إشراق 55

إشراق 55 @ashrak_55

عضوة شرف في عالم حواء

كيف يربي المسلم ولده ؟!

الطالبات والمعلمات

تربية الأبناء ( كيف يربي المسلم ولده )

مرحلة ما قبل الميلاد والطفولة

( مرحلة اليفاعة)

نعني بها الفترة الواقعة بين السادسة والثانية عشرة من عمر الطفل. وهي أهم مرحلة من مراحل العمر وتلعب التربية فيها دوراً كبيراً ولا يجوز التهاون بها أبدا إذ يكون الولد في هذه الفترة عجينه طرية يمكن أن يكيفها المربي كيفما يشاء فضلاً عن أن الملكات العقلية والفكرية والنفسية تأخذ بالتفتح بشكل جيد .

أن الطفل في هذه المرحلة يخضع لنوعين من التربية لابد أن يؤخذ كل منهما بعين الاهتمام :

أحدهما : التربية التعليمية : التي تتعلق بنقل العلوم والمعارف إليه والتي تنمي مداركه وتجعله أكثر انفعالاً بحقائق الكون وتؤهله لمزيد من المعلومات يحققها في مسيرة حياته .

وثانيهما : التربية الاجتماعية : التي تؤهل الطفل لحسن التفاعل مع المجتمع في سلوك إسلامي صحيح تنمو فيه شخصيته ويصبح فيه بمشيئة الله في مستقبل الإسلام مسلماً حقيقياً متوازن الشخصية .

وسوف نتحدث عن كل نوع بالتفصيل بإذن الله .

أولا : التربية التعليمية
ثانيا : التربية الاجتماعية

بينا سابقاً أن من المهم أن يحرص الأبوين على تعميق العبودية لله عز وجل في نفس ولديهما فينتهز الأب مثلاً فرصة تتقدم الأم بها الى ولده بشيء يحبه من هدية أو طعام أو كساء أو مال فيسأل ابنه : ما هو الواجب الذي يترتب على الولد تجاه أمه ؟ ويأخذ بيده إلى معنى الشكر والاعتراف بالجميل ثم ينتقل الأب بولده إلى دائرة الشكر لله عز وجل فيسأل ولده عن رأيه بعينيه وهل هما غاليتان عليه وهل يمكن أن يوازيهما شئ في الوجود وكذا يسأله عن أذنيه ولسانه ويديه ورجليه حتى يتعمق في نفس الطفل الإحساس بقيمة هذه الجوارح ثم يطرح على ولده السؤال المناسب وهو :

من أعطانا هذه الجوارح ؟ وكيف يمكن أن تكون حياتنا لو فقدناها ؟ ويكون الجواب : أن الله هو الذي خلقنا وجاء بنا إلى هذا الوجود وخلق لنا أعضاءنا وجوارحنا وخلق الكون من أجله وسخر لنا وإذا كنا لا نرضى وقد قدمت لنا أمنا هدية إلا أن نشكرها ، إليس جدير بنا أن نشكر الله على فضله وكرمه ! وإذا كنا نفرد أمنا بالشكر لأنها هي التي قدمت لنا هديتها ولا نرضى أن نشرك معها الجاره فإنه جدير بنا وحقيق ألا نشكر إلا الله المنعم الواحد الحق .

يجب على الأب أن يغرس فكرة العبودية لله عز وجل بشكل عميق في نفس الطفل ويربط بين مظاهر الكون وفكرة العبودية حيث يقدم للطفل توازناً نفسياً رائعاً غير مباشر . ويغرس بالطفل سهولة المراحل التالية .

ازرع الخير فيهم

من أسباب الاعتزاز بالإسلام أن نختار أحد أسماء أبطال الإسلام كخالد بن الوليد أو حمزة بن عبد المطلب أو بلال أو صهيب أو عمر بن الخطاب فنكني أبناءنا بأحد هذه الأسماء ولا ننادي ولدنا إلا بذلك فلا يسمع مثلاً إلا : أقبل يا أبا عمار ! ، وخذ يا أبا عمار ! وأذهب يا أبا عمار ! وهكذا .. ونحن في هذه الكنية نسير على نهج الرسول عليه الصلاة والسلام الذي كنى الطفل الصغير فقال له : ( يا أبا عمير ما فعل النغير ) فضلاً عن أننا نشعر الولد بشخصيته فإذا حدثناه عن سيرة من كنيناه باسمه فقد أغنينا معارفه وزدنا من اعتزازه بدينه وأبطال دينه .
نذكر الآباء بضرورة اصطحاب الأبناء الى الدروس حتى يتعلم ارتياد مجالس العلم ونحن لا ننكر أن هذا السن صغير على مجالس العلم ولكنه إذا أخذ في فترات مختلفة فقد يزرع ذلك في نفسه حب هذه المجالس والتعود عليها وقد يكون ذلك سبيلاً إلى استفادته منها في مستقبل الأيام فإذا ما رأى الوالد عزوفاً من ابنه عن مثل هذه المجالس فيحسن به أن يشجعه ويشد من أزره فإن لم يغن ذلك فلا بأس أن يغض الطرف عنه لأن هذه القضية ستأتي بشكل آكد في المرحلة التالية من عمر الطفل حين تتسع مداركه .
ماذا يمكن أن يقدمه الوالد لأبنائه ؟

قد يسهو الولد عن صلاته وقد يتهاون بها وهنا يبرز دور الوالدين كبيراً فإن الوالد إذا استيقظ صباحاً لصلاة الفجر وجب عليه أن يوقظ زوجه وأولاده ومن الخطأ والمحزن أن يأخذ الأب العطف والحنان نحو أبنائه بأن لا إيقاظهم.
يحسن بالوالد أن يشرف على وضوء أولاده فيصحح ما أخطئوا فيه وبين لهم ما أنقصوا ويذكر لهم فضل الوضوء بحيث يختار الوقت المناسب لأخبارهم .
دعوة الأبناء إلى طلب الأب منهم أن يصطحبونه الى الصلاة في جماعة . ويخض أبنائه على صلاة السنة .
عليه أن يصحح لأبنائه صلاتهم ويراقب حركاتهم ليرى أن كانوا يحسنون الصلاة أم لا فإذا وجد خللاً أو نقصاً نبه إليه وبين لهم الأمر الصحيح.
بعد الصلاة يجب على الأب أن يجلس مع أبنائه ويجلس أبنائه أمامه ثم يطلب منهم أن يقرؤوا من مصاحفهم ويصحح لهم ما أخطئوا في تلاوته ويسعى شيئاً فشيئاً وبالتدريج في بيان أحكام التجويد والتلاوة . لا بأس بإعطاء الأب مصحفاً لكل واحد منهم يشجعه على التلاوة ثم يعده بالأجر والثواب عند الله ويعده بهدية أو كتب أو ثوب أو ما شابه ذلك .
يجدر بالأب أن يقرأ على أبنائه كل يوم إن استطاع حديثاً شريفاً ويشرح لهم معناه مبسطاً فإن لم يستطيع يومياً جعل ذلك غَبّاً أو حسب حالة أولاده وقدرتهم على الاستيعاب . ولا بأس بإدخال دروس السيرة النبوية وسير الصالحين لما فيها من بث النشاط في نفوس الأبناء .
هناك من الأبناء الذين لم يتجاوزون العاشرة من يحفظ عشرة أجزاء أو أكثر من القرآن الكريم فلا تتهاونون في قدراتهم .

القاعدة التعليمية

يجب أن تبني قاعدة تعليمية عظيمة في منزلك أصولها لدى الطفل ، وذلك بترغيب الطفل من القراءة والمطالعة بإهدائهم الكتب ولا سيما القصص المفيدة .

ومن المؤسف أن نرى الآباء يحرصون في هذه الفترة على إحضار المجلات المصورة التي تصدر للأطفال في عالمنا العربي أكثر من حرصهم على تقديم الكتب المفيدة . ونقرر وبما لا يقبل الشك ونتيجة الاطلاع على هذه المجلات أن كثيرا منها سيئ التوجيه ولا يقدم كبير فائدة لأبنائنا من حيث الناحية الدينية والتعليمية والتربوية ويمتد ذلك الى القصص المصورة ولا سيما المترجمة منها.

ماذا نجني من فوائد القراءة والمطالعة لدى الصغار ؟

أننا ننمي في أبنائنا حب المطالعة والقراءة هذا الحب الذي فقدناه بسيطرة الرائي ( التلفزيون ) و ( الفيديو ) على حياة أطفالنا .
أننا نعود أبناءنا على اقتناء الكتب ونبذر في نفوسهم عادة تشكيل المكتبات وإقامة قاعدة ثقافية شخصية للطفل .
أننا نشعر أبنائنا باستقلال شخصياتهم حين يحسون أن لهم كتباً خاصة بهم لا يشاركهم فيها الأهل .
ويلعب التشجيع هنا دوراً كبيراً في إثارة الحماس لدى الأطفال لاقتناء الكتب والمحافظة عليها إذا نلاحظ أن بعض الأطفال يتصفون بالإهمال فلا يعطون الكتب حقها من العناية فتتمزق أو يلقى بها على الأرض أو على الرفوف دونما اهتمام.

يجب أن ننمي حب الحفظ إلى جانب حب القراءة . كيف يكون ذلك ؟

هذه اقتراحات لتنمية حب الحفظ لدى الأطفال :

تطلب الأم من أبنها أن يقرأ لها شيئاً من الكتب وتنصت له .. وتشجعه على ذلك.
أن تطلب من أبنائها أن ينشدوا لها ما حفظوه .. وأن تفتخر بهم أمام ضيوفها وأهلها ولكن بتعقل ليس فيه إسراف .. بل تشجيعاً لهم .
أن يذهب بهم الى المكتبات لاختيار الكتب بأنفسهم و تسجيل ما يلفت أنظارهم على دفتر صغير يحفظونه عندما يخلو كلاً منهم بنفسه .. واستخدامها في موضوعات الإنشاء والتعبير بالمدرسة .
حفظ الأناشيد الإسلامية الحماسية التي تزكي فيهم الأخلاق الحميدة وتدفعهم إلى الاتصاف بها .


