همم فوق القمم @hmm_fok_alkmm
محررة برونزية
][
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبد ورسوله ..
أما بعد : أختاه .. يا من تملك الحزن قلبها .. وكتم الهم نفسها .. وضيق صدرها .. فتكدرت بها الأحوال .. وأظلمت أمامها الآمال .. فضاقت عليها الحياة على سعتها .. وضاقت بها نفسها وأيامها .. وساعاتها وأنفاسها !
لا تحزني .. فما الحزن للأكدار علاج .. لا تيأسي فاليأس يعكر المزاج .. والأمل قد لاح من كل فج بل فجاج !
لا تحزني .. فالبلوى تمحيص .. والمصيبة بإذن الله اختبار .. والنازلة امتحان .. وعند الامتحان يعز المرء أو يهان !
فالله ينعم بالبلوى يمحصنا من منا يرضى أو يضطرب
فما عساه أن يكون سبب حزنك ؟!
إن يكن مرض .. فهو خير .. وعاقبته الشفاء .. قال صلى الله عليه وسلم :" من يرد الله به خيرا يصب منه " ، وقال الله جل وعلا : (( وإذا مرضت فهو يشفين )) .
وإن يكن سبب حزنك ذنب اقترفته أو خطيئة فتأملي خطاب مولاك الذي هو أرحم بك من نفسك : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ) .
وإن يكن سبب حزنك ظلم حل بك من زوج أو قريب أو بعيد ، فقد وعدك الله بالنصر ووعد ظالمك بالخذلات والذل . فقال تعالى : (( والله لا يحب الظالمين )) ، وقال تعالى في الحديث القدسي للمظلوم : (( وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين )) .
وقال سبحانه : ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله سمع تحاوركما إن الله سميع بصير ) .
وإن يكن سبب حزنك الفقر والحاجة ، فاصبري وأبشري .. قال تعالى : (( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين)) .
وإن يكن سبب حزنك انعدام أو قلة الولد ، فلست أول من يعدم الولد ولست مسؤولة عن خلقه . قال تعالى : (( لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرنا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما ))
فهل أنت من شاء العقم ؟ أم الله الذي جعلك بمشيئته كذلك ! وهل لك أن تعترضي على حكم الله ومشيئته ! أو هل لزوجك أو سواه أن يلومك على ذلك .. إنه أن فعل كان معترضا على الله لا عليك ومغالبا لحكم الله ومعقبا عليه ..
فعلام الحزن إذن والأمر كله لله !
لا تحزني .. مهما بلغ بك البلاء ! وتذكري أن ما يجري لك أقدار وقضاء يسري .. وأن الليل وإن طال فلا بد من الفجر !
وإليك أختي المسلمة .. كلمات نيرة تدعين بها الهموم .. انتقيتها لم من مشكاة النبوة لننير لك الطريق .. وتكشف عنك بإذن الله الأحزان .
كوني ابنة اليوم
اجعلي شعارك في الحياة :
ما مضى فات والمؤمل غيب
ولك الساعة التي أنت فيها
وأحسن منه وأجمل قول ابن عمر رضي الله عنه :" إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك "
انسي الماضي مهما كان أمره ، انسيه بأحزانه وأتراحه ، فتذكره لا يفيد في علاج الأوجاع شيئا وإنما ينكد على يومك ، ويزيد هموما على همومك .. تصوري دائما أنك وسط زمنين :
الأول : ماض وهو وقت فات بكل مفرداته وحلوه ومره ، وفواته يعني بالتحديد عدمه فلم يعد له وجود في الواقع وإنما وجوده منحصر في ذهنك .. ذهنك فقط ! وما دام ليس له وجود.. فهو لا يستحق أن يكون في قاموس الهموم .. لأنه انتهى وانقضى .. وتولى ومضى .!
والثاني : مستبقل وهو في غيب مجهول لا تحكمه قوانين الفكر ولا تخمينات العقل .. وإنما هو غيب موغل في الغموض والسرية بحيث لا يدرك كهنة أحد .. (( قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله )) ، (( وما تدري نفس بأي أرض تموت)) .
إذا فالماضي عدم .. والمستقبل غيب !
فلا تحطمي فؤادك بأحزان ولّت .. ولا تتشاءمي بأفكار ما أحلت ! وعيشي حياتك لحظة .. لحظة .. وساعة ساعة .. ويوما بيوم !
تجاهلي الماضي .. وارم ما وقع فيه في سراب النسيان ..وامسحي من صفات ذكرياتك الهموم والأحزان .. ثم تجاهلي ما يخبئه الغد .. وتفاءلي فيه بالأفراح .. ولا تعبري جسرا حتى تقفي عليه .
تأملي كيف استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الهم والحزن إذ قال :" اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعحز والكسل ، والجبن والبخل ، وقهر الدين وغلبة الرجال "
فالحزن يكون على الأمور الماضية التي لا يمكن ردّها ولا استدراكها .. والهم يكون بسبب الخوف من المستقبل والتشاؤم فيه .
