
الْسَّلامٌ عَلَيٌكٌمْ وَرَحْمَةٌ الله وَبَرَكَاتٌهٌ
لأنك يا والدي عندما هرمت أصبحت مزعجاً.. ولأن زوجتي أصبحت تعاني كثيراً من ضغوط العمل ومسؤوليات البيت والأولاد،
ولأنك ضعفت وأضحيت تحتاج إلى خادم يرافقك ولا يفارقك.. ولأنك أصبحت تشكو كثيراً من
الوحدة وأضحى هذا الأمر يؤرقك.. ولأنني حقيقة مشغول بعملي الذي يأخذ تقريباً كل وقتي ولم
يعد أحد منا قادر على رعايتك وجدت بأن أفضل حل ممكن أن يناسبك هو إرسالك إلى دار
العجزة حيث تمضي هناك ما تبقى لك من العمر محاطاً بالرعاية والاهتمام.. وفعلت وأرسلتك يا
أبي. أرسلتك إلى هناك متناسياً كل أفضالك عليّ وكل واجباتي نحوك.. لقد نسيت حنانك الذي
غمرني وحبك الذي غطاني واحتوائك الذي طمأنني.. نسيت قلقك على مصلحتي وتفكيرك
المتواصل بكل ما يخصني وخوفك عليّ عند مرضي وحزنك عند تعاستي وفرحتك الكبرى عند
نجاحي.. نسيت أيام الكد العصبية التي مرت بك أيام الشباب والتي قاسيتها لأجل تأمين
مستقبلي.. كنت صديقي الوفي الذي أجده دوماً عند عسرتي، وموجهي الأول عند زللي .. كنت
حبيبي الذي أحبني دون توقف وأعطاني بلا حساب دون أن ينتظر كلمة شكر أو عرفان.. ولا
أدري يا أبي كيف نسيت كل هذا.. ولماذا فعلت كل هذا.. لا أدري كيف استطعت أن أجحد فضلك
وأنكر معروفك.. لأنك بحبك الكبير وعطائك اللامحدود جعلت مني إنساناً مدللاً أنانياً لا يفكر إلا
بنفسه؟ أم أنني كنت إنساناً آلياً يتحرك بلا إحساس أو شعور ؟ أم لأنني محروم من الثواب
الكبير والسبيل الممهد الذي سيحظى به البار بوالديه؟ أم لأنني لم أستوعب بحق آيات القرآن
التي كانت تحثني دوماً على البر بك وتحذرني من عقوقك؟ لا أدري يا أبي كيف استطعت أن
أفعل هذا؟ كيف تشنجت فطرتي واحتجبت فطنتي وتخدر ضميري.. لا أدري كيف قسا قلبي
وتحملت نفسي وضعك في هذا المكان وفوق كل هذا لم أكلف نفسي حتى بالسؤال عنك..
أنا لم أراعي فيك الضعف الذي يعانيه كل كهل عجوز.. لم ألتفت إلى مدى احتياجاتك التي تتمثل
في قلب كل طفل صغير.. كنت أرى فيهما حاجتك إلى أن ألمسك بحنان وأضمك بحب.. كنت
تحتاج بين الفينة والفينة إلى أن أحادثك بأي حديث حتى ولو كان تافهاً.. إلى أن أمازحك..
وأداعبك.. تماماً كالطفل.. ولا أدري لم أعطيت طفلي كل هذا وبخلت به عليك؟
أنا لم أكن جاهلاً ولكني في الحقيقة كنت جاحداً.. استهنت بشيخوختك وتأففت من أحاديثك
واستثقلت خدمتك.. وأذكر جيداً أنك في يومك الأخير قبل وفاتك أخذت ترجو الممرض لأن
يهاتفني لأحضر وتراني للمرة الأخيرة.. وقد اتصل بي فعلاً أكثر من مرة وأخبرني بمرضك وأنك
تريد رؤيتي ولكني لم أهتم واعتقدت بأنك تبالغ لتراني وستشفى كالمرات السابقة.. وقتها كنت
يا حبيبي وحيداً تتمنى أن تقبض على يدي بدلاً من يد الممرض الذي لم تكن تشعر معه بالأمان
ولا الاطمئنان.. كنت تتمنى أن تسمع صوتي بقربك يتلو القرآن كما هو الابن البار بوالديه
فتطمئن روحك وتصعد بعد أن ألقنك الشهادتين وأغمض لك العينين.. كنت تتوقع مني الكثير
ولكنني بخلت عليك حتى بأقل القليل.. ومنذ ذلك اليوم يا أبي بدأ مشواري مع العذاب والألم والشعور بالذنب..
وبدأت أرى الأيام تعيد نفسها معي.. نفس الموقف يا أبي بتفاصيلها واجهتها مع أبنائي.. نفس
الجحود.. نفس الخذلان.. نفس القصة.. اليوم أنا في دار العجزة أضع صورتك الصغيرة في
جيبي لأراها بين الحين والحين وأضمها إلى صدري وأخاطبها ما أفعل الآن وأطلب السماح من
ربي الذي كان يراقبني ويرصد حركاتي وهاهو اليوم يذيقني أضعاف المر الذي أسقيتك في
شبابي.. أنا اليوم يا أبي عجوز أقيم في دار العجزة مع المسنين أمثالي نتلهف على من يكلمنا.
لضم أبنائنا.. لشمل عائلتنا.. لمداعبة أحفادنا.. ونظل نراقب بلهفة كل زائر وداخل عله يكون
ابناً تذكر أن له ولداً لا يزال حياً في هذه الدار ولكننا لا نلبث أن ننكس رؤوسنا بخيبة حين نرى
بأن القادم هو الممرض أو الخادم المتأفف الذي يعد علينا الأيام والساعات لنرحل عن هذه
الدنيا.. هنا أنا أتلقى عقابي يا أبي وفي الحقيقة أنا لم أرثي لحالي بل أشعر بأنني أستحق كل ما نالني..
والشيء الوحيد الذي يخفف عني هو أنني أرفع يدي إلى السماء دوماً لأدعو لك بالرحمة
والغفران والجنة وسأظل أدعو في كل لحظة من لحظات حياتي بل وحتى في تقلبات منامي علني
أحظى بشيء من البر بك يتقبله الله مني.. ليتني بررتك يا أبي.. ليتني لم أكن ابناً عاقاً.. ليتني
لم أغلق باب البر بك.. ليتني استوعبت بأن الله لا يضيع عنده شيء وميزانه دقيق وعادل في
كل الأمور وخاصة في معاملة الوالدين ففيها الجزاء الذي ينال صاحبه في الدنيا قبل الآخرة إن
خيراً فخير ويسر وسعادة وتوفيق ورزق وفرج.. وإن شراً فشر وعسر وتعاسة وخسارة
وخذلان وضيق.. وهكذا.. عامل تعامل وكما تدين تدان.. ليتني فطنت لهذه الكلمات في أوانها.. كنت مغفلاً ومخطئاً.. فأرجوك سامحنى يا أبي..
م ن ق و ل
اختي لمسة ذوق.....
من جد تذكير ببرالوالد ين ... وبقصة تكسر الخاطر الله يثيبك خير.
وجد يرة بان تحرك كل مقصر بحق والد يه ....
وماشاء الله عليك بكل مجال تطرحي تبدعي.
مدري شواقول بصراحة تأثر بقوة لكن اقول:
الله يرضا عنك وعن والديك ويرضيهما عليك....
الله يرزقنا واياك برالوالد ين ورضاهم
ولك تحية بالغة الاحترام