مرحلة اليفاعة : التربية التعليمية >

التربية الإجتماعية .
لا يمكن فصل التربية التربوية عن الاجتماعية لأنهما يكملان بعض ولكن هناك أمور يجب التدقيق فيها :

على الأمهات عدم المبالغة في الدلال وأن تكف لسانها عن الألفاظ التي فيها مبالغة كبيرة في تدليل الأبناء كقولها : ( تقبرني ! ) ( تطلع على قبري! ) ( ياعلني أموت قبلك ! ) لأن الطفل أصبح أوسع أدركاً ومعرفة للأمور ويجب أن يشعر بشيء من الاستقلال كما يجب أن نسير به نحو نمو شخصيته وسيرها نحو الكمال .
لا يصح أن تعمد الأم إلى إشراك ولدها معها في سريرها بل يجب أن يكون له سرير منفرد في غرفة منفردة .. وحري بها إلا يدفعها بكاء الطفل أو تعلقه بها الى اللين ففي هذه المرحلة تترسخ في نفس الولد كثير من العادات ولاسيما عادات الخوف والجبن فإنه وبشكل عادي تماما يجب أن تترك الأم فرصة لولدها كي يتجول في البيت وأضواء بعض الغرف مطفأة كما أنه يجب ألا يترك له الضوء موقداً إذا أراد النوم بل يضجع في سريره ويغطي بغطائه ثم تطفأ الأضواء وتخرج الأم من الغرفة .
الكثير من الأمهات لا تتورع بالدعاء على أبنائها بشتى أنواع الدعاء الذي تقشعر له الأبدان من موت ودهس وتقطيع وإصابة بالسل والشلل !! وتسهو أمثال هذه الأمهات عن أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد نهانا أن ندعو على أنفسنا أو على أولادنا لا يصادف ذلك ساعة إجابة من الله عز وجل فيحل البلاء على الأم أو الولد .
الكثير من الأبناء يخرجون للعب مع رفقاءهم أو أقرانهم ونحن لا نمنعهم من ذلك ولكننا نخشى أن يتعلم الولد من هذه المخالطة الكلمات البذيئة أو الأفعال الذميمة التي تسئ إليه ونحن هنا بين تفريط وإفراط فلا نمنع الولد منعاً باتاً ولا نترك له الحبل على الغارب بل يحسن أن نختار له أوقاتاً للعب وأن نختار له رفاقاً للعب وأن نختار له أنواعاً للعب فيتم ذلك كله تحت أشرافنا . كان بودنا لو نقول : اهبطوا الى مستوى أولادكم والعبوا معهم .. ولكن لكي نكون واقعيين فليس كل واحد منا مهيئاً لهذه الحالة .. وإنما نقول للآباء : حافظوا على مستوى أولادكم إذا لعبوا حتى لا يؤذي بعضهم بعضاً في أجسادهم أو أخلاقهم أو ألفاظهم . ولعل من أفضل الألعاب التي يمكن أن نعلم أولادنا عليها في هذه السن هي السباحة وذاك أمر يجب أن يتم بإشرافنا الكامل .. أو بأشراف المؤهلين لذلك ولكن لصحبة الوالد وتعليمه طعماً خاص لا يدركه إلا متذوقه .. فإذا ذهبنا في الأسبوع مرة أو في الأسبوعين إلى المسبح وأخذنا أولادنا معنا وأشرفنا عليهم فأننا نكون قد أدينا إليهم خدمة كبيرة مع اطمئناننا عليهم طمأنينة كبيرة .
على الوالدين أن يقيموا علاقات متوازنة مع أبنائهم وبين أبنائهم وهذا يقتضي :
العدل فيما بينهم فلا يفضل واحد من الأولاد على الآخر سواء أكان ذكراً أم أنثى والعدل هذا أساس من أسس التعامل مع الأولاد في الإسلام .
أن شعور الولد انه مفضل لدى أبوية أو أحدهما على أخوته يجره إلى الاستكبار على أخوته وسوء التعامل معهم والتشوف عليهم كما أن هذا التصرف من الأبوين يزرع العداوة بين الأولاد حيث يحس المفضل عليه بالغبن والظلم ويرى في أخيه المفضل ظالماً له ولما كان الله قد أقام أركان السماوات والأرض على العدل فقد زرع فكرة العدالة في نفوس الناس الأمر الذي دفع إلى إقامة المحاكم وتفريع المبادئ والقوانين وإقامة العقوبات والسجون وحين يرى الولد أخاه أو أخته ظالماً له فإنه يحس بالكراهية نحوه وتنمو هذه الكراهية مع الزمن وتكون وسيلة لحصول الخلافات بين الأخوة فتنقطع أواصر المحبة وتقطع الرحم وتتفكك الأسر وتنهار .
أزرع الأخلاق الحميدة في نفوس الأولاد من صدق ومحبة وأثره وإخلاص وأمانة وكرم ، في سبيل ذلك يجب تدريب الأولاد على هذه الخصال فلا يجوز لأحد من الأبوين أن يكذب على أحد من أولاده مهما كانت الحال بل يجب أن يفهمه أن الصدق صفة هامة من صفات المؤمن وأنه لا يكذب ويجب أن نحمل الجرأة الملائمة لنقول بما نعتقد دون كذب أو مواربة أو نفاق أو نصمت إذا كنا لا نريد أن نفصح عن آرائنا ولا نغالي إذا قلنا إن خصلة الصدق تدخل في كل سلوك الإنسان لذلك كان الحرص على تعليم أبنائنا الصدق من الأمور الضرورية .
ولكن كيف نزرع كل هذا ؟
أن زرع المحبة بين الأبناء يكون بوعظهم وإرشادهم وإعطاء بعضهم بعض الهدايا ليقدمها إلى أخيه أو أخته مع الحرص على المساواة والعدالة وتكون الأثرة دليلاً على ارتقاء الخلق وسمو النفس ونظام التعاون والزكاة والصدقة في الإسلام الذي هو من أهم أركان استقرار المجتمع الإسلامي إنما يبني على عمق فكرة الأثرة في نفس المؤمن وهذه الفكرة تزرع في الطفل منذ نعومة أظفاره فنطلب من ولدنا ذكراً أو أنثى أن يقدم شيئاً من طعامه إلى زميلة في المدرسة أو أخيه ونعطيه بعض المال إذا مررنا بأحد الفقراء ونطلب منه أن يسلمه لهذا الفقير ونذكره بفضل الله علينا وأن يغدق علينا من نعمه وأن هناك محرومين كثيرين جدير بنا أن نمد إليهم يد المساعدة وأن نؤثرهم ببعض ما نملك اعترافاً بفضل الله علينا حيث أعطانا وحرم غيرنا .
علم أبنائك ودربهم على الأمانة :
لا بد من أن نحثهم عن قيمة الأمانة ديناً وعقلاً واجتماعياً .. وأن نبين رأي الإسلام في الأمانة والعقاب على سوء الأمانة فيه وبيان روعة المجتمع الذي تسود فيه الأمانة ويجب إلا نقصر معنى الأمانة على عدم أخذ ما لا يحق لنا من الأمور العينية بل يجب أن نتوسع في معناها فنتحدث عن الأمانة في التوحيد والأمانة في الوضوء والأمانة في الصلاة و في العلم .. الخ
يجب أن نعير هذه القضية عناية خاصة فنترك مثلاً بعض النقود في متناول أيدي الأولاد ونراقبهم لنرى هل يمدون أيديهم إليها ؟ فإن صنعوا بينا لهم خطأهم وشرحنا لهم ما ينتظرهم من عقاب الله سبحانه وتعالى .. ثم موقف المجتمع القائم على الشك والاحتقار وسوء السمعة وانعدام الثقة كما نبين لهم ما ينتظرهم من عقاب عند الله عز وجل وأن لم يمدوا أيديهم أثنينا عليهم ومدحناهم واهتبلنا فرصة اجتماع الأهل أو الأصحاب فذكرنا أولادنا بالأمانة أمام الأهل والأصحاب لنبعث الفخر في أنفسهم وندفعهم إلى التمسك بالأمانة والافتخار بها .
كيف تتصرف مع سلوك الأبناء ?

كثيراً ما يلاحظ أن الأولاد حين يلعبون يؤذي بعضهم بعضاً .. أما لانتشار روح العدوانية عند بعضهم أو لمحاولة التسلط وفرض الشخصية والرأي ومثل هذا السلوك الاجتماعي غلط . ويجب إصلاحه وإنما يكون ذلك عن طريق المراقبة الدقيقة للأولاد حين لعبهم فإذا ما رأينا خطأ نبهنا عليه وحاولنا إصلاحه .
استخدم قاعدة ( قلب المواضع ) ! يجب علينا أن نبين قاعدة جيدة في التعامل وهي قاعدة قلب المواضع بمعنى أن نطلب من أبنائنا إذا صنعوا عملاً ما وأرادوا أن يعلموا فيما إذا كان خالياً من الخطأ أم متلبساً به فإنه يحسن بهم أن يجعلوا أنفسهم مكان الطرف الآخر ويجعلوا الطرف الآخر مكانهم فإن وجدوا أنفسهم راضية بالوضع الجديد فمعنى ذلك أن سلوكهم حسن ولا غبار عليه أما إن كرهوا الأمر فمعنى ذلك أن تصرفهم غلط ويجب أن يعدلوا عنه . وهذه القاعدة ليست وقفاً على الأبناء فقط بل أننا نستطيع أن نطبقها على أنفسنا في كل سلوك يشكل علينا في معاملاتنا مع الآخرين .
راقب سلوك الأولاد لان المراقبة بهذا السن هامة وتجعلنا نتدخل في كل تصرف خاطئ سواء كان ذكراً أم أنثى فنصحح ما أعوج وننبه على ما لا نرضى ونرسم الطريق الصحيحة التي يجب السير عليها .. ولكن المراقبة يجب أن تكون دون مبالغة .. وبعيداً عن الشد و الصراخ .
عزيزتي الأم .. عزيزي الأب لا حظوا سلوك أبنائكم في حديثهم إلى من هو أكبر منهم سناً من أم أو أخوة أو أهل أو أصدقاء فأنه من الضروري أن نعلمهم الشجاعة الأدبية والجرأة الشخصية ولكن مع الأدب الشديد وحسن التعامل فلا يحدقون في وجوه من هم أكبر منهم سناً أو قدراً ، ولا يرفعون أصواتهم أمامهم ، ولا يشيرون بأيديهم أو يضربون بأرجلهم تعبيراً عن انفعالهم أو عدم رضاهم .
علم أبنائك طريقة التعامل مع الضيوف : أشرح لهم كيف نستقبلهم ونرحب بهم ونجيب على أسئلتهم بما لا يكشف أسرار العائلة ولا يفضح أمورها الداخلية كما يصنع كثير من الأولاد الذين تحلو لهم الثرثرة فيتكلمون بكل شئ يعلمونه أمام غيرهم وكم من البلايا قد أصابت كثيراً من العائلات من مثل هذه الثرثرة . علم أبنائك أن يحسن إكرام الضيف بكل أدب فأن أطراف الآداب الاجتماعية يمكن أن يلم بها الطفل شيئاً فشيئاً حتى يدركها .
من حسن السلوك وضروراته تعليم الأبن سماع كلام والدته وإجابة طلباتها قبل أي مطلب آخر بمنتهى الرضى ودون تأفف أو تأخر وهذا عادة يتطلب تدخلاً مباشراً من الأب لتوجيه أبنه أو ابنته نحو حسن الاستجابة لطلبات الأم والالتزام بحسن الأدب في التعامل معها . ولكن احرص أن يقع منك تناقض حيث يطلب كلاً منكما طلباً يخالفه الطرف الآخر فيقع الولد بالحيرة وبالطبع فإن مثل هذه الحال كثيراً ما تحصل في مجتمعاتنا .. فكونوا حذرين في الوقوع في مثل هذا التناقض .. ولكن لو حدث كيف يتصرف الأب : الأحرى أن يبادر الأب الى تغطية هذا التناقض ويفضل أن تترك الفرصة لتنفيذ طلبات الأم لأن الأم أكثر التصاقاً بابنها أو ابنتها طوال النهار واحتكاكها بهما أشد لذلك كان من الضروري أن تعطي الأم دور الأفضلية دون أن نشعر أبناءنا بأية صورة من صور هذا الخلاف .
قم بتدريب أبنائك

