×O ×أهداااء للبناأأ ت الي طلبو مني قصة مليئة بالاحداث بالفصحى×O ×

الأدب النبطي والفصيح

× رواية ×


من اجمل منتدي بنكهته الجدية أسية
جميع الحقوق محفوظة لحملة مكافحة الروايات الهابطة
- جزآ الله صاحبتها خير الجزاء -
و يمنع منعًا باتًا نقلها إلى أي مكان آخر دون ذكر المصدر
وجزاكنّ الله خيرًا
بيد مرتجفة أمسكت بالدفتر و القلم و بدأت أسرد أولى رواياتي
حرصت فيها على استخدام لغتنا العربية الفصحى
صنعت أبطالها و رسمت أيامها
حتى شعرت بأنها كطفلتي التي أرعاها فتكبر يومًا بعد يوم
و للآن لازلت أكمل أحداثها و أنقش نهاياتها
و كم يصعب علي فراق شخصياتها بعدما رافقوني قرابة العام !
و لكن لا مفر من الوصول إلى نهايتها و مع ذلك يبقى طيف شخصياتها و أحداثها يداعب أفكاري دومًا
روايتي الحبيبة أطلقت عليها إسم
××
و الحمدلله أن وفقني لكتابتها فالتوفيق من الله وحده
و للعلم فإني مازلت لم أنهيها بعد بل لا أزال أسرد أيامها و لكن نهايتها عمّا قريب إن شاء الله


+++
6
921

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

ملامح طفلة
ملامح طفلة




أولًا : التعريف بالشخصيات الرئيسية :-

أبو خالد ( حسن ) : زوج أم خالد و له ابن ( خالد ) و ابنة ( سارة )
أم خالد ( زينب ) : زوجة أبو خالد و لها ابن ( خالد ) و ابنة ( سارة )
سارة : فتاة تبلغ من العمر 15 عام
خالد : فتى يبلغ من العمر 10 أعوام

و قبل كل جزء سأعرفكم بالشخصيات الجديدة التي ستظهر تدريجيًا


××


× ×

دائمًا و منذ بلغت الثانية عشرة من عمري اشتاق لتلك اللحظة التي سأصبح فيهـــا ضمن عداد الكبار
لحظة أكون مسؤولة عن حياتي ، أوجه نفسي على نهج قرآني و سنة رسولي محمد – صلى الله عليه و سلم –
أتحمل خطأ وزري فأتوب ، و أحاسب نفسي على أفعالي
و لم ألبث أحلم بهـــا حتى جاءتني
فتبسمت لنفسي قائلة " ويحكِ إن أخطأتي الآن ، فمن لحظتي أخطو في حياة جديدة
و لا أرجو إلا رضا خالقي ، فلا أريد ذنبًا و لا وزراً
و لا خطيئة أو زلة ، و هل أتحملهم على عاتقي ؟ "

من حينهــــا و أنا صوامة قوامة ، محافظة على صلوتي ، على أذكاري
في كل خطوة أخطوها أعبد فيهــــا ربي
و إن زللت مرة أتوب عشرات المرات
أحبتني أسرتي ، أحبني الجميع ، و أحببتهم أيضًا

و يؤسفني القول أن الإجازة المدرسية انتهت ، و بحق
لم أشعر بمرور الزمن لأني كنت شعلة نشاط خلالها
فلم أترك دقيقة فارغة العمل في يومي

أنا الآن مقبلة على مرحلة دراسية جديدة
في مدرسة جديدة
و زملاء جدد

في ليلة ما قبل المدرسة
دعوت ربي كثيرًا أن يوفقني ، و صليت فرضي
ثم خلدت للراحه

صبــــاحـــــًا
الساعه 30 : 6

هآآآوم .. لقد أيقظني صوت أمي الحنون باكرًا " سارة .. سارة ، حان الوقت "
و لكنني لم آخذ كفايتي من النوم ، مازلت أتعطش للمزيد منه
تقلبت في السرير عدة مرات ثم نهضت فجأة و ألقيت بالغطاء جانبًا
" يكفي كسلًا يا نفسي ، إنه يومكِ الأول "
جاهدت نفسي على فتح عيني لكنها أبت إلا أن تكون نصف مغلقة
تأملت شكلي في المرآة و ضحكت على مظهري النائم
لكنني في كل الأحوال جميلة .. اللهم حسّن لي خُلُقي كما حسنت خَلْقي

ملابس مدرستي مرتبة و نظيفة في خزانة الملابس
لقد وضعتها لي أمي لأنني كنت مرهقة جدًا بالأمس
قلت و أنا أرى مظهري في المرآة " أممم .. و الآن أصبحت جاهزة تقريبًا "
و لكن سرعان ما غيّرت رأيي
" لا ، نسيت المناديل الورقية و محفظتي و دفتر الملاحظات "
أنا دومًا أحمل جميع الإحتياطات معي حتى لا أتورط و أحتاج للآخرين

أزحت ستائر النافذة بسرعه و نظرت إلى السماء
و دعوت ربي برجاء " اللهم وفقني في يومي "
ثم خرجت من الغرفة أنزل الدرج بسرعة و مرح
فجاءني صوت خالد لمستنكر
" يكفي يا سارة ، أيقظت الجيران "
بدت على ملامحي علامات استنكار ، و أكملت سيري بهدوء
أتمتم بكلمات بعضها مفهوم و الآخر أنا نفسي لم أفهمه

في المطبخ

قلت مندفعة من باب المطبخ " السلام عليكم "
أمي : " و عليكم السلام "
ثم تتأملني بابتسامتهـــا الحنونة : " تبدين راائعه بملابسكِ "
دفعني خالد الذي لا أدري من أين ظهر جانبًا و أضاف بابتسامته الماكرة :
" ألا أبدو رائعًا بملابسي يا أمي ؟ "
فضحكت أمي و هي تلمح الغيرة على وجهه البريء : " بالطبع بالطبع ، كلاكما رائعين "

جلست على طاولة المطبخ أنتظر فطوري اللذيذ الذي تعده لي أمي ، و جلس خالد أمامي متبرمًا كعادته
فأشحت وجهي عنه بلا مبالاة

ثم جاء أبي الغالي متجهًا إلى مقعده " السلام عليكم "

" و عليكم السلام "

" كيف حالك يا أبي ؟ و كيف هي آلام ظهرك ؟ "

أبي : " الحمدلله ، أنا أحسن حالًا من ذي قبل "
ثم جلس يقرأ الجريدة كعادته و بجانبه فنجان الشاي و بعض البسكويت

و أخيرًا أنهت أمي الفطور فالتهمت كل ما أمامي في لحظات
لأنني سأحتاج طاقة زائدة اليوم كي أبدو نشيطة و جذابة
بعد أن انتهيت قبّلت امي
ثم ركبت مع أبي في السيارة بالمقعد الأمامي و أصر خالد العنيد على الجلوس بجانبي
فبدا مظهرنا و كأن السيارة تتكون من مقعدين فقط !
أو أن أبواب السيارة الخلفية معطّلة
إن عناده يزعجني بالفعل

الكثير من السيارات تملأ الشوارع اليوم فالكل ذاهب إلى المدرسة
أوه .. لقد نسيت دعاء الخروج و الركوب

قطعنــا طريقًا ليس بالقصير حتى وصلنا للمدرسة
و مدرسة أخي تعد جانب مدرستي
إذ أنها في الشارع المقابل لها

للحظات تملكتني رهبة و رعشة سرت في جسدي لم أعلم مصدرها !
لكني طمأنت نفسي بذكر الله
و لوحت لأبي مبتسمة ثم خطوت أولى خطواتي
و أنا أقول بخفوت " بسم الله "

مشيت أخطو في ممر المدرسة أتأمل المكان من حولي بفضول
كنت أمشي في ممر على جانبيه حديقة رائعة بها بعض المقاعد الخشبية و بعض أواني الزهور
يفصل بينها و بين الممر بعض الأعمدة الملونة التي كتبت عليها بعض الكلمات كــ و ما شابه هذا
يبدو أنها مدرسة جيدة ، و الآن هناك لافتة كبيرة كُتب عليها بالخط العريض
و لكن ألوانها لم تعجبني ، إنهم ليسوا متميزين في اختيار الألوان فجميع ألوانهم زاهية جدًا
إلى الدرجة التي أشعر فيها بالغثيان

أخذت نفسًا عميقًا قبل أن أدخل إلى مبنى المدرسة
ثم أنزلت حجابي على كتفي و لكن لم أخلع العباءة بعد

" من أنا ؟ "

" وااااااااا ، من ؟ "
هذا ما نطقت به بعد أن أغمت عينيّ أيدٍ خفيفة و نطقت بالجملة السابقة

" أنا الرائعة الحبووبة ، أحلى بنوتة بالكون "

تبسمت بسخرية بداخلي و قلت " من غيرها ؟ إنها المشاكسة أصايل "
فقلت بتلقائية شديدة " أصايل بالطبع "

" لا "
فاجأني جوابها بشدة فلا أحد يمزح معي بتلك الصورة إلا هي
من عساها تكون ؟

" أعلم بأنكِ نسيتيني ، لذلك سأعطف عليكِ و أسحب يديّ "

قلت بنبرة ساخرة و لكنها في الوقت نفسه مازحة " شكرًا على لطفك و كرمك "

ثم سحبت يدها و قالت " ترالا لا لا "
لتطلق عينيّ و أرى ما حولي من جديد و الأهم أن أراها هي

هل تعلمون من كانت ؟
إنها تلك الإنسانة التي أقف أمامها عاجزة عن صياغة العبارات
إنها الإنسانة التي أضناني فراقها و عذبتني مشاعري في تذكر أيامي معها
إنها هي بشحمها و لحمها تقف أمامي بابتسامتها التي عهدتها عليها منذ ثلاث سنوات
و بشعرها القصير الأسود و بعينيها السوداويتين الضيقتين ، إنها ..

