من أقوال السلف الصالح في التواضع
قال ابن تيمية : فالمسكين المحمود هو المتواضع الخاشع لله، ليس المراد بالمسكنة عدم المال ، بل قد يكون الرجل فقيرا وهو جبّار .. فالمسكنة خلق في النفس.. وهو التواضع والخشوع.
• قال ابن كثير : يخبر تعالى أن الدار الآخرة ونعيمها المقيم جعلها لعباده المؤمنين المتواضعين ( الذين لا يريدون علوا في الأرض) ..
• قال أبو بكر الصديق: وجدنا الكرم في التقوى ، والغنى في اليقين ، والشرف في التواضع.
• قال عروة بن الورد : التواضع أحد مصائد الشرف، وكل نعمة محسود عليها إلا التواضع.
• قال إبراهيم بن شيبان: الشرف في التواضع ، والعز في التقوى ، والحرية في القناعة.
• قال أبو بكر الصديق : وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن .. انظر إلى تواضعهم..
• وهذا الصديق أيضا كان يحلب للضعفاء أغنامهم.!!
• مرّ عمر بن الخطاب على امرأة وهي تعصد عصيدة لها ، فقال : ليس هكذا يُعصد. ثم أخذ المسوط فقال: هكذا . وأراها ...
• عن عمر المخزومي قال : نادى عمر : الصلاة جامعة.. فلما اجتمع الناس وكثروا صعد المنبر ثم قال... أيها الناس لقد رأيتني أرعى على خالات لي من بني مخزوم ، فيقبضن لي القبضة من التمر والزبيب فأظل يومي وأيّ يوم . ثم نزل. فقال عبدالرحمن بن عوف : يا أمير المؤمنين مازلت أن عِبتَ نفسك . فقال : ويحك يابن عوف إني خلوت فحدثتني نفسي فقالت : أنت أمير المؤمنين ، فمن ذا أفضل منك .. فأردت أن أعرفها نفسها.
• وقال عروة بن الزبير: رأيت عمر بم الخطاب على عاتقه قربة ماء فقلت : يا أمير المؤمنين لا ينبغي لك هذا فقال :لما أتاني الوفود سامعين مطيعين ، دخلت نفسي نخوة .. فأردت أن أكسرها.
• قال ميمون بن مهران : رأيت عثمان نائما في المسجد في ملحفة.. وليس حوله أحد وهو أمير المؤمنين.
• عن عمرو بن قيس : أن عليا رُئي عليه إزار مرفوع، فعوتب في لبوسه . فقال: يقتدي به المؤمن ، ويخشع له القلب.
• عن سعد التميمي قال : كان عبدالرحمن بن عوف لا يعرف من بين عبيده .. من التواضع في الزي.
• وهذا أبو ذر بعد أن عير بلالا بسواده ثم ندم فألقى نفسه فحلف: لا رفعت رأسي حتى يطأ بلال خدي بقدمه . فلم يرفع رأسه حتى فعل بلال.
• عن فضيل بن عياض قال : رئي على سلمان جبة من صوف فقيل له : لو لبست ألين من هذا ؟ فقال : إنما أنا عبد ألبس كما يلبس العبد فإذا أعتقت لبست ثيابا لا تبلى حواشيها.
• قال شيخ من همدان : بعثني قومي في الجاهلية بخيل أهدوها لذي الكلاع فأقمت ببابه سنة لا أصل إليه ثم أشرف إشرافة على الناس من غرفة له فخروا له سجدا.. ثم ثم لقد رأيته بحمص - وقد أسلم – يحمل الدرهم اللحم فيبتدره قومه فيأبى تواضعا منه.
• عن إبراهيم بن عبلة قال : رأيت أم الدرداء مع نساء المساكين جالسة ببيت المقدس.
• عن حماد بن زيد قال: ما رأيت محمد بن واسع إلا وكأنه يبكي ، وكان يجلس مع المساكين والبكائين.
• ورأى ابن واسع ابنا له يمشي مشية منكرة.. فقال : تدري بكم شريت أمك ؟ بثلاثمائة درهم وأبوك – لا كثر الله في المسلمين مثله – أنا وأنت تمشي هذه المشية؟!! ... رحمك الله من متواضع.
• قال رجاء بن حيوة: قومت ثياب عمر بن عبدالعزيز وهو – يخطب – باثنتي عشر درهماً.