للعلاقات الاجتماعية آداب يلزم المجتمع أفراده بها وهذه الآداب في معظمها مستقاة من الإسلام فإن من الخير الكبير أن نعطي هذه الآداب حقها من العناية وأن ندرب أبناءنا عليها :

الإسلام يأمرنا بغسل أيدينا قبل الطعام وغسلها بعد الطعام فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول : ( من غسل يديه قبل طعامه وبعده فهو في سعة من رزقه ) . هو قطعة من حديث رواه : أحمد والترمذي ومالك وابن ماجه . فهل هناك اعظم من أن ننظف أيدينا مما علق بها من أوساخ وجراثيم قبل أن نجعلها في طعامنا أو ندخلها أفواهنا فنأمن بذلك الأمراض ونتحلى بالنظافة !
أمرنا أن نأكل بيدنا اليمنى تكريماً للطعام الذي هو هبة من الله ومنَِّة ، وبه تقوم الحياة ونهانا أن نأكل بيسرانا ولا سيما أن اليد اليسرى تكون أكثر ملامسة للأقذار وخاصة عند دخول المرحاض فإن رأينا أبناءنا يأكلون دون غسل أيديهم طلبنا منهم تنظيفها وإن رأيناهم يأكلون بيسراهم أمرناهم بالتيامن .
نهانا الإسلام عن المبالغة في الأكل حتى لا نصاب بالأمراض والتخمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما ملأ أبن آدم وعاءً شراً من بطنه ، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه ) ( قطعة من حديث رواه : أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم ) . فأن آنسنا من أولادنا ميلاً إلى الشره في الأكل بينا لهم ضرر ذلك وأنه سبيل إلى البدانة وتفشي الأمراض في الجسم . فعلى الأبوان إلا يعطوا أبنائهم الأطعمة بعضها وراء بعض ودون نظام أو توقيت أو حاجة فترى الولد لا يكاد ينتهي من طعامه حتى ترى في يده أصابع الموز فإذا انتهت جاء دور ألواح الشوكولاته فإن تقضي عليها تصدرت قطع البسكويت يديه فإذا فرغ منها كان للسكاكر نصيبها وتحدث بعد عن المرطبات والعصير والمجمدات ثم المكسرات وهكذا ترى طاحونة الفكين لا تكاد تهدأ عن الطحن وكأنه معمل أن توقف خسر .!! إن مواقيت الطعام معروفة وعلى الأغلب ثلاثة فإذا أكل الولد في هذه المواقيت لا يعطي من الطعام إلا حاجته حين يحين الوقت التالي فأن الولد إذا تركت يده على الطعام نشأ بطناً شرهاً وأتعب أهله بمطالبة فإن قصروا عليه في مطالبه فقد يعمد إلى السرقة في سبيل ما يريد وفي ذلك خطر كبير على أخلاق هذا الولد .
علم أبنائك أن يسمي الله ويبدأ بيده اليمنى .. ويحمده بعد الانتهاء .
علم أبنائك آداب الجلوس فإذا كان مع من هو أكبر منه لم يجلس حتى يجلس الكبار ويجلس حيث ينتهي به المجلس ولا يمد رجليه ولا يجعل أحدهما على الأخرى ولا يجعل نعله قبالة وجوه محدثيه .
علم أبنائك آداب الكلام وآداب الشرب فلا يشرب واقفاً إلا لحاجة ويشرب على ثلاث دفعات ولا يتنفس في الكأس ولا ينفخ نحو الماء ويمص الماء مصاً ولا يخرج صوتاً حين الشرب ويسمي الله عند بدء شربه ويحمده عند انتهائه .
كما يجدر بنا أن نعلمه آداب السير في الطريق حيث يسير هادئاً متزنا ناظراً أمامه مفسحاً ولا يصرخ ولا يصخب ولا يقفز ويساعد من يحتاج المساعدة من مريض أو أعمى أو مسكين ولا يتخطى الإشارات الحمراء ولا يتجول بين السيارات المسرعة ولا يعاكس السير ولا يلعب بين السيارات .
علمه أن أراد الدخول الى البيت كان عليه أن يقرع جرس الباب بلطف .. وأن أراد الدخول الى الغرف أن ينتظر حتى يفتح له أو يؤذن له بالدخول بعد قرع الباب .. علمه أن ذهب الى أحد من أهله أو أصحابه إلا يقرع بابهم بخشونة أو بالاستمرار على دق الجرس عليه أن يكون ذلك بلطف وأن ينتظر حتى يفتح له وان يسلم على أهلها بصوت معتدل فإن كانت خاليه سلم على نفسه والملائكة بقوله : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ودعا بدعاء دخول البيت .
علم أبنائك أن يخلع كلاً منهم حذاءه في مدخل الدار فلا يدخل به الى الغرف وأن يضع كتبه بكل ترتيب في مكانها من المكتبة أو المنضدة وأن يستبدل بملابس الخروج ملابس البيت ويعلق ما خلعه منها على المشجب بكل أناقة وترتيب ثم يعمد إلى غسل يديه ووجهة بالماء والصابون لإزالة ما علق بها من أوساخ الطريق وأقذار المدرسة .
إذا حان وقت نومه نهاراً أو مساءً ، أمرناه أن يتجه إلى سريرة بنفسه وعلمناه كيف يدخل سريرة ويتدثر بغطائه وعلمناه أدعية النوم شيئاً فشيئاً ويوماً بعد يوم حتى يحفظها جميعاً ولا نحاول أن ننام بجانبه ولا أن نجعله ينام إلى جانب أمه أو أخوته ولا نترك النور مولعاً كما أنه لا يجوز مطلقاً وفي سبيل أن نجعله ينام ما يعمد إليه بعض الأهل من إخافة الولد والقول بأن البعبع أو الجن أو الشبح قد حضر ليأكل من لم ينم والذي لم ينم سوق يسرقه الحرامي !!
بين الحب والخوف والرهبة والرغبة

هذه قضية هامة جداً فأن كثيراً من الأهل يظنون أنفسهم يحسنون صنعاً حين يعمدون إلى ترهيب أولادهم فإذا صنع الولد أمراً قالوا له : إن الله يحرقك في جهنم .. وغيرها من الجمل .. ويكررون تلك الجمل كلما أرادوا توجيهه.

تحذروا :

إن المسلم يجب أن يعيش بين الحب والخوف والرغبة والرهبة فلا يصح أن نقدم من صفات الله تعالى أنه شديد العقاب وننسى صفة الغفور الحليم والرحيم وأنه لمن المفضل أن نقول للولد :

إذا صدقت فأن الله يدخلك الجنة التي هي خير مرتع حيث يحظى الإنسان بكل ما يشاء ويريد من نعيم فهناك المكان الرغيد والعيش الهانئ وأساور الذهب والفضة وملابس السندس والإستبرق وأنهار العسل واللبن ... الخ.

وإذا كذبت فأن الله سيدخلك ناراً حامية ، تشوى الوجوه وتحرق الأجساد وتوقد بالحجارة والبشر ... الخ .

إن تربية الطفل منذ صغره على حب الله تعالى الذي أنعم على عباده بما آتاهم من دين ينظم حياتهم ونعم يعيشون بها من عيون ينظرون بها وآذان يسمعون بها وأيد يستعملونها في معاشهم وأرجل يمشون بها ولسان يتذوقونه به ... الخ.

ومن هذا الحب يجب أن تنطلق الطاعة لله لأنه جدير بها فهو الخالق المربي والمتفضل والمنعم ومن الطاعة يحظى الإنسان بالسعادة في الدنيا وبالسعادة في الآخرة ومن المعصية يعاقب الإنسان بسوء الحياة في الدنيا وبعظيم العقاب في الآخرة .
11
2K

هذا الموضوع مغلق.

إشراق 55
إشراق 55
( مرحلة المراهقة )
لعل من أصعب فترات الحياة في وجود الإنسان على وجه البسيطة هي فترة المراهقة التي تمتد من الثانية عشرة حتى السابعة عشرة وهي فترة يمر بها الإنسان بتغيرات جسدية ونفسية هامة :
التغيرات الجسدية :

من حيث التغيرات الجسدية تظهر في هذه الفترة رجولة الرجل وأنوثة المرأة ويكبر جسد كل منهما ويسير نحو معالمه المكتملة .

التغيرات النفسية :

تتضح شخصية الولد سواء كان ذكراً أم أنثى وتكتمل له عناصر الاستقلال والاعتداد والتشوف بالنفس والثقة بها والإعجاب بما يملك حتى أن بعض الأولاد يرى نفسه في هذه المرحلة أجمل الناس وأروعهم وأوسعهم فكراً وأعظمهم تدبيراً وأحسنهم سلوكاً وأشدهم صواب رأي … الخ ومن منا لم يمر بمثل هذه المرحلة ولم تهب عليه رياحها .

إن هذه المرحلة خطيرة في جزئياتها وكلياتها ومبنية على دقة شديدة ومتناهية والأهل الموفقون من الله هم الذين يستطيعون الأخذ بأيدي أولادهم إلى شاطئ السلامة في هذه الفترة فهي من أشد الفترات تأهيلاً للنشوز والانحراف والخروج عن إرادة الأبوين والإساءة أحيانا إلى سمعة الأسرة والعائلة والسير في طريق منحرفة معوجة .