" دانة ؟ "

" عيون و روح و قلب دانة ، تذكرتيني ؟ "

" بالطبع أتذكرك ، هل تمزحين ؟ أنا لم أنساكِ أبدًا ؟ "

قالت ضاحكة " نعم نعم و من ذا الذي يتعامل معي و ينساني ؟ فما بالكم برفيقتي الغالية ؟ "

" أف ، هل تجرعتِ الغرور قبل مجيئكِ ؟ "

" لا ، تجرعت مرارة الفراق "

تبسمت برقة و أنا أقول : " إنه الأمر ذاته بالنسبة لي "

فتبسمت هي الأخرى ابتسامة خفيفة و قالت لي في حين اتجهت إلى الداخل : " لقد كنتِ تتأملين الممر بشدة "

ضحكت و قلت " هل كنتِ تراقبيني ؟ "

" ههه ، تقريبًا "

و نظرت لي بابتسامة واسعة مطبوعة على وجهها
و تلاقت عينيّ بعينها لتحكي كل منا للأخرى معاناتها و أيامها بدون الأخرى بلغة العيون الصامتة
و لكن لم نلبث كثيرًا إلا و قطع علي صوت المشاكسة أصايل !

" مرحبًا بكم في مدرسة الشيماء الثانوية للبنات ، نحن هنا فريق إعلام قناة الجزيرة نقدم لكم مشهدًا خاصًا جدًا .. كما ترون إنه اليوم الأول للطالبات المنتقلات من المرحلة الإعدادية إلى المرحلة الثانوية في هذه المدرسة ، و بالطبع فإن المشاعر تتضارب في قلوبهم الصغيرة متسائلات ما الذي يخبأه لهم اليوم الأول ، و الآن مع الطالبة ..... "

ثم مدت يدها المكوّرة التي اتخذت منها ميكروفونًا إليّ
فأشحت بوجهي عنها و أنا أقول بضجر : " أصايل "

" ها ؟ ، أأ .. نعم إنها الطالبة أصايل ، هلا أخبرتينا يا أصايل ما شعوركِ الآن كأول يوم لكِ في مدرسة الشيماء الثانوية ؟ "

" بربك أصايل ، ألا تستطيعين الدخول إلى المدرسة كأي طالبة عادية ؟ "

" أأ .. فاصل إعلاني مفاجي "

ثم بعد أن نظرت لي : " مرحبًا سارة ، ما أخبارك ؟ و الآن هل أكمل ؟ "

صرخت في وجهها قائلة : " لا "
" لماذا ؟ إنني أجهز لتلك الحلقة منذ أسبوعين ؟ "
" يكفي أصايل ، إن كل الطالبات يسخرون منا .. على الأقل كوني هادئة في اليوم الأول "
و حينما لمحت أصايل جديتي في الكلام ، ضمتني إليها و هي تقول : " أشتقت إليكِ عزيزتي "
فتبسمت و قلت بمرح " و أنا أيضًا "

و في اللحظة التي تركتني فيها أصايل التقت عيناها بدانة
فقلت متلعثمة و لا أدري لمّ التلعثم : " أأ .. دانة إنها أصايل ، أصايل إنها دانة "
أصايل مدت يدها إلى دانة مرحبة و ما إن مدت دانة يدها هي الأخرى صافحتها أصايل بحرارة شديدة و هي تقول : مرحبًا بكِ دانة ، هل أنتِ جديدة في المدرسة ؟ "
أجابتها دانة موضحة : " أنا جديدة في المدينة "
فقالت أصايل مستفسرة : " أنتِ لستِ من تلك المدينة ؟ "
" بلى ، إنني منها .. و لكن كنت قد سافرت إلى الخارج ثم عدت قبل أسبوعين من الآن و ها أنا اليوم أدخل إلى المدرسة و أقابل صديقتي التي فارقتها منذ ثلاث سنوات مجددًا "

قالت أصايل و هي تنتحب تمثل البكاء : " إهئ إهئ ، إنها قصة مؤثرة للغاية "
ثم أمسكت بي و قرّبتني من دانة و هي تقول بشاعرية : " اللقاء بعد طول الفراق ، ألا يصلح عنوانًا للحلقة القادمة من برنامجي ؟ "

نظرت بعيني إلى الأعلى كعلامة لشدة استيائي منها و قلت : " آآهٍ منكِ ، أنتِ هي أنتِ و لن تتغيري أبدًا "

" شكرًا على الإطراء غاليتي ، و الآن صورة من فضلك .. هيا ابتسما معًا "

و كانت المفاجأة أنها بالفعل أخرجت الكاميرا من حقيبتها و التقطت لنا صورة معًا

ثم نظرت إلى الصورة في الكاميرا و هي تصرخ بحماس : " واااااو ، ستكون رائعة لجذب المشاهدين "

" نعم و سيكون رائعًا أيضًا إن سلمتيني تلك الكاميرا فورًا "
هذا هو الصوت الغليظ الذي جاءنا من الخلف
فكانت التفاتتنا حركة طبيعية تلقائية لمن يسمع هذا الصوت

على ما يبدو لي فهي معلمة أو ربما هي ضابطة المدرسة
كانت بدينة ملامح وجهها غليظة قاسية
ترتدي نظارة سميكة مثبتة بدقة على أنفها الطويل

أصايل خبأت يدها التي تحمل الكاميرا وراء ظهرها و هي تسترجيها : " أرجوكِ ، إلا الكاميرا "

فمدت الأخرى يدها بلا مبالاة و أعادت طلبها " سلميني الكاميرا فورًا "

و لكن أصايل لم تحرك ساكنًا فأعادت الطلب بصوت أغلظ و أقسى من ذي قبل : " الكاميرا لو سمحتِ "

أعطتها أصايل الكاميرا بقهر و خوف
و ما إن رحلت من أمامنا نظرت لأصايل التي كانت على وشك البكاء

كنت سأتكلم لأخفف عنها و لكن سبقتني دانة بقولها : "لا تحزني أصايل ، ستعيدها لكِ لاحقًا "
قالت أصايل بأسى : إنها باهظة الثمن ، سيقتلني والدي بلا شك "

قلت بمرح : " سأهديكِ واحدة مثلها ، ما رأيكِ ؟ "

أصايل ساخرة : " هه ، أشك في أنكِ تملكين ريالًا واحدًا في حصالتكِ حبيبتي "

ضحكت دانة في حين لويت فمي و عقدت يديّ كالأطفال : " لقد أخطأت بالفعل لإني عطفت عليكِ ، أف "

" ههههه ، لا تغضبي .. أنا أمزح فحسب "

قلت و أنا أنظر إلى ساعتي الحمراء بيدي : " كم لنا من الوقت و نحن نقف هنا ؟ "
ثم أضفت بعد شهقة خرجت مني : " يا إلهي ، لم يتبق من الوقت شيئًا على بدء الحصة الأولى "

" كم الساعة الآن ؟ "
كانت دانة هي من سألت هذا السؤال فأجبتها : " السابعة إلا خمس دقائق ، يجب أن نبحث عن صفوفنا بسرعة "

أمسكتني أصايل من يدي و أمسكت بيد دانة أيضًا و جرّتنا وراءها و هي تجري و تصرخ : " بسرررعة بسرررعة "

لقد كنت أضحك بمرح على تلك الأصايل المشاكسة
و كذلك شاركتني دانة الضحك
لقد بدا مظهرنا و كأننا نهرب من سيارة تسير بسرعة 120 في الطريق السريع
إنه أمر مضحك بالفعل و مظهرنا كان مضحكًا أكثر



× ×

ملامح طفلة
ملامح طفلة
××


وقفنا أمام صفوف الأول الثانوي نبحث عن أسمائنا في الكشوفات المعلّقة على أبواب الصفوف
و لكن جاءنا صوت بعيد مألوف
" أصايل ، سارة .. أنتما هنا في هذا الصف "
نظرنا تجاه الصوت فإذا بها نوف " المشاكسة الثانية " تلوح لنا بسعادة !
أصايل بمرح : إنها نوف ، هيا لنرى إن كان كلامها صحيح "
ثم نظرت لدانة و أضافت : " ربما تكونين معنا أنتِ أيضًا "
فقالت دانة برجاء : " يارب "

