمري فلـم أرع الشـبيـبة و المشيــبـا

أنا الـعـبد الغـريـق بلــج بحـر أصيــح لربمــا ألقى مجيـــبــا

أنا العبـد السقيــم من الخطــايا وقــد أقبلـت ألتــمس الطبيبـــا

أنا العبــد المخـلف عـن أنــاس حووا من كل معـروف نصيبـا

أنا العبـد الشــريد ظلمت نفسـي وقـــد وافــيـت بابكــم مـنـيبــا

أنا العبــد الفقــير مـددت كفي إليكـم فادفعــوا عني الخطــوبـا

أنا الغدار كم عاهــدت عهــداً وكنت على الوفــاء به كــذوبـا

أنا المقطوع فارحمـني و صلـني و يسـر منك لي فرجــاً قريبــا

أنا المضطر أرجـو منك عفـواً و من يرجو رضاك فلن يخيبــا

وتذكر قول الله عز وجل: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) (طـه:82)


عائشة المشرقة
إن التوبة إلى الله عز وجل هي وظيفة العمر التي لا يستغني عنها المسلم أبدًا، فهو يحتاج إلى التوبة كل يوم ، كيف لا وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم مائة مرة؟! وقد دعا الله عباده إلى التوبة فقال: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31]. وما من نبي من الأنبياء إلا دعا قومه إلى التوبة، كما قصص الله علينا ذلك في كتابه الكريم في مواضع متفرقة من كتابه. معنى التوبة: التوبة في اللغة تدل على الرجوع؛ قال ابن منظور: أصل تاب عاد إلى الله ورجع. ومعنى تاب الله عليه: أي عاد عليه بالمغفرة. والتواب بالنسبة إلى الله تعني كثرة قبوله التوبة عن عباده، أما بالنسبة للعبد: فهو العبد كثير التوبة. والمعنى الاصطلاحي قريب من المعنى السابق. شروط التوبة الصحيحة: ذكر العلماء للتوبة الصحيحة شروطًا ينبغي أن تتوفر وهي: أولاً: الإقلاع عن الذنب: فيترك التائب الذنب الذي أراد التوبة منه باختياره، سواء كان هذا الذنب من الكبائر أم من الصغائر. ثانيًا: الندم على الذنب: بمعنى أن يندم التائب على فعلته التي كان وقع فيها ويشعر بالحزن والأسف كلما ذكرها. ثالثًا: العزم على عدم العودة إلى الذنب: وهو شرط مرتبط بنية التائب، وهو بمثابة عهد يقطعه على نفسه بعدم الرجوع إلى الذنب. رابعًا: التحلل من حقوق الناس: وهذا إذا كان الذنب متعلقًا بحقوق الناس، فلابد أن يعيد الحق لأصحابه، أو يطلب منهم المسامحة. إلى متى تصح التوبة؟ سؤال يطرح نفسه إلى متى يقبل الله تعالى توبة عبده إذا تاب؟ ويأتي الجواب في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) [النساء:17، 18]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر".. ولابد أن تكون التوبة أيضًا قبل طلوع الشمس من مغربها؛ لقوله تعالى: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً) [الأنعام:158]. التوبة النصوح: يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) [التحريم:8]، وقد ذكر العلماء في تفسيرها أنها التي لا عودة بعدها، كما لا يعود اللبن في الضرع. وقيل: هي الخالصة. وقيل: النصوح أن يبغض الذنب الذي أحبه ويستغفر إذا ذكر. ولا شك أن التوبة النصوح تشمل هذه المعاني كلها، فصاحبها قد وثَّق العزم على عدم العودة إلى الذنب، ولم يُبق على عمله أثرًا من المعصية سرًا أو جهرًا، وهذه هي التوبة التي تورث صاحبها الفلاح عاجلاً وآجلاً. أقبل فإن الله يحب التائبين: ليس شيءٌ أحب إلى الله تعالى من الرحمة، من أجل ذلك فتح لعباده أبواب التوبة ودعاهم للدخول عليه لنيل رحمته ومغفرته، وأخبر أنه ليس فقط يقبل التوبة ممن تاب، بل يحبه ويفرح به: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) [البقرة:222]. وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: "لله أفرح بتوبة العبد من رجل نزل منزلاً وبه مهلكة، ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومة، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته، حتى اشتد عليه الحر والعطش، أو ما شاء الله. قال: أرجع إلى مكاني، فرجع فنام نومة ثم رفع رأسه فإذا راحلته عنده". لا تيأس فقد دعا إلى التوبة من كان أشد منك جرمًا: لا تدع لليأس إلى قلبك طريقًا بسبب ذنب وقعت فيه وإن عَظُم، فقد دعا الله إلى التوبة أقوامًا ارتكبوا الفواحش العظام والموبقات الجسام، فهؤلاء قومٌ قتلوا عباده المؤمنين وحرقوهم بالنار، ذكر الله قصتهم في سورة البروج، ومع ذلك دعاهم إلى التوبة: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) [البروج:10]. وهؤلاء قوم نسبوا إليه الصاحبة والولد فبين كفرهم وضلالهم، ثم دعاهم إلى التوبة: (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة:74]. وهذه امرأة زنت فحملت من الزنا لكنها تابت وأتت النبي صلى الله عليه وسلم معلنة توبتها، طالبة تطهيرها، فلما رجمها المسلمون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد تابت توبة لو قُسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم". واستمع معي إلى هذا النداء الرباني الذي يفيض رحمة: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53]. فماذا تنتظر بعد هذا؟ فقط أقلع واندم واعزم على عدم العودة، واطرق باب مولاك: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) [ البقرة:186]. أذرف دموع الندم، واعترف بين يدي مولاك، وعاهده على سلوك سبيل الطاعة، وقل كما قال القائل: أنا العبــد الــذي كسب الذنوبا و صـدتــه الأمـاني أن يتـوبَ أنا العبــد الذي أضحى حزينــاً علـى زلاتــــه قـلـقـاً كـئيبـــا أنا العـبد الــذي سطــرت عليه صحـائف لم يخف فيهـا الرقيبا أنا العبــد المســيء عصيت سراً فمـا لي الآن لا أبــدي النحيـبا أنا العبــد المفرط ضــاع عمري فلـم أرع الشـبيـبة و المشيــبـا أنا الـعـبد الغـريـق بلــج بحـر أصيــح لربمــا ألقى مجيـــبــا أنا العبـد السقيــم من الخطــايا وقــد أقبلـت ألتــمس الطبيبـــا أنا العبــد المخـلف عـن أنــاس حووا من كل معـروف نصيبـا أنا العبـد الشــريد ظلمت نفسـي وقـــد وافــيـت بابكــم مـنـيبــا أنا العبــد الفقــير مـددت كفي إليكـم فادفعــوا عني الخطــوبـا أنا الغدار كم عاهــدت عهــداً وكنت على الوفــاء به كــذوبـا أنا المقطوع فارحمـني و صلـني و يسـر منك لي فرجــاً قريبــا أنا المضطر أرجـو منك عفـواً و من يرجو رضاك فلن يخيبــا وتذكر قول الله عز وجل: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) (طـه:82)
إن التوبة إلى الله عز وجل هي وظيفة العمر التي لا يستغني عنها المسلم أبدًا، فهو يحتاج إلى التوبة...