إن من ينجح في فترة الطفولة واليفاعة سوف ينجح بالمراهقة ولن يجدوا عناء كبير في هذه الفترة لأنهم وضعوا الأساس الصحيح لبناء نفسية أولادهم فهم يكملون إرواء النبتة حتى تستوي على سوقها ويضيفون إلى جهدهم السابق جهداً آخر فتؤتي الجهود ثمارها . أما الذين أهملوا تربية أولادهم فإنهم لا ريب سيعانون عناء كبيراً .. تذكروا دائماً أن الولد بضعة من الأبوين وما أقسى أن يخسر الإنسان جزءاً من ذاته .

وتنقسم التربية في مرحلة المراهقة إلى قسمين هما:

أولا : التربية التعليمية

ثانيا : التربية الاجتماعية
إشراق 55
إشراق 55
دأب الآباء على تصور العلم على أنه قسمان :

علم دنيوي وعلم ديني وأن بينهما افتراقاً وهذا التصور تصور خاطئ في الإسلام فأن الحياة الدنيا مرتبطة بالحياة الآخرة وأسباب الحياة الدنيا هي أسباب الحياة الآخرة ويتضح ذلك في قوله تعالى : ( وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {201} أُولَـئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ).

وفي الحديث الشريف الذي ينبئنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام مر وأصحابه على رجل عبل الذراعين يعمل فقال أصحابه : لو كان هذا في سبيل الله يا رسول الله ؟ فأجاب عليه الصلاة والسلام : ( إن كان خرج يسعى على أهله فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على نفسه يكفها عن مسألة الناس ، فهو في سبيل الله ) وفي حديث آخر : ( واللقمة تجعلها في أهلك صدقة ) هو قطعة من حديث طويل رواه مسلم .

ومن الخطأ في هذه النظرة القائمة على القسمة والتفريق نرى كثيرا من الآباء يحرصون على تعليم أبنائهم العلوم الدنيوية ليكسبوا لهم مستقبلاً حياتياً ويعزفون عن تعليمهم العلوم الشرعية .

إن الارتباط بين العلوم الدينية والدنيوية يعطي توجيهاً أخلاقياً سليماً للعلوم الدنيوية ويجعلها مسخرة لخدمة الإنسان بعيدة عن الشرور والآثام التي تحفل بها الحياة .

وإن مما يثلج الصدر أن نرى اليوم من شبابنا من أعاد الربط بين هذين النوعين من العلوم فتراه متمكناً في دينه وعلومه عارفاً به بارعاً في طبه إن كان طبيباً أو هندسته أن كان مهندساً أو علمه أن كان عالماً .

وفي بعض البلاد الإسلامية أدركت خطر التفريق بين هذين النوعين في العلوم فجمعت بينهما في جامعاتها ومدارسها وأدخلت في مناهجها وكتبها علوم الإسلام إلى جانب العلوم الكونية وقرنت بينها فشب جيل جمع بين العلوم الكونية والدينية وخلط بينهما في نفسه وجدد ما كان قارب أن يندثر من ماض رائع جميل .

وحتى نحن يجب أن تقوم تربيتنا لأبنائنا قائمة على الجميع بين النوعين من العلوم وإيضاح أن الأرزاق ليست بيد العباد وإنما هي بيد رب العباد ، وليست سعة الرزق مرتبطة بما نحصله من شهادات علمية وإنما بما نحصله من توفيق الله فكم من طبيب أمضى عمره في الدراسة والتحصيل والتخصص وترى عيادته فارغة !! وكم من طبيب حصل من العلم أقله وترى عيادته مكتظة بالمرضى والزبائن !! وكم من جاهل آتاه الله من المال وسعة الرزق ما لم يعط أحداً من المتعلمين !!

ويجب ألا ننسى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : ( اعملوا ، فكل ميسر لما خلق له ) أخرجه الطبراني عن ابن عباس وعمران بن حصين وهو حديث صحيح .

وأحب ألا يفهم أحد من كلامنا هذا أننا ندعو إلى ترك العلوم الكونية بل نحن من أشد الناس حرصاً عليها فهي من فروض الكفاية التي لا يحق للمسلم أن يتهاون فيها .

بين المواهب العقلية .. والشعور العاطفي

المواهب العقلية والفكرية

أن في هذه الفترة تنمو المواهب العقلية والفكرية نمواً عظيماً فيصبح الولد قادراً على مزيد من الاستيعاب والتعلم والحفظ ولقد حدثنا تاريخنا عن علماء عظام بلغوا ذروة القدرة على التلقي والعلم في هذه الفترة كالإمام الشافعي والإمام أبن تيميه وغيرهما ومن المهم جداً أن نستفيد من هذا النمو في توجيه أولادنا التوجيه السليم .

الشعور العاطفي

أن في هذه المرحلة ينمو الشعور العاطفي نمواً محسوساً وهذا الشعور العاطفي قد يتخذ صوراً مختلفة فمن الأولاد من يتجه شعوره إلى أخذ صورة الاهتمام بالجنس الآخر فترى الشاب أو الفتاة يعيش الواحد منهما على أحلام خيالية قد تتكون في ذهنه أو نفسه وقد لا يكون لهذه الأحلام أي أساس واقعي فمن الفتيان من يتخيل نفسه أجمل الشباب ويظن أن الفتيات متيمات به هائمات بجماله فإن رأى فتاة تبتسم ظن تلك الابتسامة له وأن رآها أبدت حركة بيديها فسرها على أنها إشارة له وكذلك الأمر بالنسبة للفتيات فهو لا يختلف عن موقف الفتيان .

ومن الأولاد من يسمو شعوره العاطفي فيتخذ شكلاً آخر فتراه مهتماً بالرياضة يعطيها من وقته وجسمه ولا يبخل عليها بشيء همه أن يحقق فيها وجوداً وأن يكون له كيان وتبقى صورة البطل ملازمة في تصرفاته فتراه يلبس الملابس الضيقة التي تظهر تقاطيع صدره وعضلات عضدية وساعديه .. وتراه مهتماً بارتياد الملاعب والمسابح وحضور المباريات والحفلات الرياضية .

وهذه الظاهرة التي كانت مقتصرة على الذكور من أولادنا قد سرت عدواها إلى الإناث منهم فأصبحت الفتاة ترتاد الملاعب وتؤدي التمارين وتجتاز الاختبارات والمباريات . أننا الآن لا نقَّوم هذه الظاهرة ولكن نشير الى مدى تأثير الشعور العاطفي في توجيه سلوك الفتاة في هذه المرحلة .

من مظاهر السمو العاطفي أيضا :

الاتجاه نحو التدين .. لما في الدين من غنى روحي وإعطاء راحة نفسية كبيرة والملاحظ أن الشاب في هذه المرحلة إذا اتجه اتجاهاً دينياً اندفع اندفاعاً كبيراً وعنيفاً لما في الشباب من روح وحيوية .

ويمكن استغلال الاتجاه العاطفي المتمثل في الحماس الديني في توجيه الشاب توجيهاً قويماً وذلك بإغناء فكرة بأسس العقيدة الإسلامية ووضع القاعدة الفكرية الإسلامية والتوجيه نحو الاستزادة من الثقافة الإسلامية حتى إذا ما خبت العاطفة أو ضعفت كنا قد بنينا في نفوس أبنائنا بناء متيناً قوياً ثابتاً لا يتزعزع مع مرور عواصف التشكيك والشبهات .

أن العاطفة في هذه الفترة تدفع الشباب الى العمل ومنه الجهاد والانطلاق في خدمة الدعوة الإسلامية والحماس الذي نجده في هذه الفترة لدى الشباب لا نكاد نجده في أيه فترة أخرى من فترات الحياة .

من مظاهر الشعور العاطفي أيضا الميل الى تعلم الموسيقى أو الشعر أو الرسم وبذل الوقت والجهد من أجلهما .

أن هذه الفترة قد تكون فترة خير على صاحبها أو فترة شر فإن وجه توجيهاً سليماً صحيحاً حاز السعادة في الدنيا والآخرة وأن ترك دونما توجيه تناولته أيدي الانحراف والطيش وكان ذلك وبالاً عليه في الدنيا والآخرة .

المطالعة في هذا السن

نتابع في هذه الفترة تنمية حب المطالعة في نفوس أبنائنا ذلك الحب الذي دعونا إلى بذره في نفس الابن في المرحلة الثانية وهذه المراحل استمرار للمراحل السابقة ألا أنها تتميز في أن أنواع العلوم والمعارف فيها أكثر. فالقراءات في هذه الفترة تتنوع وتتعدد وهذا يدعونا إلى ملاحظة ما يقرأ أبناؤنا في هذه المرحلة فكثيراً ما يعمد الأبناء من ذكور وإناث إلى قراءة القصص والروايات الغرامية أو الإجرامية ( البوليسية ) التي تفسد الفكر وتحرك العاطفة وتثير الغرائز وتدعوا الى المعصية أو الانحراف أو الجريمة من أمثال قصص أرسين لوبين وبعض قصص إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي .

كما أن من أخطر القراءات التي تغري أولادنا ولا سيما الفتيات منهم تلك المجلات التافهة التي تعني بأخبار من يسمون باسم الفنانين والفنانات ولسنا هنا لذكر أسماء هؤلاء فذلك أمر يطول لأنه في كل يوم لنا مجلات جديدة وأسماء مستحدثة يحررها شياطين الإنس يفسدون فيها أفكاراً ومشاعر الناشئة ويجعلون من هذه الطبقة من البشر الذين ألفوا الحياة الفاسدة نماذج بشرية تحتذي وتشتهي حياتها حتى أصبح من أهم طموحات كثير من أبنائنا أن يكون كالمغني فلان أو الراقصة فلانة أو الفنان فلان أو الفنانة فلانة .

وكمثال سئلت فتاة نحو تطلعاتها بالمستقبل فأجابت أنها تود أن تصبح راقصة وحين اعترض عليها بأن هذا الطموح فاسد ولا ينسجم مع الدين والخلق الكريم كان جوابها بأنها ستكون راقصة محجبة !!

لا يظن أحد أنني ابتدع من عندي شيئاً فهذا الجواب في رأيي جواب طبيعي لأن مثل هذه الفتاة نشأت في بيئة طيبة ولكنها عدمت التوجيه الصحيح وسيطرت عليها هذه المجلات الخبيثة فخلطت في نفسها صالحاً بطالح .