اتجهنا لنوف التي ضمتني إليها بشدة و هي ترحب بي قائلة : " اشتقت لكم و لمعاكساتكم "
ثم ضَحِكَت فضَحَكْت بدوري قائلة : " نعم و نحن أيضًا "
ثم صاحت أصايل بفرح التي اتجهت إلى كشف الأسماء المعلّق فورًا : " نعععععععم ، دانة معنا بالصف "
فصاحت دانة هي الأخرى : " رااااااااائع "
لتهمس لي نوف في أذني : " هلا عرّفتيني على دانة "

" أأ .. دانة ، إنها نوف صديقة لي و لأصايل "
نظرت دانة إلى نوف و رحبت بها : " مرحبًا بكِ نوف "
ثم استطردت الحديث بقولي : " و دانة هي صديقة لي فارقتها منذ ثلاث سنوات حيث سافرت إلى الخارج و قد عادت إلى هنا قبل أسبوعين فقط "
قالت نوف : " حمدًا لله على سلامتكِ و مرحبًا بكِ في مدينتنا "
فتبسمنا جميعًا و دخلنا إلى الصف نختار أماكن جلوسنا
وقع اختيارنا على مكان استراتيجي في الوسط الخلفي للصف
جلست أنا بجانب دانة في الأمام و جلست نوف بجانب أصايل في الخلف
و حينما تجلس نوف بجانب أصايل فإن الأمور لن تكون على ما يرام أبدًا
إنها تفاعلات المشاكسة عندما تتحد فتنتج عددًا لا نهائيًا من الكوارث البشرية !

التفت إلى أصايل بالخلف و أنا أقول لها : " هل استلمتِ الكتب الدراسية ؟ "
" لا ليس بعد ، هل استلمتيها أنتِ ؟ "
" لا "
قالت نوف باستهزاء : " ياللإهمال "
فأجابت أصايل باستياء : " هل كان يجب علينا استلامها قبل الدخول للمدرسة ؟ "
" بالطبع "
هذا ما قالته نوف و إثر سؤالها سألت دانة : " هل استلمتيها يا دانة ؟ "
و عندما هزت رأسها بالإيجاب
قلت موجهة حديثي لأصايل : " هيا نذهب لاستلامها "
فقالت بضجر : " لا ، عندما تبدأ الحصة سأذهب "
قلت باعتراض شديد : " لاااااا ، ليس الإهمال في اليوم الأول "
فردت علي ساخرة : " هه ، لماذا ؟ و ما الفرق حبيبتي ؟ "
استأت من ردة فعلها كثيرًا فلويت فمي و نظرت إلى الأمام بغضب

و سرعان ما وجدتها أمامي و هي تقول : " هيا ، ألن تذهبي ؟ "
نهضت من مقعدي بفرح قائلة : " سأذهب بالطبع ، هيا بنا "

أصايل لا تستطيع تحمل حزني أو غضبي منها
إنها فتاة رائعة بالفعل بالرغم من مشاكساتها التي تزعجني أحيانًا

عندما اتجهنا إلى باب الصف فوجئنا بالمعلمة أمامنا ثم الجرس المزعج يعلن ابتداء اليوم الدراسي
يا لسوء حظنا ، إننا لم نستلم الكتب بعد

كانت المعلمة بيضاء البشرة شقراء الشعر ، نحيفة ترتدي تنورة سوداء و قميص أبيض في حين أطلقت شعرها منسدلًا على كتفيها
باختصار لقد كانت جميلة بالفعل

لذا فقد همست لي أصايل : " إنها أجنبية بلا شك "
قلت لها بنبرة غير متأكدة : " ربما "

وقفت المعلمة أمامنا و قالت بلهجة إنجليزية : " good morning "
ردت أصايل : " good morning teacher "
و عندما رأتنا لا ننوي على الإتجاه لمقاعدنا سألتنا قائلة : " any problem ? "
و كانت الإجابة أيضًا من نصيب أصايل لأنني لا أجيد اللغة الإنجليزية مطلقًا
" I and my friend didn't get the school's books "
" why ? "
" aa .. we are sorry "
تبسمت قبل أن تقول : " okay . please go to the admin room and get the books "
ثم قالت لنا قبل أن نرحل : " quickly please "
فتبسمت لها أصايل و رحلنا معًا إلى الخارج بينما دخلت هي الصف

" ألم أخبركِ بأنها إنجليزية ؟ "
" أهاا ، كيف علمتي بهذا ؟ "
" الحاسة السادسة ، هه "
ضحكت لهذا فضحكت معي أصايل

أمضيت يومي مع رفيقاتي الحبيبات
و كما بدا لي فإن دانة تغيرت كثيرًا
إنها منطوية و منعزلة إلى حدٍ ما
و من خلال معرفتي العميقة بدانة
فإني أكاد اجزم بأن عودتها إلى هنا ليس طبيعية
و أن هناك أمرًا ما يخفى علي تعاني منه هي و لكن يا ترى ما هو ؟
ليتني أعلم كي أخفف عنها ألمها

هذا ما شغلت به تفكيري خلال عودتي للمنزل و أنا في الحافلة
لذلك مر الوقت سريعًا و لم أشعر بشيء من حولي إلا و أنا أمام منزلي

دخلت إلى المنزل لأجد خالد وصل قبلي
قلت بصوت مرتفع : " السلام عليكم "
خالد المتبرم : " و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته "
تبسمت قائلة : " فزت علي في الأجر إن شاء الله "
قلت جملتي لأجده بعدها مزهوًا بها و كأنه حقق إنجازًا عظيمًا
هف ، ليتني ما نطقت بها

اتجهت إلى غرفتي ، رتبت حاجياتي و أرتديت ملابسي المنزلية
ثم نزلت مسرعة إلى المطبخ حيث أمي
" أمي ، أمي "
قلتها و أنا اتجه قفزًا إلى المطبخ ، أنا حقًا لا أزال طفلة .. هه
" نعم حبيبتي ، هل عدتِ من المدرسة ؟ "
" نعم أمي " ثم ذهبت إليها و قبّلت رأسها
" عندي لكِ مفاجأة كبيرة يا أمي "
" بشّري حبيبتي "
" لقد عادت أم عصام إلى هنا "
أمي بعد أن نظرت إليّ متعجبة : " هل أنتِ جادة ؟ "
أجبتها و أنا أهز رأسي بالإيجاب : " نععععم "
" سبحان الله ، لم أتوقع عودتهم أبدًا "
" نعم ، لقد تفاجأت كثيرًا حينما أخبرتني دانة بهذا "
قلت جملتي تلك فوجدت أمي تقول بحماس : "هل قابلت دانة ؟ "
" نعم ، أليس هذا رائعًا ؟ "
" بالطبع غاليتي ، سأتصل بها لاحقًا فلا أزال أحتفظ برقم منزلهم القديم "

جلست على مقعدي أمام طاولة الطعام و لم أعلّق على كلام أمي الأخير
بل أخذتني أفكاري إلى عالم خاص بي
و رحلت مشاعري إلى حيث لا يعلم أحد !
إنه حقًا .. ..

× ×
ملامح طفلة
ملامح طفلة
××
.. وداعًا سارة ..

× ×

عصرًا
الساعة 30 : 3

إنها أنا .. المشاكسة الأولى " أصايل "
هذا ما يطلقه علي أصدقائي ، و في مدرستي القديمة كان الجميع يناديني به إلى الدرجة التي كدت أنسى فيها إسمي الأصلي !
و لا أدري إن كنت سأشتهر به في مدرستي الثانوية الجديدة أم لا ..
لقد استأت كثيرًا في الصباح عندما خرّبت سارة حلقة برنامجي و منعتني من إكمالها
لكنني لا أتحمل غضبها مني فلها فضل كبير علي لن أنساه مدى الحياة !
باختصار شديد

أنا الآن أجلس في غرفتي مستلقية على فراشي
غرفتي بسيطة لا يوجد بها شيء من التكلف ، أثاثها رقيق و جدرانها مصبوغة باللون الأخضر الهادئ
في ركن من أركانها يستقر مكتب الدراسة عليه جهاز " اللابتوب " و بعض الأدوات المدرسية
بجانبه خزانة ملابسي و هي صغيرة نوعًا ما ، و في الوسط بقرب النافذة يستقر فراشي الأخضر الرائع
إنني بالفعل أعشق اللون الأخضر !

دق ، دق ، دق
إنها طرقات على باب غرفتي ، أتمنى ألاتكون شيماء لإنني قد وعدتها أمس باللعب معها في حديقة المنزل لكنني حاليًا لا أقوى على الحراك .. هآآآآوم .. النعاس يكاد يغلبني
أوه لقد كدت أنسى الطارق ، قلت بصوت عالي : " من ؟ "
فجاءني صوت الغالي وليد : " وليد "
اعتدلت في جلستي و قلت بصوت عالي أيضًا : " تفضل "
بعد أن دخل إلى الغرفة ابتسم لي بسعة صدر و هو يقول : " سأذهب إلى حلقة المسجد ، هل تريدين مني شيئًا قبل الذهاب ؟ "
" لا ، جزاك الله خيرًا .. و لكن لا تتأخر "
ضحك وليد قبل أن يقول : " إنها جملتكِ المحفوظة "
قلت بمرح : " نعم ، جميع الحقوق محفوظة لأصايل المشاكسة "
ثم غمزت له بشقاوة فضحك من جديد و هو يقول : " ألا تزال صديقاتكِ ينادونكِ به ؟ "
أجبته بخجل : " نعم ، لا أعتقد أنهم سيكفون عن هذا "
" لن يكفوا إلا إن كففت أنتِ "
قلت له بنبرة بها بعض الإعتراض : " لكنني بالفعل لست غاضبة من ذلك ، إن الإسم يعجبني كثيرًا "
قال و هو يخرج من الغرفة : " حسنًا أيتها المشاكسة ، أراكِ لا حقًا "
ثم خرج في حين قلت أنا بصوت عالي كي يسمعني : " في حفظ الله "

ثم ارتميت على سريري مجددًا سابحةً في عدد غير محدود من الأفكار المتداخلة !