أختي المسلمة .. يومك يومك تسعدي .. أشغلي فيه نفسك بالأعمال النافعة .. واجتهدي في لحظته بالصلاح والإصلاح .. استثمري فيه لحظاتك في الصلاة ..في ذكرالله .. في قراءة القرآن .. في طلب العلم .. في التشاغل بالخير .. في معروف تجدينه يوم العرض على الله .. (( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمد بعيدا ))
ثانيا : تعبدي لله بالرضى
لا تحزني .. اجعلي شعارك عند وقوع البلاء : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم اجرني في مصيبتي ، واخلف لي خيرا منها .. اهتفي بهذه الكلمات عند أول صدمه .. تنقلب في حقك البلية .. مزية .. والمحنة منحة .. الهلكة عطاء وبركة !
تأملي في أدب البلاء في هذه الآية : (( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )) استرجعي عند الجوع والفقر .. عند الحاجة والفاقة ..عند المرض والمصيبة .. وأبشري بالرحمة من الله وحده!
ثالثا : افقهي سرّ البلاء
لا تحزني .. فالبلاء جزء لا يتجزء من الحياة .. لا يخلو منه .. غني ولا فقير .. ولاملك ولا مملوك .. ولا نبي مرسل .. ولا عظيم مبجل .. فالناس مشنركون في وقوعه .. ومختلفون في كيفياته ودرجاته .. (( ولقد خلقنا الإنسان في كبد ))
طبعت على كدر وأنت تريدها خالية من الأنكاد والأكدار
هكذا الحياة الدنيا مجالا للبلاء .. (( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا )) .. (( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين)) .. إذن فسر البلاء هو التمحيص ليعلم المجاهد فيأجر .. والصابر فيثاب !
لا تحزني .. واستشعري في كل بلاء أنك رشحت لامتحان من الله !.. تثبتي وتأملي وتمالكي وهدئي الأعصاب .. وكأن مناديا يقول لك في خفاء هامسا ومذكرا : أنت الآن في امتحان جديد .. فاحذري الفشل تأملي قوله صلى الله عليه وسلم :" من يرد الله به خيرا يفقه في الدين " ، ثم قول صلى الله عليه وسلم :" من يرد الله به خيرا يصب منه "
فطالب العلم .. والمبتلى بالمصائب يشتركان في خير أراده الله لهما .. وهذا أمر في غاية الأهمية فقهه!
فكما أن العلم شرف .. يريده الله لمن يحب من عباده ! فكذلك البلاء شرف يريده الله لمن يحب من عباده ! يغفر ذنبا .. ويفرج به كربا .. ويمحي به عيبا .. ويحدث بعده أمرا لم يكن في الحسبان .
(( لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا )) ، وفي الحديث :" إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط " .
رابعا : لا تقلقي
المريض سيشفى .. والغائب سيعو د .. والمحزون سيفرح .. والكرب سيرفع .. والضائقة ستزول .. وهذا وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد .. (( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ))
لا تحزني .. فإنما كرر الله " اليسر " في الآية .. ليطمئن قلبك.. وينشرح صدرك .. وقال صلى الله عليه وسلم :" لن يغلب عسر يسرين " .. العسير يعقبه اليسر .. كما الليل يعقبه الفجر ..
ولرب ضائقة يضيق بها الفتى وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تُفرج
خامسا : اجعلي همك في الله
أخيه .. إذا اشتدت عليك هموم الأرض .. فاجعلي همك في السماء .. ففي الحديث :" من جعل الهموم هما واحدا هم المعاد ، كفاه الله سائر همومه ، ومن تشعبت به الهموم من أحوال الدنيا لم يبال الله في أي واد هلك "
لا تحزني .. فرزقك مقسوم .. وقدرك محسوم .. وأحوال الدنيا لا تستحق الهموم .. لأنها كلها إلى زوال .. (( وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور )) .
إذا آوى إليك الهم .. فأوي به إلى الله .. والهجي بذكره : " الله الله لاأشرك به أحدا " " يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث " ، " رب إني مغلوب فانتصر " فكلها أوراد شرعية يغفر الله بها الذنب وينفرج بها الكرب .
اطلبي السكينة في كثرة الاستغفار .. استغفري بصدق مرة ومرتين ومائة ومائتين وألف.. دون تحديد متلذذة بحلاوة الاستغفار .. ونشوة الإنابة .. (( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ))
اطلبي الطمأنينة في الأذكار بالتسبيح ، والتهليل ، والصلاة على النبي الأمين صلى الله عليه وسلم ، وتلاوة القرآن ، (( إلا بذكر الله تطمئن القلوب )) .. (( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين)) ..
لا تحزني .. وافزعي إلى الله بالدعاء .. لا تعجزي ففي الحديث " أعجز الناس من عجز عن الدعاء " تضرعي إلى الله في ظلم الليالي .. وأدبار الصلوات .. اختلي بنفسك في قعر بيتك شاكية إليه .. باكية لدية .. سائلة فرجة ونصرة وفتحة .. ألحي عليه .. مرة واثنتين وعشرا فهو يحب الملحين في الدعاء .. (( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان )) .
لا تحزني ولا تيأسي .. (( أنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ))
ستنجلي الظلمة .. وتول الغمة .. وتعود البسمة .. فافرشي لها فراش الصبر .. وهاتفيها بالدعاء والذكر .. وظني بالله خيرا .. يكن عند حسن ظنك ..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
إعداد :
القسم العلمي بدار خزيمة
منقول
5
535
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
Bose Cat
•
جزاك الله خير
الصفحة الأخيرة