إن المجلات الفنية من أخطر السموم الفكرية والنفسية والاجتماعية التي يمكن أن تقدم للناشئة في ثوب بهرج براق مخادع وهي قادرة على إفساد أبنائنا بصورة قوية وأن تهدم صرح الخلق والفضيلة . لأنها ببساطة تعرض الصور الخليعة العارية التي تبرز خفايا جسد المرأة وتثير الغرائز لدى المراهقين والمراهقات .. وما يقدمونه تحت عنوان ( باب التعارف ) !! حيث تقوم بدور الشيطان في الربط بين الفتيان والفتيات .

خيراً لنا أن نمنع أبناءنا من الاحتكاك بهذه المجلات من أن نتركها بين أيديهم حتى تفسد أخلاقهم وشهامتهم ثم نسعى جاهدين في إصلاح ما أفسدته والوالد العاقل الذي يحرص على منع دخول هذه المجلات داره كما يحرص على منع دخول جرثومة الطاعون .

هناك موضوعاً مهماً ما كنا نسمح به في المرحلة السابقة إلا وهو السماح له بقراءة بعض الكتب التي تناقش المبادئ الهدامة والمنحرفة كالشيوعية والوجودية وغيرها . ونسعى أن نفتح معه حواراً حول ما فهم منها وما أعجبه وما لم يعجبه ومن الحسن أن نطلب منه تلخيص السيئات لهذه المذاهب ونحرص على البحث في الإسلام عن الحسنات التي تغني عن هذه السئيات والتي تجعلنا أشد إيماناً بالتعلق بالإسلام وهجر بقية النظم .

وهذه المناقشة مفيدة جداً إذا ربما استغلق على الوالد نقطة أورثت شبهة أو لم يفهم كيف يكون الرد فإننا بمناقشتنا قد نزيل اللبس ونساعد على الفهم فضلاً أننا نشعر الولد بشخصيته حين ندير معه نقاشاً ونستمع إلى كلامه فتنمو ملكاته وقدراته العقلية وتؤهله لمستقبل الأيام فلا يقبل أية فكرة تسليماً دون نقاش لأن من الأمور الهامة لإنسان المسلم أن يأخذ أصول الأمور بعين العقل والمناقشة والفهم والاقتناع أما الفروع القائمة على الأصول فإنها تبني على هذه الأصول وتدخل باب التسليم . وكم يثلج صدر الأب أن يرى أبنه أو أبنته وقد اتسعت مدارك كل منهما وأصبح قادراً على فهم ما يريد أبوه فلا يحيجه ذلك إلى نقاش أو شرح وهو ما يتغير عنه في حياتنا اليوم بأن فلانا ذكي جداً يدرك الأمور بداهة ويستبق الحلول قبل أن تطلب منه .

حلقات العلم ودورها التعليمي

لبروز دور التربية يحسن أن يصطحب الأب ابنه معه إلى حلقات العلم ودروسه فيجعل له كتاباً خاصاً به يقرأ فيه الدرس ويسجل عليه ملاحظات علمية قد يزجيها العالم المدرس ولا بأس أن يسأل الأب ابنه بعد انتهاء الدرس عن رأيه فيه وملاحظاته عنه وأن يناقشه فيها لينمي فيه ملكاته العقلية ومواهبه الفكرية.

إلى جانب انه ينمي العلاقات بين الأب وابنه ويزيد من اقترابهما من بعضهما البعض ويجعل الابن يحس بشخصيته من جهة ويقوي الرباط بينه وبين أبيه ولا يقتصر الأمر على مجالس العلم بل يحسن أن يتعداد إلى مجالس الذكر القائم على التفكر بحكمة الله في خلقه وقدرته في سنعه وإدراك عظمة هذا الخالق وزيادة الصلة به وأشغال الفكر واللسان بذلك .

وليكن الذكر كما جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وليكن بعد كل صلاة مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من تسبيح وحمد وتكبير وتوحيد وقراءة القرآن وكذلك الجلوس بعد صلاة الصبح وذكر الله حتى تطلع الشمس .

ويوجه الابن في هذه الفترة إلى فضل الذكر في جوف الليل والدعاء عند السحر وقبل الفجر ويعلم أن الله تعالى ينزل في الثلث الآخر من الليل إلى السماء الدنيا فيقول : هل من مريض فأشفيه ، هل من مبتلى فأعافيه وأن الدعاء في هذه الفترة هو من الدعاء المستجاب بإذن الله تعالى .

والذكر والدعاء يحتاجان إلى ما يلهج اللسان به لذا كان من المفيد أن نوجه أولادنا إلى حفظ بعض أحاديث كتاب ( رياض الصالحين ) وكتاب ( الأذكار ) للنووي وأن نشرح لأبنائنا معنى هذه الأحاديث والأدعية والأذكار .

ولا يفوتنا أن نضيف إلى ذلك :

حفظ بعض مواعظ الرسول صلى الله عليه وسلم وخطبه لأنها ترفق النفس وتشحذ الهمة وتسدد الخطا وتقوم اللسان وتزيد من البلاغة وتقوي الفصاحة وتمتن الأسلوب وتساعد التعبير وتعيين على حسن الكتابة .

إضافة الى قراءة الابن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم للاطلاع على تلك الحياة العطرة.

بالنسبة للبنت.. نسأل هل يمكن أن نرسل البنات الى حلق العلم والذكر ؟

الجواب صعب لو طرح قبل ثلاثين سنة لفقدان هذه الحلق ولكن في يومنا هذا وبعد أن اتسعت الحركات الإسلامية وأدت المعاهد والكليات الشرعية دوراً فعالاً في المجتمع برز في كيان المرأة نساء حملن مسؤولياتهن أمام الله وتفرغن للدعوة إلى الله ونحن لا ننكر أن بين هؤلاء النساء من هي ضعيفة الثقافة الإسلامية أو العلم الإسلامي أو أنها ربيت تحت تأثير بعض المشايخ المنحرفين فكراً لكن ذلك لا ينفي وجود الصالحات وتلك مهمة صعبة للآباء كي يعرفوا أين يضعون فلذات أكبادهم وتحت كنف من ؟!!

التحصيل والمراهقة

أن هذه الفترة هي من أغنى الفترات لمن أراد علماً وتحصيلاً لان العقول تكون نشيطة وتساعد على الفهم والحفظ والإدراك والوعي .

ومثل هذه الفرص من الواجب استغلالها في توجيه الابن إلى حفظ أكبر قدر ممكن من القرآن الكريم ويا حبذا لو استطاع – كثير من يستطيع – أن يحفظ القرآن جميعه . أما إذا أردنا له انتقاء .. فإن آيات العقيدة والأحكام والجهاد والترغيب والترهيب تبرز في المقام الأول فيطلب منه: حفظ آية الكرسي وآخر سورة البقرة وأواخر سورة آل عمران وأول سورة المائدة والوصايا العشر من سورة الأنعام وسورة الأنفال وسورة الكهف وأواخر سورة الفرقان وسورة الحشر وسورة الواقعة وسورة الحجرات وسورة يس وسورة الملك وسورة ق وسورة السجدة وجزء عم وجزء تبارك .

ويهتم الأب بأحكام التجويد فإن كان عاجزاً عن مساعدة ابنه في مجال الحفظ فإن عليه أن يستفيد ممن يجده من العلماء أو الجمعيات أو الهيئات في المساجد والمدارس والتي تتولى مهمة مساعدة الشباب وتدريسهم وتثقيفهم .

ولله الحمد هي كثيرة حيث نشأت في البلاد الإسلامية واستطاعت تغذية عقول كثير من الناشئة والشباب بما يلزمهم للسير على نهج الله عز وجل

دور الأبوين والمدرسة والتعليم

أننا مطالبين أن نعتني عناية شديدة بالمدرسة من خلال :

مراقبة دوامه فيها حيث أن الطلاب في هذه السن وقد بدأت تتضح معالم شخصيتهم وتنمو فيهم الفردية يؤثر بعضهم على بعض في شئ من النشوز مقابل الأهل أو المدرسة إثباتاً لشخصياتهم فيفرون من المدرسة أو يتخلفون عن بعض الدروس .
يجب على الأبوين أن يزورا مدرسة أبنائهم بشكل دوري فيطلع على سلوكهم فيها وسير دراستهم وموقفهم من أساتذتهم ورأي أساتذتهم فيهم .والكثير من الآباء لا يعيرون هذه الناحية أي أهمية فلا يدرون شيئا عن سلوك أبنائهم والتزامهم بدراستهم في مدارسهم وترى الواحد منهم يدهش لما يرى ورقة علامات ولده وأحر به أن يدهش من نفسه حيث أهمل ولده ونتيجة الإهمال الفشل والسوء دائماً .
يجب على الأبوين أن يزرع في نفس أولادهم في هذه الفترة أن حياتهم لله تعالى وأنهم يعيشون لخدمة الإسلام وتطبيقه وأن ذلك لا يكون إلا إذا كان المسلمون أقوياء أصحاب عزة ومنعة والعزة والمنعة لا تأتي إلا من العلم مع الإيمان وإنما غلبتنا اليهودية العالمية والصليبية بالعلم وأننا إذا أردنا أن نكون أوفياء لديننا مطيعين لربنا أحراراً في عقيدتنا وسلوكنا فيجب أن نتمسك بأسباب العلم وأن نحرص عليه .
ومن هذا المنطلق يجعل المسلم مأجور على دراسته ولأنه يحدد الهدف للشاب المسلم منذ بدء تفتحه العقلي وبذلك يكون أقدر على العمل من أجل تحقيق هذا الهدف . والكثير من الشباب ليس لهم هدف في الحياة مع استمرار دراستهم !! وإنما تكون الدراسة مفروضة عليهم أمثال هؤلاء يكونون مسيَّرون في علمهم فيكونون بعيدين عن الإبداع ملتصقين بالسير مع الواقع بحكم الاستمرار .

البنت والتعليم

بعض الآباء يرى انه ليس للفتاة أن تتعلم بعد المرحلة الابتدائية وقد كان أبو العلاء المعري سباقاً في هذا الميدان حين ادعى أن تعليم الفتاة ( قل أعوذ برب الناس ) أفضل لها من تعليمها سورة البقرة وحجة هؤلاء أن التعليم مضرة للفتاة يفتح عيونها على أمور قد تكون مبكرة وقد يجرها إلى الفساد وقد يبالغ بعضهم في انعدام الثقة فيرى أن الفتاة إذا تعلمت الكتابة فإن أول شئ تفعله أن تخط رسالة الى حبيبها !!!

والحقيقة أن مهمتنا هنا ليست هي تفنيد حجج هؤلاء وأخطائهم فهذا ميدانه رحب في مؤلفات أخرى وقد كثر الكلام فيه وزادت المؤلفات عن حاجة القراء ولا نريد أن نعيد مكرراً مقولاً وحسبنا من هذا أمر واحد له شقان :

الشق الأول : لنحسن تربية بناتنا ولنحسن مراقبتهن في وجه صور الضلال والانحراف التي تكاد تجرف كل أمر حسن في المجتمع .