و لكن سمعت مجددًا صوت طرقات الباب
دق ، دق ، دق
إنها الآن شيماء و بلا شك
دخلت الشقية شيماء إلى غرفتي و هي تغني و تقفز على أرجلها
" أصايل ، أصايل ، أصايل .. لا تنسي وعدكِ لي "
أجبتها بضجر : " هف ، لقد لحنتيها أيضًا "
فوجدتها تضحك ضحكة طفولية بريئة
و بطبيعة الحال و كالعادة لم أصمد أمام نظراتها الراجية طويلًا فنهضت من فراشي و أنا أقول : " أمري إلى الله ، هيا بنا "
" هييييييييييييه "
هذا ما صاحت به تلك الشقية و هي تقفز في الهواء بسرور بعد أن نهضت من فراشي
إنها بالفعل طفلة حمقاء ، أتسائل إن كنت أتصرف مثلها عندما كنت صغيرة !

خرجت أنا و شيماء من الغرفة و ما إن اقتربنا من السلم حتى قلت بسرعة : " واحد ، اثنين ، ثلاثة "
ثم جريت جهة السلم بأقصى سرعتي و هبطت على درجاته أسابق الريح في حين كانت شيماء تصرخ معترضة : " لااااا ، أنتِ غشاشة يا أصايل "
أما أنا فكنت أضحك بهستيرية و لم أهتم بصراخها

ورغم الضجيج الذي يصدر بفعل أقدامي السريعة على درجات السلم و صراخ شيماء المزعج إلا أني استطعت سماع صوت أمي و أبي و عبد العزيز القادم من غرفة الجلوس جيدًا
فآثرت أن أسلم عليهم قبل الخروج إلى الحديقة فاندفعت إلى داخل الغرفة و أنا أقول : " السلام عليكم "
ثم وقفت ألهث من شدة المجهود الذي قمت به
و لا أدري من الذي رد علي السلام : " وعليكم السلام "
فقد كنت منكبة على وجهي أسند بيدي على ركبتي و لكن سرعان ما تداركت أنفاسي و نظرت إليهم و أنا أقول : "مرحبًا أمي ، مرحبًا أبي ، مرحبًا عبود "
فقال عبود مستنكرًا : " هل كنتِ في سباق ماراثون ؟ "
حينها دخلت شيماء الصغيرة تتلاحق أنفاسها بسرعة شديدة و هي تقول : " بل سباق غشاش كالعادة "
بعدها ضحكت أمي و قالت : " سباقات أصايل المفاجئة من جديد ؟ "
فهزت شيماء رأسها بأسى علامة الإيجاب
فتبسمت ببلاهة و خرجت من الغرفة و أنا أقول لها : " هيا بنا ، إن لم تلحقي بي لن ألعب معكِ "
فقالت شيماء بحماس : " هيااااااا "
وسبقتني إلى الخارج في حين تباطأت أنا كي تسعد شيماء بالفوز ولو لمرة واحدة !

طيلة وقت العصر كنت ألعب معها في الخارج ، إنني أنسى كل ما حولي أمام تلك الطفلة الشقية
و لا أخفي عليكم أني أحبها بالرغم من إزعاجها المتواصل لي ..

××

أنا وليد شقيق أصايل
إنها المرة الأولى التي أتحدث فيها لذلك أرحب بكم أولًا فمرحبًا بكم

بعد أن خرجت من غرفة أصايل
اتجهت إلى مسجد ( أبو بكر الصديق ) حيث حلقة تحفيظ القرآن
" أبو علي " هو مسؤول حلقة التحفيظ ، و هو يكون والدًا لصديقي الغالي "علي" الذي وقف بجانبي في أشد المحن لي و ساعدني على تجاوزها ، فله الفضل بعد الله تعالى أني لازلت موجودًا في تلك الحياة

في الحقيقة
إنني أتعجب كثيرًا من تلك الفتاة "سارة " صديقة أصايل و كيف أنها استطاعت تغيير أصايل إلى تلك الدرجة التي تجعل أصايل متعلقة بها في كل شيء و كل وقت
أنا أيضًا متعلقًا بعلي و أحبه كثيرًا ، و لكن ليس بتلك الدرجة التي تصل لها أصايل !
لا بأس بهذا
فأنا أسمع من أصايل دومًا أنها فتاة خلوقة و جيدة ..

" السلام عليكم ، مرحبًا وليد "
جاءني هذا الصوت من خلفي فالتفتت فإذا به مشاري
و هو يبلغ من العمر 15 عامًا أي أصغر مني بخمس أعوام

قلت له مرحبًا : " وعليك السلام مشاري ، ما أخبارك ؟ "
" بخير و لله الحمد ، لمَ تسير ببطأ على غير عادتك ؟ "
ضحكت قبل أن أجيبه بقولي : " شردت بفكري في عالم آخر "
فقال ضاحكًا : " هههه ، سلامتك من الشرود "
" ماذا فعلت في المدرسة اليوم ؟ "
" لقد استأت كثيرًا من مدرستي الجديدة "
سألته بإهتمام : "لماذا ؟ "
ليجيبني بأسى : " لا يوجد بها مصلى ، إنه شيء مؤسف حقًا "
قلت له متعجبًا : " عجبًا لهم ! كيف هذا ؟ "
فقال و هو يهز كتفيه : " لا أدري ما السبب ، سأذهب إلى المدير غدًا و أسأله "
قلت مازحًا : " نعم ، ربما يكون مسحورًا و يظهر أوقات الصلاة فقط "
" ههه ، أعوذ بالله من السحر "
و كنا قد وصلنا إلى المسجد فدخلت إليه و أنا أضحك ليقابلني علي و يسلم عليّ بحرارة متسائلًا : " السلام عليكم ، لماذا يضحك الغالي ؟ "
" وعليكم السلام ، الله يسلمك من الفضول "
" آآمين ، ها ؟ هل أنت مستعد يا وليد ؟ "
قلت مضطربًا و أنا أنظر حولي : " هل أنتهى الشباب ؟ "
" نعم ، إن والدي ينتظرك "
فقلت متسائلًا بلهفة : " هل جاء مروان ؟ "
فأجابني علي بالإجابة التي تنميت ألا أسمعها منه : " نعم ، جاء و رحل "
قلت باستياء واضح : " أووه ، لمَ يرحل سريعًا ؟ كنت أود محادثته في أمر مهم "
قال علي مواسيًا : " لا بأس ، اتصل به لاحقًا "
فأجبته و أنا أتجه إلى " أبو علي " : " نعم سأفعل إن شاء الله "
في حين وجّه علي حديثه إلى مشاري : " هل أنت مستعد يا مشاري ؟ "
فقال مشاري بمرح : " نعم يا أستاذ "
و اتجها إلى الركن الآخر من المسجد حيث حلقة الشباب مابين الثالثة عشر و الثامنة عشر

بعد أن انتهت الحلقة جلسنا نحن الشباب معًا نتبادل أطراف الحديث و نتمازح بسرور
و ظللنا على هذا الحال حتى صلاة المغرب تقريبًا
ثم صلينا و رحل كل منا في طريقه يعمر قلبه نور الإيمان و صفاء المحبة في الله

عن نفسي ، فقد اتجهت إلى المنزل فورًا كي لا تقلق علي أمي و تنفيذًا لما أمرتني به أصايل " لا تتأخر "
دخلت إلى حديقة المنزل و إذا بي أجد الطفلتان الكبيرة و الصغيرة نائمتين على مقعد الأرجوحة الكبير في سلام تام و هدوء تحتضن كل منهما الأخرى

اقتربت منهما و ظللت فترة أتامل فيهما ، فكم هما بريئتان !
هززت الأرجوحة ببطأ فلم يستيقظا و قد كنت أريد إيقاظهما حيث أن الليل بدأ يحل و يكسو السماء بلونه القاتم و أنا لا أحبذ وجودهما بالخارج وحدهما ليلًا
و إلا كنت تركتهما نائمتين على تلك الحالة حتى الصباح

اقتربت من أصايل و همست في أذنها : " أصااايل ، هيا استيقظي .. لقد عدت "
تحركت أصايل حركة خفيفة و لكن على ما يبدو فإن صوتي الضعيف ليس كافيًا لإيقاظها من نومها العميق
فقلت بصوت أعلى و أنا أهزها بخفة : " أصااايل ، هيا استيقظي "
تثاءبت أصايل قبل أن تقول : " هآآآآآوم ، من ؟ "
فتحت عيناها ببطأ و هي تنظر حولها ثم صرخت بفزع : "أين أنا ؟ "
قلت ضاحكًا : " ههه ، في حديقة المنزل ، لقد غلبكِ النعاس على الأرجوحة "
نظرت لي و قالت : " كم الساعة الآن ؟ "
" إنها السادسة و النصف "
قالت مستاءة : " أوووه ، لقد نمت كثيرًا "
ربتت على ظهرها و أنا أقول : " لا بأس بهذا ، هيا ادخلي إلى المنزل فالجو بادر في الليل "
ثم حملت شيماء التي لا تزال نائمة و دخلت أتبعها إلى المنزل ..