• قال يحيى بن معين : ما رأيت مثل أحمد بن حنبل!! صحبناه خمسين سنة ما افتخر علينا بشيء مما كان عليه من الصلاح والخير.
• وكان الإمام أحمد يقول : نحن قوم مساكين.
• قيل للإمام أحمد : جزاك الله عن الإسلام خيرا. فقال : لا ، بل جزى الله الإسلام عني خيرا من أنا وما أنا.؟
• قال مالك بن دينار : لوأن مناديا ينادي بباب المسجد : ليخرج شركم رجلا. والله ما كان أحد يسبقني إلى الباب إلا رجلا بفضل قوة أو سعي.
• قال المغيرة : كنا نهاب إبراهيم النخعي هيبة الأمير . وكان يقول : إن زمانا صرت فيه فقيه الكوفة لزمان سوء.
• قال زياد النمري : الزاهد بغير تواضع .. كالشجرة التي لا تثمر
.
• تواضع إذا ما نلت في الناس رفعة فإن رفيع القوم من يتواضع
• ولربما رأيت طويلب علم لا يحفظ من القرآن إلا اليسير ولا يكاد يحفظ حديثا من البخاري أو مسلم بحروفه فضلا عن سنده ومعناه.. ومع هذا يقف أمام جهابذة العلماء وكأنه أبو حنيفة أو الشافعي.. ويقول : أرى .. وعندي ..
• يقولون هذا عندنا غير جائز ومن أنتم حتى يكون لكم عند.
• أسال الله أن يجعلنا ممن يتواضعون له سبحانه.
منقول

من لآلئ القلوب التواضع
يا حبذا المزيةُ الطيِّبة ! ونِعْمَ الخصيصةُ المحبَّبة في القلوب النبيلة!
تلك القلوب التي فتَّشت عن جميل السَّجايا في ذَواتها، فسقَتها، ونمَّتها حتى تَرَعرَعَت في خميلة نفسِها، ففاحَت عطراً جذبَ إليه الفراشات المزركَشَة التي تعشَق الجمال، واستقطَبَت البلابلَ التي تبحثُ عن الأمان والسَّلام.
إن بَذرةَ التَّواضُع في النفس أشبهُ بالدالية التي تتقدَّم فِناء منزل عَتيق تغطِّي باخضِرارها ونُضارة أوراقها الممتدَّة ملامحَ هذا المنزل ليبدوَ للناظر لوحةً فنيةً ساحرة.
فما بالُكَ إذا تقدَّمت هذه الدَّاليةُ إطلالةَ بيتٍ جميل مَتين البناء، عالي الأسوار؟
فلا جَرمَ أنَّ منظرَهُ سيكون فاتناً، وكذلك فإنَّ جَمال مَظهر الإنسان عندما يَلتقي مع مَخبَره فإنه يَغدو يَنبوعاً متدفِّقاً يُفيض من جَنباته النَّفع والصَّلاح.
التواضعُ مزية تدلُّ على النبل والكرم ونقاء السَّريرة وصفاء الطويَّة؛ لأنها لمسةٌ من لمسات الخالق أودَعَها في نُفوس عباده فتمثَّلها الأنبياء والرسُل والصالحون، والنبلاء والمفكِّرون من البشر، الذين عَرَفوا قُدرة الخالق، وضَعف المخلوق، ووَعَوا رسالةَ الحياة الغَرورة القصيرة.
تأمَّلوا قولَ الخالق -عزَّ وجلَّ- في حثِّه على التواضُع: {واخْفِض جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المؤمِنين}.
المتواضع قمرٌ يَهَبُ النور، وشمسٌ تَمنحُ الدِّفْء، وابتسامةٌ تَتَكَلَّل بالفَرَح، وعَندليبٌ يُطرب الأَيك.
والمتواضع رسالةُ سلام تَمشي على الأرض، وقلبٌ مِعطاء يُقدِّم للآخَرين إنسانيته ومعروفَه على طَبَق من ذَهَب، فيَسعدون بلُقياه؛ لأنهم يَجدون فيه جانباً آمناً وطريقاً سهلةً مَحفوفة بالزَّهر خاليــةً من الأشواك.
وقديماً قالت العرب: ((لا حَسَبَ كالتَّواضُع، ولا شَرَفَ كالعِلم)).
قرأتُ التواضعَ قصيدةً مباركة في حياة الأنبياء، ورأيتُه مَنظراً بديعاً في انحِناء السَّنابل، وفِطرةً نقيَّة في سُجود الكائنات لله.