الشق الثاني : كيف يمكن أن تتعلم بناتنا إذا لم يكن لهن معلمات وأمهات متعلمات !

وإن كنا نطالب في المراحل السابقة من تعليم أبنائنا بمطالب كثيرة تعطي المردود الأفضل في التعليم والتربية فكيف يمكن أن تتحقق هذه المطالب مع أم جاهلة أو معلمة جاهلة ؟

وإذا كنا نطالب المرأة أن تذهب إلى طبيبة نسائية فمن أين نأتي بهذه الطبيبة إن منعنا الفتاة من التعلم ؟

إننا نستيطع أن نقول وبمل الثقة :

أن البنت كالفتى تماماً إنسان له مشاعر وإدراك وملكات عقلية وأن كان يغلب على المرأة الشعور العاطفي فأنها - وبقليل من التوجيه – قادرة على التحكم بهذا الشعور وأن أكبر الخطأ أن نعطي الثقة للذكر ونمنعها عن الأنثى بل أن أعظم النتائج الطيبة تأتي من ثقة الفتاة بخلقها وسلوكها وحسن تصرفها والتزامها بدينها .

أننا أن احسنا تربية الفتاة وتعليمها وتوجيهها في المرحلتين السابقتين فإن هذه المرحلة ستكون امتداداً طبيعياً لهاتين المرحلتين وبمزيد من الإصرار على حسن التوجيه والتربية والتعليم في الفتاة ستكون صنو الرجل في هذه المرحلة .

وهناك ملاحظة بسيطة هنا : أن الرجال لا يستطيعون أن يكونوا دائماً موجهين لإناث ولو كن بناتهم ، لأن هناك اموراً في الحياة تقف حائلاً بين الرجل والمرأة فيكون عاجزاً عن معالجة بعض القضايا او الأمور بينما تتولى المرأة هذه المعالجة بكل يسر .

هل نطلق يد الفتاة ؟

السؤال يبقى : هل نطلق يد الفتاة في كل أنواع العلوم أم نختار لها ؟

في الواقع ليس هناك مانع شرعي من إطلاق يد الفتاة في كل العلوم شأنها في ذلك شأن الرجل ولكن ليس هناك ما يمنع من الاختيار لها ما هو اصلح لها ففي الحياة كلها فاضل ومفضول .

وقد يتخوف بعضهم من أن الفتاة إذا تعلمت ونالت شهادة الدراسة الثانوية أصبحت تتوق الى دخول الجامعة واغلب الجامعات في العالم العربي قائمة على الاختلاط والجمع بين الذكور والإناث وذلك سبيل للفساد ولا ننكر أن هؤلاء محقون في تخوفهم فالجو العام لهذه الجامعات جو فاسد يرضي الشيطان أكثر مما يرضي الرحمن وريثما تتهيأ الفرصة لإصلاح وضع الجامعات فإنه يجدر بنا أن نعطي توجيهاً مركزاً أكبر للفتاة ورقابة أكثر فنحن كما أسلفنا قد بينا أنه لا بد من ثقة كبيرة بالفتاة ولكن الشيء الذي لا نثق به هو هذا الواقع الفاسد الذي يتحرش بالفتاة ويسعى إلى إفسادها وإفساد خلقها ودينها .

ولنضرب مثالاً :

أنت قد تكون سائقاً ماهراً صاحب خبرة كبيرة ودراية عظيمة في قيادة سيارتك وتمتطي سيارة جديدة جيدة وذلك يعطيك الثقة الكبيرة بنفسك وقيادتك ولكن ، هل تستطع أن تضمن إلا يأتيك جاهل أو طائش أو متهور في قيادته لسيارته فيصدم سيارتك ؟

وكذا الحال : فنحن قد نربي بناتنا تربية جيدة ونرسلهن إلى الجامعات ولكننا لا نستطع أن نتحكم في النظام الجامعي السائد فهي عرضة لمن يسئ إليهن وهذا يدفعنا إلى أن نزيد من توجيه بناتنا وأن نراقبهن مراقبة فعالة وليس في ذلك انتقاصاً من قيمتها فالجوهرة الثمينة هي التي يحرص عليها أصحابها ولقد تعودت النفوس على الأنس بما يستمر وإن أنكرته أولاً وهذا ما حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم فبين أن بني إسرائيل أنكروا على أهل المعصية معصيتهم ثم لم يمنعهم ذلك من أن يكونوا بعدُ ممن آكلها وشاربهم فأنزل الله عقابه على الجميع .

في حياتنا المشاهدة أمثلة على صحة ما نقول فإن أول امرأة سفرت كانت مثار النقد والتجريح ثم توالى السفور حتى بتنا لا نكاد ننكر ذلك ولو رأينا بين بناتنا أو أخواتنا إلا نرى أن الماء من أرق ما خلق الله وأن الصخر من أقسى ما خلق ومع ذلك فإن تركنا صنبور الماء ينقط نقطة فإن هذه النقطة على ضعفها يمكن أن تحفر الصخر !!

مرحلة المراهقة : التربية التعليمية .
إشراق 55
إشراق 55
التوازن مطلوب

التوازن في المال :

أن من الأمور الاجتماعية التي يجب أن يوليها الأبوان حقها من الرعاية ما يعطي الولد من المال فقد يسوق الحنان والعطف والحب أحد الأبوين إلى إغداق المال على أبنائه دون حساب أو تقدير فيتعود الابن على الأنفاق والبذخ والإسراف فإذا ما قصر الأب بعد ذلك على ولده أحس بالفارق الكبير ومن ألف شيئاً صعب عليه تركه ومن تعود أمرا حكمته العادة وقد تجر العادة على الإنفاق وقد شعر الأبن بالنقص والتقصير عليه إلى السرقة من ما لأبيه والبنت إلى السرقة من مال أمها أو أبيها وقد تبدأ السرقة بمبلغ صغير ثم يتسع الخرق على الرقع فلا يمكن تدارك الأمور أو الخروج من المأزق فيكون حنان الأبوين سبيلاً لضلال الأولاد وانحرافهم وخروجهم عن السبيل القويمة .

وقد يظن بعض الآباء أن في التقتير على الأولاد نفعاً لهم ورعاية لتربيتهم فترى الولد محروقاً تتشوف نفسه إلى ما يراه بيد إخوانه وأصحابه وهو لا يستطيع أن يجاريهم ولا أن يسير بسيرهم وقد يبعث ذلك في نفسه الشعور بالنقص فتراه كسيراً ضعيفاً ذليلاً وقد يجره أيضاً إلى السرقة فيكون الأمر وبالاً . وما اعظم توجيه الله عز وجل حين يقول : ( وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا ).

لقد بنى الإسلام الشخصية الإسلامية على التوازن فلا تطغى ناحية على أخرى والنصوص الإسلامية التي تبين منهج الوسطية كثيرة .

التوازن في حدود الخروج والدخول :

من فكرة الإفراط والتفريط ينبع سلوك يحتاج الى العناية من الآباء وهو لبث الأبناء خارج البيت فقد يعمد بعض الآباء أو الأمهات إلى منع أولادهم من الخروج من البيت إلا لضرورة ملحة فإذا جاء المساء منع الأبناء الذكور من الخروج خوفاً عليهم كما أن بعض الآباء أو الأمهات يتركون أبناءهم خارج البيت حتى يكاد الليل ينتصف دون أن يفكروا أين كان هؤلاء الأبناء ؟ ومع من؟ وماذا صنعوا ( أو : صنعن ) ؟

وكلا الحالتين خطأ فالوالد في هذه السن الحرجة يحتاج الى المراقبة كما ذكرنا لذلك لا يصح أن يترك الأبناء خارج البيت دون رعاية بل يجب أن يعلم الآباء أو الأمهات إلى أين يذهب أبناؤهم وبناتهن ومن الفضل أن يكون الأمر تحت إشراف الأبوين أو أحدهما أو بمشاركتهم وحبذا لو أن الأب حرص على اصطحاب ولده معه بعد المغرب إلى المسجد للصلاة أو حضور حلقة للعلم أو الدرس وكذا الأمر لو اصطحبت الأم ابنتها معها فوطدت صلتها الاجتماعية بأهلها وعلمتها حسن السلوك مع الآخرين ونبتها على الأخطاء التي قد تقع فيها أو تقع فيها الأخريات ولا بد أن نشير هنا إلى أن الأبناء الذكور يصابون أحياناً بنوع من الخوف فلا يتجرءون على الخروج من البيت في الظلام وهذه الحالة مرضية زرعت في الأبناء في الصغر كما أشرنا سابقاً وتحتاج إلى علاج ويكون ذلك بأن يخرج الأب بصحبة ابنه في جوف الليل متجولاً مبيناً لابنه أنه لا يوجد ما يخيف وأن كل ما يظنه إنما هو أوهام وتخيلات ثم يطلب منه بعد ذلك أن يخرج وحيداً كأن يطلب منه الذهاب إلى بيت عمه أو خاله لإحضار حاجة وإيصال خبر أو ما شابه ذلك وذلك من أجل تشجيع الولد ونزع الخوف من نفسه .

السباحة والرماية

من المفيد أن نعلم أبنائنا السباحة والرماية على أنواع الأسلحة الفردية فإننا أمة مجاهدة محاصرة من أعدائها من كل جانب وقد زرع في قلبها عدو خطير لا تنتهي طموحاته إلا بالاستيلاء على الأرض والقضاء على السكان واستثمار خيرات البلاد ويجب أن يكون أبناؤنا ذوي أجساد قوية قادرة على تحمل أعباء الجهاد والدفاع عن النفس والأهل والعرض والمال والأرض .

ولقد أثبتت التجارب أنه مهما تطورت الأسلحة الحديثة فإن الحرب تبقى معتمدة اعتماداً رئيسياً على الإنسان المقاتل فالجندي هو دعامة الجيش والحرب .

لقد كانت النظرة إلى عهد تقوم على أن الرياضة أمر كمالي وليس ضرورياً وأن الإنسان الجاد هو الذي يلتفت إلى شؤونه الخاصة معرضاً عن إضاعة وقته في ألعاب كان ينظر إليها على أنها لهو وتسلية .

ولكن هذه النظرة تطورت و أصبحت شيئاً آخر فقد استقر في النفوس أن الرياضة سبيل الجسم وتنشيط الجسم والدماغ ووسيلة للتعاون و التنسيق بين عناصر يجمعها هدف واحد لذلك زادت العناية بالرياضة وفنونها .