××

إهئ إهئ .. أنا ضحية النعاس دومًا
لم أكن أريد النوم فأنا لا أحب النوم لفترات طويلة لأني أصاب بعدها بالفتور و الخمول
و لكن كوبًا من عصير الليمون سيعيد لي طاقتي بالفعل و لكن الصلاة أولًا

لقد أفزعني وليد عندما رأيته أمامي و ظننت أنه يوقظني لصلاة الفجر
و لكنني لم أشأ قول هذا أمامه حتى لا يسخر مني
أوووه ، كم أني مضحكة !
ثم ضربت على رأسي بمرح و ذهبت إلى غرفتي لآداء الصلاة

بعد أن أنهيت صلآتي قرأت ربع حزب من القرآن الكريم
و هبطت إلى الدور السفلي قاصدةً المطبَخ

أخرجت ليمونتي الصفرآء الحلوة من الثلاجة و أحضرت كوبي الأخضر !
كي أجهز لنفسي شرابي المفضل " عصير الليمون "

كنت أقف أمام الطاولة أترنم و أردد بعض الأناشيد في حين كنت أهزّ رأسي يمينًا و يسارًا
و أحرك رجلي بغباء و حماقة

" أراكِ سعيدة للغاية "
كان هذا هو صوت وليد الذي دخل لتوه من باب المطبخ

قلت متفاجئة بدخوله : " نعم ، سعييييدة لأني قابلت صديقاتي من جديد "
" أهاا ، الله يديم سعادتك "

أكتفيت بابتسامة مرحة بينما قال هو بعدما جلس على مقعد الطاولة
" عصير الليمون مجددًا ؟ "

ضحكت ثم قلت : " هههه ، نعم .. إنني لا أملّه أبدًا "
قال وليد و هو ينظر إلى ذلك اللون الأصفر في الكوب : " أووه ، مجرد رؤيته تصيبني بحموضة في الحلق "

قلت مازحةً : " لم أطلب منك تذوقه أو النظر إليه ، إنها مشكلتك الخاصة "
و كنت قد أنتهيت منه فحملته إلى خارج المطبخ
و تبعني وليد يحمل بعض البسكويت في يده

و ما إن دخلت إلى غرفة الجلوس حتى انطلق رنين الهاتف المزعج

ترررررررررررررن ، تررررررررن ، ترررررررررررررن

قلت بضجر و أنا أتجه إلى السماعة : " هل يحبني الهاتف إلى هذه الدرجة ؟ لماذا يرّن كلما أدخل أنا إلى الغرفة ؟ "
ضحك وليد و سبقني إلى الهاتف قائلًا : "أنا انتظر مكالمة من صديق لي ، سأجيب أنا "
قلت بارتياح و أنا اتجه إلى مقعد من مقاعد الغرفة يستقر بجانب النافذة : " نعم ، هذا أفضل "

على الهاتف قال وليد : " السلام عليكم ، أأ .. أصايل ؟ حسنًا .. لحظة من فضلكِ "
ابتسمت في وجهه ببلاهة و أنا أتناول منه سماعة الهاتف و قلت : " أنا الوحيدة المشهورة هنا يا مسكين "
نظر لي نظرة غاضبة في حين أجبت المتصلة بقولي : " السلام عليكم و رحمة الله "

××

" وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته "
هذا ما أجبت به أصايل عندما حادثتني على الهاتف

ثم قالت لي بترحيب حار : " هلآآ برفيقتي الغالية سارة ، ما أخبارك ؟ "
" بخير و الحمدلله ، ما أخبارك أنتِ ؟ "
قالت بأسى : " لم أستيقظ إلا منذ نصف ساعة فقط ، غلبني النعاس و نمت على أرجوحة الحديقة "
قلت مواسية : " لا بأس ، هكذا تكوني أكثر نشاطًا بعد الراحة "
لأجد ضحكتها التي تهتز لها سماعة الهاتف في يدي منطلقة بصورة حادة
فقلت لها مستنكرة : " ما كل هذه الضحكة ؟ "
فأجابتني بصوت منخفض : " إحم إحم .. إنه الليمون و ما يفعل "
" أوووه ، ألازلتِ تحبينه ؟ "
قالت بثقة : " بالطبع بالطبع ، هل أحضر لكِ كوبًا ؟ "
" لا ، جزاكِ الله خيرًا "
ثم قالت لي بملل : " لمَ اتصلتِ بي ؟ "
فأجبتها باستياء : " هف ، لأطمئن عليكِ "
قالت باستنكار : " هل تريني طفلة أمامك ؟ لست بحاجة إلى عطفكِ هذا .. أشكركِ بحرارة "
أجبتها بحنق : " أوووه ، لقد أخطأت بالفعل لأني اتصلت بكِ .. سأغلق معكِ المكالمة و أتصل بنوف "
" هيي ، انتظري .. لم تخبريني بالتحديد من هي تلك الدانة ؟ "
أجبتها بسرور واضح : " دانة كانت رفيقتي في المرحلة الإبتدائية ثم رحلت في بداية المرحلة الإعدادية ، لقد فوجئت بعودتها مرة أخرى .. و كدت أطير من فرحتي برؤياها "
" إلى أين سافرت ؟ "
" لا أدري بالضبط ، ما أتذكره أنها دولة أجنبية "
" أهاا ، حمدًا لله على سلامتها "
و لمّا لاحظت في كلامها القلق و الحزن قلت بهدوء : " لا تقلقي ، فلن أترككِ لأنها عادت لي .. إنكِ شيء خاص بالنسبة لي "
ضحكت مرة أخرى تلك الضحكة الغبية الرنّانة و قالت : " يا لروعتي ، هل أنا جذابة إلى تلك الدرجة ؟ "
قلت باستياء و مزاح في الآن نفسه : " أوووه ، لم أقصد هذا "
ضحكت أصايل و قالت لي منهية حديثنا : " حسنًا ، في حفظ الله و رعايته "
ثم أنتهت محادثتنا

أنا أشعر بالملل الشديد فقد أنهيت كل ما علي فعله
أديت الصلاة ، رتبت غرفتي ، حفظت المقرر علي من القرآن الكريم و تدراست ما أخذناه اليوم في المدرسة
الآن خالد غير متواجد في المنزل فهو في حلقة التحفيظ بالمسجد و أبي لا يزال في عمله أما أمي فهي تجلس إلى جانبي و بيدها كتاب تقرأه بصمت
و أنا .... إهئ إهئ ، إنني بالفعل المسكينة هنا !

" سارة ، ما رأيكِ أن نخبز معًا بعض الفطائر للعشاء ؟ "
كان هذا هو عرض أمي الرائع الذي أخرجني من الملل الذي كاد يقتلني
فقلت بحماس : " أوافق بالتأكيد "
ابتسمت أمي بلطف و أغلقت الكتاب ثم وضعته على الطاولة الزجاجية بجانبها
ونهضت من مقعدها إلى المطبخ و تبعتها أنا بسرور



× ×
ملامح طفلة
ملامح طفلة

××



××
هآآآآآوم .. إنني مرهقة للغآية
و لكن هذا لن يمنعني من التحدث إليكم فلا تقلقوا بشأن هذا

أنا نوف أبلغ من العمر 15 عامًا
إنني المشاكسة الثانية هنا بعد أصايل

لي شقيقان إحداهما في الرابعة و العشرين من عمره و يسمى فيصل
و الآخر في الثامنة عشر من عمره و يسمى مشعل
أما أمي و أبي .. فهما شيئًا لم أعرفه منذ الصغر
في طفولتي ، كنت أرى جميع الأطفال من حولي ينادون : " أمي ، أبي "
و لكن أنا ، فلم يجري هذا الإسم على لساني إلى الآن
لأن أمي و أبي رحلوا عني و تركوني و شقيقيّ في رعاية جدي و جدتي
و لكن سرعآن ما توفي جدي تاركًا جرحًا غائرًا في قلوبنا من جديد

تمر الأيام و يكبر أخي فيصل و يبدأ بالعمل في إحدى الشركآت كي يوفر لنا المصاريف اليومية و الإحتياجات الضرورية من ملبس و مأكل و مشرب .. إلخ إلخ إلخ

اليوم في المدرسة كنت سعيدة للغاية لأني قابلت أصايل و سارة مجددًا
و اكتملت سعادتي حين علمت بوجودهما معي في الصف
و لكن تلك الدانة الجديدة أذهلتني
فهي جريئة ، جذابة و نظرتها عميقة في عيون الآخرين
فعندما نظرت لي و تلاقت عيوني بعيونها شعرت بأنها تخترقني و تندفع إلى قلبي بدون استئذان
على ما أذكر فهي صديقة سارة التي حدثتنا عنها من قبل
أتذكر أن سارة حدثتنا عن مدى حبها لها و عن جاذبيتها و روعتها
إنني لم أعر كلامها اهتمامًا حينها و لكنني الآن أرى الواقع أمامي
و أصدق حديث سارة عنها

تنهدت تنهيدة كبيرة ثم ارتميت على فراشي بتعب
فهذا فقط ما أود قوله الآن
و .. تصبحون على خير

صباحًا
الساعة 45 : 6

××

كنت جآهزة أجلس مع أمي في غرفة الجلوس أنتظر وصول الحافلة التي ستحملني إلى المدرسة
في حين رحل أبي اليوم مبكرًا كي يوصل خالد إلى المدرسة لأنه و ببروده المعتاد و هدوء أعصابه
كان يبحث عن حذائه عند وصول حافلته !