عِشتُه فَرَحاً في أعيُن التلاميذ عندما يُبادرهم معلِّموهم بالسَّلام والابتسامة.
وأجمل ما رأيتُه في نفوس المتخاصِمين عندما يبدأُ خَيرُهم بالسَّلام على أخيه فيَخرُج دخانُ الحِقد، ويَصفو بلَّور النفس، ويحلُّ الوِصالُ بعد الهَجر، والحبُّ بعد الكُره.
التواضع دليلٌ صريح على ازدِهار الصحَّة النفسية عند الإنسان؛ لأن غِيابَه ينمُّ عن اضطِراب في تَكوين الشخصيَّة.
وحسبُ المتواضع فَخراً أنَّ الله يُحبُّه والملائكةُ ومن ثَمَّ جميع الناس.
ولو استَنطَقنا التاريخَ عن خاتمة المتواضِعين من العُلماء والملوك والأُمَراء والقادَة وعامَّة الناس لأجاب بإكبار، ولأدَّى السلام لهم.
أما أولئك المتكبِّرون فقد حَصَدوا ما زَرَعوا، وخلَّفوا سِيَراً مَشؤومَة تَفوح بالكراهية.
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلَّم قال: ((ما نَقَصَت صَدَقةٌ مِن مال، وما زادَ اللهُ عَبداً بعَفوٍ إلا عِزّاً، وما تواضعَ أحدٌ لله إلا رَفَعَه الله)) .
وهذا ابن المعتزِّ يقول : "أشدُّ العلماء تواضعاً أكثرُهم علماً، كما أنَّ المكانَ المنخفِضَ أكثرُ البِقاع ماءً".
ومَن ظنَّ أن التواضعَ ضعفٌ فقد أخطأَ الفهم، وجانبَ الصواب؛ لأنَّ التواضعَ ثمرةُ الإيمان، والإيمانُ لا يسكنُ في القلوب الخرِبَة ذات الشرايين المتقطِّعة والجوانب المتصدِّعة، وإنما يسكنُ القلوب القويَّة الراسية، ويألَفُ النفوسَ المتسامحة الزكيّة.
فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلَّم قال: ((لو دُعيتُ إلى كُراعٍ أو ذِراعٍ لأَجَبتُ، ولو أُهدِيَ إليَّ ذِراعٌ أو كُراعٌ لأَجَبتُ)) .
وما أروعَ هذا القولَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد الرجال : ((هَوِّن عليكَ، فإنِّي لستُ بمَلِكٍ، إنما أنا ابنُ امرَأَةٍ مِن قُرَيش كانت تأكُلُ القَديدَ بمَكَّة)).
فيا أيها الآباءُ والأمَّهات والمربونَ أعينوا أبناءكم على تنميةِ هذه البَذرَة في نُفوسِهِم، وخيرُ وسيلة لتنميتها أن تكونوا مُتواضِعين معهم تَنبِذون ما نَبا من سُلوكهم وألفاظهم، وما خالفَ الفِطرةَ السليمة، رغِّبوهم بالتواضع ونفِّروهم من التكبُّر، وأَنعِشوا أَسماعَهُم بالقصص التي تُبرزُ قيمةَ التواضع.
ودونَكم بعضَ الأقوال في التواضُع:- ليس للمَرءِ سوى مَجدٍ واحدٍ حَقيقي، هو التواضُع.
- التواضعُ اكتسابُ المجد، واجتلابُ المجد.
- أَلِن جانِبَكَ لقَومِكَ يُحبُّوك، وتواضَع لهم يَرفَعوك، وابسُط لهم يَدَك يُطيعوك.
ورحم الله الشعراءَ الذين قالوا:
- مَلأَى السَّنابلِ تَنحَني بتَواضُعٍ والفارِغاتُ رُؤوسُهنَّ شَوامِخُ
- تَواضَعْ تَكُنْ كالبَدرِ لاحَ لناظِرٍ عَلا طَبَقاتِ الجَوِّ وهوَ رَفيعُ
- تَواضَعْ إذا مانِلتَ في الناسِ رِفعةً فإنَّ رَفيعَ القَومِ مَن يَتَواضَعُ
ولتَعلَموا أيها الإخوةُ أنَّ التواضعَ مَجلبَةٌ للسَّعادة والاطمئنان، ومَدعاةٌ لحُصول المحبَّة، وطريقةٌ مَأنوسَةٌ لنشر ثقافةِ السلام، وإعلانِ الصُّلح بين الإنسان ونفسِه، وبينه وبين خالقِه، وبينه وبين البَشَر كافَّة.