ولا يخفى أن اهتمام أبنائنا بالرياضة وانشغالهم بها مما يقوي الابن ويقربه من صفة الرجل المسلم القوي والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ) .

ومن المعروف أن الانتساب إلى أحد الأندية الرياضية ينمي الحس الاجتماعي لدى الشاب . ويجعله مستعدا للتعاون مع الآخرين والارتباط بالأنظمة والقوانين منضبطاً في سلوكه وتصرفه فضلاً عن الانتظام في مواعيد التدريب والتمرين تحت أشراف مباشر من مدربي النادي فيجعل ذلك الغاية أقرب والأمور أكثر إيجابية .

لكن لابد من التنبيه هنا الى أمر له خطورته فإن الرياضة وتمارينها هي كالملح فإذا نقص أو زاد أفسد الطعام .

فأننا أحياناً نرى بعض الشباب مبالغين في الانغماس بالرياضة وتمريناتها حتى تسيطر على كل ذرة من سلوكياتهم وتدفعهم إلى إهمال شؤونهم الخاصة وشؤون أهليهم فتضعف دراستهم من أجل الرياضة ويقل اهتمامهم بتلبية حاجات أسرهم لانشغالهم بتمرينات الرياضة ومبارياتها . ومن الحق أن نقول : إن المبالغة في الاهتمام بالرياضة ومباراتها قد اصبح بلاء وكارثة في بعض البلاد العربية والإسلامية فترى دولة من الدول الفقيرة أو تعاني نقصاً خطيراً من الخدمات العامة كالكهرباء أو الماء أو العناية الصحية أو التربوية أو الدراسية ومع ذلك فهي لا تبخل على الرياضة ومنتدياتها وملاعبها ومبارياتها ومهرجاناتها الخ .. تنفق عليها بسخاء أن لم نقل بإسراف ناسية الواجبات الأساسية نحو شعبها ونحن لا نريد أن نتحرى الأسباب الداعية فليس هذا البحث مخصص لذلك وإنما هي ملاحظة تهمنا في تربية أبنائنا .

أن سمة من سمات الشخصية الإسلامية هي الوسطية والتوازن فأين نحن من هذا ؟؟

انتبه :

عليك باختيار النادي المضمون الجيد الذي يتصف بحسن أخلاق القائمين عليه والمشاركين فيه لا أن يطلق الأب يد ولده في أي ناد .

درب ابنك الى جانب الرياضة على العمل والكسب .

لا للقسوة

لقد جرت عادة كثير من الآباء أن يعاملوا أبناءهم بقسوة وغلظة عامدين إلى الضرب باليد أو العصا ظانين أن هذه هي الطريقة المثلى في تربية الورد ونحن نمنع الضرب مطلقاً فذاك أمر قد يضطر إليه الأبوان في تربية البناء ولكن أن نجعل ذلك ديدناً لنا فلا يكاد الولد يتحرك يمنة أو يسرة حتى تكون الصفعة على خده أو العصا على جنبه فذاك أمر ضار ويعطي نتائج عكسية سيئة .

إن الضرب الشديد أو المبرح أو الدائم يحطم شخصية الولد فيجعله خائفاً أو مرعوباً أو مهزوزاً الشخصية أو أنه يدفعه إلى اللامبالاة حيث قد تعود على الضرب فلم يعد يخافه أو يخشاه .

إن الأبوين يستطيعان عن طريق التهديد مرة والترغيب مرة أخرى والترهيب ثالثة : أن يصلا إلى ما يريدان من تقديم ما اعوج من سلوك أبنائهما ولكن الضرب في هذه المرحلة يكون أمراً خطيراً جداً لأن شخصية الولد ذكراً كان أو أنثى قد تكونت إلى حد بعيد وبدأت دعامات معالمهما علماً بأن الشاب أو الفتاة في هذا السن يرى انفسمها أجمل وأفهم وأكثر الناس حكمة وإصابة وكثيراً ما يصاب أحدهما بتصلب الرأي والاعتداد بالشخصية حتى يبدو عسيراً جداً إقناعه بخلاف رأيه أو خطأ فكرة .

وفي مثل هذه المرحلة الحرجة الدقيقة من حياة الشاب أو الشابة يصبح الضرب خطيراً أو قد يدفع ذلك إلى نشوز الولد أو فجوره في وجه والدية أو خروجه من المألوف في السلوك وقد يعمد الشاب أو الشابة إلى هجر البيت والخروج عنه ويصبح متشرداً فتصبح القضية أشد تعقيداً ولا سيما ونحن في مجتمع قد تفككت فيه الأواصر وتحول كثير من أعضائه إلى ذئاب مفترسة كاسرة .

ويصبح الأمر أشد خطورة إذا نشر الفتى أو الفتاة فتلقفتهما يد مديري الجريمة أو السرقة أو الانحراف أو الدعارة فالخسارة لا توازيها خسارة على الإطلاق .

ما العمل ؟؟

إن الولد في هذه الفترة من الحياة يجب أن يعامل برقة كبيرة وباحتراز شديد حيث يكون في مرتبة بين مرتبتي الأخ والابن فمرة نعطيه من العطف والحنان ما يعطي الابن ويحتاج ومرة نعامله معاملة الصديق والأخ محترمين شخصيته وآراءه وأفكاره .وفيما يتعلق بالضرب فإن الولد في هذه الفترة قد ينمو عنده حب التسلط فترى الشاب يعمد إلى توجيه أخوته وفرض آرائه عليهم وقد تمتد يده إليهم فيضربهم وكذا نرى البنت قد تضرب أخوتها الصغار وذلك أمر ليس حسناً لأنه يفسد العلاقة بين الاخوة ويبث العداوة والكراهية ، وتثير الشحناء في البيت والتخاصم . ويبدو الأمر اخطر حين يتهرب أحد الوالدين من المسؤولية فيوكل الابن بالسلطة الممنوحة له وقد يفسرها تفسيراً خاطئاً وتكون تصرفاته نابعة من ثقة يحسها في نفسه لكن التطبيق يأتي خاطئاً في كثير من الأمور.

مرحلة المراهقة : التربية الاجتماعية .
إشراق 55
إشراق 55
( مرحلة الشباب )
تبدأ من سن الثامنة عشرة وهي مرحلة يكون الولد فيها قد بلغ مرحلة كافية من النضج والوعي مما يجعل هذه المرحلة أقرب إلى إسداء النصائح والتوجيه منها إلى التربية الكاملة الشديدة الالتصاق بالولد .
وطريقة النصح هنا هي أفضل طريقة في التعامل مع الولد لأنها تقوم على منهجية عدم الاحتكاك المباشر المضاد مع الولد على عكس ما كانت عليه الأمور في المراحل الثلاث السابقة فهناك كان التوجيه مباشرا من الأبوين نحو الأولاد أما هنا فيمكن أن نكون مرة في مرحلة التوجيه وأخرى في مرحلة الإشارة وثالثة في مرحلة لفت النظر ورابعة في مرحلة بعث نقاش وثالثة في ما نريد فالطرائق هنا متعددة وأن توحد الغرض .

وتم تقسيم المراحل السابقة إلى تربيتين:

أولا : التربية التعليمية

ثانيا : التربية الاجتماعية
إشراق 55
إشراق 55
التربية > التربية الإسلامية للأبناء > كيف يربي المسلم ولده > مرحلة الشباب
التربية التعليمية

أول بذرة تنمو مع الزمن

أن من الفوائد العظيمة التي يجنيها أبناؤنا حين يكون لكل واحد منهم مكتبته الخاصة فهي تبعث الثقة في نفوسهم وتجعلهم يشعرون بتكامل شخصياتهم وأن لهم شيئاً خاصاً بهم . ويصبح الأمر أكثر سهولة فيما إذا كان الأب يمتلك مكتبة خاصة به في البيت فإن ذلك يعد من أكبر الحوافز لسير الأولاد في طريق تأسيس مكتبات خاصة بهم . ويجدر بالأب أن يدفع أولاده ذكوراً وإناث إلى التعرف على مكتبته وذلك بأن يطلب منهم أن يستخرجوا له كتاباً من المكتبة أو أن يجدوا له بحثاً أو فصلاً في أحد هذه الكتب وإذا طلب منهم كاتبه بحث من البحوث كما أسلفنا سابقاً فإنه من المستحسن أن يذكر لهم أسماء الكتب والمراجع التي يمكن أن يجدوها في مكتبته والتي تساعدهم في كمال عملهم .

ولا نبالغ أن قلنا : أن فكرة إنشاء مكتبة خاصة للولد وتعرفه على مكتبة أبيه هي أول خطوة في السير نحو طريق الشخصية الأدبية التي يمكن أن يولد منها أدباء أو شعراء عظام ذلك أن حب الكتاب والتعلق به يولد في النفس صلة مودة وعلاقة ألفة بينه وبين البناء .

الثقافة

للثقافة وجوهاً مختلفة ولا تكتمل صورتها إلا بالإحاطة بهذه الوجوه ومن وجوه الثقافة الاطلاع على أحوال المسلمين المعاصرة ومعرفة الظواهر الإيجابية والسلبية فيها ، فالعالم الإسلامي وإن تباعدت أقطاره وتوزعت ممالكه – يجمعه فكر واحد وسلوك متشابه قد يختلف قليلاً ولكنه إجمالاً واحد الصفات والمعالم والشيء الذي لا يمكن تجاهله :

أن ظروف العالم الإسلامي واحدة وأن تباينت بعض الشيء فقد حكم هذا العالم تيار واحد متجانس من العلم والمعرفة لم تفضل بينه حدود ولا قواطع .

ومن المؤسف أن نقول : إن الظواهر الإيجابية الموحدة بين أجزاء العالم الإسلامي ليست متفردة بل يشاركها في ذلك الظواهر السلبية فالجهل والخرافات والأساطير والقذارة والبعد عن روح الإسلام الاجتماعية متفشية في كل أنحاء العالم الإسلامي ونراها مركزة في موسم الحج حيث يفد المسلمون من بلادهم حاملين معهم هذه الظواهر السلبية لتعطيك صورة قاتمة عن الواقع الإسلامي .

ولكن معرفة هذه الظواهر في نظرنا أمر جوهري يساعد في تغيير هذه الظواهر وبناء مجتمع إسلامي سليم لذا كان من المفيد أن نبصر أبناءنا بهذه الظواهر السلبية دون خوف من هذه المظاهر بل يجب أن تكون المعرفة مع روح التحدي والتصدي لهذه الظواهر والتصميم على تغيير هذه الظواهر فإنه لا يضيرنا أن نعرف أمراضاً اجتماعية كسبناها على مدى بضعة قرون تأتت من سيطرة للجهل وإنما الذي يضرنا أن لا نعرف هذه الأمراض وألا نسعى للدواء الذي يعالجها ويقضي عليها .