أخبرتني أمي أنها سوف تتصل بوالدة دانة اليوم كي تتفق معها على موعد مناسب لزيارتها
أعتقد بأن أمي مشتاقة لها كثيرًا
فقد كانت صديقة حميمة لها ، عزيزة عليها قبل سفرها
أتساءل إن كانت صداقتهما ستعود مثلما كانت !
كما أتساءل أيضًا إن كانت صداقتي مع دانة ستعود مثلما كانت !
آآآه ، ما الذي يخبؤه لي المستقبل ؟

قطع علي تفكيري الحالم صوت زمارة الحافلة المزعج
بيييييب ، بيييييييييب ، بييييبب

" حسنًا حسنًا ، أنا قادمة "
قلتها في حين اتجهت إلى باب المنزل و كأن السائق سيسمعني من الداخل !

ركبت الحافلة و .. انطلقت إلى المدرسة بعد أن قلت أذكار الخروج و الركوب

بعد طول إنتظار ، و وقوف أمام منازل الطالبات استقرت الحافلة أمام بوابة المدرسة في حوالي الساعة السابعة إلا عشر دقائق

اتجهت إلى صفي بهدوء و ولجت إلى الداخل

" واااا "
كانت تلك هي الشقية أصايل التي فاجأتني باختبائها خلف باب الصف
وضعت يدي على قلبي و أنا أشهق
ثم قلت لها بضجر : " أووووه أصايل ، إنكِ تفزعيني بالفعل "
فقالت مازحة مستهزئة " ههه ، اعذريني غاليتي .. هذا بسبب فرحتي بقدومكِ "
اتجهت إلى مقعدي و أنا أزفر بغضب
فهي تحرجني كثيرًا أمام طالبات الصف
و أنا لم أعرفهم بعد فكيف بحالي إذا تعرفت عليهم ؟!
إن نوف و دانة لم يحضروا بعد إلى المدرسة
لذا فقد جلست مع أصايل التي أمطرتني بثرثرتها التي لا تنتهي
حتى كاد رأسي ينفجر ..
و الحمدلله أن جاءت دانة في الوقت المناسب و أنقذتني من تلك الأصايل
دخلت دانة إلى الصف و اتجهت إلى مقعدها بهدوء وصمت تام
إلى الدرجة التي ظننت فيها أنها ليست بدانة ، إنما شبيهة لها جاءت عوضًا عنها !
و رغم ذلك بدأت أنا بالسلام فقلت بمرح : "السلام عليكِ دانة ، ما أخبارك ؟"
لتجيبني بألم أنا فقط التي استشعرته من كلامها : " وعليكِ السلام سارة ، بخير و الحمدلله "
قلت بنبرة قلقة و مترددة : "هل أنتِ على ما يرام ؟ "
فنظرت لي نظرة كدت معها أفقد صوابي .. نظرة عميقة مؤلمة تحكي الكثير و الكثير ، و لم أستطع تحرير عيني من عينها إلى أن ابتسمت ابتسامة مكسورة شاحبة و .....

.... رنّ الجرس معلنًا بدء الطابور الصباحي المدرسي
فنهضت دانة من مكانها و هي تقول : " هيا إلى الطابور "
و لم تنتظر جوابي إذ اتجهت إلى الخارج بخطوات سريعة فتبعتها بصمت
أما أصايل فكانت قد ذهبت بالفعل إلى الطابور بصحبة نوف التي جاءت إلى المدرسة بعد مجيء دانة ببضع دقائق

حينما وصلت مع دانة إلى ساحة الطابور لمحت أصايل و نوف من بعيد فجذبت دانة من يدها و أنا أقول : " لنذهب إلى أصايل و نوف "
و عندما لم أجد تجاوب منها نظرت لها لأصدم بدموعها الثمينة لدي تتراكم في مقلتيها منذرة بهبوطها في أي لحظة
انعقد لساني و لم اقوَ على تحريكه فبلعت ريقي بصعوبة و تركت يدها في دهشة
فقالت دانة بألم : " عيني تحرقني بشدة "
ثم فركت عيناها بيديها و هي تتنهد !

ضحكت ساخرة بداخلي و أنا أقول : " هل تظنين أنكِ قادرة على خداعي يا دانة ؟ "
أعلم جيدًا أن هناك ما يضيق صدركِ و سأعرفه عاجلًا أو آجلًا !

××

" عيني تحرقني بشدة "
تلك هي الجملة التي نطق بها لساني ليخفي ورائها معاناتي عن سارة
و مع ذلك ، لم يبد على سارة بأنها تقبلت جملتي نهائيًا
لكنها قالت : " إذن ، هل نذهب إلى الممرضة ؟ "
هززت رأسي نفيًا و قلت : " لا ، لا بأس بهذا "
ثم أردفت بعد أن وقفت في إحدى الصفوف : " لنقف هنا "
فوقفت سارة ورائي باستسلام تام

لا تغضبي مني يا سارة !
فأنتِ فقط من يفهمني في هذا العالم
بل و أنتِ الإنسانة الوحيدة التي أملكها
و كذلك أنتِ فقط من تستطيع تخفيف المعاناة عني
لذا أريدكِ أنتِ وحدكِ و لا أريد صديقة أخرى كأصايل أو نوف
أريد أن تكون لحظة وداعنا مميزة
لحظة تجمعني أنا و أنتِ فقط .. دونهما !!

بعد انتهاء الطابور الصباحي
عدنا إلى الصف مرة أخرى
وجلس كلًا منّا في مقعده
كانت سارة صامتة هادئة و اشتغلت بتصفح كتاب اللغة العربية أمامها
تقلب صفحاته على غير هدى
و إني أكاد أجزم بأنها لا تقرأ حرفًا من صفحات الكتاب ، بل هي شآردة في أمر أعلمه أنا جيدًا !
ليتني أخفف عنكِ الحيرة يا سارة
و لكن الأمر ليس بيدي ، فاعذريني

نبضات قلبي مضطربة سريعة
و ضيق تنفسي يزداد باستمرار
أشعر بأنني سأفقد وعيي في أية لحظة
و لكن يجب علي أن أتماسك فهي آخر اللحظات التي سأقضيها مع سارة كصديقة لها !

بدأت الحصة الأولى فدخلت علينا معلمة الرياضيات لأول مرة
و بطبيعة الحال و كبداية للحصة يجب أن تتعرف على أسمائنا أولًا
كي تستطيع التعامل معنا
فوقفت كل فتاة في الصف بالترتيب تعرف باسمها
أنه الآن دور سارة و من بعدها دوري أنا
وقفت سارة و هي تقول : " سارة حسن "
أما أنا فحينما جاء دوري حاولت الوقوف و كانت المفاجأة أني لا أقوى على تحريك رجلي !
لم ايأس و حاولت مرة أخرى وسط أنفاسي الحارة المتلاحقة
شعرت بالجميع ينظر إلي ، فتوهج وجهي بالإحمرار
ثم جاءت المعلمة إلى جانبي و هي تسألني بقلق : " هل أنتِ على ما يرام ؟ "
لم أجبها على سؤالها بل أني لم أعي جيدًا ما قالته ، فلا يقلقني حاليًا سوى نظرات سارة لي
فأقصى ما كنت أتمناه أن أحظى معها بلحظة أخيرة سعيدة تظل منطبعة في ذاكرتها و لكن لا بأس بهذا
فليست كل الأمور التي نتمناها تحدث ، و خاصة معي أنا !