وقد قال ألفرد دو موسِّيه: "التواضعُ الحقيقيُّ أبو كلِّ الفَضائل".
ولا أُغالي إن قلت: إنَّ التواضعَ أحدُ أهمِّ الأسلحة في نشر العِلم والسلام والمحبَّة في أرجاء المعمورَة.
منقول

تواضع النبي صلى الله عليه وسلم
خلق التواضع من الأخلاق الفاضلة الكريمة ، والشيم العظيمة التي
حث عليها الإسلام ورغَّب فيها، وتمثله رسول الله صلى الله عليه
وسلم منهجاً عملياً في حياته، وفي ثنايا الأسطر التالية نقف عند
بعض ملامح هذا المنهج العملي لنرى تواضعه صلى الله عليه وسلم.
فقد كان صلى الله عليه وسلم مع علو قدره ، ورفعة منصبه أشد
الناس تواضعاً، وألينهم جانباً، وحسبك دليلاً على هذا أن الله سبحانه
وتعالي خيَّره بين أن يكون نبياً ملكاً ، أو نبياً عبداً ، فأختار أن يكون نبياً
عبداً صلوات الله وسلامه عليه.
وكان صلى الله عليه وسلم يمنع أصحابه من القيام له، وما ذلك إلا
لشدة تواضعه فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال : خرج علينا رسول
الله صلى الله عليه وسلم متكئاً على عصاً ، فقمنا له ، قال :( لا تقوموا
كما يقوم الأعاجم ، يعظِّم بعضهم بعضاً) رواهأحمد وأبو داود وهذا
خلاف ما يفعله بعض المتكبرين من حبهم لتعظيم الناس لهم ،
وغضبهم عليهم إذا لم يقوموا لهم ، وقد قال عليه الصلاة
والسلام ( من أحب أن يتمثَّل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار)
رواه أحمد والترمذي و أبو داوود.
وخلق التواضع كان سمةً ملازمةً له صلى الله عليه وسلم في حياته
كلها، في جلوسه ، وفي ركوبه ، وفي أكله ، وفي شأنه كله ، ففي
أكله وجلوسه نجده يقول (إنما أنا عبد، آكل كما يأكل العبد، وأجلس
كما يجلس العبد) رواه ابن حبان ، وفي ركوبه يركب ما يركب عامة
الناس، فركب صلى الله عليه وسلم البعير و الحمار والبغلة والفرس،
قال أنس رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود
المريض، ويشهد الجنازة، ويجيب دعوة العبد، وكان يوم بني قريظة
على حمار مخطوم بحبل من ليف ) رواه الترمذي.
وفي "سنن" ابن ماجه عن قيس بن أبي حازم : أن رجلاً أتي رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فقام بين يديه فأخذته رعدة فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: ( هوّن عليك فإني لست بملك ، إنما أنا ابن
امرأة من قريش كانت تأكل القديد) ـ والقديد هو اللحم المجفف - وهذا
من تمام تواضعه صلى الله عليه وسلم حيث بين له أنه ليس بملك،
وذكر له ما كانت تأكله أمه لبيان أنه رجل منهم ، وليس بمتجبر يُخاف منه.
وبالجملة فإن الناظر إلى ما تقدم بعين البصيرة والاعتبار يعلم علم
اليقين، أن خلق التواضع كان خلقاً ملازماً لرسول الله صلى الله عليه
وسلم، وأنه من الأخلاق التي ينبغي على المسلم أن يتحلى بها و
يحرص عليها إقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم كي ينال خيريِّ ا
لدنيا والآخرة.
إسلام ويب
الصفحة الأخيرة
التواضع خلق كريم، يزيد صاحبه رفعة وعزاً، ويحببه إلى قلوب الآخرين، إذ من تواضع لله رفعه، وفي الحديث ( مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ ) ومن تكبر عليه أو على عباده أذله ووضعه، لأن الكبرياء من أخص صفات الله سبحانه وتعالى, ففي الحديث ( الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ(.
وقد وصف الله عباده الذين ينتسبون إليه بأنهم " وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْن " يمشون متواضعين هيّنين ليّنين، يمشون بسكينة ووقار، لا بتجبر ولا استكبار، لا يستعلون على أحد، لا ينتفشون على أحد، لا يمشي أحدهم، وكأنه يقول: يا أرض انهدي ما عليك قدي، لا إنه يمشي مشية من يعلم أنه من الأرض وإلى الأرض. وقد جاء في وصايا الله في سورة الإسراء: " وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً ".