ولنضرب على ما مضى مثالاً عملياً فقد انتشرت في العصر الحديث الأبنية ذات الطبقات المتعددة حيث يكثر السكان وتتعقد الصلات الاجتماعية بينهم وكثيراً ما نسمع بعض سكان هذه الطبقات يشكون من سوء معاملة جيرانهم وهناك أمور تتكرر كل يوم من الأمور السلبية كإلقاء بعض القاذورات أو القمامة أو المحارم الورقية من الشرفات أو نشر الغسيل على أطراف البناء والماء يسيل منه فيقع على من يمر في أسفل البناء فماذا على الوالد لو استغل بعض هذه المظاهر السلبية التي يراها وولده فطلب من ولده أن يحصى النصوص التي وردت في الإسلام والتي تحض على العناية بالجار وعدم إيذائه ثم طلب منه بعد أن ينجز ذلك أن يعمد إلى شرحها واستنتاج بعض الأحكام منها .

وهكذا فإننا إذا وجهنا أبناءنا شيئاً فشيئاً إلى النواحي السلبية الكثيرة في المجتمع فإن أبناءنا سيتنبهون إلى الأخطاء الاجتماعية .

ثم أنهم حين يوجهون إلى استخراج النصوص التي يعالج الإسلام بها هذه الأخطاء فإننا نزيد من معلوماتهم العلمية الاجتماعية العملية بشكل مباشر وفعال وشديد الالتصاق بالواقع الاجتماعي بما فيه واقع البيت والمدرسة والشارع ثم أننا حين نطلب من أبنائنا أن يشرحوا هذه النصوص ملاحظين علاقتها بالواقع مع استنتاج الأحكام الممكن استنتاجها فإننا ننمي فيهم القدرة على الكتابة والمحاكمة والاستنتاج ومن يدري فربما كنا نصنع مؤلفاً أو أديباً أو عالماً دون أن ندري ؟

السنة والحديث الشريف

ومن الأمور الملتصقة بكتب التفسير كتب الحديث والفقه والسيرة فإن الإسلام بناء كامل قد وضعت فيه كل لبنة في مكانها تؤدي دورها في هذا البناء وإن غياب أي لبنة يشكل فراغاً في البناء ونقصاً .

وليس ممكناً أن نعرف كتب التفسير دون أن تكون لنا صلة مباشرة بكتب الحديث والفقه لأن هذه الكتب تعلب دوراً فعالاً في تفسير القرآن الكريم ورسم الصورة العملية الفاعلة في حياة الابن .

ونحن لا ننكر أن كثيراً من الآباء تضيق أوقاتهم أو تضعف إمكانياتهم عن تقديم المعلومات اللازمة لأولادهم والمتعلقة بكتب الحديث والفقه والقضية ليست مشكلة مستعصية الحل فإن التعاون الذي يمكن أن يقوم بين أفراد المجتمع يمكن أن يقدم الحل الفعال وذلك عن طريق إقامة المدارس الفقهية الأهلية وحلقات العلم في المنازل والمساجد وعلى المسلمين العاملين تقع مسؤولية كبيرة هنا .

وما أجمل أن نوجه أبناءنا لقراءة ( صحيحي ) البخاري ومسلم والمراجعة في كتب الحديث الموثقة كـ ( سنن أبي داود ) و ( الترمذي ) و( موطأ مالك ) و ( سنن النسائي ) و ( مسند الإمام أحمد ) .

وربما كان توجيه الابن للبدء في قراءة مقررة في كتاب ( رياض ) في المراحل السابقة من مراحل التربية التي أسلفنا الحديث فيها عاملاً محرضاً للابن كي ينطلق نحو كتب الحديث وكتب الفقه وهذا الأمر إتمام للمراحل السابقة حتى تتم السلسة وتتصل حلقاتها .

الكتب الإسلامية

دائرة العلم والمعرفة واسعة لها أوتار متعددة وأن كان الاطلاع على أحوال المسلمين أحد أوتارها فإن تلخيص بعض الكتب الإسلامية وتر آخر من أوتار هذه الدائرة فالعلم والمعرفة متشعبان واسعان كثيراً الجوانب والفروع ولا يصح لنا أن نحجز عن أبنائنا أي طرف من أطراف العلم والمعرفة يمكن أن يفيدهم .

والمكتبة الإسلامية بفضل الله تزخر بآلاف الكتب المفيدة التي تبحث في الإسلام لذا كان من الجدير بنا أن نطلب من أبنائنا قراءة بعض الكتب الإسلامية الجيدة التي نكون قد قرأناها نحن وعرفنا ما فيها ونحضهم على تلخيصها وبيان الأفكار الرئيسية فيها وكيف يمكن أن نستفيد من هذه الأفكار في مجتمعاتنا الإسلامية ؟

وإذا كانت قراءة الكتب الإسلامية تشكل جانباً إيجابياً في الفكر الإسلامي فإن قراءة الكتب المعادية لإسلام قد تشكل جانباً سلبياً لما تتركه من شكوك واشكالات لمن كان ضعيف الثقافة الإسلامية وقد طرحنا فيما سبق جانباً من هذا الموضوع ولنا هنا إتمام له :

ففي هذه المرحلة التعليمية وأبناؤنا قد أزداد نضجهم الفكري والتعقلي وزادت حصيلتهم العلمية أصبحوا أكثر قدرة على التحليل والمناقشة واستخراج الأفكار ونقدها وبيان الصحيح من الغلط فيها ولكن هذه القدرة تظل محدودة إلى حد ليس بقليل وأن كانت سائرة في طريف النماء والتوسع والزيادة .

ونحن نريد لهذه القدرة أن تنمو وتنضج ونريد للمعرفة أن تكبر ونريد لبنائنا إلا ينخدعوا بالفلسفات والأفكار المنحرفة أو الهدامة وإذا لم نعرف المرض فإننا قد نقع فيه دون أن ندري وكم من شاب من شبابنا ضل وانحرف وتلقفته الأحزاب المنحرفة أو المشبوهة أو قامت في نفسه أو فكره فلسفات خطرة هدامة لأن هذا الشاب سقط في حمأة الكتب المنحرفة وحيداً دون أن يكون له من منبه أو معين وغرق فيها شيئاً فشيئاً مع انعدام قدرة السباحة فإذا هو يكاد يهلك .

يجب أن نقوم بتوجيه أبنائنا إلى قراءة الكتب الإسلامية التي عنيت بعرض هذه الأفكار والفلسفات ونقدها نقداً موضوعياً علمياً دون تحريف أو تحامل فإذا أحسسنا من أبنائنا قدرة على الاستيعاب والفهم والنقد وبيان الخطأ طالبناهم أن يقرؤوا بعض هذه الكتب وأن يردوا عليها ويبينوا أخطارها ولم نتركهم لأنفسهم بعد انتهائهم بل لا بد من مناقشتهم فيما فعلوا حتى نكون واثقين أن شيئاً من الفكر المنحرف لم يتسرب إلى نفوسهم .

ويجب أن نوجه أبناءنا لقراءة المجلات والجرائد المفيدة والابتعاد عن المجلات الفنية الرخيصة والخليعة واللاأخلاقية التي يسمونها المجلات الفنية أو الفكرية المنحرفة التي تخدم تيارات مشبوهة وسيئة .

عندما تختلط العقل بالعاطفة

إن الحماس الذي يبتدئ لدى الأبناء في هذه الفترة حيث يختلط العقل بالعاطفة والمشاعر الجياشة بالرغبة في امتلاك العلم والمعرفة يجب إلا يذهب هباء بل يجب أن يستغل إلى أبعد حدود الاستغلال وذلك ببناء القاعدة الفكرية والعلمية لأبنائنا حتى إذا بدأت سورة العاطفة تهدأ يكون البناء الفكري قد استقر داخل العقول والنفوس متصدياً لجميع عواصف الشكوك والريب التي يمكن أن تطرحها الاتجاهات المنحرفة والأفكار الغربية الدخيلة .

لذا فمن الضروري أن نوجه أبناءنا نحو حلق العلم والدرس والذكر يعبون منها وينهلون من معينها . ومن المعلوم أن الابن إذا تعود في هذه الفترة غشيان حلق العلم متابعاً سيرته التي بدأها في المرحلة السابقة من مراحل العمر فإن ذلك يعطيه دفعاً في المستقبل أن يتابع مسيرته العلمية وربما يجعل الله منه في قادم الأيام عالماً أو باحثاً أو فقيهاً يمكن أن ينفع نفسه وأمته .

وفي الحقيقة فإنه لا يحق لنا أن نستعين في هذه المرحلة هي من أعظم مراحل الحياة بالنسبة لأبنائنا وحسبما تصطبغ هذه الفترة يكون مستقبل الابن الحياتي والسلوكي .

ومما ينبع من فروع البناء التعليمي والفكري أن يكلف الأبوان أولادهم من ذكور وإناث قراءة الكتب الإسلامية التي تساعد في البناء الفكري والعقلي ولا سيما ما كان من كتب حديثة ذلك أن الكتب الحديثة تمتاز عن الكتب القديمة في أنها أقرب إلى أذهان الشباب وأقدر على الشرح والبيان والتفصيل وأشد صلة بالنفوس وأكثر مرونة في الإقناع والتوضيح فمن الملاحظ أن أكثر الكتب القديمة تتسم بالهدوء والعقلانية والبعد عن تحريك المشاعر العاطفية ولا يخفى أن تعميمنا هذا ليس مطرداً فقد حاولت بعض الكتب تحريك القلوب ولا سيما ما كان منها في نطاق الوعظ والإرشاد ككتب الحارث المحاسبي وأبي الفرج أبن الجوزي وابن قيم الجوزية أما الكتب المؤلفة اليوم فهي في نظرنا أكثر قدرة في الوصول الى القلوب وإثارة العواطف مع تقديم زاد واف من الفكر والعلم .

وإذا أردنا لأولادنا كمالاً في الشخصية الثقافية والزاد الفكري فإنه يجب أن نمرنهم على الكتابة وذلك بتكليف أبنائنا بكتابة موضوعات إسلامية مختلفة وهذا الأمر يأتي بشكل أفضل وأحسن إذا استطاع الأبناء أن يهيئوا متكاتفين فينا بينهم حلقات للدراسة يشرف أحدهم عليها أو يشرف عليها أحد الإساتذه الموجهين

مرحلة الشباب : التربية التعليمية .