في تلك الحظات الحرجة دخلت معلمة أخرى إلى الصف و يبدو من مظهرها العام أنها إدارية ثم قالت : " هل دانة ناصر هنا ؟ "
نظرت سارة إليها مذهولة بمجرد أن نطقت باسمي
أما أنا فأطرقت رأسي إلى الأرض بأسى و قهر ، لأنني أعلم جيدًا ما وراء حضورها
و أخيرًا قلت بوهن و أنا أرفع يدي : " نعم ، إنها أنا "
فقالت معلمة الرياضيات و هي تبتعد عني مخاطبة المعلمة عند باب الصف : " هل هناك مشكلة ؟ "
فأجابتها بقولها : " ستنتقل إلى الصف المجاور "

نظرت إلى سارة نظرة خفية فإذا بها تنظر إلي
و كأنها تنتظر مني كلمة اعتراض على ما قالته المعلمة لتوها
و لكن ، كما قلت من قبل .. الأمر ليس بيدي يا سارة
فأرجوكِ ، لا تنظري إلي تلك النظرات القاتلة و لا تتهميني
أنا أشعر بكِ جيدًا و لكنـــ .. كيف أخفف عنكِ و أنا التي تحتاج من يخفف عنها ؟!

أدخلت كتاب الرياضيات إلى الحقيبة و لملمت حاجياتي
ثم حملت حقيبتي و جاهدت نفسي على النهوض
فوقفت على قدماي بوهن شديد
و شعرت حينها أني أحمل جبلًا فوق أكتافي و لكنها في الحقيقة ليست إلا بعض الكتب الدراسية في حقيبتي !

و فوق مجاهدتي على الاستمرار بالوقوف على قدميّ
كنت في صراع داخلي مع نفسي ..

و لكني لم أبق على هذا الصراع كثيرًا
فنظرت إلى سارة و ابتسمت لها و أنا أقول : " وداعًا سارة "

و لم أنتظر إجابتها إذ رحلت عنها بخطوات سريعة متجهة إلى حيث تقف المعلمة
و عندما وصلت إليها تفحصتني بعيناها الجاحظتين
و قالت لي بقسوة : " اتبعيني "
ثم أدرات وجهها عني و قادتني إلى الصف المجاور ..

× ×

" وداعًا سارة "
" وداعًا سارة "
" وداعًا سارة "
إنها تلك الجملة التي رنّت في أذني و لاتزال ترنّ

هل .. هل قالتها دانة حقًا ؟
"وداعًا سارة "
هل هذا ما قالته ؟ أم أنني لم أسمعها جيدًا ؟
لا ، ربما أخطأت أذني في التقاط ذبذبات الصوت !

أتخيل نفسي حاليًا نائمة في هدووء على فراشي الناعم و بعد قليل سيأتيني صوت أمي الحنون و هي توقظني للذهاب إلى المدرسة
فأنا لا أزال نائمة ، و سأذهب إلى المدرسة كي أقابل دانة و أمرح معها و أعرف عنها المزيد و المزيد خلال غيابها عني

و لكن سرعان ما استيقظت من تلك الأوهام حينما وجدت يد أصايل على كتفي و هي تهمس قائلة : " لا تحزني يا سارة ، سنقابلها بعد انتهاء الحصة "

إلى هنا تفجرت أحلامي على صخرة واقعي
و انجرح قلبي بخنجر مسموم كدت مع جرحه الغائر أصرخ بجنون
ثم داهمتني فكرة مجنونة بأن أرحل وراء دانة
و لكن سرعان ما طردتها عني
فانتحبت ثم بلعت ريقي ببطأ
و حبست دمعاتي في عيني كما حبست صراخي بداخلي

لااااااا يا دانة ، لمَ .. لمَ الوداع ؟ و أنا التي ألتقيت بكِ بعد ثلاث سنوات من معاناة فراقي عنكِ
و الآن ، أنتِ ترحلين عني و أمام ناظري قائلة بابتسامة و بكل بساطة : " وداعًا سارة "

ألم أعد رفيقتكِ ؟ ألم أعد صديقتكِ المقربة ؟
هل نسيتي أننا تعاهدنا منذ ثلاث سنوات مضت على الوفاء ؟
لقد ظللت طيلة تلك السنوات أحفظ وفائي لكِ بداخلي
و الآن .. أنتِ تهدمين ما بنيته ، و تلطخين ما حفظته و كننته بداخلي
بجملة حمقاء كتلك الجملة .. " وداعًا سارة "

إن كنتِ قلتِ " وداعًا سارة " فأنا أقول " وداعًا قلبي " .. !!



× ×


ملامح طفلة
ملامح طفلة
"]××
.. و رحلت الحنونه ..



× ×


| ترررررررن | تررررررن | تررررررن |
كان هذا هو صوت الجرس الذي نهضت إثر سماعه من مقعدي بلهفة فنهضت أصايل هي الأخرى
و اتجهنا إلى الصف المجاور معًا حيث دانة

كنت خائفة من مواجهة دانة بعد ما قالته لي
فأنا لم أفهم بالضبط ما مقصدها بالوداع !

لذلك تركت لأصايل مهمة المواجهة الأولى
فدخلت إلى الصف و هي تفحصه بأنظارها بحثًا عن دانة بينما انزويت أنا قرب الباب مختفية عن أنظار الفتيات بالداخل
عادت لي أصايل أخيرًا و هي تقول بأسى : " إنها غير موجودة هنا "
نظرت لها نظرات زائغة غير مستقرة ، و لوهلة شعرت أن وداعها لي كان حقيقيًا و أني لن أراها مجددًا
فكادت دمعاتي أن تنحدر على وجنتي و لكن ..
ظهرت دانة أمامي من بعيد تتوسط الممر و بجانبها فتاة طويلة سوداء الشعر بيضاء البشرة رشيقة القوام و باختصار فهي على قدر كبير من الجمال
لم أتزحزح من مكاني و وقفت أنتظر دانة كي أستفسر منها عن تصرفاتها الغريبة التي تحيرني و تعصف بأفكاري

و عندما أصبحت على بضع بوصات مني هممت بالكلام و لكن ..
هل تعلمون كيف تسير الطائرة بسرعتها العالية فيراها الأطفال و يصيحون : " طائرة ، طائرة " و لكنها تختفي عن أنظارهم غير مهتمة بهتافاتهم في غضون ثواني ؟
إنه كحالي تمامًا ، فقد مرت دانة من جانبي إلى الصف و كأنني بلا وجود ، فبدوت كالبلهاء حين ظننت أنها ستحادثني بعدما ودعتني و كأنها تطلب مني الإبتعاد عنها !

لا بأس يا دانة ، سأرحل عنكِ كي لا تغضبي مني
حتى لا أسبب لكِ الضيق فسأرحل عنكِ و سأقولها لكِ أيضًا : " وداعًا دانة " .. !

× ×

سارتي الحبيبة تبكي أمامي و تنحدر دمعاتها اللؤلؤية بصمت و رقة على وجنتيها
بعدما مرت دانة من جانب سارة بصمت و تجاهل
بدأت سارة بالبكاء و عضت على شفتاها بقوة حتى ظننت أنهما سيتشققان و ينزفان الدم لا محالة
و لكن سرعان ما تهالكت قوتها و جلست على الأرض تبكي بألم و هي تخفي وجهها بكلتا يديها

رنّ الجرس من جديد مدويًا صداه في الممر الطويل
حاولت تهدئة سارة مرارًا و لكنني لم أفلح في هذا و أبت أن تسير معي إلى الصف
مسترسلة في بكائها و نحيبها الذي يقتلني و يؤلمني أكثر مما يؤلمها هي !

" سارة ، أرجوكِ .. هيا إلى الصف ، ستوبخنا المعلمة كثيرًا إن تأخرنا "
و أخيرًا بعد طول صمت نظرت لي سارة و هي تمسح دمعاتها
فقلت بلطف و مزاح : " وآآآو ، لقد جعلت منكِ الدموع ملكة جمال "
ثم تابعت و أنا أقرصها من وجنتيها : " لون وجهكِ أصبح مثل لون البندورة الحمراء "
ابتسمت سارة ابتسامة ظاهرية بسيطة و قالت لي و هي تنهض من مكانها : " أنا آسفة "
فأجبتها بمرح و أنا أقلد صوتها : " لااا .. ليس الإهمال في اليوم الأول ، أليس هذا ما قلتيه لي بالأمس ؟ "
قالت سارة ضاحكة : " و لكننا في اليوم الثاني و ليس الأول "
ضحكت على قول سارة و أنا أقول مواسية : " سيكون كل شيء على ما يرام يا سارة ، فلا تحزني "
أطرقت سارة برأسها أرضًا في أسى و هي تقول : " أتمنى هذا "