مهما دببت برجليك، فلن تخرق الأرض،ومهما تطاولت بعنقك وشمخت برأسك، فلن تبلغ الجبال طولاً، فامش إذن متواضعاً حتى يحبك الله، وحتى يحبك الناس، فالله لا يحب كل مختال فخور، لا يحب الذي يفخر على عباد الله، أو الذي يختال في مشيته، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك أشد التحذير، فقال: ( مَنْ تَعَظَّمَ فِي نَفْسِهِ أَوْ اخْتَالَ فِي مِشْيَتِهِ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ ) وقال: ( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ يَمْشِي فِي بُرْدَيْهِ قَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) وهكذا خسف الله به الأرض لاختياله وإعجابه بنفسه.
والعجب يوجد الرضا عن النفس، والرضا عن النفس يتفرع عنه الكثير من الأمراض، كالغرور وازدراء الآخرين، حتى اعتبر العارف بالله ابن عطاء السكندري الرضا عن النفس أصل كل بلاء، قال رحمه الله: ( أصل كل معصية وغفلة وشهوة الرضا عن النفس، وأصل كل طاعة ويقظة وعفة عدم الرضا عنها، ولئن تصحب جاهلاً لا يرضى عن نفسه خير لك من أن تصحب عالماً يرضى عن نفسه، فأي علم لعالم يرضى عن نفسه، وأي جهل لجاهل لا يرضى عن نفسه ) إن المسلم الكيس هو الذي يحذر من العجب، بما وُفِق إليه من طاعة، أو نصر على أعداءه، أو فوز على خصومه، وإذا فرح بما وُفِق إليه، فإنه يفرح بالحق بأن هذا تم بفضل الله ورحمته، ولا يفرح فرح الباطل الذي نهى الله عنه ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) فهذا فرح المزهوين المغرورين. لهذا قال علي رضي الله عنه: ( سيئة تسوؤك خير من حسنة تعجبك ) سيئة تنكد عليك وتندم عليها وتنكر نفسك من أجلها، خير من حسنة تُعجب بها وتغتر، وما أدراك ربما شَابَ هذه الطاعة رياء فتفسد، لذلك قال ابن عطاء السكندري رحمه الله: ( ربما فتح الله لك باب الطاعة، وما فتح لك باب القبول، وربما قُدر عليك المعصية فكانت سبباً في الوصول، معصية أورثتت ذلاً وانكساراً، خير من طاعة أورثتت عجباً واستكباراً ).
إن المستكبرين والمتجبرين أجهل الناس، وإلا علام إذاً يستكبرون ويستعلون على غيرهم ؟ لو نظروا إلى أنفسهم لوجدوا – كما قال الغزالي – أن أباهم الماء المهين وجدّهم التراب.
رأى مطرف بن عبد الله بن الشّخّير: المهلب بن صفرة يمشي متبختراً عليه حلة من خز، فغمزه ونهاه عن هذه المشية، وقال: إن هذه مشية يبغضها الله عز وجل، وكان المهلب قائداً من القواد الكبار، فقال له: أما تعرفني ؟ قال له: نعم، أعرفك وأعرف أولك وآخرك، أولك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة، وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة ! ومثل هذا قولَ الحسن البصري: عجبت لمن يغسل الخُرء بيده مرة أو مرتين كل يوم كيف يتكبر على جبار السموات والأرض. وقولَ الأحنف بن قيس: عجبت لمن جرى في مجرى البول مرتين كيف يتكبر.
فكيف يزهو مَن رجيعه أبد الدهر ضجيعه.... فهو منه وإليه وأخوه ورضيعه لماذا يتكبر الإنسان ؟ وآخره الموت الذي يسوي بين الكبير والحقير، والغني والفقير. الأرض التي يمشي عليها هذا الإنسان مرحاً، تُرى كم وارت من الكبار ؟ كم وارت من الأثرياء ؟ كم وارت من الأمراء والملوك ؟ وفي هذا يقول الشاعر:
ولا تمش فــــوق الأرض إلا تواضعــاً فكــــم تحتها قوم همـــو منك أرفـــــع
وإن كنت في عـــز وجاه ومنعــــــة فكم مات تحتها من قوم همو منك أمنع
منقول