و لسوء الحظ و لإكتمال روعة ذلك اليوم
فاجأنا ذاك الصوت الغليظ الذي سلب مني كاميرتي من قبل و هو يقول : "هيي هيي توقفا أنتما "
قلت باستياء و أنا التفت : " أوووه ، إنه ليس الوقت المناسب حقًا "
فقالت لي تلك البدينة و هي تنظر لي باحتقار : " هل قلتي شيئًا ؟ "
ابتسمت ببلاهة مقصودة و أنا أهزّ رأسي نفيًا
فتابعت بصوتها القاسي : " أين تظنان نفسيكما ؟ تسيران في الممرات و كأنكما في نزهة ؟ "
ثم و بصوت أعلى من ذي قبل : " إنكما في مدرسة و ليس في حديقة عامة هنا ، هل تفهمان هذا ؟ "
نظرت لها سارة برجاء و هي تقول : " نحن آسفتان ، لقد كنا بالفعل في طريقنا إلى الصف "
قالت بتحدي و لا مبالاة : " أسفتان أو غير آسفتان ، هيا أمامي إلى مكتب الأخصائية الإجتماعية "
ثم بعد أن تفحصتني من رأسي إلى قدمي قالت باستهزاء : " ألست أنتِ صاحبة الكاميرا الرقمية ؟ "
" نعم ، هل ستعطيني إياها ؟ "
قلتها بلهفة لتضحك البدينة ثم تقول : " أنتِ تحلمين عزيزتي ، فتاة مثلك تخالف في اليوم الأول أتوقع منها المزيد و المزيد من المخالفات .. لذلك ساراقبكِ و أقف لكِ بالمرصاد "
و أدرات وجهها لنا بمعنى أن نتبعها إلى مكتب الإخصائية فلويت فمي باستهزاء و كتمت غضبي بداخلي

بعد أن أدخلتنا إلى مكتب الإخصائية الإجتماعية قالت لها : " المشاغبتان شاردتان عن الحصة و يتنزهان في الممرات ببرود "
نظرت لنا الأخصائية التي بدت أكثر لطفًا من تلك البدينة
و قالت : " لماذا حبيبتاي ؟ نحن لا نزال في اليوم الثاني "
قلت بتحدي : " إن لنا ظرف خاص اضطرنا لذلك ، كما أنه لم يمض الكثير على بداية الحصة و قد كنا بالفعل متجهتيين إلى الصف و لكنها أوقفتنا "
ثم رمقت البدينة بنظرة جانبية
" و ما هو هذا الظرف الخاص ؟ "
قالتها الإخصائية باستهزاء ثم نظرت إلى سارة مسترسلة في حديثها الساخر : " هل هو ظرف يخصك يا مسكينة ؟ فأنا أرى آثار الدموع على وجهكِ "
لم اتحمل سخريتها من سارة فقلت بقصد إغاظتها : " إن كان لابد من الإفصاح عن الظرف الذي أخّرنا في العودة إلى الصف فتأكدي أني لن أقوله أمامكِ "
و إلى هنا تدخلت الأخصائية بقولها : " اسمحي لنا ببضع دقائق يا منيرة "
اسمكِ منيرة إذن ، إنه بالفعل اسم على غير مسمى
خرجت البدينة منيرة و هي ترتجف غضبًا و قهرًا
بعد أن نظرت لي نظرة مسمومة غاضبة و كأنها تخبرني عن بدء عداوتها معي !

نظرت لي الأخصائية بمعنى " تكلمي "
فقلت مضطربة : " أأأ .. في الحصة الأولى انتقلت فتاة معنا بالصف اسمها دانة إلى الصف المجاور و هي صديقة مقربة لنا فذهبنا إليها بعد انتهاء الحصة و شاء القدر أن نتأخر في العودة إلى الصف "
ذهلت المعلمة من صراحتي و كنت قد لاحظت اضطرابها عندما ذكرت اسم دانة أمامها
و لكنها نظرت إلى سارة قائلة بلطف : " و لمَ البكاء حبيبتي ؟ "
قالت سارة بألم و ضعف : " إنها صديقتي المقربة و .. و قد تجاهلتني تمامًا عندما ذهبت إليها "
بدا على الإخصائية أنها تفهمت موقفنا تمامًا
فتنهدت قبل أن تقول : " أنصحكما بالإبتعاد عنها كي لا تتورطا في المزيد من المشاكل "
قلت متسائلة بسذاجة : " هل تقصدين الضابطة ؟ "
فقالت مؤكدة : " بل أقصد دانة "
ثم تابعت بعدما أعادت نظرها إلى بعض الأوراق على مكتبها : " إنها ثمة نصيحة ، و الآن ارحلا إلى صفكما "

وودت أن أستفسر أكثر عن مقصدها بالإبتعاد عن دانة و لكنها لم تبد مستعدة للحديث أبدًا
فرحلت من الغرفة و تبعتني سارة مطأطأة الرأس
و بمجرد خروجنا تلقفتنا الضابطة و هي تقول : " إلى أين ؟ "
قلت لها بلا اكتراث و أنا أكمل طريقي غير مهتمة بكلامها : " إلى الصف "
" سأوصلكما أنا كي أتأكد من دخولكما "
ابتسمت برضا و سرور و لا مبالاة
فقهرها تصرفي و ثارت آلاف البراكين بداخل قلبها القاسي
و سارت أمامنا بغضب تأن الأرض من وقع خطواتها الثائرة !

××

كنت أسير إلى الصف بتكاسل ، أجر خطاي جرًا
و ما إن وصلنا للصف ، اتجهنا إلى مقعدنا بهدوء بعدما شرحت الضابطة إلى المعلمة سبب تأخرنا
مع بعض البهارات و التوابل التي جعلت منا مشاغبتين مع مرتبة الشرف !

إنني حاليًا في أمس الحاجة إلى قراءة القرآن و الإنطراح بين يدي ربي
أريد أن أشكو له حالي و أدعوه برجاء .. لا أطيق الاستماع إلى المعلمة
و لا أتحمل الجلوس في المدرسة لدقيقة أخرى

آلاف من الأفكار تعصف بعقلي
إلى الدرجة التي أشعر فيها بأني تائهة وسط البحر
تتلقفني أمواجه و مياهه بلا رحمة ، لا أجد ثمة شيء أتعلق به للنجاة
و إن كان قطعة خشبية طافية !

نغزتني دانة من خصري و هي تضع على طاولتي ورقة صغيرة
نظرت إلى الورقة فوجدتها كتبت عليها بالخط العريض " إن مع العسر يسرًا "
ملونة بألوان متدرجة تحت اللونين الأخضر و الأزرق
كانت جميلة و تبعث على الهدوء و الطمأنينة
فابتسمت إلى أصايل بامتنان و طردت عني تلك الأفكار التي كادت تفجر عقلي
ثم تابعت شرح المعلمة باهتمام فأنا مهووسة بمادة العلوم
بخلاف أصايل التي تبدو مستعدة لفعل أي شيء آخر غير الاستماع لشرح المعلمة !

هآآآآوم ، إنها الحصة الثالثة الآن
النعاس يسيطر علي بشكل كلي و يشلّ حركاتي
لا أستطيع استيعاب أيًا مما تقوله المعلمة الأجنبية الواقفة أمامي
إن درس اللغة الإنجليزية ممل بالفعل ، هآآآآوم

تثاءبت للمرة الثانية و أنا أفرك عيناي بكسل
إنني في صراع مع النوم حقًا

| تررررررررررن | ترررررررررن | ترررررررررن |

رائع ، هذا ما أود سماعه بالضبط
الجرس الذي يعلن انتهاء الحصة و بدء الإستراحة
هف ، و أخيرًا سأحصل على بعض الطاقة و المرح

لملمت حاجياتي بسرعة و أدخلت كتبي و دفاتري في الحقيبة بنشاط
و كأنني لم أكن أريد النوم منذ لحظات
بينما خرجت المعلمة من الصف و هي تقول : " see you tomorrow "

و خرجت الفتيات عقب خروجها مباشرة
كلٌ مع رفيقته ، يحادثها أو يمازحها
نظرت إلى أصايل مبتسمة و أنا أقول بمرح : " هيا بنا ، ألن نخرج ؟ "

طآآآآآخ
إنها ضربة نوف التي تلقيتها على ظهري فصرخت إثرها و تأوهت بشدة : " آآآي ، إنها مؤلمة يا نوف "
نوف بغضب مقصود : " إنها جزاء الخيانة "
نظرت لها بسذاجة و أنا أقول : " خيانة من ؟ "
فقالت نوف بوجه باكي : " إنها المسكينة اليتيمة الوحيدة نوف "
و هنا تدخلت أصايل بصوتها الخافت و هي تشير بيدها نحو الباب : " سارة ، إنها دانة "

نظرت بلهفة إلى حيث أشارت أصايل فلم أر احدًا
و حين نظرت لأصايل متشككة من كلامها نهضت من مقعدها و هي تقول : " والله قد رأيتها مع تلك الفتاة الطويلة "
و عندما نطقت أصايل بــ " تلك الفتاة الطويلة " أطرقت رأسي بأسى و أنا أقول : " و ماذا في هذا ؟ لقد ودعتني و ودعتها و إلى هنا أنتهى الأمر "
و تابعت بسرعة بحيث لا أدع لنوف أو أصايل الفرصة للتعقيب على كلامي الغامض نوعًا ما : " هيا بنا ، أنا جائعة "
ثم اتجهت إلى باب الصف أتقافز بمرح
و إني أكاد أجزم بأن كلًا من نوف و أصايل تبادلا نظرات الدهشة فيما بينهما
بل و ربما اعتقدا أني فقدت عقلي ، و لكن لا بأس بهذا
فأنا نسيت أمر دانة تمامًا و سأحيا بدونها كما حييت من قبل بدونها
تنهدت بعدما رنّت في أذني كلمتها من جديد " وداعًا سارة "
فبالأحرى أنا لم أنساها و لكن أحاول نسيانها !


××